“هيئة تحرير الشام” تحاول ضبط تجارة السلاح في مناطق سيطرتها، والتُجّار يحتجون على قطع “مصدر رزقهم الوحيد”

“هيئة تحرير الشام” تحاول ضبط تجارة السلاح في مناطق سيطرتها، والتُجّار يحتجون على قطع “مصدر رزقهم الوحيد”

لم يعد امتلاك السلاح في سوريا، وتحديداً في مناطقها الشمالية، مسألة صعبة أو مُعقدة. ولا يتعلّق الموضوع بأسلحة الفصائل أو القوات الموجودة في تلك المناطق، بل بالأسلحة التي تُباع للمدنيين، إما عن طريق المحال المخصصة لبيع السلاح أو بواسطة الإنترنت.

ويستطيع أي شخص شراء المسدسات والأسلحة الرشاشة، أو حتى القنابل، واستعمالها بالطريقة التي تناسبه، دون الحصول على ترخيص، أو تبرير لسبب حمله السلاح.

ولا توجد أية تقارير دقيقة عن مدى انتشار السلاح بين المدنيين في سوريا، إلا أن منظمة “SMALL ARMS SURVEY”، المعنية بانتشار الأسلحة بين المدنيين، أشارت، في آخر تقرير لها، إلى أن «سوريا تحتل المرتبة التاسعة والثمانين عالمياً في حيازة المدنيين للأسلحة، بمعدل ثمانية أشخاص مسلحين بين كل 100 شخص».

 

قرارات ولكن

أصدرت “حكومة الإنقاذ”، التابعة لهيئة تحرير الشام في #إدلب، في الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني/يناير الماضي، قراراً بإغلاق جميع محال بيع السلاح، في المناطق التي تسيطر عليها، وتجميد رخصها.

وسبب القرار، بحسب “حكومة الإنقاذ”، يعود لـ «ارتفاع عدد الحوادث، الناجمة عن استخدام الأسلحة في المحال وتجريبها، وانفجار القنابل أثناء عمليات البيع والشراء، ما أدى لمقتل عدد من المدنيين وجرح آخرين، الأمر الذي بات يشكّل خطراً مباشراً على المدنيين، ضمن المناطق المأهولة بالسكان». كما منحت “حكومة الإنقاذ” محلات السلاح مهلة لتنفيذ القرار، تنتهي في الخامس عشر من شباط/فبراير الماضي.

لم يكن قرار إغلاق محال بيع الأسلحة في إدلب جديداً كلياً، ففي عام 2018 أصدرت #هيئة_تحرير_الشام قراراً بترخيص محلات بيع السلاح، وفرضت، عند إتمام أي عملية بيع، ضرورة توثيق مواصفات السلاح، والهدف من شرائه، وتسجيل اسم البائع والمشتري، كما فرضت ضريبة شهرية على التُجّار، إلا أن هذه الشروط لم تُنفذ، واقتصر الأمر على دفع المحلات الضريبة للهيئة.

“حسن المختار”، الناشط الإعلامي من إدلب، أكد أن «مطلب إغلاق محلات بيع السلاح في الأسواق الشعبية قديم بين الأهالي، لأنها تشكّل خطورة على المدنيين. وكانت هناك حملات واسعة النطاق لإغلاق هذه المحلات على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد حادثة انفجار محل للسلاح بسوق مدينة إدلب، ما أدى لمقتل شخصين، وإصابة عدد من المدنيين».

وأضاف “المختار”، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «”حكومة الإنقاذ” قامت، نتيجة الضغط الشعبي، بإصدار قرارها بإغلاق المحلات، فمن غير المنطقي أن يتم بيع السلاح والمتفجرات والقنابل والألغام في مناطق مكتظّة بالمدنيين»، حسب وصفه.

وفيما يخص تطبيق القرار من قبل محلات بيع السلاح أشار الناشط إلى أن «هناك دوريات شُرطيّة، تابعة لـ”حكومة الإنقاذ”، تقوم بجولات على الأسواق، وإغلاق المحلات بالقوة، إن لزم الأمر، وهذه المحلات منتشرة في مدن إدلب وأريحا ومعرة مصرين والدانا، الخاضعة لسلطة هيئة تحرير الشام».

ورصد موقع «الحل نت»، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، أكثر من ستة حوادث في محافظة إدلب، قٌتل خلالها خمسة مدنيين، وجُرح آخرون، نتيجة انفجار القنابل داخل محال بيع الأسلحة وخارجها، أثناء تجريبها خلال عمليات البيع والشراء.

 

تجارة السلاح مصدراً للرزق

بالنسبة لـ”أبي أحمد”، مالك أحد محلات الأسلحة في ريف إدلب، فإن «قرار “حكومة الإنقاذ” مجحف بحق أصحاب محال بيع الأسلحة، كونه ينصّ على إغلاق المحال بشكل نهائي، رغم أن لديها رخصة لمزاولة المهنة، وتدفع الضرائب بشكل دوري».

وأوضح تاجر الأسلحة لموقع «الحل نت» أن «التُجّار يملكون كميات من الأسلحة الفردية والذخائر، لا يمكن تصريفها في مدة شهر أو شهرين، كما ينصّ القرار، وهذا الأمر سيتسبب بخسارة كبيرة لهم، وسيحرمهم من مصدر رزقهم الوحيد»، حسب تعبيره.

ولفت “أبو أحمد” إلى أن «المشكلة ليست في محال بيع الأسلحة، بقدر ما هي مشكلة ضبط عمليات البيع والشراء، فكثير من المحلات تقوم ببيع الأسلحة لأشخاص مجهولين، أو لديهم مشاكل أمنية سابقة، فيتم استخدامها بطريقة غير صحيحة، وكل هذا سببه حالة الفلتان الأمني، التي نشهدها منذ سنوات»، مبدياً تفهمه لـ«إغلاق المحال في المناطق المدنية، بشرط أن يتم تجهيز محال تجارية، في مناطق تتوافر فيها شروط السلامة».

من جهته يرى “أحمد لطوف”، وزير الداخلية في “حكومة الإنقاذ”، أن «المنطقة تشهد حالة حرب، ولابد من وجود السلاح مع المدنيين، وللسلاح منافعه وأضراره».

وأضاف “لطوف”، في تصريحات لصحيفة “عنب بلدي” الإلكترونية، أن «وجود السلاح بأيدي المدنيين ليس جديدًا، بل هو ظاهرة معروفة في كل المجتمعات حول العالم. أما الممارسات المرفوضة، مثل ظاهرة إطلاق الرصاص العشوائي في الأفراح والأعياد، فقد تم القضاء عليها بشكل شبه كلي، بسبب الإجراءات الإدارية»، على حد قوله.

 

ماذا عن الأسعار والمصادر؟

وعن أكثر الأسلحة انتشاراً في إدلب بين المدنيين وأسعارها أوضح “أبو أحمد” أن «المسدسات، بجميع أنواعها، هي الأكثر طلباً بين المدنيين، وذلك لسهولة حملها واستخدامها، ويتراوح سعرها بين خمسين إلى ألف وخمسمئة دولار، ويعتمد السعر على نوع السلاح وعياره ونظافته».

وأضاف التاجر أن «سعر الرشاشات الخفيفة يتراوح بين مئة وخمسين إلى ألفي دولار، حسب جودتها وطرازها والبلد المُصنّع لها. أما سعر القنابل فيتراوح  بين عشرة إلى خمسة عشر دولاراً»، مشيراً إلى أن «بعض المحلات لديها متفجرات ورشاشات من نوع (بي كي سي)، ويبدأ سعرها من سبعمئة دولار».

ولدى سؤالنا عن مصدر هذه الأسلحة أجاب “أبو أحمد”: «كثير من الأسلحة تأتينا عن طريق عناصر تابعين للفصائل العسكرية المقاتلة، يجلبونها من المعارك التي خاضوها، واستحوذوا فيها على الأسلحة، بينما يقوم بعضهم ببيع سلاحه الشخصي وذخيرته، خصوصاً في الفترة الأخيرة، بعد التهدئة العسكرية بين #القوات_النظامية وفصائل المعارضة».

 

الإنترنت سوق مفتوح للسلاح

لم تكن محلات بيع السلاح، المنتشرة في محافظة إدلب، الجهة الوحيدة التي تمارس هذه التجارة، فقد باتت مواقع التواصل الاجتماعي، وتطبيقات الدردشة، منصة لبيع وشراء الأسلحة، بأشكالها وأنواعها المختلفة، عبر عشرات الصفحات والمجموعات على موقعي “فيس بوك” و “تلغرام”، المختصة بعرض وبيع وشراء الأسلحة.

ورصد موقع «الحل نت» عدداً من هذه الصفحات، التي تهتم ببيع الأسلحة وقطع الغيار الخاصة بها، دون أي رقابة، وبحرية تامة، مثل مجموعة  “سوق سلاح إدلب”، و”سوق المجاهدين الكبير”، و”سوق تاكتيكال بنش”.

وتختلف أسعار الأسلحة، على هذه الصفحات، حسب نوعيتها وسعتها، فتُباع البندقية من نوع “كلاشينكوف” الروسية، بسعر يتراوح بين مئة وخمسين إلى ثلاثمئة وخمسين دولار، أما المسدسات الروسية والصينية والأميركية والألمانية والتركية، فيبدأ سعرها من خمسين دولاراً، ويصل في بعض الأحيان إلى ألفي دولار، كما تُباع الرشاشات والقنابل والذخائر بمختلف أنواعها، ويظهر بوضوح أنها متوافرة بكثرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.