في حين تحاول بعض الدول العربية إيجاد حل للملف السوري، بالنظر إلى أن آثار الأزمة السورية باتت تمتد إلى دول الجوار والمنطقة، لا سيما قضية تهريب المخدرات “حبوب الكبتاغون” من داخل سوريا عبر الحدود مع الدول المجاورة ومنها إلى دول أخرى، مثل الخليج وغيرها، يسعى أعضاء في “مجلس النواب الأميركي” (الكونغرس) إلى تمرير مشروع قانون جديد “كبتاغون 2″، بغية قمع الاتجار غير المشروع بهذا المخدر في المنطقة والتي مصدرها الأساسي، سوريا.

عضو “الكونغرس” الأميركي، فرينش هيل، الذي وضع قانونا جديدا يطالب الوكالات الحكومية الأميركية بمعالجة أزمة “الكبتاغون” في الشرق الأوسط، ولفت إلى أنه من الضروري أن تكون أميركا مستعدة للعب دور “الشرطي السيئ” لإجبار سوريا على وقف تدفق المخدرات المسببة للإدمان.

قانون “الكبتاغون”، الذي تم تمريره العام الماضي، ينص على أن تقوم وزارة الخارجية الأميركية و”البنتاغون” والوكالات الفيدرالية الأخرى بوضع استراتيجية ضد شبكات إنتاج المخدرات والاتجار بها المرتبطة بسلطة الرئيس السوري بشار الأسد.

من هنا تبرز عدة تساؤلات حول فرص موافقة واشنطن على هذا القانون الجديد “كبتاغون 2” فيما يتعلق بسوريا، ودلالات طرح هذه الخطوة المقترحة ضد حكومة دمشق في هذا التوقيت بالذات، وانعكاساتها على الحكومة السورية وعلى التقارب العربي مع دمشق مؤخرا.

فرص موافقة واشنطن

نحو ذلك، طرح نائبان أميركيان عضوان في “الكونغرس” الأميركي والمؤلف من مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين، مشروع قانون قمع الاتجار غير المشروع بـ”الكبتاغون” “كبتاغون 2” أمام “مجلس النواب الأميركي.

عضو “الكونغرس” فرينش هيل- “Getty/AFP”

أحد مقدمي القانون، هو النائب فرينش هيل، عن “الحزب الجمهوري”، الذي قال في مقابلة مع “ذا ناشيونال“، إن “الأسد زعيم مخدرات عابر للحدود، حيث يدمر عقار الكبتاغون العائلات في المنطقة، ويؤجج شراكته الإرهابية مع إيران وحزب الله، بتمويل غير قانوني بالمليارات”.

من وجهة نظر هيل، فإنه بعد أن حددت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن استراتيجيتها لمكافحة الإيرادات غير القانونية من “الكبتاغون”، التي فرضها مشروع قانون “الكبتاغون” الذي قدمه هيل من قبل، فمن المهم أن تستمر الحكومة في التصرف بشكل حاسم، لتعطيل وتفكيك إنتاج هذا المخدر والاتجار به.

في هذا الصدد، يقول الباحث في العلوم السياسية والمتخصص في الشأن الأميركي، زياد سنكري، لموقع “الحل نت”، إنه يبدو أن “معركة نظام الأسد الرئيسية هي مع مجلسي النواب والشيوخ مجتمعين. ففي ظل الانقسام العامودي السياسي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي والتباعد الحاصل على كافة الملفات، يبقى ملف معاقبة النظام السوري هو الجامع المشترك الوحيد بين النواب الأميركيين”.

كما وثمة محاولة جادة من النواب الأميركيين على ضرب شبكة “الكبتاغون” المصنعة في سوريا والتي تدر على الحكومة السورية ما يقارب ٦ مليار دولار سنويا. وتضم هذه الشبكة أقارب للرئيس السوري والعديد من العناصر الداعمة التي تدور في فلك “حزب الله” اللبناني والموالي لطهران، على حدّ قول سنكري.

بالتالي إذا كان هناك تأييد من قبل أعضاء آخرين في “الكونغرس” الأميركي لهذا القانون الجديد “كبتاغون 2″، فلا يستبعد أن تعتمده واشنطن خلال الفترة المقبلة، خاصة إذا ما لم يتم كبح تجارة هذه المخدرات على الحدود السورية مع دول الجوار، أي إذا تعثرت جهود الدول العربية في مكافحة هذه التجارة غير المشروعة.

بطبيعة الحال، في حال إقرار هذا القانون “كبتاغون 2″، فإن عمليات تهريب المخدرات ستنخفض، ما سيكون له عواقب سلبية على اقتصاد حكومة دمشق، باعتبار أن مصدرها الاقتصادي الأساسي هو تجارة “الكبتاغون”، حيث تجني منه مليارات الدولارات سنويا.

دلالات قانون “كبتاغون 2”

من شأن مشروع القانون بعد إقراره من مجلسي النواب والشيوخ، أن يحقق زيادة الضغط على حكومة دمشق، من خلال فرض عقوبات جديدة لاستهداف الأفراد والشبكات المرتبطة بإنتاج هذا المخدر والاتجار به بشكل مباشر، لضمان الاستقرار في المنطقة، طبقا لحديث النائب، الذي دعا الحكومة الأميركية لمواصلة العمل مع الحلفاء والشركاء، والضغط لوقف انتشار هذا العقار الخطير.

القانون الجديد سيساهم في ضعف إيرادات الأسد، وفق ما يراه النائب عن “الحزب الديمقراطي”، جاريد موسكويتز.

موسكويتز أضاف بالقول “لقد شهدنا عودة ظهور حكومة دمشق منذ أن بدأوا في الاستفادة من بيع هذا المخدر الخطيموسكويتزر، لن تساعد العقوبات الجديدة في الحد من البيع غير القانوني للكبتاغون وإضعاف قدرة وصوله إلى الولايات المتحدة فقط، بل ستزيد أيضا من إضعاف سلطة الأسد، والمنظمات الإرهابية التي يمولونها”.

الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأميركية، والمقيم في واشنطن، يرى أن العديد من أعضاء “الكونغرس” الأميركي غير راضين عن التقارب العربي الأخير مع حكومة دمشق، والذين يعتبرونه “مجرم حرب ويدير ويحمي حاليا أكبر شبكة لتصنيع وتهريب المخدرات”.

لا تزال الإدارة الأميركية على موقفها العلني القائل بضرورة محاسبة كل من شارك في جرائم الحرب في سوريا وعدم الانفتاح على الحكومة السورية و”تطبيع” العلاقات مع الأسد حتى يتم المساءلة وتنفيذ الإصلاحات لضمان مشاركة واسعة للمجتمع السوري بأكمله ولضمان حماية العديد من الأعراق، وخاصة حلفاء واشنطن الأكراد والمتمثلين بـ”الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا، وفق تعبير سنكري.

لكن رغم هذا الموقف العلني للإدارة الأميركية، لم تظهر أي محاولة لاتخاذ موقف حاسم من الانفتاح العربي على حكومة دمشق. بل أبلغت حلفاءها العرب أنها ستمنحهم فرصة لانتزاع مكاسب من الأسد مقابل عودته إلى الساحة السياسية العربية، لا سيما فك الارتباط مع النظام الإيراني، ووقف تجارة المخدرات في سوريا، وبالتالي منع إمدادها ومحاسبة مجرمي الحرب، حسب اعتقاد سنكري.

سوريا باتت المركز العالمي لإنتاج “الكبتاغون”- “إنترنت”

كما ويلفت سنكري من وجهة نظره، أن كل ذلك يأتي وسط المتغيرات الدولية وتخفف واشنطن من وجودها في منطقة الشرق الأوسط التي شهدت تحركات وتغيرات إقليمية عدة مؤخرا.

ترى الدول العربية التي احتضنت دمشق مؤخرا علنا، من خلال حضور الأسد في قمة “جامعة الدول العربية” بمدينة جدة السعودية، أنها تستطيع فك الارتباط العضوي بين سوريا وإيران، لكن هذا ضربا من الخيال وستكشف ذلك الحقائق على الأرض في ظل وجود مناطق شاسعة من سوريا تحت سيطرة أو حماية إيران وقوات الميليشيات التابعة لها، ولا يمكن لطهران أن تتنازل بسهولة عن مناطق نفوذها.

عامل نتائج التقارب العربي مع دمشق

بالعودة إلى حديث هيل، فإنه يرى بأن الولايات المتحدة يمكن أن تساعد في مواجهة الحبوب التي أصبحت مصدرا حيويا لتمويل الحكومة السورية. وأضاف هيل “بسبب استراتيجيتنا ورغبتنا في قطع التمويل عن الأسد.. يجب أن نكون الشرطي السيئ هنا”.

سمحت الدول العربية لدمشق بالعودة إلى “الجامعة العربية” في أيار/مايو الفائت، بعد غياب دام 12 عاما على أمل معالجة مشاكل سوريا العديدة، بما في ذلك أزمة المخدرات واللاجئين السوريين. وترى هذه الدول العربية أن عزلة دمشق أسفرت عن نتائج قليلة. في حين لا تزال القوى الغربية تعارض إلى حد كبير أي “تطبيع” مع الأسد.

هيل يقول “يجب على الدول العربية، أن تكون شرطيا جيدا في كيفية إجبار الأسد على التغيير”، مشددا في الوقت ذاته على أن استراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة “الكبتاغون” لا تضع واشنطن في خلاف مع الشركاء الإقليميين لزيادة المشاركة مع دمشق. لكنه أعرب عن مخاوفه بشأن إعادة قبول سوريا في “جامعة الدول العربية”، دون أي شروط.

سنكري يرى من جانبه أن ضغط “الكونغرس” الأميركي على الحكومة السورية سيزداد ولكن موقف إدارة بايدن المعارض لأي “تطبيع” مع الأسد سيبقى على ما هو عليه حاليا، ولكن من دون اتخاذ إجراءات ضد أي من الدول المطبعة.

سيكون بايدن بانتظار نتائج هذا التقارب العربي مع دمشق من حيث تغيير سلوك الحكومة السورية بشكل جدي وحقيقي.

الباحث السياسي والمتخصص بالشأن الأميركي، زياد سنكري

لكن الواضح أن العدو الصريح والواضح لحكومة دمشق هو “الكونغرس” الأميركي بجناحيه المتخاصمين على كل شيء باستثناء زيادة وتيرة الضغط على الأسد وسياساته القمعية في إدارة البلاد، على حدّ تعبير سنكري.

هيل خصّ الأردن كواحدة من أهم الجهات الفاعلة الإقليمية التي تعمل معها واشنطن، من أجل مكافحة ملف “الكبتاغون” بسوريا. ودعا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأسبوع الماضي إلى اجتماع وزاري عبر الإنترنت ضم عشرات الدول والمنظمات الدولية لإطلاق تحالف عالمي لمواجهة تهديدات المخدرات الاصطناعية. وكان الأردن والمملكة العربية السعودية والمغرب من بين الدول الممثلة.

وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الذي التقى مؤخرا مع الأسد، تحدث عن كفاح الأردن مع تهريب المخدرات على حدوده مع سوريا، مضيفا في الاجتماع عبر الإنترنت “الأردن في طليعة هذه الحرب الجديدة ضد المخدرات الاصطناعية”. وأن التحالف الذي أطلقته الولايات المتحدة هو “خطوة مهمة للتصدي للعقاقير الاصطناعية.. بالنظر إلى البعد العالمي لهذا التهديد والموارد الهائلة وراءه، نحتاج إلى مواجهته معا”، وفق الصفدي.

وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي والرئيس السوري بشار الأسد- “سانا”

التقارب العربي القائم على أساس مسار “خطوة مقابل خطوة”، تتناول في جوهرها ضرورة التعاون في مكافحة تهريب المخدرات من سوريا إلى الجوار، وهو ما ركز عليه الصفدي أثناء زيارته لدمشق مؤخرا، كما أن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، تطرق خلال زيارته إلى دمشق، ولقائه الأسد، يوم الأحد الماضي، إلى ملف المخدرات.

لذلك فالدول العربية بعد احتضان دمشق تنتظر الآن خطوات عملية وجادة من دمشق، بالنظر إلى أن أولوية هذه الدول هي قضية المخدرات والسلاح ووجود الميليشيات بالقرب من الحدود، لكن إذا لم تستجب دمشق لهذه الخطوات وتثبت حسن نيتها وهو السيناريو الأكثر ترجيحا، فسيكون ذلك مناورة واضحة من دمشق، وبالتالي فإن هذه الدول العربية ستتوقف عن إعادة تعويم الأسد، وستشتد العقوبات ضد دمشق خاصة فيما يتعلق بملف “الكبتاغون”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات