فورة شعبية كبيرة في العراق جراء المحاولات النيابية من أحزاب الإسلام السياسي بتعديل قانون الأحوال الشخصية، لتشهد العاصمة بغداد و8 محافظات أخرى وقفات احتجاجية كبرى كرد فعل صريح ضد مسعى التعديل، الذي وصف بأنه يغتصب الطفولة ويهدف إلى تسليع النساء.

في ساحة التحرير ببغداد تجمهر، أمس الخميس، آلاف المحتجين من الجنسين ومن منظمات حقوقية وأحزاب ناشئة وناشطات وناشطين في المجتمع المدني على إثر دعوة من “تحالف 188” للدفاع عن قانون الأحوال الشخصية النافذ، للاحتجاج على تعديل قانون الأحوال الشخصية، وكان الشعار الواضح في اليافطات هو: “لا لتعديل قانون الأحوال الشخصية”. 

“تحالف 188” تأسس مؤخرا من قبل ناشطين وناشطات بمجال الحقوق والحريات، وأحزاب ناشئة ومنظمات مجتمع مدني، والهدف الأساسي منه هو منع ورفض تشريع القانون الجديد، وعقد مؤتمرات وندوات عدة لتسليط الضوء على مخاطر قانون الأحوال الشخصية الجديد، الذي “يُدعشن المجتمع” ويجعل العراق بمثابة قندهار، خاصة وأنه يستهدف المرأة بشكل رئيسي للتضييق عليها من كل النواحي.

في المحافظات الأخرى، البصرة، ذي قار، واسط، كركوك، الديوانية، المثنى، بابل، سارت الوقفة الاحتجاجية بشكل سلس، غير أن النجف هي المحافظة الوحيدة التي شهدت حالات عنف وقمع للنساء المحتجات على يد رجال دين وأشخاص عشائريين، ومع ذلك لم يستسلمن لكل التجاوزات والطعن الذي لحق بهن، وأكدن موقفهن الرافض للتعديل الذي يحط من قيمة المرأة. 

لا للتعديل أو اعتصام مفتوح

“لا لسلب الحضانة”، تقول إحدى المحتجات. “لا لزواج الأطفال” تقول محتجة أخرى. فيما حملت اليافطات شعارات قوية وواضحة على يد الناشطات والناشطين ضد كوارث تعديل القانون، أبرزها: “عصر الجواري ولّى، لن تعامل المرأة كالعبيد، لا لتسليع المرأة، لا لسلب حقوق المرأة، لا للزواج خارج المحاكم، لا للتعديل”. 

الأحزاب الإسلامية تسعى إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، عبر جعل القانون يعتمد على الأحكام الشرعية الدينية (الفقهية) للمذهبين الشيعي والسني، وهو ما يشكل خطرا كبيرا على الحقوق المدنية للإنسان، لا سيما النساء والأطفال، لذا جوبه برفض شعبي كبير، اضطر على إثره البرلمان لرفع القانون من جلسة 24 تموز/ يوليو المنصرم، لكنه عاد فجأة وأدرجه على جدول أعماله الأحد الماضي، وتمت قراءته قراءة أولى ليهتز الشارع العراقي مجددا. 

الشارع العراقي من حقوقيين/ حقوقيات وناشطين/ ناشطات ومنظمات مجتمع مدني وأحزاب ناشئة وحتى برلمانيات لم يهدأ، وقرر استخدام كل أوراقه المتاحة لمنع تمرير وتعديل القانون الجديد الذي يسيء لموقف وسمعة العراق أمام المجتمع الدولي، وينتهك كل المبادئ والحقوق الإنسانية، ومنها الوقفات الاحتجاجية، أمس، التي شهدتها بغداد وكركوك ومحافظات الوسط والجنوب.

“خروجنا كان رسالة واضحة، وهي لا لتعديل قانون الأحوال الشخصية”، تقول الناشطة النسوية دينا رعد لـ “الحل نت”، وهي إحدى المشاركات في وقفة أمس بساحة التحرير، مردفة: “سنستمر بالوقوف ضد محاولات التعديل عبر تظاهرات أخرى، وبالتواصل مع الجهات المعنية لنبين لها مخاطر تعديل القانون، مثلما جرى اللقاء بمجلس القضاء الأعلى وبعض الشخصيات السياسية من قبل تحالف 188 والكتلة النسوية البرلمانية”. 

قبل أكثر من أسبوع، تأسست كتلة برلمانية من النساء حصرا من البرلمانيات من مختلف توجهاتهن الفكرية والمذهبية ومن عدة أحزاب في تكتل واحد بقيادة النائبة نور نافع، للوقوف من داخل مجلس النواب العراقي بحزم ضد تمرير وتشريع التعديل المزمع لقانون الأحوال الشخصية النافذ.

أول أمس الأربعاء، وفي إطار التحركات المستمرة، التقى “تحالف 188” ومجموعة من النساء من “شبكة النساء العراقيات” برئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، القاضي فائق زيدان، فيما التقت الكتلة البرلمانية النسوية المعترضة بزعيم “تيار الحكمة” عمار الحكيم، لمناقشة مخاطر القانون الجديد وإشكالياته وسلبياته على المجتمع العراقي،وكانت النتائج والمخرجات عقيمة.

تبارك مجيد (يمين) ودينا رعد (يسار) أثناء مشاركتهن في الوقفة الاحتجاجية بساحة التحرير في بغداد ضد تعديل قانون الأحوال الشخصية – (الحل نت)

“مطالبنا واضحة، إلغاء ومنع تمرير تعديل قانون الأحوال الشخصية وفق صفقات سياسية مخجلة (تمرّرلي هذا القانون وأمرّرلك هذا القانون)، وفي حال أصر مجلس النواب على تشريع التعديل، فإننا سنحوّل وقفاتنا الاحتجاجية إلى اعتصام مفتوح ولن نتراجع حتى يتراجع البرلمان عن إصراره بتمرير القانون”، تقول ذلك، الصحفية والناشطة الحقوقية تبارك مجيد لـ “الحل نت”.

سلب حقوق المرأة.. المذهبية تحكم الأحوال الشخصية

يصرّ “الإطار التنسيقي” الذي يمتلك رئاسة الحكومة، ويضاف معها وجود حليفه محسن المندلاوي على رأس “السلطة التشريعية” لعدم وجود رئيس للبرلمان من المكوّن السّني، على تشريع تعديل جديد لقانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ لعام 1959، ليجعل المذهبية تتحكم فيه، فيما يرفض المجتمع ذلك. 

الغضب الشعبي من القانون يأتي لأن أبرز ما في التعديل، هو جعل مسائل الأحوال الشخصية، لا سيما عقود الزواج والطلاق والميراث والنفقة وحضانة الأطفال، تكون بناء على المذاهب، وخاصة المذهبين الشيعي (الجعفري) والسّني (الحنفي)، وبالتالي فإن القضاة عليهم الرجوع في كل الأمور إلى مذهب الشخص عند حكمهم بأي حكم.

يعتمد التعديل المقترح مسألة “الأحكام الشرعية” في تطبيق قضايا الأحوال الشخصية، وفق مدونتين للأحكام الشرعية من قبل الوقفين الشيعي والسّني، يعتمد عليهما القاضي في تلك الأحكام، وهو ما دفع بالشارع العراقي للتنديد به ورفضه عبر الإعلام وعبر وقفات احتجاجية وندوات ومن خلال حملات في مواقع التواصل الاجتماعي.

خطوة المقترح القانوني، تكمن في أنه ينسف الكثير من الحقوق للمرأة ويهدرها، ويثير مشاكل عائلية لا حدود لها، ناهيك عن تأثيره على الأطفال وحتى على الآباء، فضلاً عن مخاوف من عدم الزواج من مذاهب مختلفة، بحسب تقارير صحفية متعددة.

يتيح التعديل القانوني للمُقبل والمُقبلة على الزواج، اختيار مذهبهما الديني عند إبرام عقد الزواج، سواء كان شيعياً أو سنّياً، وفي حال عدم اتفاق الزوجين على مذهب محدد، يُطبّق مذهب الزوج، وحتى في أي خلاف بين الزوج والزوجة، ومنها مسألة التفريق والطلاق، فإن التعديل يعتمد على مذهب الزوج بشكل تعسفي. 

التعديل وشرعنة زواج الأطفال!

مقترح التعديل سيتيح وفق المذهب الشيعي (الجعفري)، إبرام عقد زواج الأنثى بعمر 9 أعوام بدلاً من 18 عاماً، أي أنه يشرعن زواج الأطفال أو القصّر والقاصرات، كا أنه لا يمنح النفقة للزوجة الناشز، أو الصغيرة التي لا يمكن لزوجها التمتع بها، وإذا كانت كبيرة وزوجها صغيراً لا يستطيع التمتع بها، ولا للزوجة البالغة التي ترفض لزوجها أن يتمتع بها.

كذلك لا يمكن للمرأة طلب التفريق أبدا حتى لو كان زوجها مريضاً أو هجرها في الفِراش، ويفرض العدّة على الطفلة التي لم تكمل التاسعة من العمر وإن لم يدخل بها زوجها، ويحرم الزوجة من الإرث في العقارات من زوجها، ويبيح الزواج المؤقت أو المنقطع “المتعة”. 

فيما يتيح مقترح التعديل وفق المذهب السّني (الحنفي)، شرعنة إبرام عقد زواج الأنثى بعمر 9 أعوام، أي شرعنة زواج الأطفال، وإباحة الزواج المؤقت “المسيار”، والذي يُعد هو و”زواج المتعة” جريمة في القانون العراقي الحالي، كما أن النساء تأخذ نصف حصة الإرث فقط، والنصف الآخر للأقارب الرجال، وفي حال عدم وجود أقارب رجال، يذهب النصف الآخر من الإرث للدولة، ناهيك عن أن الزوجة لو ماتت، فإن حضانة الطفل لا تذهب للأب، بل تذهب لأم الزوجة أو للخالة أخت الأم، أي لكل نساء عائلة الزوجة المتوفاة، ويمنع الأب من الحضانة.

إلى ذلك، سيبيح التعديل القانوني المقترح، الزواج خارج المحاكم عند رجال الدين والمأذونين، وهذا سيتيح الزواج الثاني وتعدد الزوجات، في وقت أن كل زواج خارج المحكمة يُعد باطلاً وفق القانون العراقي الحالي، و سيجبر المحاكم على تصديق الزواج إن طلب الطرفان ذلك، وسيسلب الأم حقّ الحضانة إذا تزوجت، ويتم تسليم أطفالها لجد الأب في حال لم يكن الأب راغباً بالحضانة.

رغم الغضب والسخط الشعبي الكبيرين، اجتمع قادة ونوّاب “الإطار التنسيقي” في منزل زعيم “ائتلاف دولة القانون”، رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الأسبوع الماضي، وخرجوا ببيان أكدوا فيه المُضي نحو ضرورة تشريع قانون الأحوال الشخصية الجديد وفق المذاهب، متحدّينَ الشعب والمجتمع، بل قالوا في البيان، إنه يجب وضع مشروع القانون في الجلسة “البرلمانية” المقبلة لأجل قراءته تمهيدا لتشريعه، وهو ما حدث بالفعل عندما تمت قراءته قراءة أولى.

الجدير بالذكر، أن هذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها الأحزاب الشيعية إلى تعديل وتشريع قانون جديد للأحوال الشخصية، فسبق وأن سعى “حزب الفضيلة” في عامي 2012 و2014 إلى تشريع القانون وفق “المذهب الجعفري” وقوبل الأمر بسخط ورفض شعبي، ثم تكررت المحاولة في 2017 و2021، وكذلك خرجت تظاهرات رافضة للأمر، لتعود المحاولة اليوم مجدداً، ولكن هذه المرة تأتي مع سيطرة “الإطار” على الحكومة و”البرلمان”، ولذا فهي تحاول استغلال وجود المندلاوي في رئاسة “البرلمان” لتمرير القوانين الجدلية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات