تعددت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإيجابية نحو الرئيس السوري بشار الأسد وإعادة العلاقات فيما بينهما عبر لقاء محتمل؛ بيد أن الدول الفاعلة دوليا منها ما يرقب تلك التطورات ويدفعها بحسب أهدافه – روسيا وإيران – والتي تعمل إزاء تنسيق تلك التحركات البينية وإدارة ملف العلاقات بما يخدم توجّهاتها الاستراتيجية.

في هذا الإطار أشارت صحيفة “مردم سالاري” الإيرانية، إلى التقارير الإعلامية التي تحدثت عن لقاء منتظر بين الرئيس السوري بشار الأسد والتركي رجب طيب أردوغان في العاصمة الروسية موسكو دون التطرق لحضور إيراني.

تابعت الصحيفة قائلة: إن “هذه التحركات تأتي بهدف إعادة تأهيل نظام سوريا للعودة إلى المجتمع الدولي، وإنهاء حالة الارتكان داخل نظام طهران ما يضع الأخير في أزمة استراتيجية تجاه أهم حلفائه ويقوض استثماراته في جغرافيا سوريا السياسية ومصالحه الاقتصادية والتجارية معها”. 

خصم حقيقي

لم يكن فشل حكومة الأسد الابن في تدبير أوضاع بلاده سوى نتيجة منطقية لوقوع دمشق تحت قبضة وهيمنة عدد من الدول الإقليمية والدولية الذين تنازعوا مناطق النفوذ والسيطرة ويتقاسمون الثروة ومقدرات سوريا الاقتصادية خلال السنوات التي تلت أحداث العام 2011.

من جانبها نقلت صحيفة “ديلي صباح” التركية يوم الاثنين 22 من تموز/يوليو الجاري، عن مصدر وصفته بـ”المطلع”، أنّه من المقرر عقد أول لقاء بين أردوغان والأسد، في العاصمة الروسية، موسكو.

وسيتولى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، التوسّط في المحادثات التي يمكن أن يُدعى إليها رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، مع ترجيحات بعدم دعوة إيران للاجتماع الذي قد يحدث في آب/أغسطس المقبل.

وبحسب المصدر، فإن مسألة الانسحاب التركي ليست شرطًا مسبقًا، لكن جرى الاتفاق في نهاية المطاف على مناقشتها، على أن تتركز المباحثات في أولى جولاتها على الجانب الاقتصادي.

بوتين يلتقي بشار الأسد في موسكو حرب قادمة؟ (1)
موسكو، روسيا – 24 تموز/يوليو: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الثاني إلى اليمين) يستقبل الرئيس السوري بشار الأسد (الثاني إلى اليسار) في موسكو، روسيا في 24 يوليو 2024. (الصورة من المكتب الصحفي للكرملين/ هاند أوت)

بغض النظر عن كون تلك الأنباء داخل دائرة التقارير الإعلامية وتستند إلى التصريحات المتتابعة للرئيس التركي غير أن الجانب الإيراني خلال العامين الأخيرين كان حريصا على دفع الرئيس السوري لمماطلة موسكو نحو تطبيع العلاقات مع أنقرة، بيد أن الجديد هذه المرة هو الحديث عن لقاء على مستوى رؤساء الدول دون حضور الجانب الإيراني على عكس الاجتماع الذي عُقد في شهر أيار/مايو من العام الفائت في العاصمة الروسية موسكو والذي جمع وزراء خارجية دمشق وأنقرة وطهران.

الأخيرة تدرك تماما أن أي بناء توافقي في مسار العلاقات السورية التركية ما هو إلا خصم حقيقي من حضورها الميداني على الأراضي السورية لصالح الجانب التركي والروسي فضلا عن الجوانب الاقتصادية والتجارية، حيث إن تركيا دولة منتجة لكافة السلع الاستهلاكية الغذائية والصناعية والتكنولوجية، ويتم اللجوء إليها نحو تأمين غالبية الاحتياجات، إذ بلغت قيمة وارداتها 2.2 مليار دولار بحسب هيئة الإحصاء التركية لعام 2022. 

وقد ترى تركيا في أسواق مناطق سيطرة الحكومة السورية مستوردًا ذا جدوى اقتصادية مرتفعة، نتيجة عدة اعتبارات منها الجوار الجغرافي، الحاجة المُلحّة في أسواق دمشق للسلع الغذائية والصناعية، وأيضا كون تركيا ستكون الملجأ الأهم للنظام للالتفاف على العقوبات الدولية.

وتأسيسا لتلك الأوضاع التي ستنتج عن تطبيع العلاقات بين البلدين تضحى إيران قد خسرت جزءا كبيرا في ميزان التبادل التجاري مع سوريا لصالح تركيا القريبة منه جغرافيا، وما يترتب على ذلك من نكوص على اتفاقيات ومعاهدات اقتصادية بين البلدين تم توقيعها خلال السنوات الأخيرة.

استعجال النهاية

ربما تراهن طهران على عدة اعتبارات؛ قدرتها من صياغة الرئيس السوري تعقيبه على تصريحات أردوغان بأن التطبيع فيما بينهما رهن عودة الأمور لما كانت عليه قبل العام 2011 بمدى قدرتها على وضع الأزمات بين دمشق وأنقرة، وكذا الضغط على حكومة بشار الأسد التي تواجه كتلة من الضغوط الصلبة سواء من جانب طهران أو روسيا.

وبالمثل، التأكيد على ضرورة وضع الاتفاقيات العديدة الموقّعة بين البلدين موضع التنفيذ غير أن الجانب السوري يماطل كثيرا في تنفيذ ذلك ويرغب في استثمار ورقة الاقتصاد والاستثمار لمدّ جسور الصلة مع دول أخرى.

إيران التي ترى إنها أنفقت ما يقرب من 50 مليار دولار على الحرب في سوريا خلال عقدٍ كامل تدرك كم تحتاج من زمن وصفقات واستثمارات وتبادل تجاري حتى تستطيع معادلة حجم إنفاقها على الأسد الابن وكذا تعيين إيران في شهر نيسان/أبريل من العام 2023، حسين أكبري سفيراً مفوضاً فوق العادة في دمشق، بغية متابعة الملف الاقتصادي بين البلدين، وكذا اللقاءات المنتظمة والمستمرة مع المسؤولين السوريين فضلا عن تحرّكاته داخل مؤسسات الدولة وغرف التجارة والصناعة.

وفي تصريح لوسائل إعلام إيرانية خلال شهر آذار/مارس الفائت قال، عبد الأمير ربيهاوي، مدير عام منظمة غرب آسيا لتنمية التجارة، إنهم صدّروا في العام الماضي (الشمسي الإيراني) إلى سوريا ما قيمته 244 مليون دولار.

وأضاف أن هذا الرقم وصل في العام الحالي إلى 120 مليون دولار، “هذه ليست إحصائية تستحق التعاون الاقتصادي بين البلدين”.

بدوره لفت شاه حسيني، رئيس المكتب السوري بوزارة الخارجية بحسب وكالة “مهر” الإيرانية، أنه وخلال تسعة أشهر من العام الجاري (الشمسي) بلغ حجم العلاقات التجارية بين البلدين 100 مليون دولار.

حُكم المليشيات

رغم أن الخارجية التركية نفت خلال الأيام القليلة الماضية ما صدر عن أحد الصحف المقرّبة من الحكومة التركية، بأن موسكو ستجمع لقاء الرئيس التركي وبشار الأسد، غير أن ذلك بالطبع بحسب الصحفي السوري درويش خليفة، لا ينفي وجود تحركات روسية تسعى لتقريب وجهات النظر ما بين البلدين بغية الوصول للقاء المباشر على مستوى الرئاسة.

يتابع درويش حديثه لـ”الحل نت” قائلا: إن “هذا الأمر في تقديري لن يغيّر من الواقع الميداني كثيرا حيث إن المليشيات الإيرانية المتواجدة في سوريا وعدد القواعد العسكرية، والتي بلغ عددها نحو 801 لقوى أجنبية في سوريا لن يطالها أي تبدّل حقيقي جرّاء هذا التقارب التكتيكي”.

صورة نشرتها الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) تظهر الرئيس السوري بشار الأسد (يمين) يصافح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان خلال اجتماع في حلب، على بعد حوالي 350 كم شمال دمشق، في 6 فبراير/شباط 2011.

يشير درويش خليفة، إلى أن التقارب المأمول بالوساطة الروسية على أمل تحقيق معدلات مرتفعة للتجارة التركية من خلال استخدام الأراضي السورية كــ ترانزيت باتجاه دول الجنوب سواء الأردن أو دول الخليج لن يكون بهذه البساطة وبهذه السهولة، في ظل انتشار مئات القواعد والنقط الإيرانية والمليشيات غير الإيرانية الأخرى.

بأي حال، الوضع غاية في الاضطراب ولن يمرّ أي سيناريو بهدوء وتوافق ولن تسمح طهران بتجاوز دورها وحضورها في سوريا لصالح الجانب التركي وستضغط بكل قوة على حكومة دمشق لمواجهة ضغوط موسكو بهذا الشأن.

بدوره يؤكد الباحث في الشأن الإيراني، وجدان عبدالرحمن، أن اللقاء المزمع في موسكو خلال الأفق المنظور فيما بين الأسد الابن وأردوغان سيكون له أثر سلبي على النظام الإيراني الذي أنفق عشرات المليارات من الدولارات لدعم بشار الأسد بهدف الاستثمار في تطويع الأسد الابن وتمرير أجندة طهران الثقافية والاقتصادية والسياسية للوصول إلى شرق المتوسط.

يتابع وجدان عبدالرحمن حديثه لـ”الحل نت” قائلا: إن “إيران تعتبر سوريا الثقل الأساسي للمشروع الإيراني في الشرق الأوسط والذي استثمرت فيه مليارات الدولارات خلال العقد الأخير ولن تترك الأمر يمضي وفقا لرغبات موسكو وتركيا، كما أنها لن تترك الاختيار لبشار وستضع النظام في سوريا على محك السؤال الصعب حتى وأن كان ذلك رغبة دفينة لدى بشار الأسد”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
1 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات