الرّد الإسرائيلي أو ردّ “حزب الله” اللبناني خلال الساعات القادمة هو الذي سيحدد شكل المنطقة في المرحلة المقبلة، لا سيما مع انخفاضٍ ملحوظ في الغارات الجوية الإسرائيلية على مناطق الجنوب اللبناني، ومحاولة القوات الخاصة الإسرائيلية التسلل إلى بعض جبهات ميليشيات “حزب الله”، إذ يبدو فعليا أن المرحلة الثالثة من المعركة من كلا الجانبين قد بدأت بالفعل.
على مدى الخمسة أشهر الفائتة، يشعر اللبنانيون أنهم سائرون نحو المجهول وهم يشاهدون يومياً تصاعد حدّة المواجهات العسكرية بين إسرائيل و”حزب الله”، ويبدو أن الحلول الدبلوماسية التي كان يُعوّل عليها بدأت تضيق نتيجة ربط “الحزب” جبهة لبنان بحرب غزة التي تلوح في الأفق بشائر التوصّل إلى هدنة مؤقتة فيها.
أما إسرائيل فأعلنت صراحة بأن هدنة غزة لن تنسحب على لبنان، وهذا مؤشّر خطير يعني أن خيار الحرب بات شبه محسوم في ظل استمرار “حزب الله” بالمجازفة في استقرار لبنان وهروبه من تنفيذ القرارات الدولية خدمة للمشروع الإيراني، فهل بإمكان “الحزب” المهيمن على القرار الاستراتيجي للدولة اللبنانية أن يُجنّب لبنان الحرب؟
تصلّب ومكابرة
لا شك في أن المساعي الدبلوماسية باتجاه لبنان لم تتوقّف حتى اليوم، وهي مزدوجة: أميركية وفرنسية، ومقاربتهما متشابهتان إلى حدّ كبير، ولو حافظ كل منهما على بعض التمايز في الأسلوب، إلا أن هدفهما واحد: تجنيب لبنان الحرب المدمّرة، ويقترحان أولاً تنفيذ القرار “1701”، ثانياً نشر الجيش اللبناني و”اليونيفيل” بقوة في الجنوب، ثالثاً وقف الانتهاك الإسرائيلي للأجواء اللبنانية.
أمّا آخر الوساطات فكانت فرنسية، وقد بدأت مع زيارة وزير الخارجية الفرنسية ستيفان سيجورنيه إلى إسرائيل وسماعه كلاماً إسرائيلياً صريحاً بأن حكومة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، تريد تطبيقاً سريعاً للقرار “1701” وتراجع “حزب الله” نحو نهر الليطاني أو على الأقل 10 كيلومترات من الحدود مع إنشاء منطقة عازلة ينتشر فيها الجيش اللبناني و”اليونيفيل”، وإلا ستبدأ بتوسيع الحرب، وربما تنفيذ عملية برّية لإرجاع “الحزب” بالقوة.
تفاعلت الوساطة الفرنسية وتقدّمت أكثر، لكن معلومات خاصة توافرت لموقع “الحل نت” تشير إلى أن “حزب الله” رفض هذه المبادرة، واعتبرها بادعائه أنها تتبنى موقف إسرائيل التي لا ترتدع عن خروقها الجوية والبحرية، ولا نيّة عندها بالانسحاب من مزارع شبعا وتسهيل المفاوضات البرّية غير المباشرة، وهي تطرح بعض الترتيبات الجديدة منها جعل منطقة جنوب الليطاني منطقة عازلة وإبعاد قوة “الرضوان” إلى شمالي الليطاني.
كما أن الوفد الفرنسي نقل الأفكار الإسرائيلية بتعديل عمل قوات “اليونيفيل” بتحريرها وجعل تحركاتها في منطقة الجنوب غير منسّقة مع أي من الجهات اللبنانية الرسمية أو مع “حزب الله”، ولكن من غير ذكر الفصل السابع، وهذا ما رفضه “الحزب”، لذلك فإن جواب لبنان وفق مصادر وزارة الخارجية اللبنانية للفرنسيين كان الآتي: ألزموا إسرائيل بتطبيق القرار “1701” ولا داعي للاجتهادات والأفكار والإضافات، فلبنان ملتزم بالقرار وسيعود إلى قواعد ما قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر فور وقف إطلاق النار.
ويبدو أن تصلّب “الحزب” استند وفق الصحفي اللبناني، محمد شمس الدين، إلى ما تبلّغه من الأميركيين بواسطة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، هو عدم السماح لإسرائيل بشنّ حرب واسعة النطاق على لبنان، وأنّ هدنة غزة ستسري حكماً على الجنوب. وخلافاً للموقف الإسرائيلي، تؤكد المعلومات المتوافرة لدى “الحزب” أنّ الهدنة التي سيتم التوصل إليها بشأن وقف الحرب على غزة ستشمل جبهة الجنوب بلا شك.
حرب في الأفق
المعارك المحتدمة في الميدان، لا تعكس أجواء الاطمئنان لدى “حزب الله”، وكل يوم يشهد عمليات إسرائيلية في العمق اللبناني، مع استهداف مسؤولين عسكريين لـ”الحزب”، فيما تؤكّد مواقف القيادة الإسرائيلية أن الوقت ليس لمصلحة لبنان والحرب وشيكة إذا لم ينفّذ “الحزب” القرار “1701” فوراً.
في هذا السياق، يقول الباحث في شؤون مكافحة الإرهاب، بيار جبور، لـ”الحل نت”: إن قرارات إسرائيل اليوم تُتّخذ انطلاقاً من عملية 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وبالتالي لو تمّ التوصّل إلى هدنةٍ في غزة ستكون مؤقتة لأن يحيى السنوار، قائد حركة “حماس” في قطاع غزة، سيخلي سبيل الرهائن من النساء والمتقدمينَ بالسّن فقط.
لذلك سيتضاعف الغضب الإسرائيلي، ومن المتوقع أن تذهب حكومة الحرب الإسرائيلية إلى حسم معركة رفح، وما أن تنتهي ستوسّع حربها على لبنان، وحتى خلال الهدنة سيستمر القصف الإسرائيلي لمواقع “حزب الله” في الجنوب والعمق اللبناني وسنرى تصعيداً أكبر كل يوم، مع استهداف مسؤولي “الحزب” وكوادره نظراً إلى تفوق إسرائيل التكنولوجي ومعرفتها بأماكن تواجدهم وتحرّكاتهم.
ويرى جبور، أن احتمال اندلاع الحرب على نحو واسع أصبحت أكثر من احتمال التوصّل إلى حلّ دبلوماسي، ويكشف أمراً مهماً بأن الإعلام كان يتكلّم عن طلب إسرائيل وساطات للتفاوض مع “حزب الله”، أما اليوم فبات الأمر عكسياً، وهناك معلومات بأن “الحزب” طلب وساطة طرف ثالث مع إسرائيل التي رفضت هذا الموضوع، وهذا مؤشّر إضافي لحرب وشيكة، علماً أنها تحشد مدرعات ومصفّحات وألوية المشاة والقوات الخاصة على الجبهة الشمالية، وهذا يعني أمرين: أولاً، حرب نفسية لتنفيذ القرار “1701”.
ثانياً، تهديد جَدّي بشنّ حرب واسعة على “حزب الله”؛ لأنها لا تريد أن ترى غزة ثانية على حدودها وتكرار لـ7 تشرين الأول/أكتوبر من الجنوب اللبناني، وبالتالي ستفرض شروطاً قاسية على لبنان.
شيئاً فشيئاً، ستقصف إسرائيل أماكن بعيدةً من الجنوب، ويشير جبور إلى أنها قد تستهدف طرق الإمدادات بين البقاع والجنوب بما فيها الجسور والبنية التحتية ومحطات الكهرباء، وبالتالي لبنان كلّه سيكون عُرضة للعمليات العسكرية الإسرائيلية.
لكن الباحث في شؤون مكافحة الإرهاب، يستبعد هجوماً برّياً واسعاً، لكنه قد يكون محدوداً، مع ضربات جويّة مكثّفة تستهدف مخازن الصواريخ وغرف العمليات والأنفاق إذا وُجِدَت، وبالتالي سقطت قواعد الاشتباك، ولم يبقَ سوى تحديد زمان بدء الحرب الواسعة.
“حزب الله” أضاع الفرصة
يؤكّد الباحث في شؤون الأمن والدفاع، رياض قهوجي، أن الضربات الإسرائيلية لـ”حزب الله” ستكون مركّزة أكثر مع بدء الهدنة في غزة لتحقيق ثلاثة أهداف: أولاً، تقليص قدرات “الحزب” العسكرية عبر استهداف مخازن الأسلحة ومراكز القيادة والسيطرة وأبراج المراقبة ومنصّات الصواريخ ومراكز تجمّع المقاتلينَ وأي مبنى أو آلية يشتبه باستخدام الحزب لها. كما تقوم بتصفية القيادات الميدانية لخلق فراغ في البنية القيادية، بخاصة من ذوي الخبرة.
ثانياً، وبحسب حديث قهوجي لـ”الحل نت”، سيكون من أجل إحراج قيادة “الحزب” أمام جمهورها عبر ضرب هيبة الردع وإظهارها عاجزة عن وقف الضربات الإسرائيلية ضدّ القرى والبلدات في أي مكان في لبنان.
فهذه القيادة لطالما توعّدت بأنّ إسرائيل لن تجرؤ على قصف المناطق السكنيّة وقتل المدنيين وبأنّه في حال حصول ذلك فإنّها ستدمّر إسرائيل بأكثر من 100 ألف صاروخ وستجتاح الجليل. لكن الضربات الإسرائيلية تزداد حدّة وعمقاً ودموية في وقت تستمر قيادة “حزب الله” في ضبط ردّها منعاً للانزلاق إلى حرب واسعة يعتقد أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي يحاول افتعالها.
ويؤدي طول فترة الحرب الذي تجاوز توقعات الجميع، إلى زيادة الضغط والاستنزاف للحزب، بخاصة مع تصاعد الانقسامات الداخلية في لبنان المعارضة لفتح جبهة الجنوب.
ثالثاً، تغيير الواقع الذي كان قائماً على حدودها الشمالية قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، بخاصة في منطقة إصبع الجليل – مزارع شبعا. يبدو أنّ إسرائيل تريد دفع مقاتلي الحزب إلى أكثر من 10 كيلومترات على طول الحدود، وليس فقط بحسب القرار “1701” الذي يتحدث عن منطقة جنوب نهر الليطاني.
فوفقا لمصادر غربية، فإنّ المسافة عن خط الليطاني واسعة في القطاع الغربي، ولكنها تضيق في القطاع الشرقي إلى أقل من 3 كيلومترات. ولذلك تسعى فرنسا للعمل على إجراء مفاوضات لتنفيذ المطلب الإسرائيلي بسحب مقاتلي “حزب الله” من جبهة مزارع شبعا إلى أكثر من 10 كيلومترات، الأمر الذي يرفضه الحزب حتى الآن.
تقول مصادر غربية، إنّ القيادة الإسرائيلية أبلغت واشنطن وباريس أنّه في حال فشل الدبلوماسية فإنّ قواتها ستقوم بحرب واسعة إنما محدودة الأهداف، تتضمن غزواً برّياً من أجل إنشاء حزام أمني بعمق 10 كيلومترات يكون خالياً بمعظمه من السكان.
وتضيف المصادر، أنّ القيادة الإسرائيلية تدرك التحدّيات المترافقة مع وجود قواتها في حزام أمني، إلاّ أنّها تعتبر أنّ بين التعايش مع خطر داهم باجتياح المستوطنات الشمالية ومخاطر الحزام الأمني، فإنّها تفضّل الخيار الأخير. فالخيار الأول يمثل تهديداً وجودياً إنّما الآخر فهو أمني. فإسرائيل تعمل على تجنّب سيناريو مستقبلي مشابه لـ 7 تشرين الأول/ أكتوبر على حدودها الشمالية.
والخطورة في الموضوع الشائك، أن “حزب الله” في الكواليس والمجالس الخاصة، يتحدث عن الحدّ الأقصى الذي يمكن القبول به وهو وقف إطلاق النار والعودة إلى مرحلة ما قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، وبدء المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل على ترسيم الحدود البرية. وهذه الهوّة بين إسرائيل و”الحزب” يبدو أن لا شيء يردمها سوى حرب كبيرة تنتهي بـ رابح وخاسر، وهذا ما يعتبره الشعب اللبناني كابوساً يقض مضاجعه لأنه لا يريد الحرب أساساً.
- لقاء وزير الخارجية الإيراني مع نظيره التركي يكشف حجم الخلافات بشأن سوريا
- حلب من جديد في قبضة المعارضة: ماذا تعني خسارتها لدمشق؟
- تعزيزات عسكرية للجيش السوري إلى حماة.. وهذه آخر التطورات الميدانية
- “حلب المقصد والسبيل”.. هكذا تفاعل نجوم الفن مع أحداث سوريا
- استهداف رتل عسكري قادم من العراق.. وروسيا تسحب نقاطها في دير الزور
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.