في الدراما، كما في فنون أخرى كثيرة، ثمة مغالطات ومشكلات تقع نتيجة تقاطع المشاهد والأحداث وكذا تشابه الوقائع الفنية، ولكن نادرا ما يحدث تشابه، ربما، حد التطابق لشخصيات لها دلالات أيدولوجية وسياسية وفكرية معينة. وهذا التقاطع، إن حصل، لابد أنه يحمل في طياته عدة أسباب، منها ضعف المحتوى وتدني القدرة الإبداعية للقائمين على العمل، فضلاً عن أسباب أخرى تتعلق بتصدير “الترند” وإحداث حالة من الجدل وكسب الجمهور ثم لفت النظر. بيد أن هذا كله لا يمكن حسمه طالما يعتقد كل جانب أنه على حق والتناص.

خلال السباق الرمضاني الماضي، حدثت حالة من الجدل حول مسلسل “كسر عظم” تأليف علي معين صالح، وإخراج المخرجة رشا شربتجي، إذ عادت قضية حقوق الملكية الفكرية إلى الواجهة الفنية السورية. القضية بدأت حين اتهم الكاتب السوري فؤاد حميرة صُنّاع المسلسل بسرقة عدة شخصيات من مسلسله السابق “حياة مالحة”، والذي كان قد باعه لشركة “كلاكيت” منذ أكثر من 10 سنوات، وكان ثمة تشابه وتقاطعات بين النّصين وفق حديثه. ومن ثم أدت المواجهة إلى الظهور على شاشة التلفزيون وحدث شجار بين حميرة ومنتج “كسر عظم “إياد إبراهيم النجار آنذاك. وعليه، أُغلق باب هذه القضية ولم يعد حديث اليوم، بعد أن حدثت ضجة وسمع بها من لم يشاهد المسلسل أصلا.

موقع “الحل نت”، بعد متابعته للأعمال الدرامية في موسم دراما رمضان 2023، وجد تقاطعات وتماثلات واضحة ومباشرة بين مشاهد من مسلسل “النار بالنار” العارض حاليا، ومسلسل “مع وقف التنفيذ” الذي عُرض العام الماضي. فإلى أي حد يمكن القطع النهائي بأن هذه المشاهد محض صدفة أو، ربما، هي مقصودة، مع الأخذ في الاعتبار أن التقاطعات رئيسية وليست طارئة أو عرضية، كما أنها لشخصيات ثانوية وليست أساسية.

مسلسل “النار بالنار” تأليف رامي كوسا وإخراج محمد عبد العزيز والمنتج صادق أنور صبّاح. بينما مسلسل “مع وقف التنفيذ”، تأليف علي وجيه ويامن حجلي وإخراج سيف سبيعي وإنتاج “إيبلا الدولية” للإنتاج الفني.

مشاهد التقاطع

أحد مشاهد التقاطع، هو لشخصية “زكريا” في مسلسل “النار بالنار” وهو شخص متأسلم ويؤدي دوره الفنان اللبناني طوني عيسى، حيث يذهب ويطلب من المرابي “عمران” الذي يؤدي شخصيته الفنان السوري عابد فهد، الأخير المسيطر على الحي بالكهرباء والمال، لشراء الحارة بأكملها بالتواطؤ معه لتحويلها إلى “مكان بما يرضي الله”، وهذا المشهد بالذات حدث في خط مسلسل “مع وقف التنفيذ”، حيث يطلب “سيف”، والذي يؤدي دوره الفنان مصطفى المصطفى وهو أيضا إسلاموي، من “فوزان” يؤدي دوره الفنان عباس النوري، المسيطر على حارة العطارين، شراء كهرباء الحي بأكمله، حيث إن “فوزان” شخص سيء السمعة وكل همه الحصول على المال ويبيع الكهرباء لسكان الحارة. وهي نفسها فكرة المرابي أيضا.

كذلك، مشهد آخر في الحلقة السابعة لـ”زكريا” مع شخص آخر يدعى “طاهر” وهو أيضا من المنتمين للخلفية الإسلاموية بالمعنى المؤدلج والسياسي، بينما يدور حوار بينهما مفاده بأن حربهم طويلة مع هؤلاء الخارجين عن دين الإسلام. وهو يتطابق مع مشهد آخر في مسلسل “مع وقف التنفيذ”، بين “سيف” وعمه “أبو العون” الذي يؤدي دوره الفنان بشار إسماعيل، ليتبين فيما بعد أنه شخص مسلم ومرتبط مع جماعة دينية متشددة أيضا، ويدور حوار بينهما بالقول “طول بالك، بدنا نشتغل على نفس طويل، وبحسب أسلوب السياسة لحتى نحقق هدفنا”.

بمعنى أن المشهدين يدور كل منهما حول فكرة واحدة، هي الهيمنة وفرض السلطة الدينية على سكان الحي لإخضاعهم لدين الإسلام وفق رؤية وأدبيات هؤلاء الشخصيات وجماعاتهم.

في الحلقة الثامنة من مسلسل “النار بالنار” يظهر “زكريا” وهو يقوم بعرض لمخطط الحارة ويحاول فهم توزيع المنازل فيها، الأمر الذي يتطابق مع مشهد بين “سيف” وعمه “أبو العون” في مسلسل “مع وقف التنفيذ” وهما يؤديان الأمر ذاته (عرض مخطط مماثل في حارة العطارين ويتحدثون عن مسألة كيفية بيع وشراء البيوت فيها).

قد يهمك: مشاهد محتدمة في مسلسل “النار بالنار”.. عنصرية ضد السوريين أم واقع؟ – الحل نت 

أيضا، بنفس السياق “زكريا” يدور في الحارة ويسأل مهتما لشراء بيوت الحارة كلها في مسلسل “النار بالنار” وهو ما يتطابق مع مشروع “سيف” وعمه “أبو العون” للهيمنة على حارة العطارين بـ”مع وقف التنفيذ” عبر شراء المنازل.

تسريبات من “النار بالنار”

مصادر خاصة مقربة من القائمين على مسلسل “النار بالنار” أكدت لموقع “الحل نت”، أن كاتب المسلسل، رامي كوسا، كان قد حدد مهنة شخصية عابد فهد بأنه بائع البنزين و”مرابي” يحصل على المال والمسيطر على كهرباء الحي وما إلى ذلك، وشخصية طوني عيسى كانت مرسومة على أساس أنه سائق سيارة أجرة متشدد دينيا فقط وليس له علاقة بفكرة الاستحواذ على الحي، ولكنه فوجئ هو أيضا بتغير الشخصيات بعض عرض أولى حلقات المسلسل.

كذلك، ربما وبحسب بعض التسريبات لموقع “الحل نت”، فإن أحداث مسلسل “النار بالنار” تتجه بشخصية “زكريا” المتأسلم للتخطيط بتفخيخ “بيت الدعارة” في الحارة، بغية تحقيق أهدافه، من تطهير الحارة من الرجس والحرام، وفق قناعاته، ومن ثم تسهيل عملية بيع المنازل، ثم الاستحواذ على كل بيوت الحي.

بالتالي في حال كان هذا صحيحا فإن هذا المشهد أو تلك الفكرة إن صح القول، يتطابق حرفيا مع مشهد لمسلسل “على صفيح ساخن” الذي عرض عام 2021 وهو أيضا عمل من تأليف الكاتبين علي وجيه ويامن حجلي وإخراج سيف سبيعي.

في الواقع إذا كانت هذه النهاية لشخصية “زكريا” فبالتالي الأمر يدعو للتساؤل، هل توارد الأفكار يمكن أن يصل إلى هذه الدرجة أم أن الأفكار فعلا مأخوذة وهي عملية قرصنة بالنهاية.

مما لا شك فيه أن هذا التطابق سيكشفه المتابعون عاجلا أم آجلا، وهو ما سيضع القائمين على مسلسل “النار بالنار” في موقف محرج، ولذلك لا بد من تقديم توضيح بخصوص كل هذه التقاطعات لا سيما أن الأفكار متقاربة جدا فيما بينهما.

خلافات بين كاتب ومخرج العمل؟

خلال الحلقات الأخيرة الماضية من مسلسل “النار بالنار” تصدرت بعض مشاهد الترند، وأثارت جدلا واسعا، مشهد بين كاريس بشار وجورج خباز، الذي يبدو وكأنه محاولة لمعالجة قضية العنصرية بين السوريين واللبنانيين الطويلة، فضلا عن كونه مراجعة واقعية للمعاناة التي كانت بين الشعبين إبّان الحرب اللبنانية بعد دخول الجيش السوري إلى لبنان وصولا إلى أزمة النازحين السوريين من بلدهم إلى الأراضي اللبنانية.

أما المشهد الثاني فهو حين خلعت كاريس بشار بدور “مريم” لحجابها، وذلك بعد أن توجهت إلى سمسار بهدف الحصول على جواز سفر “مزور” وقد خسرت جميع أوراقها الثبوتية عندما خرجت من سوريا متجهة نحو لبنان. وهناك يطلب منها السمسار خلع حجابها عند التقاط الصورة الشخصية الخاصة بجواز السفر.

تفاصيل هذا المشهد جلبت تعليقات غاضبة، إذ اعتُبر أنه يُسيء إلى صورة المحجبات في لبنان خصوصا، وفي العالم العربي عموما، وتساءل البعض “من قال إن الحجاب في لبنان يحدد هوية الشخص، ومن قال إن من ترتدي الحجاب في لبنان لا تعيش بأمان”.

إزاء ذلك تبرأ كاتب المسلسل، رامي كوسا من جملة وردت في مشهد خلع “مريم” حجابها. وكتب كوسا منشورا مطولا في حسابه عبر منصة “الفيسبوك”، أوضح فيه أن الحوار الذي حصل في المشهد لا صلة له به لا من قريب أو من بعيد.

مصادر خاصة أكدت لموقع “الحل نت”، أن ثمة خلافات بين كاتب المسلسل والمخرج من حيث الشخصيات وبعض الحوارات، حيث طلب من كوسا إجراء بعض التغييرات على النص، والأخير كان ملتزما بتعديلات النص تباعا، ولكنه فيما بعد يبدو أنه أجري تغييرات على النص دون علمه، وتفاجأ كوسا أيضا بعد عرض المسلسل. ولهذا هو يوضح ويكتب عبر حسابه الشخصي على منصات التواصل الاجتماعي النص الذي كتبه قبل تعديلات المخرج أو شركة الإنتاج نفسها.

مما يعزز هذا الحديث أنه في بداية إصدار بوستر المسلسل كان اسم رامي كوسا مكتوبا تحت اسم مؤلف المسلسل ولكن بعد ذلك تم تعديله وأصبح اسمه تحت قصة المسلسل والحوار نُسب إلى ورشة “الصبّاح للكتابة” المنتجة.

مسلسل “النار بالنار”، عمل مختلف عن باقي الأعمال السورية اللبنانية من زاوية الطرح. والآمال تبدو أنها تتعلق به لكونه عملا استثنائيا ويروي الحكاية والعلاقة التاريخية التي تجمع بين سوريا ولبنان، كما يتناول العلاقات التي تربط بين الشعبين أدبيا وفنيا، وثقافيا، وجغرافيا وتاريخيا، وفق القائمين على العمل. كما ويتمحور حول وجود اللاجئين السوريين في لبنان، وتسليط الضوء على أوضاعهم المعيشية، وطبيعة علاقتهم باللبنانيين وما طرأ عليها من تحوّلات على مدار أكثر من 11 سنة. المسلسل وفق ما يقوله القائمون عليه إنه يقدّم قصة جديدة ويتناول مواضيع لم يجرِ تناولها سابقا من قبل الدراما السورية اللبنانية، ولكن هذا التقاطع والتطابق مع مسلسل “مع وقف التنفيذ” يجعله محط تساؤل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات