هذه السنة ستكون الرابعة والثلاثين لتأسيس “اتحاد المغرب العربي” (ا م ع)، حيث تتجدد الآمال بعودة الروح إلى الاتحاد الذي يجمع الدول الخمس المكونة له ويعطيه دورا جديدا وقويا مغايرا، خاصة وبما أن هذا الاتحاد يُعتبر مهما إذا ما انبعث فيه روحا تفاعلية حقيقية، نظرا لموقعه الاستراتيجي، فإن المغرب العربي يقع بين الأميركتين عبر المحيط الأطلسي، مع أوروبا من الشمال، والساحل وإفريقيا من الجنوب، والشرق الأوسط والقارة الأوروآسيوية الأوسع إلى الشرق، بالإضافة إلى خط ساحلي متجاور يمتد على طول البحر المتوسط المزدحم والطرق البحرية.

كان من الممكن أن يكون هذا الاتحاد مشروعا طموحا، لكنه تأثر بالمد والجزر المتغير في ذروة العولمة، مما أفسح المجال للإقليمية السريعة، وسط موجة متصاعدة من الحمائية غير المتسرعة. كذلك، فهناك العديد من الأسباب الأخرى التي تقف وراء عدم تحقيق هذا الاتحاد أيّا من أهدافه ودواعيه.

لذلك لابد من طرح تساؤلات حول تأثير دول “اتحاد المغرب العربي” بالمتغيرات العالمية، وكذلك أسباب اختفاء هذا الاتحاد الذي كان سيصبح قوة صلبة ذات بُعد اقتصادي وسياسي متكامل، متجاورا جغرافيا ومتماسكا ثقافيا من العالم في كتلة عربية كبيرة، بجانب التساؤل حول علاقة الافتقار الدائم للإرادة السياسية لتحقيق مثل هذه الرؤية، لا سيما مع انضمام الجزائر لمحور روسيا والصين.

تأثيرات المتغيرات العالمية

“اتحاد المغرب العربي”، اتحاد إقليمي تأسس في شباط/فبراير 1989 بمدينة مراكش بالمغرب، ويتألف من خمس دول تمثل في مجملها الجزء الغربي من العالم العربي وهي “موريتانيا، المغرب، الجزائر، تونس وليبيا”. وذلك من خلال التوقيع على ما سُمي بمعاهدة إنشاء “اتحاد المغرب العربي”.

اقتصادات الدول الخمس، تعتبر مكملة لاقتصاد بعضها البعض، حيث أن الاتحاد في حال تفعيله سيحقق الاكتفاء الذاتي لكل هذه الدول في معظم حاجياتها. في حين يبلغ عدد سكان “اتحاد المغرب العربي” حوالي 100 مليون نسمة 80 بالمئة منهم يعيشون في المغرب والجزائر، وعاصمة الاتحاد هي مدينة الرباط في المغرب.

من المؤسف أن “الاتحاد المغاربي” يعيش جمودا كبيرا أو بالأحرى، موتا إكلينيكيا لا سيما بعد نهاية الولاية الثانية للأمين العام الطيب البكوش، واندلاع الأزمة الثنائية بين المغرب وتونس. حيث كان من الممكن أن يصبح الاتحاد المتكامل، ولا يزال بإمكانه، أن يصبح مركزا عالميا رئيسيا ينافس نمو “مجلس التعاون الخليجي” الموحد بالكامل والذي تأسس في وقت سابق في عام 1981.

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة “الجزائر”، الدكتور إدريس عطية، يعتقد أن المغرب العربي كتجربة تكاملية أو منطقة إقليمية لها العديد من الترسبات السياسية والتاريخية فيما بين دوله، وهو ما عرقل مسار التعاون مع المحيط الإقليمي سواء بالحديث عن إشكالات قضية الصحراء العربية أو الخلافات التاريخية مع الجزائر، مع الأخذ في الاعتبار أن معمر القذافي الرئيس السابق لليبيا جعل من قضية “لوكيربي” قضية مغربية، وجعلها أساس لمنع التعاون بين الدول المغاربية غير أنه في 2011، تحولت ليبيا لدولة منهارة تخضع لتجاذبات متباينة على المستوى السياسي من جهة التدخلات التي تعرضت لها من قبل أطراف دولية وإقليمية منها أوروبا وروسيا وتركيا.

قد يهمك: هل تكون الموازنة في تونس سببا لعصيان ضريبي؟

بحسب الأكاديمي السياسي الجزائري الذي تحدث لموقع “الحل نت”، فهذه المنطقة يزيد عدد سكانها عن 100 مليون نسمة وهي سوق استهلاكية اقتصادية مهمة ومؤثرة، بجانب حيازة هذه الدول على عدد كبير من الثروات والموارد الطبيعية ناهيك عن النظر إليها كرقعة جغرافية في مجال جيوستراتيجي مهم على شمال إفريقيا وفي إطار حوض المتوسط وقريب من آسيا والأميركتين وأوروبا.

خلافات وتعثر؟

في نظر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، فإن الشيء الذي أصبح يؤثر على دينامية السياسة للمغرب العربي، وفق تقدير عطية، هو “التطبيع مع إسرائيل وارتباطه استراتيجيا بتل أبيب بما تسبب في أزمات أخرى ما دفع بالجزائر لقطع العلاقات مع المغرب فضلا عن شنّ حملات تشويه في المقابل من قبل المغرب، وتبادل التلاسنات السياسية الأمر الذي تكرر مع تونس بعد استضافة قمة إفريقيا وحضور رئيس الجمهورية الصحراوية حيث وقعت مشاحنات إعلامية ودبلوماسية، ومن ثم لا يبدو أن هناك فرصة من قِبل المغرب لبعث علاقات تعاونية مع دول الجوار كتونس أو ليبيا أو موريتانيا”.

عطية عزا ذلك لخطاب المغرب التاريخي التوسعي باعتبار المغرب هو أقصى كبير ولا يؤمن بالتعاون، كما وأحد دعاة الأئمة الإسلاميين أحمد الريسوني، طالب بالجهاد ضد الدول المغربية ونفى وجود الجمهورية الموريتانية ما يزيد الفجوة مع الدول المجاورة وعدم وجود أرضية لأفق فيه تعاون مغربي-مغربي، ولذلك “اتحاد المغرب العربي” في الذكرى الرابعة والثلاثين مجرد حبر على ورق، فالأمين العام الذي يشرف عليه هو مجرد موظف ويؤدي دورا محدودا دون أي تصورات عملية لحل المشكلات.

 المراقبون من جانبهم، أشاروا إلى أن الخلافات الموجودة بين دول الاتحاد، مثل الخلاف بين المغرب والجزائر بسبب موقف هذه الأخيرة من قضية الصحراء، بالإضافة إلى الأزمة السياسية بين تونس وليبيا بسبب اتهامات ذات علاقة بملف الإرهاب، قبل أن تتعقَّد العلاقات بين المغرب وتونس عقب استقبال الرئيس قيس سعيّد لزعيم “جبهة البوليساريو”، وقيام البلدين المغاربيين باستدعاء سفيريهما في تونس والرباط، هي من أدت إلى تلاشي هذا الاتحاد.

في الوقت الراهن، لا تزال المنطقة المغاربية من بين أكثر المناطق تجزئة في العالم، على الرغم من تعداد سكانها البالغ أكثر من 100 مليون نسمة وإجمالي ناتجها الاقتصادي البالغ 325 مليار دولار.

بالمقارنة، فقد توسعت المنظمات والجمعيات الإقليمية الأخرى في القارة الإفريقية، على سبيل المثال، من حيث النطاق والتطور في السنوات الأخيرة إلى درجة جذب شمال إفريقيا للانضمام إلى صفوف السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا، وأيضا الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.

إضاعة “طموحات كبيرة”

بحسب بعض التحليلات، فقد أثبتت الإقليمية المتزايدة وليس الحمائية أو الأحادية، التي سمحت للاقتصادات المتكاملة بالتخصص أنها أساسية لتحقيق مبادئ التنمية المستدامة والنمو المرن طويل الأجل، لا سيما في جميع أنحاء العالم النامي. نظرا للمستويات العالية الحالية من الترابط العالمي والتطور، فإن الموقع الاستراتيجي العام “للاتحاد المغربي”، ولا سيما قربه من السوق الأوروبية المشتركة التي تبلغ الآن 17 تريليون دولار، كان سيغذي فترات من النمو غير المسبوق، مما قد يؤدي إلى انتشال الملايين من الفقر وتحويل الاقتصادات المغاربية الريعية، التي تنازع الأمرّين في الوقت الحالي، وخصوصا تونس، الدولة المهددة بالإفلاس خلال العام الجاري.

بحسب بعض الخبراء الاقتصاديين، لو أن “الاتحاد المغاربي” استغل إمكانات المنطقة غير المستغلة حاليا لتصل قيمتها إلى ما يقرب من 7 مليارات دولار في السنة. أي أنه لو نجح في إنشاء كتلة تجارية رسمية من خلال إزالة الحواجز والخلافات، والالتزام بسياسة تجارية مشتركة وخلق سوق مشتركة، لكانت المنطقة قد حققت نموا يقارب 225 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي على مدى العقود الثلاثة منذ تأسيسها.

قد يهمك: انبعاث “داعش” في الجزائر.. هل يعيد فتح ملف الإرهاب؟

لكن، يبدو أن إهمال وفشل دول الاتحاد في تحقيق أي تعاون أو شراكة استراتيجية تفضي بتحقيق آمال وطموحات كبيرة لشعوب المنطقة، فلا تزال التجارة البينية عند النصف بالمئة من إجمالي الواردات والصادرات في المنطقة اليوم، على الرغم من التقلبات الواضحة والموثّقة جيدا للتخلي عن السياسات الحمائية والانعزالية الضارة التي تستمر في تقليص فرص النمو. والأسوأ من ذلك، أن التداعيات والتحديات العالمية مثل الانكماش الاقتصادي الناجم عن جائحة “كورونا” واضطرابات سلاسل التوريد على إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، بالإضافة إلى تغير المناخ وعالم “ما بعد النفط” الذي يلوح في الأفق، لم تطرح بعد حكومات دول المغرب العربي أسئلة جادة حول الآفاق المتجددة لأوضاع ومصير بلادها.

هل من أفق لتحقيق “اتحاد متكامل”؟

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، يقول أن التعاون بين الدول المغربية يمكن أن يكون على الأقل على مستوى ثنائي، فالجزائر باعتبارها قلب المنطقة المغربية وهي القوى الحيوية بالمنطقة والقائد الإقليمي للمنطقة المغربية، كذلك وتطرح الجزائر بقوة فكرة أن العلاقات مع تونس مثالية، بالإضافة إلى المقاربة السياسية التي طرحتها الجزائر في السابق كانت تقوم على السلم والتعاون أيضا من خلال جهود كبيرة لبناء تعاون مشترك مع موريتانيا، ذلك لأن الجزائر ساهمت في تعزيز بناء الدولة من حيث قطاعات البنية التحتية كالصحة والتعليم وبعث طريق مزدوج رابط بين موريتانيا والجزائر لكسر الحصار عليها ودمجها في المجتمع المغربي وتنمية أوضاعها الاقتصادية.

عطية أشار إلى فاعلين في المجتمع المدني المغربي في ليبيا وتونس طالبوا بإنشاء اتحاد مغربي بدون المغرب بعد اختيار الأخير خيارات غير مغربية ولم تضع في الاعتبار الوحدة المغربية كأساس وأجندة عمل مشتركة بينما الجزائر هي التي تقوم بهذه المقاربة وتعتبر المنطقة المغربية كتلة سياسية واحدة وموحدة وبعث حلول مغاربية مع شرعية دولية وكذلك الاتحاد الإفريقي و”جامعة الدول العربية” و”هيئة الأمم المتحدة” والنظر للقضية الصحراوية من ناحية التمسك بمبدأ تقرير المصير كسبيل وحيد لتصفية هذه المشكلة الاستعمارية وهي أخر قضية بالقارة الإفريقية.

الجزائر في فترة وجود المحور الاشتراكي انفتحت على مبادرة “الحزام والطريق” الصينية ونظرتها على أساس بوابة القارة الإفريقية وميناء الحمدانية والدخول للصحراء كما تربطها علاقات استراتيجية وعسكرية مع موسكو فضلا عن طلب انضمامها لمجموعة “بريكس” مع السعودية والأرجنتين وفق حديث عطية، يراه آخرون أنه بوابة لتفكك الاتحاد.

إن إمكانية تحقيق اتحاد متكامل وعميق، يتطلب جهودا عميقة وحقيقية وأطرا ومقاربات سياسية من دول الاتحاد نفسه، وتحديدا الجزائر والمغرب، وذلك على مستوى تعاون متماسك ومتسق ووثيق في السياسات والأنظمة الاقتصادية التي تلبي خصوصيات المنطقة المغاربية، فضلا عن التنسيق طويل الأمد فيما يتعلق بأحجام التجارة ومخصصات استثمارات المشاريع المشتركة، وهذا الاتحاد المتكامل يتطلب جهودا كبيرة وتعاون من جميع دول الاتحاد.

هذا التعاون بالتأكيد يحتاج إلى أساس جديد كليا يكون أكثر حساسية للحاجة إلى إطار شامل للتعاون يكون مناسبا لتلبية الإلحاحات الحالية والمستقبلية، بدلا من أن يصبح مجرد وسيلة أخرى للتعبير عن المظالم، وفق مراقبين.

هذا الاتحاد المتكامل إن حصل، فسوف يوفر فرصة لأن يصبح شريكا أكثر جاذبية واستقرارا للتجارة وأشكال التعاون الأخرى. كما أنه سيمكّن البلدان المغاربية من الدخول في اتفاقيات ثلاثية متبادلة المنفعة مع الكتل الإقليمية الأخرى المنتشرة حول العالم، مما يفتح الباب أمام تعاون معزز في مجالات أخرى، مثل مكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد والهجرة غير النظامية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.