“انتظرت 5 سنوات بأكملها على أمل أن أحصل على قطعة أرض من الدولة بعد تسلّمي الوصل ولكن دون نتيجة”، هكذا يقول سرمد أكرم، موظف في شرطة كهرباء الشرقاط بمحافظة صلاح الدين شمالي العراق.
بعد اليأس من عدم توزيع قطع الأراضي المخصصة لهم من قبل دوائر البلدية في محافظة صلاح الدين، لجأ العديد من المواطنين ممن يمتلكون وصولات بقطع الأراضي إلى بيع وصولاتهم، وهذا ما فعله سرمد أكرم.
يقول أكرم، إنه ظل ينتظر منذ 2019 حين تسلّم وصل قطعة الأرض أن يتم التوزيع ليستلم القطعة لكن بلا جدوى. “فقدت الأمل كليا، وقمت ببيع الوصل بمبلغ 3 مليون ونصف دينار عراقي، لأنني بحاجة ماسة جدا إلى المال حينها”.
أكرم باع الوصل لأحد الأشخاص كان ينشر في جروبات “فيسبوك”، بأنه مستعد لشراء وصولات قطع الأراضي ممن يود بيعها، وعندما بحثنا في فيسبوك وجدنا عشرات المنشورات من هذا السياق، إذ يقوم من لديه وصل قطعة أرض بالاتصال بصاحب المنشور ويتفق معه على بيع الوصل له.
سألنا عددا من الموظفين في دوائر بلديتي تكريت والشرقاط عن عائدية أولئك الذين يقومون بالنشر لشراء الوصولات، فرفض معظمهم الحديث، خشية من أن يفقدوا وظائفهم على حد قولهم، غير أن أحد الموظفين اشترط التحدث لنا دون ذكر هويته ودون ذكر مكان وظيفته بالتحديد.
الموظف الذي يبلغ من العمر 37 عاما، قال إن الذين يشترون الوصولات، هم معقبون ينتشرون داخل الرقع الجغرافية لدوائر البلدية المتوزعة في أقضية صلاح الدين، وبعضهم موظفين من نفس الدوائر، وهم واجهة لشخصيات سياسية متنفذة في المحافظة.
ماذا بعد بيع وشراء الوصولات؟
ماذا يحصل بعد شراء الوصولات من المواطنين؟ أحمد وضاح مواطن متقاعد من قضاء بيجي، قال لنا، إنه باع الوصل الخاص به بمبلغ 4 ملايين وربع دينار عراقي لأحد الأشخاص -من المعقبين- وبعد 3 أسابيع من ببع الوصل، اتصل به الشخص، ليخبره بأنه تم إخراج قطعة الأرض، وعليه أن يتنازل عنها.
“ذهبت وتنازلت عن قطعة الأرض، والمفاجأة أن مكانها ليس في بيجي كما كان مخصصا، بل في تكريت، مركز المحافظة. تنازلت دون أن أتفوه بكلمة، لأن الاتفاق أن أبيع الوصل وأحصل على المال نقدا، ثم أتنازل عن القطعة بعد أن يقومون بتخصيصها”، يقول وضاح.
مثل حالة سرمد أكرم وأحمد وضاح، هناك مئات الحالات التي تحصل في محافظة صلاح الدين. يقوم المواطنون ببيع وصولاتهم لأشخاص -معقّبين- يتبعون لشخصيات متنفذة، بعد يأسهم من عدم تخصيص الأراضي لهم لسنوات عديدة، فيضطرون لبيع الوصولات، لأن أغلبيتهم في أحوال غير ميسورة، وذلك لأجل تمشية أمورهم الحياتية.
علي محسن موظف في التربية، مدرّس بإحدى مدارس قضاء الدجيل، كان قد حصل على وصل لتخصيص قطعة أرض له منذ عام 2016، ولم يحصل عليها حتى اليوم، فاضطر قبل شهرين ونصف إلى بيع الوصل بمبلغ 4 ملايين و650 ألف دينار عراقي، ثم وبعد شهر ونصف من بيع الوصل، خرجت القطعة في مركز الدجيل، وتنازل عنها للذي اشترى منه الوصل، بحسب الاتفاق المسبق بينهما، كما قال لنا.
بحسب تواصلنا مع مديرية بلدية الشرقاط، قالت لنا، إن كل موظف -على اختلاف فئاتهم- ممن لديه خدمة 5 سنوات في الدولة فما فوق، يحق له الحصول على وصل قطعة أرض، بعد أن يجلب تأييدا باستمراره بوظيفته للبلدية، ويتم تسليمه الوصل، على أن ينتظر لحين تخصيص قطع الأراضي وتوزيعها، وحينها يستلم قطعته.
المشكلة الرئيسية في كل ما يحصل، هو عدم توزيع قطع الأراضي المخصصة للمواطنين ممن يمتلكون الوصولات، وعندما تواصلنا مع دوائر بلدية الشرقاط وتكريت والعوجة، لم نحصل على إجابة صريحة بأسباب ذلك، فحاولنا التواصل مع وزارة البلديات والأشغال، وهي الأخرى لم تمتلك أي إجابة واضحة، مكتفية بالقول إن قرار توزيع قطع الأراضي يصدر من مجلس الوزراء، وبمجرد صدور القرار يتم توزيع القطع.
غير أن أحد الموظفين في ديوان محافظة صلاح الدين، طلب عدم الكشف عن هويته، قال لنا، إن مكتب المحافظ بالتنسيق مع شخصيات سياسية من داخل المحافظة، يعرقل توزيع قطع الأراضي، لإجبار أصحاب الوصولات على بيع وصولاتهم، ثم يتم تخصيص القطع واستخراجها، بعد تنازل صاحب الوصل عن قطعة الأرض التي من المفترض أن تكون ملكا له، دون أن يكشف الأسماء، ورافضا الحديث بأكثر من ذلك.
ناشط سياسي بارز متابع لموضوعة بيع وصولات الأراضي في صلاح الدين، قال لنا، إن قطع الأراضي لا يتم توزيعها إلا بالواسطة والعلاقات، من يملك الواسطة والعلاقات يستطيع الحصول على قطعة الأرض، ومن لا يملك الواسطة والعلاقات، يضطر إما لبيع الوصل أو الانتظار إلى أن يتم توزيع القطع على المستحقين.
شخصيات سياسية بارزة.. المتنفذون بالأسماء
من هم المتنفذون الذين يتبع لهم المعقبون؟ شخصيات سياسية عديدة متنفذة في موضوع شراء وصولات حصص الأراضي، ولكن هناك أسماء بارزة، بحسب ما قال لنا أحد المعقبين شريطة عدم ذكر اسمه خشية على حياته، إضافة إلى محامٍ بارز من صلاح الدين، يعمل على هذا الموضوع من الناحية القانونية منذ مدة.
أبرز تلك الأسماء بحسب المعقب والمحامي، هيثم العطية، شقيق وزير الهجرة والمهجرين سابقا جاسم العطية الذي يعمل حاليا وكيلا في وزارة الهجرة والمهجرين، إضافة إلى النائبين في البرلمان العراقي، شعلان الكريم وهيثم الزهوان، فضلا عن محمد الهجف، رجل الأعمال المقرب من أحمد الجبوري “أبو مازن” محافظ صلاح الدين الأسبق.
وقبل عامين من الآن، أصدر مجلس القضاء الأعلى، مذكرة قبض وتحري بحق محمد الهجف في دعوى مقامة ضده من قبل هيئة النزاهة حينها، إذ لم يحضر أمام المحكمة، وصدور مذكرة القبض حينها، جرى وفقا للمادة (238) من قانون العقوبات العراقي، وفق مجلس القضاء الأعلى.
بحسب المعقب والمحامي، فإن مكتب محافظ صلاح الدين السابق إسماعيل الهلوب متورط أيضا، من خلال مدير المكتب علي غسان، إذ أن محضر توزيع قطع الأراضي بالمحافظة ومن خلال علاقة المتنفذين بالمحافظ ومكتب المحافظ يتم إصدار قطع الأراضي لمن قاموا بشراء الوصولات من المواطنين، كما أن أكثر دائرة بلدية متخادمة معهم هما دائرتي بلدية تكريت والعوجة.
هنا فإنه من الجدير بالذكر، أن القضاء العراقي، كان قد أصدر في أواخر شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2022، قرارا بالسجن 3 سنوات لمدير بلدية تكريت السابق عمر الجراد، وموظفين اثنين في مكتبه، هما أحمد مظهر وناظم السامرائي، لتورطهم بقضايا فساد.
في ذات السياق، حذرت بعض الشخصيات المعروفة في منطقة العوجة، بحسب كتاب “تخويل” في شباط/ فبراير 2024، مما أسمته “التغيير الديمغرافي” الذي تشهده المنطقة، عبر تخصيص قطع أراضي من قبل شخصيات متنفذة لأشخاص من خارج تكريت وحتى محافظة صلاح الدين في منطقة العوجة، وخوّلت الشخصيات البارزة في العوجة وبقيادة الشيخ حسن ندا الحسين، 4 محامين، للتصدي لما وصفته “تغيير ديمغرافية المدينة”.
وفي أحدث التحركات، أفادت “هيئة النزاهة الاتحادية”، في 4 أيار/ مايو الجاري، بصدور أمر استقدامٍ بحق رئيس وأعضاء لجنة تدقيق معاملات تخصيص الأراضي للشرائح المشمولة بالتخصيص في بلدية العوجة بمُحافظة صلاح الدين.
بيان للنزاهة، أوضح أن “مكتب الإعلام والاتصال الحكومي أفاد، بمعرض حديثه عن عملية الضبط التي نفذها فريق التحري الخاص بمكتب تحقيق صلاح الدين، بأن الفريق الذي انتقل إلى بلدية العوجة كشف عن قيام الأخيرة بتخصيص قطعة أرضٍ لشقيقة مدير مكتب محافظ صلاح الدين؛ على الرغم من عدم استيفائها للشروط القانونية”.
ونوهت النزاهة، إلى “تنظيم محضر ضبطٍ أصولي، وعرضه أمام أنظار قاضي محكمة تحقيق صلاح الدين المختصة بالنظر في قضايا النزاهة، الذي قرر إصدار أمر استقدام بحق رئيس وأعضاء لجنة تدقيق معاملات تخصيص الأراضي للشرائح المشمولة بالتخصيص (ثلاثة مُتهمين)، استناداً إلى أحكام المادة (331) من قانون العقوبات العراقي”.
غسيل أموال وتضخم بممتلكات المتنفذين
مصدر خاص طلب عدم الكشف عن هويته، قال لنا إن كل شخص متنفذ من الأشخاص المذكورة أسماؤهم أعلاه، يستحصل على 300 قطعة أرض شهريا، ويتم استخراجها في المراكز التجارية بالمحافظة، وليس في المناطق النائية كما تفعل الدولة عند توزيع قطع الأراضي للمواطنين، وهنا يكون سعر القطعة أضعاف سعرها الحقيقي في المنطقة النائية.
وفق المصدر، فإن الشخصيات المتنفذة تقوم ببيع القطع بعد استخراجها عن طريق الوصولات التي اشترتها من المواطنين بين 50 مليون و85 مليون دينار عراقي، بينما سعر القطعة الحقيقي في المناطق النائية أو البعيدة عن المراكز التجارية لا يتجاوز 10 إلى 13 مليون دينار عراقي، على حد قوله.
الهدف من شراء الوصولات واستخراج الأراضي من قبل المتنفذين، هو تجاري بحت، إذ بات يحصل المتنفذ من السياسيين في صلاح الدين على أكثر من 5 مليارات دينار عراقي شهريا من خلال بيع قطع الأراضي بعد استخراجها بالتعاون مع مكتب المحافظ، في وقت لم يصرف المتنفذ أكثر من 50 مليون دينار شهريا، عند شرائه لكل وصل من مليونين ونصف إلى 5 ملايين دينار عراقي، كما يبيّن لنا المصدر الخاص.
ويوضح المصدر، أن الذي يجري هو غسيل أموال من قبل المتنفذين وتضخم كبير في ممتلكاتهم عن طريق استغلال ضعف إجراءات الدولة في الرقابة والمتابعة، وعدم قيامها بتوزيع قطع الأراضي للمستحقين، الأمر الذي يدفعهم لبيع وصولاتهم للمعقّبين ومنهم للمتنفذين الذين باتوا بعتاشون على هذه القصة.
في السياق، يبيّن المحامي من محافظة صلاح الدين مصعب الناصري، أن المتنفذين لا يتركون الثغرات عليهم؛ لأنهم عندما يستخرجون قطع الأراضي، يقومون باستخراجها بأسماء أصحاب الوصولات ممن قاموا بشراء الوصل منهم، فيبدو الأمر وكأنه قانونيا، وبعد استخراج قطع الأراضي بأسماء أصحاب الوصولات من المستحقين، يقوم أصحاب الوصولات بالتنازل عنها لأسماء تابعة لأولئك المتنفذين.
الناصري يشير، إلى أن القانون العراقي تحدث في قانون العقوبات لعام 1969 المعدل عن هكذا جرائم وتحديدا في المواد التي تبدأ من المادة 301 وحتى المادة 340 من قانون العقوبات العراقي، بأنها جرائم فساد وهدر بالمال العام، ولهذا فإن القضاء العراقي إن أراد التحرك على المسؤولين عن هذا الملف في صلاح الدين، فإن الأحكام التي سيصدرها ستكون ضمن هذا الصدد من قانون العقوبات.
—————————-
ملاحظة/ أسماء المواطنين التي ذكرناها، جميعها مستعارة بطلب منهم.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة
الأكثر قراءة

وصفت بـالتاريخية لحظة تصديق الشرع على الإعلان الدستوري

هل تستفيد المصارف السورية من تعليق العقوبات عن “البنك المركزي”؟

هجوم لفلول النظام على حاجز للأمن العام بدمشق

نزوح الآلاف من الساحل السوري باتجاه لبنان.. تفاصيل

ميليشيات عراقية تعتدي على سوريين وتعتقلهم

ميليشيا عراقية تعتدي على السوريين.. دمشق تندّد والسوداني يأمر باعتقال المتورّطين
المزيد من مقالات حول سياسة

إطلاق نار على متظاهرين بدرعا: هل يعيد الشرع سوريا إلى 2011؟

دمشق تضع شروطا لحضور مؤتمر بروكسل: مقامرة سياسية وعودة إلى المربع الأول

تواصل مباشر بين الجيش الأميركي ومكتب الشرع.. والعقوبات لن ترفع قريبا أو تُعلّق

استطلاع رأي: سوريون يرون الإعلان الدستوري تمهيداً لديكتاتورية جديدة!

اعتماد 15 آذار عيدا لانطلاقة الثورة بشكل غير رسمي.. ودرعا: تهميش متعمّد وسرقة للتاريخ

وسط انقسام درزي.. زيارة تاريخية لنحو 60 رجل دين دروز من جنوب سوريا إلى إسرائيل

المبعوث الأممي إلى سوريا: حان الوقت لتشكيل حكومة لا تقصي أحدا
