ضمن حراك مكوكي، لا تخفي الهند أن واحد من الأسباب الرئيسية ورائه، عزمها مواجهة نفوذ أكبر منافسيها الآسيويين المتمثل بالصين، ففي زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، قبل نحو ثلاثة أسابيع إلى الولايات المتحدة الأميركية، عبر الجانبان عن استعدادها بشكل مباشر للوقوف بوجه تهديدات بكين المتنامية، والتي يطال جزءا كبيرا منها الهند التي باتت تمثل كابوسا للصين، بوصفها قوة صناعية وتكنولوجية صاعدة، علاوة تقدمها قائمة الدول الأعلى سكانا في العالم، وهي المكانة التي طالما عملت بكين على الحفاظ عليها.

على هذا النحو كما يبدو؛ أجرى مودي الخميس الماضي زيارة -استمرت يومين- إلى باريس، وذلك في إطار تعزيز العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، الأمر الذي أشر وجود رغبة هندية بتمتين أواصرها مع الجانب الأوروبي، بخاصة وأن هناك التقاء مواقف في العديد من الملفات الدولية بين الطرفين، بما فيها مساعي مواجهة تهديدات الصين للسلم والأمن العالميين، ذلك بالإضافة إلى مسعى الهند تعزيز حضورها كلاعب أساس في المشهد الدولي، لاسيما في ظل ما تواجهه من تهديدات صينية متصاعدة تصفها بالخطرة على أمنها القومي.

التوجه الهندي نحو الغرب متمثلا بالولايات المتحدة الأميركية وحلفائها إلى جانب القارة الأوروبية، تغذيه غطرسة الصين بشكل أساس، فالخلاف بين أكبر دولتين في القارة الآسيوية، والقوتين النوويتين، يدور حول حدود متنازع عليها في منطقة الهيمالايا بطول 3380 كيلومترا، ويفصل قوات البلدين على هذه الحدود اليوم ما يعرف بـ “خط السيطرة الفعلية” وهو خط ترسيم غير رسمي وغير معترف به دوليا.

بكين وباريس في سياق مواجهة الصين

بشكل أساس، يدور الحديث خصوصا، حول منطقتين حدوديتين متنازع حولهما، هما أولا “أكساي شين”، التي تسيطر حاليا عليها الصين، كجزء من إقليم شيجيانغ ومن التيبت، وتطالب بها الهند كجزء من إقليم لاداخ، أما المنطقة الثانية، فهي ما تسميه الهند اليوم “أرانوشال براديش” وهي ولاية هندية في الشمال الشرقي من الهند ولها حدود مع بوتان وميانمار والحدود المتنازع عليها في التيبت مع الصين، وتسيطر عليها الهند.

الخلاف يعود إلى عام 1962 عندما أشعل أول حرب عسكرية بين الجانبين، قبل أن يتجدد في عام 2020 عبر مواجهات محدودة تسببت بمقتل 20 جنديا هنديا و4 صينيين، ومنذ ذلك الحين تواصل الصين عسكرة الحدود المتنازع عليها بشكل غير مسبوق، حيث عمدت بكين إلى تطوير البنية التحتية اللازمة لتثبيت وجودها في المنطقة، ليس فقط على الصعيد العسكري، بل الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، بحيث إنها تعلن بين كل فترة وأخرى مثلا عن تسمية مناطق وأنهار وجبال بأسماء جديدة.

في مقابل ذلك، تواجه الهند التعنت الصيني، بالانفتاح على أطراف عدة حيث تستمر في تمتين علاقاتها مع دول العالم، إلى جانب حرصها على تطوير قدراتها الاقتصادية والعسكرية، فعلا سبيل المثال، أعلنت الهند التي طلب رئيس وزرائها خلال زيارته إلى باريس -شراء 36 مقاتلة رافال لسلاحها الجوي-، موافقتها المبدئية على شراء 26 مقاتلة رافال أخرى بحرية وثلاث غواصات من طراز “سكوربين”، بالإضافة إلى ثلاث غواصات ستبنيها شركة “مازغون دوك” قرب مومباي، ما سيوفر فرص عمل كبيرة في القطاع المحلي.

تعليقا على ذلك، يقول الخبير الاستراتيجي علي الذهب، إن الموضع لا يتعلق بالصين والهند، فقط فهو يكاد يكون أوسع من ذلك بكثير، حيث تمتلك فرنسا مصالح في المحيط الهندي، وأن المحيط الهندي تاريخيا يمثل بعدا جيوسياسيا بالنسبة للهند، وأنه يتعلق بالأمن القومي الهندي بمختلف أشكاله، في حين تحاول الصين الانفتاح على منطقة غرب آسيا والسيطرة على بحر الصين، وكذلك توسعة نفوذها غربي المحيط الهندي، وهو ما تسعى الهند إلى جانب فرنسا على اعتبارهما يتقاسمان المصلحة، في منعه.

تايوان وعلاقاتها بصراع الهند والصين

لذلك، بحسب الذهب، تتحسس نيودلهي من انفتاح بكين على غرب المحيط الهندي ووصولها إلى الموانئ الباكستانية، مشيرا إلى أن الصراع الحدود بين الهند والصين لا يمثل في الوقت الحالي السبب الرئيسي الذي يثير حساسية الطرفين، بخاصة وأن الصين تركز في مساحات أخرى، لذلك تتحفظ الهند على ذلك، وتحاول الوقف أمامه.

الرئيس الفرنسي يستقبل رئيس الوزراء الهندي/ إنترنت + وكالات

الخبير الاستراتيجي، لفت إلى أن الخشية الهندية تتعلق بشكل مباشر بمبادرة “الحزام والطريق” التي تطلقها الصين، وأيضا من طموح بكين الاستحواذ على تايوان بطريقة عنيفة أو بأي شكل آخر، ذلك لأن بكين طموحاتها أكبر حيث تسعى لفرض نفوذها في كل جغرافية منطقة بحر الصين.

الذهب أوضح، أن الصين في الوقت الحالي تركز بشكل كبير على كسب محيطها الجغرافي من الدول، أملا في دعم قضيتها الكبرى وهو تحقيق ما تسميه مبدأ صين واحدة وهو ما يعني ضم تايوان الى جغرافيتها السياسية، وهو ما يبدو أن الهند تعارضه، وترى فيه بكين أن للهند يمكن أن يكون تأثيرا سلبيا، بخاصة وأن نيودلهي تمتلك علاقات واسعة مع الولايات المتحدة الأميركية.

فيما أشار إلى أن، الهند في الوقت الحالي بنظر الصين إذا ما حاولت ضم تايوان، يمكن أن تمثل نقطة ضعف لها في عملية الاستحواذ على تايوان، حيث يمكن أن تؤثر في هذا المسار بوصفها واحد من أكبر المنافسين لها في المنطقة. وعلى هذا الأساس، نجحت فرنسا في نسج علاقة مميزة مع الهند التي تشكل قوة أساسية؛ فهي أكبر بلد لناحية عدد السكان وعملاق اقتصادي يتسبب بانبعاثات كثيرة لغازات الدفيئة.

نظرة في التدافع الصيني الهندي

إلى ذلك وبالرغم من أن الصين تعد ثاني أكبر شريك تجاري للهند، رغم العلاقات المتوترة، إلا أن نيودلهي تسعى منذ فترة إلى تقييد الأعمال والاستثمارات الصينية داخل الهند، وتوسيع وتنويع شراكاتها، لا سيما مع أوروبا والولايات المتحدة، مع فرض إجراءات مشدّدة على حصول رجال الأعمال الصينيين على تأشيرات دخول للهند. وأكد وانغ السبت، أن بلاده “قلقة للغاية بشأن الإجراءات التقييدية التي اتخذتها الهند أخيراً ضد الشركات الصينية”، وحثّ نيودلهي على توفير “بيئة أعمال عادلة وشفافة ولا تنطوي على تمييز”.

جبال الهيمالايا/ إنترنت + وكالات

الخلافات بين الهند والصين، يأخذ أشكالا متعددة، منها مثلا الصناعة لتطوير أساطيل تجوب بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادي والمحيط الهندي، كما أن هناك صراعا تكنولوجيا لتطوير المجال العسكري والاتصالات، حيث تتنافس الدولتين في صناعة الأقمار الصناعية وفي الصناعات العسكرية.

إلى جانب ذلك، فإن من أسباب الصراع الأساسية أيضا، طبيعة علاقات البلدين، فالصين تنظر إلى الهند على أنها تهديدا لأمنها القومي، لما تمتلكه الهند من علاقات قوية مع الغرب، في حين يكمن الخلاف الهندي في علاقات الصين مع باكستان إذ تعتبرها أكبر خطر عليها، في حين يراهن الغرب على العند في أن تكون قوة مكافئة في جنوب آسيا تحد من تطلع الصين وصعودها. كما تتخوف الصين أن تقوم الولايات المتحدة بمحاصرتها من خلال تحالف بين الهند وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية.

بناء على ذلك، فإن الخلافات بين أكبر دولتين في القارة الأسيوية لا ينحصر في نقطة واحدة، بل يشمل مخاوف واسعة، وهي مخاوف غالبا ما تثيرها بكين نتيجة سياساتها الخارجية التي تعتقد أنها التي ستنتهي بها إلى أن تكون قطبا عالميا بحد ذاتها، وهو ما يحمله من مخاطر كبيرة لمستقبل الهند التي لا تخفي عزمها بالوقوف في وجه ذلك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات