على خلفية اتهام إسرائيل “حزب الله” بقصف قرية مجدل شمس في الجولان، رفعت تل أبيب جاهزيتها القتالية في الشمال، وتوعدت الحزب بدفع الثمن رداً على سقوط قتلى في مجدل شمس بالجولان. وبينما نفذ الجيش الإسرائيلي غارات على البقاع وجنوب لبنان، حذرت بيروت من اندلاع حرب إقليمية. 

وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، زار صباح الأحد الماضي، قرية مجدل شمس الدرزية، وحمّل “حزب الله” مسؤولية ما جرى. وخلال زيارته موقعَ سقوط الصاروخ، قال غالانت: إنه تم رفع الجاهزية إلى المستوى التالي للقتال، ثم توعد برد قاس على “حزب الله”.

كشفت مصادر مطلعة إلى أن مطار رفيق الحريري تم إخلائه من جميع الركاب وتعطيل حركة الطيران على كافة الاتجاهات كما أكدت تلك المصادر في حديث خاص لـ”الحل نت”، أن شركة طيران عربية أرجأت رحلاتها نحو العاصمة بيروت حتى الساعة العاشرة من صباح اليوم الاثنين، كما أنها عطلت رحلتها المتجهة إلى العاصمة بيروت في الثالثة فجراً، مما يعني بالضرورة ارتفاع سيناريو توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية لمناطق الجنوب اللبناني و”حزب الله”.

“حزب الله” يستسلم

حذّر وزير خارجية لبنان، عبدالله بو حبيب، من أن شنّ إسرائيل أي هجوم كبير سيؤدي إلى حرب إقليمية، مشيراً إلى أن “لبنان طلب من واشنطن حث إسرائيل على ضبط النفس في ظل التوتر في الآونة الأخيرة، فيما طلبت الولايات المتحدة من الحكومة اللبنانية كبح جماح حزب الله”.

ورطة حزب الله.. هجوم مجدل شمس يكتب نهاية حسن نصرالله؟ (1)
وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت (وسط) يزور الموقع الذي أُبلغ عن سقوط قذيفة من لبنان في قرية مجدل شمس في منطقة الجولان التي ضمتها إسرائيل في 28 يوليو 2024. (تصوير مناحيم كاهانا/وكالة الصحافة الفرنسية)

كما أشار وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب، إلى أن “حزب الله” مستعد للانسحاب إلى ما وراء الليطاني، إذا أوقفت إسرائيل خروقاتها، ولفت في حديث لقناة “الحدث” السعودية، إلى أنه على إسرائيل التفكير كثيراً قبل توجيه ضربة للبنان. 

وأوضح بو حبيب، أن الضرر سيطال إسرائيل والمنطقة في حال نشوب الحرب، وليس من مصلحة إسرائيل ولبنان نشوب حرب واسعة بين الطرفين، وشدّد على أن “حزب الله” سيكون إلى جانب الدولة وسندافع عن لبنان. واستطرد بأن واشنطن ضد التصعيد فيما تواصل دعمها العسكري لإسرائيل، مؤكدا بأن أي حرب على لبنان هي حرب على كل اللبنانيين.

كما قال مصدران أمنيان لوكالة “رويترز” للأنباء، إن “حزب الله” في حالة تأهب قصوى من يوم الأحد، مع تصاعد التوترات في أعقاب هجوم مجدل شمس المميت. وذكرت المصادر الأمنية أن “حزب الله” قام بتطهير بعض المواقع الرئيسية في كل من جنوب لبنان ووادي البقاع الشرقي، بل إن المستشارين الإيرانيين بدّلوا أماكنهم في سوريا تحسباً لوقوع أي هجوم محتمل من قبل إسرائيل.

نحو ذلك يقول السياسي اللبناني الدكتور، علي خليفة، لا يصدر عن الجهات الرسمية اللبنانية موقف إلا نتيجة توزيع أدوار يقوم به “حزب الله” بعد أن يكون قد أتمّ فعلته بتفرّد.

ويضيف خليفة في حديثه لـ”الحل نت”، إن الحكومة اللبنانية “مغلوبة على أمرها، تحاول استباق الأحداث المتدحرجة. وفق الأطر الشرعية والقانونية، الدولة مسؤولة عن سيادتها الوطنية وعن التزاماتها بالقرارات الدولية. حزب الله ينتقص هذه السيادة ويعرقل التزامات الدولة. ولحظة بلوغ حافة الهاوية، يسارع المسؤولون إلى إعلان مواقف متأخرة كالتي أصدرها رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي أو وزير الخارجية عبدالله بو حبيب”.

السياسي اللبناني الدكتور، علي خليفة

وهناك مواقف أكثر مأساوية كالتي أطلقها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط لتفادي إغضاب “حزب الله” ومن ورائه إيران، بينما يجاهر رئيس حزب “التوحيد”، وئام وهاب، إلى طلب إيقاف الحرب على الحدود الجنوبية وهو المعروف بقربه من حكومة بشار الأسد الرئيس السوري ومن يدورون في فلكه يستشعرون دنو لحظة نفض اليد من “حزب الله” وإيران.

كيف ستدور المعركة؟

اليوم وفقاً للأكاديمي علي خليفة، التخبط سيد الموقف على المستوى الرسمي في لبنان، والمسؤولون في سدّة السلطة لا يملكون قرارهم. القلق “سيد الموقف” في الشارع اللبناني والخوف من عملية إسرائيلية محتملة تطيح بقواعد الاشتباك القائمة وخارج حدود المواجهات المعهودة قد تصل إلى بيروت وضواحيها فتتدهور الأوضاع نحو الأخطر وتجرّ معها المزيد من الويلات. 

مشيعون يحملون نعوش وصور القتلى الذين سقطوا في قصف صاروخي من لبنان قبل يوم واحد، خلال جنازة جماعية في بلدة مجدل شمس الدرزية في هضبة الجولان التي ضمتها إسرائيل، في 28 يوليو 2024. (تصوير مناحيم كاهانا/وكالة الصحافة الفرنسية)

يختتم الدكتور علي خليفة تصريحاته لـ”الحل نت”، بقوله: إن “حزب الله المتورط في إيفاء التزاماته تجاه مشغّليه الإيرانيين سيواجه حكماً إعادة تحديد لدوره ووظيفته. وهذا ما قد يتم بثمن باهظ تدفعه البلاد من خلال أيام عصيبة قادمة”.

في هذا الإطار يشير اللواء دكتور سيد غنيم، الأستاذ الزائر بـ”الناتو” والأكاديمية العسكرية ببروكسل، إن كان التقدير العسكري يميل لتأجيل إسرائيل الرّد على “حزب الله” لعدة أيام على الأقل، فهناك الزاوية السياسية والأمنية التي تميل إلى العكس تماما وترجيح توجيه ضربة عسكرية نوعية خلال ساعات صباح الاثنين أو الثلاثاء.

يتابع الدكتور سيد غنيم في تصريحات خصّ بها “الحل نت”، أن 50 بالمئة من حكومة نتنياهو في اليمين المتطرف وضغط المواطنين الذين يرغبون إلى العودة إلى ديارهم، سيظهر نتنياهو قوة ركوب الأمواج على رياح العواطف المواتية واغتنام الفرصة التي خلقها حادث مجدل شمس. 

يُتوقع أن إسرائيل ستمطر القنابل الليلة على جنوب لبنان، مع ضربات دقيقة في عمق لبنان واحتمال تنفيذ دفع مفارز في صورة عملية برية متواضعة صغيرة غداً أو بعد غد بناءً على نتائج ضربة التمهيد النيراني، لاختبار وتقييم القوة الحقيقية لمقاومة “حزب الله”، إذا كانت إيجابية بالنسبة للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، فقد يؤدي هذا إلى المزيد من تراجع حضور “حزب الله” – على الأقل حتى نهر الليطاني.

وليس هناك نتيجة مضمونة من جراء تهور إسرائيل حالة تنفيذ ذلك، وبالتالي استخدام التفوق الجوي للتفاخر، وعمليات برية متواضعة صغيرة للاختبار. وستكون صغيرة بما يكفي، فإذا كانت النتيجة سلبية، فلا ينبغي ذكرها كهزيمة، ولكنها كبيرة بما يكفي لاختبار وتقييم احتمالات العمليات البرية الأكبر بنجاح.

في هذه الحالة ووفقا لزميل الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، سيتم البدء بالقوات الخاصة/المظليين في العمق اللبناني شمال مرج عيون شرقا وحتى صور على ساحل البحر المتوسط غربا وعلى مرتفعات الجولان على سبيل المثال. في المقابل، إذا بدأت إسرائيل باستخدام دبابات “ميركافا” وخسرت بعضها، فسيشجّع هذا “حزب الله” والفصائل المشاركة للتصدي للهجوم، وسيزيد من المقاومة في الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع ضد الهجوم الرئيسي.

إعادة رسم حدود النفوذ الإيراني

أكد “البيت الأبيض” أن الولايات المتحدة تلقي باللوم على جماعة “حزب الله” اللبنانية، عن الهجوم الصاروخي الذي أسفر عن مقتل 12 طفلًا وفتى في هضبة الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل. 

حسن نصر الله حزب الله لبنان إيران النظام الإيراني الحرس الثوري فيلق القدس إسماعيل قآاني إسرائيل لبنان
جندي إسرائيلي يرتدي رقعة على ظهر سترته الواقية تظهر زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله كهدف، يقف أمام مدفع هاوتزر ذاتي الدفع في الجليل الأعلى في شمال إسرائيل. (تصوير جلاء مرعي/وكالة الصحافة الفرنسية)

المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، أدريان واتسون، ذكرت في بيان “هذا الهجوم أنجزه حزب الله اللبناني. إنه صاروخ خاص بهم انطلق من منطقة يحكمونها”، مشيرة إلى أن “البيت الأبيض” يجري مباحثات متواصلة مع المسؤولين الإسرائيليين واللبنانيين منذ حدوث الهجوم.

وأضافت واتسون في بيان: “تسعى الولايات المتحدة أيضا إلى تحقيق حل دبلوماسي على طول الخط الأزرق الذي ينهي كل الهجمات بشكل نهائي ويتيح للمواطنين على ضفتي الحدود العودة بسلام إلى منازلهم”.

بدوره قال العميد الركن خالد حمادة، مدير “المنتدى الإقليمي” للاستشارات والدراسات، أن ثمة محاولات عديدة دبلوماسية لمحاولة إيصال رسائل إلى الولايات المتحدة الأميركية بضرورة ضبط الوضع وعدم الموافقة لإسرائيل على ضرب البنية التحتية في لبنان أو تطال مدنيين. 

أردف حمادة في حديثه لـ”الحل نت”، أنه برغم كل هذه التعهدات سواء التي يصرح بها وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال أو التي تصدر عن الرئيس نبيه بري جهة الالتزام بالقرار 1701 كل هذه تبقى دون فائدة أو بالأحرى دون فائدة عملية لطالما أنها لا تتم ضمن منتديات رسمية أو لقاءات رسمية، ولا يمكن التأكد فعلاً من احتمالية تقيد “حزب الله” بها. 

وعليه كان الجواب الأميركي؛ إذا لماذا لا تضغطون على “حزب الله” إذا كنتم تريدون منا أن نضغط على إسرائيل. بالتالي – والحديث للعميد حمادة – أعتقد أنه كل ما يقال الآن هو من قبيل محاولة استدراك ضربة إسرائيلية قد تكون غير مألوفة وخارجة عن كل التصعيد الذي شهدناه حتى الآن. 

إذاً، نمرّ بلحظة حرجة حيث إن الضربة العسكرية الإسرائيلية أصبحت مؤكدة وأغلب الترجيحات العسكرية أنها ستكون خلال ساعات فجر الثلاثاء الأخير من تموز/يوليو الجاري. كذلك ينبغي فحص موقف إيران و”حزب الله” بعد تلك الضربة المرجّحة ولكن بالمجمل يمكن القول، إن هذه الضربة المرتقبة هي التي ستحدد معالم مرحلة التصعيد المقبلة. 

يختتم العميد الركن خالد حمادة حديثه لـ”الحل نت”، بقوله إن ما سنشهده بدءا من تلك اللحظة بالتحديد سيكون هو عتبة إعادة لرسم حدود النفوذ الإيراني في المنطقة، ولإعادة صياغة قواعد الاستقرار لحدود إسرائيل. فالموضوع هو أبعد من منازلة عسكرية محدودة وأقرب لمرحلة على طريق المواجهة الشاملة والمرتقبة، لا سيما بعد إرساء الهدنة في غزة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات