في مشهد يثير الحيرة والتساؤل، وفي ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تعصف بسوريا، يشهد الاقتصاد السوري حالة من التناقض، حيث تنتشر في شوارع سوريا ظاهرة غريبة: أسواق مكتظة بالباعة والمتسوقين والموظفين من طبقة الفقراء، بينما يلجأ أصحاب الثروات والأغنياء إلى شراء الذهب كملاذٍ آمنٍ لأموالهم.
القطاع الخاص وفقاً لتصريحات رسمية بدأ يلجأ إلى تقليل عدد الموظفين فالمتجر الذي كان يعتمد على عشرة موظفين استغنى اليوم عن النصف بسبب حالة الركود وعدم القدرة على تصريف المنتجات وضعف القدرة الشرائية، ما يدل على أن دمشق أمام بوادر انفجار اجتماعي قادم، بسبب فشل الحكومة في السياسات الاقتصادية.
الفقراء يحرّكون عجلة التجارة
أصبح الموظف السوري محاصرا داخل براثن التضخم، فراتبه ينزف قيمته كل يوم، بينما تنهال الأسعار عليه كوابلٍ من الرصاص، فبات يكتفي بشراء الضروريات، تاركا أحلامه وأمنياته تُدفن تحت وطأة الأزمة.

يؤكد عضو غرفة تجارة دمشق، عماد القباني، أن الموظف، سواءً في القطاع العام أو الخاص، هو الخاسر الأكبر في هذه المعركة الاقتصادية اللامتناهية.
راتب الموظف السوري، كما يرى القباني، لا يُحرّك عجلة السوق، ولا يُتناسب بأي شكلٍ من الأشكال مع الارتفاع الجنوني للأسعار، مما يعني انعدام القدرة الشرائية لديه، واضطراره للتخلي عن رغباته الأساسية.
وبينما يُصارع الموظفون من أجل البقاء، يزداد ثراء الأغنياء، فهم يُحوّلون أموالهم إلى ذهبٍ كملاذٍ آمنٍ من التضخم، تاركين وراءهم طبقةً فقيرةً تُصارع من أجل لقمة العيش، فالفقير في سوريا هو من يشغل الأسواق ويحرّك عجلة التجارة الداخلية.
بطالة تأكل البيوت
يُحاصر شبح البطالة ملايين السوريين، إذ يُؤكد الدكتور مجدي الجاموس، أستاذ الاقتصاد في جامعة “دمشق”، لصحيفة “الوطن” المحلية، أن نسبة البطالة في سوريا قد تجاوزت 37 بالمئة، بينما وصلت معدلات البطالة المقنعة إلى ما يزيد عن 85 بالمئة، وهو الرقم الذي يُشير إلى حجم الأزمة الخانقة التي تُعاني منها البلاد.

وحذر الجاموس من نقصٍ حاد في العمالة الماهرة داخل المشاريع الاقتصادية السورية، مُشيراً إلى أن الحرب قد أدت إلى هجرةٍ واسعةٍ للكفاءات والخبرات، مما أثّر سلباً على القطاعين العام والخاص.
وتعود سوريا، كما يُوضح الجاموس، إلى كونها كانت من أهم مُصدّري العمالة الماهرة، خاصةً إلى دول الخليج، لكن الحرب قد حطّمت هذا السجلّ المشرّف، تاركةً وراءها جيشاً من العاطلين عن العمل.
من جهته لفت الدكتور شفيق عربش، أستاذ الاقتصاد في جامعة “دمشق”، أن البطالة في سوريا تتميز بطابعها الأنثوي، فمعظم الشباب إمّا هاجروا بحثاً عن فرصٍ أفضل، أو يعملون عن بُعد عبر الإنترنت، رافضين العمل في ظل سياسة الرواتب المتدنية التي تطبع القطاعين العام والخاص.
وبيّن عربش أن ضعف الرواتب والأجور يُعيق نموّ الطلب على السلع والخدمات، مما يُشكل عبئاً إضافياً على الاقتصاد.
ليس ذلك فحسب، بل ويُلفت عربش الانتباه إلى ظاهرةٍ مقلقةٍ تتمثل في ازدياد الاستقالات في القطاع العام، وذلك بسبب سياسة الرواتب والأجور المتدنية، ممّا يُؤثّر سلباً على كفاءة العمل وإنتاجية المؤسسات الحكومية.وبالمثل يزداد الأمر سوءاً مع امتناع الحكومة عن توظيف موظفين جُدد، ممّا يُفاقم أزمة البطالة ويُحرم الشباب من فرصٍ حقيقيةٍ للعمل.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

سعر الصرف الحقيقي لليرة السورية 20 ألفا والصدمة قادمة

مباحثات لاستئناف التعاون مع “البنك الدولي”.. هل يتدخل لإنقاذ اقتصاد سوريا؟

هل يخلق الحوار الوطني طوق النجاة للاقتصاد السوري؟

بعد عقود من كوارث نظام الأسد.. ماذا قال الشرع عن رؤيته الاقتصادية لمستقبل سوريا الجديدة؟
الأكثر قراءة

وصفت بـالتاريخية لحظة تصديق الشرع على الإعلان الدستوري

هل تستفيد المصارف السورية من تعليق العقوبات عن “البنك المركزي”؟

هجوم لفلول النظام على حاجز للأمن العام بدمشق

نزوح الآلاف من الساحل السوري باتجاه لبنان.. تفاصيل

ميليشيات عراقية تعتدي على سوريين وتعتقلهم

ميليشيا عراقية تعتدي على السوريين.. دمشق تندّد والسوداني يأمر باعتقال المتورّطين
المزيد من مقالات حول اقتصاد

“وزارة الاقتصاد” تستعرض انجازاتها.. هل انعكست على معيشة السوريين؟

ضوابط ورسوم جديدة تهدد بانهيار قطاع التخليص الجمركي في سوريا.. ما علاقة الاحتكار؟

الغلاء يضع بصمته على “الأكلات التراثية” السورية.. ما سبب ارتفاع أسعارها؟

3 شروط لتنفذ الحكومة السورية وعدها بزيادة الرواتب.. ما علاقة سعر الصرف؟

قطر تزود سوريا بالغاز الأميركي.. ما حقيقة دور الدوحة في مساعدة دمشق؟

مع انتصاف شهر رمضان.. استمرار الغلاء وسط لا مبالاة حكومية

هل يضمن “الإعلان الدستوري” تحسين الأحوال المعيشية للسوريين؟
