ضمن رؤيتها الاقتصادية “2030” وضمن “وثيقة الخمسين”، تسعى الإمارات إلى تنويع وتحقيق أهدافها وخططها الاقتصادية، حيث اتجهت إلى توقيع اتفاقيات مشتركة مع دول أخرى، لتعزيز التعاون التجاري والاستثماري، وتحفيز النمو الاقتصادي بينهما.

أبو ظبي مثلها مثل أي دولة خليجية، تسعى إلى دعم التنمية المستدامة والتنافسية الاقتصادية، إضافة لتحسين فرص العمل وتبادل الخبرات وتقوية علاقات الشراكة الاستراتيجية مع الدول الأخرى، إذ تهدف هذه الشراكات أيضا إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي والعالمي وتدعيم السلام والأمن في المنطقة والعالم.

عدة اتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة وقعتها الإمارات منذ العام 2021 وحتى حزيران/يونيو الجاري مع 5 دول، ولا تقف أبو ظبي عند هذا الحد بل تبحث بشكل مكثف مع دول أخرى لتوسيع الاتفاقيات التي تُعد إحدى الركائز الأساسية لتحقيق هدف رؤيتها الاقتصادية.

الهدف الإماراتي

الإمارات تعتبر من أهم الدول التي تبحث عن تعاون اقتصادي مع دول أخرى من خلال إبرام شراكات اقتصادية شاملة تماشيا مع مستهدفات ومبادئ الخمسين التي أعلنتها نحو بناء مستقبل أفضل، حيث تُعد هذه الشراكات ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي الإماراتي التي تسعى أبو ظبي إلى تنويعه في مجالات عدة إلى جانب النفط ومشتقاته.

اجتماع هندي إماراتي/وام
اجتماع هندي إماراتي/وام

إذ تعمل هذه الاتفاقيات على تمتين التجارة بين أبو ظبي والبلد الآخر الموقع معه الاتفاقية، وبموجبها سيتم تخفيض الرسوم الجمركية عل ما يمثل نسبة تقارب 90 بالمئة من قيمة التجارة غير النفطية ما يساهم في تعزيز فرص التجارة الثنائية بين البلدين.

في سياق ذلك بدأت الإمارات منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 بتوقيع اتفاقيات الشراكة الشاملة مع عدة دول، بهدف مد جسور تعاون في عديد من القطاعات الاستراتيجية، مثل تجارة السلع والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والخدمات والملكية الفكرية والاستثمارات، وترى أبو ظبي الفائدة الكبيرة التي تجنيها من هذه الاتفاقيات بما يسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني وضمان تنافسيته عالميا، إلى جانب تمكين وتنمية الاستثمارات الإماراتية الصادرة لجميع أسواق العالم.

من أبزر الاتفاقيات التي وقعتها الأمارات مع دول أخرى بحسب ما نقله موقع “وزارة الاقتصاد” الإماراتي، هي الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات والهند، حيث وقعت الدولتان اتفاقا للتعاون في مجال الاستثمار والتجارة والأمن وعدد من المجالات الأخرى.

أيضا الشراكة الاستراتيجية بين أبو ظبي وواشنطن، حيث تم توقيع اتفاقيات تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والعلمي بين البلدين، إضافة إلى الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات وبريطانيا، حيث تم توقيع عدد من الاتفاقيات في مجالات متنوعة مثل الاستثمار والتجارة والتعليم والثقافة.

تأثيرات أخرى

التوجه الإماراتي إلى اتفاقيات الشراكة الدولية، يندرج ضمن سعيها الحثيث لتنويع استثماراتها ومشاريعها، بحسب حديث المحلل الاقتصادي نمر أبو كف، حيث يوضح بأن أبو ظبي تُدرك أن الاعتماد على النفط ومشتقاته فقط، لا يمكن بناء عليه أي خطط استراتيجية مستقبلية، لأنه مادة قابلة للشح أو النضوب، إلى جانب موجات التذبذب بأسعاره بشكل مستمر.

أبو كف يشير خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن توسع الإمارات في الخارج يتبع له تأثيرات سياسية إيجابية. خاصة عندما ينطوي الأمر على توقيع اتفاقيات مشتركة مع دول أخرى، حيث تبذل أبو ظبي جهودا كبيرة لتحقيق استقرار إقليمي وعالمي من خلال شراكاتها الاستراتيجية والتعاون مع دول مختلفة بما تنعكس آثاره بشكل إيجابي عليها وعلى دول المنطقة والعالم.

مع ذلك، ينوه أبو كف بأن التوسع في الخارج يمكن أيضا أن يثير بعض القضايا السياسية، ومن المهم إدارة هذه القضايا بحكمة لتحقيق الأهداف الاقتصادية والسياسية الموجودة خلف هذا التوسع، كما يرى المحلل السياسي بأن الأذرع الاقتصادية التابعة للدول في العالم، تدرك أن أي اتفاقيات شراكة كهذه واستثمارات، سيكون لها أثر على سياسات الدول الأخرى، باعتبار أن الاقتصاد العالمي أصبح أداة للتأثير على الدول.

أبو كف يوضح بأن نظرة الأذرع الاقتصادية في الدول الأخرى إلى اتفاقيات الشراكة، تختلف تبعا لمصالحها الاقتصادية والسياسية، قد ينظر بعضها بإيجابية إلى الاتفاقيات التي توسعت فيها الإمارات، لأن ذلك قد يؤدي إلى فرص اقتصادية جديدة وتوسيع نطاق العمل.

 بينما قد ينظر بعضهم بعين الشك والتحفظ نظرا لتأثير المنافسة المحتملة وتأثيرها على الأسواق المحلية. إذ يعتمد اتجاه الأذرع الاقتصادية في الدول الأخرى على مصالحها وواقعها الحالي وتطلعاتها المستقبلية، ومن المهم أن يتم توجيه المصالح المشتركة وإدارة المصالح المتعارضة بحكمة لتحقيق أقصى قدر من الفوائد لجميع الأطراف المعنية، وفق أبو كف.

“مشاريع الخمسين”

حكومة الإمارات العربية المتحدة، أعلنت في 5 أيلول/سبتمبر 2021 وبالتزامن مع مرور 50 عاما على تأسيس دولة الإمارات، عن الحزمة الأولى لمشاريع ومبادرات استراتيجية ضمن “مشاريع الخمسين” شملت “إطلاق اللجنة العليا للشراكات الاقتصادية العالمية”، بحسب ما نقله موقع ” سي إن إن” العربية.

توقيع اتفاقية استراتيجية بين الإمارات والنمسا/ وكالات
توقيع اتفاقية استراتيجية بين الإمارات والنمسا/ وكالات

وزير الاقتصاد الإماراتي عبد الله بن طوق المري قال حينها إن الإمارات نجحت في السنوات العشر الأخيرة في استهداف 451 مليار درهم من الاستثمار الأجنبي، واستقطاب 550 مليار درهم بحلول عام 2030 لن يشكل تحديا على الدولة التي توفر أفضل بيئة استثمارية في العالم، ومن شأن هذه المشاريع تنمية اقتصاد الإمارات ثالث أكبر دولة منتجة للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك”.

أبو ظبي تسعى في المرحلة الأولى إلى عقد 8 اتفاقيات شراكة شاملة مع 8 أسواق استراتيجية ورفع حجم التبادل التجاري مع هذه الأسواق والذي يبلغ 257 مليار دولار بمقدار 40 مليار دولار سنويا، وكانت صحف إماراتية كشفت حينها عن الدول التي تستهدفها الإمارات في المرحلة الأولى لتوقيع اتفاقية الشراكات، وهي الهند وإندونيسيا وجورجيا إضافة إلى الفلبين وكلا من تركيا وماليزيا ودولا أخرى أيضا.

 هذه الشراكات المستهدفة مع الدول آنفة الذكر، تحقق النفاذ إلى الأسواق العالمية واستقطاب الاستثمارات وخلق المزيد من الفرص الجديدة للنمو، كما تشكل هذه الاتفاقيات جسورا من الشراكة الاستراتيجية مع العالم استنادا للمكانة المرموقة التي اكتسبتها الدولة خلال العقود الماضية، ما يوفر مستقبلا واعدا للاقتصاد والتجارة والاستثمار، بحسب ما نقله موقع “العين” الإخبارية.

إذ تم تحديد قائمة الدول ذات الأولوية لبدء التفاوض معها، وفقا لدراسات الجدوى الاقتصادية التي أعدتها وزارة الاقتصاد، وجرى تشكيل اللجنة العليا للشراكات الاقتصادية العالمية والتي تهدف إلى العمل على تنفيذ برنامج الاتفاقيات الاقتصادية العالمية وصياغة المواقف التفاوضية للدولة لعقد الشراكات الاقتصادية الجديدة بما يسهم في تعزيز الانفتاح على الأسواق العالمية وتنمية التجارة الخارجية.

من جهته صرح وزير الدولة للتجارة الخارجية الإماراتية ثاني الزيودي في أيار/مايو الماضي، بأن الاتفاقيات حققت تأثيرات إيجابية، مشيرا إلى أن قيمة التجارة البينية غير النفطية مع الهند بلغت 45.5 مليار دولار أميركي في الأشهر الـ11 الأولى منذ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ بزيادة سنوية 6.9 بالمئة، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الإماراتية “وام”.

بالعودة إلى المحلل الاقتصادي نمر أبو كف، إذ يقول بأن الإمارات تسعى إلى تعظيم مستواها الاقتصادي والتجاري، وأن تكون بوابة الوطن العربي الأولى لبناء العلاقات الاقتصادية مع دول عدة، وفي الاستيراد أيضا، كما هو الحال مع كمبوديا التي تستحوذ أبوظبي على 74 بالمئة من التبادل التجاري مع العرب.

أخيرا، تُعد اتفاقيات الشراكة الشاملة الوسيلة الأنجع لتكوين تكتلات سياسية اقتصادية قوية، كما تتيح هذه الاتفاقيات مزيدا من فرص العمل التجاري واستخدام أكثر كفاءة لمصادر الثروة الطبيعية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات