تواصل إيران وميلشياتها فرض هيمنتها على العديد من مناطق الشرق الأوسط، وجعلها بؤراً مشتعلة وقابلة للانفجار في أي لحظة متى توفرت الظروف المواتية لها والتي تخضع لمكاسب وحسابات التواجد الإيراني.
إلا أنه لم يعد التغلغل الإيراني بمليشياته قاصراً على دول الجوار العربية فقط، وإنما امتداد وفرضه نفوذه داخل الدول الإفريقية متعمد على سياسة العمق الاستراتيجي تارة، وتقديم الدعم العسكري لبعض الجماعات الخارجة على نظام دولتها تارة أخرى.
ولهذا اتبعت إيران مناهج واستراتيجيات مختلفة في التعامل مع كل دولة وشعب، لتسهيل اختراقهم، وتأسيس قاعدة لها بما يتناسب مع أهدافها.
نقل الأسلحة لجبهة “البوليساريو”
تشكّل قدرة إيران على تهريب الأسلحة عامل جوهري في اختراقها الحدود الدولية، وبعيدا عن المراقبة الدولية، إذ تشير مصادر إلى وصول مليشيات إيرانية تابعة لـ”الحرس الثوري” إلى الجزائر خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وصلت هذه الميلشيات عبر رحلات جوية مباشرة بين إيران والجزائر، مما يؤكد على مرحلة جديدة من التعزيز العسكري واللوجستي من إيران لجبهة “البوليساريو”.
المصادر المحلية والدبلوماسية لفتت إلى أن الهدف من هذه الرحلات بغرض نقل معدات عسكرية متطورة، بما في ذلك أنظمة أسلحة من أصل إيراني وجنوب إفريقي أيضا. وبحسب المصادر المطّلعة تشمل هذه المعدات طائرات بدون طيار وصواريخ وقذائف مضادة للدبابات بالإضافة إلى معدات اتصالات تهدف إلى تعزيز جبهة “البوليساريو”.
وما يمكن الوقوف عليه هنا هو مشاركة جنوب إفريقيا التي بلا شك ستعطي بُعداً إضافياً لهذا الوضع المعقّد بالفعل. فقد امتد هذا الدعم إلى المجال العسكري. لا سيما أن شركات جنوب إفريقيا زوّدت “البوليساريو” بالمعدات العسكرية وساعدت في تدريب مقاتليهم والمرتزقة الإفريقيين والسوريين.
وبحسب مصادر قريبة من الأمر، فإن هذه العمليات تتم في قواعد سرّية بالجزائر. وبعيدًا عن التدقيق الدولي، ستكون هذه القواعد بمثابة مراكز تدريب وتنسيق لعمليات “البوليساريو” في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.
معركة النفوذ
لا يثير تدخل الجزائر في هذا الشأن مفاجأة، نظرا للدعم التاريخي الذي تقدمه الأنظمة العسكرية الجزائرية لجبهة “البوليساريو” المتمركزة في تندوف، على أراضيها الحالية، والتي لم تصادق عليها الهيئات القانونية الدولية.
بات من المعروف أن “الحرس الثوري” الإيراني، يرسل العديد من نخبة القوات المسلحة الإيرانية ويرفق معهم المستشارينَ والمدربينَ السكريين لدعم “البوليساريو”. ويشرف الجنرال سعيد شنقريحة، قائد الجيوش الجزائرية، على تسهيل وصول الميليشيات الإيرانية وتنسيق المساعدات اللوجستية والعسكرية.
وتحت قيادة شنقريحة، تواصل أجهزة الأمن الجزائرية تقديم الدعم الاستراتيجي والعملياتي لجبهة البوليساريو، وبالتالي تعزيز العلاقات بين الجزائر وإيران وجنوب إفريقيا وجبهة “البوليساريو”.
المختص في الشأن الإيراني، أسامة الهتيمي، يروي أنه بشكل عام وعلى مدار أربعة عقود مضت، فالسياسة الخارجية الإيرانية خاصة في المنطقة العربية تعتمد بالأساس على الاختراق والاستقطاب وصناعة الفوضى.
والحقيقة بحسب حديث الهتيمي لـ”الحل نت”، أن إيران نجحت عبر ما اعتمدت عليه في سياستها الخارجية في أن تحدث استقطابا احتدّ في الكثير من الأوقات في الصف العربي، وهو ما أضعف الموقف العربي بشدة في مواجهة محاولات طهران لمدّ نفوذها في العديد من البلدان، حتى أضحى ذلك أمراً صعباً للغاية.
وهذا ما دفع نظام الملالي إلى مواصلة نفس السياسات وتحقيق الاختراق في مناطق أخرى لتحقيق هدفين رئيسيين: توسيع النفوذ، والقدرة على توظيف هذا النفوذ بما يحقق المصالح الإيرانية.
ويتابع الهتيمي فيما يخص الدور الإيراني في دعم جبهة “البوليساريو” وتوتر العلاقة مع المملكة المغربية، بأن الكشف عن دعم عسكري جديد تقدمه إيران للجبهة ليس بجديد، فقد فضحت المغرب مرارا وتكرار هذا الأمر ما دفع المملكة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، مقدّمةً الكثير من الأدلة والقرائن على اتهامها لإيران بدعم الجبهة سواء على المستوى السياسي بتأييد عملية الانفصال أو المستوى العسكري عبر تدريب كوادر الجبهة على يد بعضٍ من رجالات “الحرس الثوري” أو “حزب الله” اللبناني أو بتقديم الأسلحة الحديثة لهم.
ورغم النفي الإيراني المتكرر أيضا، إلا أن هذا بحسب الهتيمي ديدن إيران في التعاطي مع كل ما يوجّه إليها من اتهامات من قبل العديد من الجبهات بشأن التدخل لإثارة القلاقل والتوترات، وهو أمر بات معلوماً لدى الجميع فلا يؤخذ إذن بما تعلنه إيران وتؤكّده فالواقع خير شاهد ودليل.
الخصومة الإيرانية المغربية
إن التغلغل الإيراني العسكري يمكن تفسيره من خلال تحليل الأهداف السياسية والجيوسياسية ومجال فرض النفوذ الإيراني، حيث تستخدم إيران من خلال ميليشياتها العسكرية الصحراء الغربية للضغط على موقف المغرب تجاه إيران، ودعم الجزائر، ومساعدة أنشطة “حزب الله” الإفريقية ونفوذ طهران في شمال إفريقيا.
يعود اشتعال الوضع بين المغرب وإيران بشأن صراع الصحراء الغربية إلى آذار/مارس 2017، عندما اعتقلت السلطات المغربية ممول “حزب الله” اللبناني قاسم تاج الدين في الدار البيضاء وهو في طريقه إلى بيروت من غينيا بيساو.
ووفقًا لوزارة الخزانة الأميركية، قدم تاج الدين تمويلًا لـ”حزب الله” عبر حُزمٍ نقدية تصل إلى مليون دولار. وبعد اعتقاله، تم تسليمه إلى الولايات المتحدة ومحاكمته بتهم تتعلق بالإرهاب.
أدى اعتقال تاج الدين إلى زيادة التوترات بين “حزب الله” والمغرب، وبالمثل خلق تقارب أكثر بين جبهة “البوليساريو” والحزب. إذ إن علاقتهما المباشرة بدأت في عام 2016 عندما شكّل “حزب الله” لجنة في لبنان لدعم جبهة “البوليساريو”.
في عام 2018، سلّم وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ما يسمى بـ”الملف السري” إلى نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، الذي كان “في حالة صدمة” خلال لقائهما في طهران، وكشف الملف عن اجتماعات بوساطة إيرانية بين كبار مسؤولي “حزب الله” اللبناني وممثلي جبهة “البوليساريو” في مخيمات اللاجئين الصحراويين في الجزائر.
والأمر الأكثر إثارة للقلق، هو الادعاء بأن مخابئ الأسلحة بما في ذلك الصواريخ المضادة للطائرات المثبتة على الشاحنات، تم تهريبها من قبل “حزب الله” عبر سفارة إيران في الجزائر المجاورة.
كما أثبت المغرب أن لديه دليل مؤكد على دور “حزب الله”، وأظهر لوزير الخارجية الإيراني حينها، “تواريخ ومواقع الاجتماعات والأسماء المشاركة”. وقد أرسلت هذه المفاجأة اللبنانية الجديدة والمؤامرة لـ”حزب الله” ضد الشاغل الرئيسي للمغرب بشأن سيادته المتنازع عليها في الصحراء موجات صدمة إلى العديد من العواصم الإقليمية والغربية.
وفي أيار/مايو 2018 ، قطع المغرب علاقاته مع إيران، ويرى الهتيمي، إن الدور الذي تلعبه إيران في منطقة المغرب العربي لا ينفصل على الإطلاق عن السياق العام للسلوك الإيراني في منطقة الشمال والغرب الإفريقي حيث تسعى إيران وبقوة إلى أن تُثبت أقدامها في العديد من بلدان هاتين المنطقتين ومنها مثلا النيجر ومالي وتشاد والجزائر وغيرهم، كون أن هذه المنطقة ضمن المرحلة المستهدفة في المشروع الإيراني الذي يتحرك على مستويين سياسي ومذهبي.
المدّ الشيعي في المغرب
يتهم المغرب إيران بشكل مباشر بزعزعة استقرار منطقة الصحراء الغربية من خلال سفارتها في الجزائر. ويشير بوريطة إلى أن الملحق الثقافي الإيراني في الجزائر، أمير الموسوي، ساعد في تهريب أسلحة “حزب الله” إلى جبهة “البوليساريو” عبر الجزائر.
خطر آخر تواجهه المغرب من إيران هو المدّ الشيعي الذي يسهّل على إيران الوصول إلى أهدافها من خلال القوة الدينية الناعمة للشيعة في المغرب.
ولذلك، اتُّخذ الخطاب الموجه لإيران في المغرب أبعاداً سياسية ودينية معًا، وخاصة منذ عام 2005. وكان المسؤولون المغاربة متشككين للغاية بشأن تأثير تغلغل الإسلام الشيعي في البلاد وظهور مجتمع شيعي يبلغ تعداده بضعة آلاف، وخاصة في مدينة طنجة الشمالية. ووردت أنباء عن سجن نحو 300 شيعي مغربي من المدينة في البلاد كجزء من حملة السلطات ضد “رغبة إيران المزعومة في الهيمنة الإقليمية”.
المختص في الشأن الإيراني، ناجح النجار، يؤكد أن الدعم الإيراني لجبهة “البوليساريو” حيث المنطقة المتنازع عليها بين الجزائر والمغرب، ما هو إلا شكل من أشكال المدّ الشيعي كما حدث في بعض دول الشرق الأوسط.
إن ما يعني إيران بالدرجة الأولى، وفق حديث النجار لـ”الحل نت”، هو المدّ الشيعي ولاسيما في المنطقة شمال إفريقيا حيث “البوليساريو” التي تسيطر على مساحات واسعة تتجاوز 260 ألف كيلومتر، فإيران لديها تصور تعمل عليها منذ عقود هو تصدير الثورة الإسلامية وتحقيق وولاية الفقيه.
ولهذا تنفق إيران أغلب مدخلاتها الاقتصادية على أذرعها الخادمة لفكرة المدّ الشيعي وفرض النفوذ الإيراني، ولهذا ليس من الغريب تقديم الدعم العسكري لجبهة “البوليساريو” طالما هذا يصبّ في بسط نفوذها دون مراعاة النتائج التي تترتب على هذا الدعم. فمثلا قد يتسبب التقارب بين الجزائر وإيران إلى التباعد العربي عن الجزائر تماما كما حدث في السابق مع سوريا، فالمهم بالنسبة لإيران هو تحقيق الأجندة الإيرانية بأهدافها الشيعية.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.