ثمة انتهاكات عديدة موثقة تورطت فيها القوات الروسية أثناء الغزو العسكري لأوكرانيا. ومنذ اندلاع الحرب التي شنتها موسكو على كييف بدعاوى وحجج، منها أنها “عملية عسكرية خاصة”، فهي تخفي، في واقع الأمر، جملة أهداف جيو استراتيجية ترتبط بصراعها مع الغرب والولايات المتحدة، لا سيما التنافس المحموم لإعادة ترتيب قمة العالم، والسباق على النفوذ والموارد في مناطق متفاوتة، منها الشرق الأوسط.
وفي آخر تلك الخروقات التي طالت موسكو، هي اتهام واشنطن الجيش الروسي باستخدام السلاح الكيماوي “مادة الكلوروبكرين” بحق القوات الأوكرانية، الأمر الذي يمثل انتهاكاً لاتفاقية حظر استخدام الأسلحة الكيميائية.
فيما أوضحت الخارجية الأميركية، أن موسكو استعانت بالمواد الكيماوية المخصصة بشكل رئيسي لمكافحة الشغب ضد القوات الأوكرانية، لافتة إلى أمثلة محددة منها “قنابل الغاز المسيل للدموع” ووصفت هذا الانتهاك العسكري ضد القوات الأوكرانية بأنه يقع ضمن “أسلوب للحرب في أوكرانيا، وهو ما يشكل أيضاً انتهاكاً للمعاهدة”.
وأكدت الخارجية الأميركية، أن هذا الاستخدام الكيماوي من قبل القوات الروسية “ليس حادثة معزولة، وربما كان الدافع وراءها رغبة القوات الروسية في طرد القوات الأوكرانية من أماكن تحصينهم، وتحقيق مكاسب تكتيكية في ساعة المعركة”. بل إن القوات الروسية تعمد إلى تجاهل الامتثال إلى القيود التي تفرضها اتفاقية الأسلحة الكيميائية ويتطابق ذلك مع حادثة تسميم المعارض أليكسي نافالني وسيرغي ويوليا سكريبال بواسطة استخدام غاز الأعصاب نوفيتشوك.
روسيا واستخدام المحظورات
فيما سبق لـ”منظمة العفو الدولية” أن دانت روسيا لاستخدامها الذخائر العنقودية المحظورة وفق معاهدة دولية، وذلك على خلفية مهاجمة مبنى مدرسة أوكرانية قبل عامين، وقالت: “استخدمت روسيا صاروخ أوراجان عيار 220 ملم لإلقاء ذخائر عنقودية على حضانة وروضة سونشكو فى أوختيركا”.
ونجم عن الهجوم الروسي بالأسلحة المحظورة قانوناً مقتل 3 أشخاص، اثنان منهم أطفال. وأشارت الأمينة العامة لـ”منظمة العفو الدولية” أنييس كالامارد، إلى أنه “لا يوجد مبرر محتمل لإسقاط الذخائر العنقودية في مناطق مأهولة بالسكان، ناهيك عن قربها من مدرسة، يحمل هذا الهجوم جميع السمات المميزة لاستخدام روسيا لهذا السلاح العشوائي بطبيعته والمحظور دولياً، ويظهر ازدراء صارخاً لحياة المدنيين”.
استخدام الكلوروبيكرين وغيرها من وسائل “مكافحة الشغب” القمعية في روسيا بحق الجنود الأوكرانيين أصبح أمراً واقعاً، بحسب الباحثة الأميركية في مجال حقوق الإنسان والأمن القومي، إيرينا تسوكرمان، موضحة لـ “الحل نت”، أن هذا السلاح الكيماوي هو “مركب كيميائي سبق وتم استخدامه كغاز سام في الحرب العالمية الأولى وهو معروف بإتلاف الرئتين. كما يتم استخدامه كشكل من أشكال الغاز المسيل للدموع. ونظراً لأن روسيا لعبت دوراً في الحرب الكيميائية في سوريا (وضد المدنيين)، فليس من المستغرب أن تلجأ إلى أساليب مماثلة في أوكرانيا، وضد الجنود”.
هناك سببان لعدم قلق روسيا بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية، كما تقول تسوكرمان، أولهما أنه من الصعب اكتشاف وسائلها القمعية بمجرد انتهاء الهجوم، فضلاً عن الظروف الفوضوية في الميدان التي قد تجعل من الصعب التحقيق في استخدامها. لذا، يتم أخذ روايات شهود العيان بعين الاعتبار. ولكن نظراً لصعوبة إثبات الادعاءات الأكثر خطورة في حالات أخرى بسبب “ضباب الحرب” ونقص المحققين، فإن روسيا ترى أنه من غير المرجح أن تخضع للمساءلة.
والسبب الآخر هو أن التهديدات النووية التي تطلقها روسيا لها التأثير في صرف الانتباه عن جرائم الحرب الحقيقية وانتهاكات القانون الدولي، في ظل سيناريوهات مخيفة ولكنها غير محتملة. إذ تختبئ روسيا وراء احتمال شن هجوم نووي في كل مرة تنخرط فيها بهجوم جديد أو انتهاك جديد، مثل استخدام أسلحة أو تكتيكات غير قانونية، كوسيلة لحماية نفسها من المساءلة عن قضايا حقيقية، وفق تسوكرمان.
تخوفات من استخدام أسلحة أكثر فتكا
في موازاة ذلك، تشير الباحثة الأميركية في مجال حقوق الإنسان والأمن القومي، إلى أنه لدى روسيا “أسلحة أكثر فتكاً مثل الفسفور الأبيض وربما تستعين بها في هجمات لاحقة. النتيجة أن أوكرانيا تبدو عاجزة في مواجهة مثل هذه الهجمات. فيما تواصل روسيا بنشاط عزل أوكرانيا عن الغرب، في حين تواصل اللعب على جماعات الضغط لإثارة الذعر داخل المجتمعات الغربية إزاء التهديدات النووية غير الواقعية والبعيدة المدى. وبالتالي فإن روسيا تهاجم النخب السياسية الغربية والمجتمع بهذه التكتيكات المختلفة لبعث الخوف والرعب”.
في ضوء ذلك، فرضت وزارة الخارجية الأميركية بالتزامن مع الإعلان عن الخروقات العسكرية الروسية في كييف واستخدام السلاح الكيماوي، عقوبات على أكثر من 80 كياناً وفرداً، بما في ذلك أولئك الذين يشاركون في تطوير الطاقة المستقبلية والمعادن وإنتاج التعدين والقدرة على التصدير في روسيا. لكن روسيا تتحايل على العقوبات بتطوير قنوات للتحايل على الضغوط المالية الغربية من خلال تشكيل روابط أوثق مع أعضاء مجموعة “البريكس” الآخرين والتحالفات الاقتصادية الأخرى، كما تقول تسوكرمان.
من المرجح أن يصبح تأثير العقوبات أقل قوة بمرور الوقت. فالعقوبات هي أداة للسياسة الخارجية. إذا كانت البلدان، مثل موسكو وتحت الحظر والعقوبات، قادرة على تطوير أدوات ومؤسسات أخرى تستبعد استخدام هذه الأدوات، فلا بد من تطوير طرق جديدة للوصول إلى تدفق الأموال، وتعطيله بدلاً من مجرد فرض تدابير رمزية تبدو مهمة ولكن من غير المرجح أن تمنع روسيا من الحصول على الموارد المالية أو العسكرية وتوفير اقتصاديات للحرب، تضيف تسوكرمان لـ”الحل نت”.
وأوضحت الخارجية الأميركية، أنها بالتنسيق مع وزارة الخزانة صنفت 3 كيانات حكومية تابعة لروسيا مرتبطة ببرامج الأسلحة الكيميائية والبيولوجية الروسية و4 شركات روسية تقدم الدعم لهذه الكيانات. كما صنفت وزارة الخزانة بشكل منفصل 3 كيانات وفردين متورطين في شراء مواد للمعاهد العسكرية المشاركة في برامج الأسلحة الكيميائية والبيولوجية الروسية.
وتشمل الجهات التي تم فرض عقوبات عليها: قوات الدفاع الإشعاعية والكيميائية والبيولوجية التابعة لوزارة الدفاع الروسية، ومعهد البحوث العلمية للصوتيات التطبيقية، والمعهد العلمي والبحثي المركزي الـ48 التابع لوزارة الدفاع. بالإضافة إلى شركة “نبو ترانسكوم”، وشركة “أي بي أس” للتوليد البيولوجي، وشركة “لاب سيرفس”، وشركة “أو أو أو تي أس أس” التي تورد معدات مخبرية للمعهد العلمي التابع لوزارة الدفاع الروسية.
الصين تدعم روسيا
وفق موقع “الحرة“، فـ”علاوة على الشركات الروسية، تستهدف العقوبات الأميركية الجديدة نحو 60 شخصاً وشركة أجنبية، صينية على وجه الخصوص”، وذلك بتهمة “مساعدة روسيا في الاستحواذ على مكونات أساسية لصناعة الأسلحة أو برامج دفاعية”. وتقول وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، إن “العقوبات المتخذة اليوم تهدف إلى إلحاق المزيد من الإخلال وإضعاف المجهود الحربي الروسي من خلال التعرض لصناعتها العسكرية الأساسية وشبكات التحايل على العقوبات الحالية التي تساعدها على الإمداد”.
ومن الشركات الأجنبية المستهدفة، هناك 16 شركة من الصين أو هونغ كونغ، متهمة بغالبيتها بمساعدة روسيا في توريد مكونات محظورة. إضافة إلى ذلك، اتهمت اثنتان منها بشراء المواد اللازمة لإنتاج الذخائر الحربية.
وتتضمن العقوبات شركات من 5 دول أخرى هي الإمارات وتركيا وأذربيجان، فضلاً عن بلجيكا وسلوفاكيا. وتعمل نحو 100 شركة روسية، من بين أكثر من 200 شركة مستهدفة، بشكل خاص في قطاعات الدفاع والنقل والتكنولوجيا.
وتشارك العديد من الشركات في برامج الأسلحة الكيميائية والبيولوجية الروسية، كما تهدف العقوبات إلى تقييد إمكانية تطوير البنية التحتية للغاز والنفط في روسيا، والتي من شأنها أن تسمح لها بتصدير المحروقات بسهولة أكبر وخاصة إلى الصين، وفق بيان الخزانة الأميركية.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.