تزامن مقتل قائد المكتب السياسي العام لحركة “حماس” إسماعيل هنية بالعاصمة طهران، بعد عدة ساعات من ضربة جوية شنتها إسرائيل على الضاحية الجنوبية لبيروت، أسفرت عن مقتل القائد العسكري بـ”حزب الله” فؤاد شكر. لهذا عدها العديد من المحللين السياسيين هزيمة كبرى لما يسمى بـ”محور المقاومة” التي تقوده إيران، وصنعوا بناء على ذلك رؤى مختلفة لسيناريوهات عدة، أهمها الاحتمال القائم لنشوب حربٍ إقليمية التي سيكون لها أثر كبير وتغيرات جيوسياسية على المنطقة الملتهبة بالصراع.
الأزمة الدبلوماسية لمقتل هنية
إن إدارة عملية المفاوضات بين إسرائيل وحركة “حماس” كانت تقام من خلال المكتب السياسي للحركة ومديره إسماعيل هنية. فمقتله يجعل عملية المفاوضات أشد تعقيداً عن ذي قبل، حيث يتسبب هذا المقتل في غياب أفق معتدل للمفاوضات من جهة، ومن جهة أخرى فإن عملية المفاوضات تكون متعلقة بمن يأتي بعد هنية، وإعلان حركة “حماس” تولي يحيى السنوار قائد عملية “طوفان الأقصى”، يجعل عملية المفاوضات في مهب الريح وغير مأمولة.
يقول الصحفي بالحركات الإسلامية أحمد سلطان لـ”الحل نت”، إن السيناريوهات المطروحة تجعل الحرب أقرب مما نتصور، ولن يكون تأثير هذه الحرب على الدول المتحاربة فقط، ولكن ستكون لها تأثير على المنطقة بالكامل، وإعادة هندسة المنطقة بالكامل. يردف: “تؤثر عملية الاغتيال بلا شك على الحرب الآنية في قطاع غزة فيما يتعلق بمبدأ التفاوض بطبيعة الحال، لأن إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي هو المسؤول عن التفاوض، فإسرائيل قتلت مَن كانت تفاوض. هذه العملية تعبر عن عدم رغبة إسرائيل في التفاوض، أو التفاوض وفق شروطها. وستزيد مسألة الاغتيال الوضع المعقد تعقيداً أكبر”.
بالنسبة للأزمة الدبلوماسية لمقتل هنية، فمن المرجح أن تتجاوز هذا الإطار، فالمنطقة الآن في صراع مندلع منذ أشهر، والواقع أن هذا الصراع موجود بالفعل منذ سنوات، ولكن الأطراف والتطورات الآن تدفع لوجود حرب إقليمية. كل الأطراف تقول إنها لا تريد حرب إقليمية في حين أن الواقع عكس ذلك تماماً، والبعض يجيد ويتفنن في “اللعب على حافة الهاوية، ولا يمنع هذا من احتمال وقوعه في الهاوية وتندلع الحرب، وهي وشيكة وتهدد بها كل الأطراف”.
والواقع أن مقتل هنية في هذه الظروف المعقدة يعبر عن رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في استمرار الحرب، ويجعل عملية رد الرهائن الإسرائيليين أمراً صعباً، إذ تتعثر عملية المفاوضات أكثر، وتشتعل إرادة الحرب أكثر. فرغم محاولات التفاوض والقرارات التي أصدرت بشأن وقف إطلاق النار، إلا أن نتنياهو يسعى في الحرب ولا ينتبه إلى الضغط السياسي والإنساني الذي تمارسه الدول والشعوب عليه، ويرجع هذا لما سيلقيه نتنياهو بعد نهاية هذه الحرب من خسارة دبلوماسية في إسرائيل بعد نهاية الحرب.
وفي هذا الشأن كتب موقع “شبيغل أونلاين” الألماني (الثاني من آب/ أغسطس) معلقاً على رغبة نتنياهو في استمرار الحرب: “إن نهاية الحرب ربما تعني النهاية السياسية لنتنياهو، وستعني عملياً انتخابات جديدة، وإذا ما جرت اليوم، فإنه سيخسرها. وكلما طال أمد الحرب وزادت الإنجازات (العسكرية)، ففي المقابل يتضاعف أمله في البقاء بالسلطة.
وقال الموقع الألماني: “ليست لديه شخصياً، مصلحة في إنهاء الحرب. ويمكنه أن يأمل في أن يتولى دونالد ترامب، رئاسة الولايات المتحدة، في كانون الثاني/ يناير المقبل، وهو ما سيطلق له حرية فعل ما يشاء”.
تأثير مقتل هنية على “القسام”
المعروف عن الحرب أنها تدار من خلال الإدارة السياسية أولاً، ولكن في حال قطاع غزة فإن الأمر مختلف؛ فـ”حماس” في القطاع لها إدارتها وعملياتها من الميدان، وهي التي تستخدم المكتب السياسي في المفاوضات، وليس العكس، حيث لم يكن للسنوار الجلوس على مائدة المفاوضات والتواجد في ميدان المعركة بقطاع غزة، ولكن يمكنه أن يستخدم المكتب السياسي في هذه العملية، فالإدارة الفعلية كانت للسنوار، والآن أصبحت رسمياً له.
لذا لا يكون لمقتل هنية تأثير كبير على الحرب في غزة، أو إضعاف القدرة العسكرية لـ”حماس” في قطاع غزة، بقدر ما يشعل المنطقة، وينذر باقتراب الحرب الشاملة على المنطقة، خاصة مع اختيار “حماس” يحيى السنوار خليفة له، وما يعنيه من تعثر أكبر في عملية المفاوضات وربما استحالتها. ومن المرجح أن اختيار يحيى السنوار جاء بمثابة رد على مقتل إسماعيل هنية.
وأضاف أحمد سلطان لـ”الحل نت” بأن الحديث عن تأثر القيادة في الداخل هو أمر بعيد نسبياً لأن القيادة في الداخل تدير شؤونها، موضحاً أن “حماس لديها أكثر من مكتب سياسي بخلاف المكتب السياسي العام الذي يمثل أعلى سلطة سياسية لحماس؛ فهناك مكتب سياسي في القطاع ومكتب سياسي في الضفة، ومكتب سياسي في الخارج. ويدير المكتب السياسي في القطاع شؤونه، وفي الضفة كذلك”.
الواقع أن ما تشهده المنطقة يوحى بالتزام إيران بأن يكون ردها ضمن الإطار الذي يجعلها لا تنجرف إلى حربٍ إقليمية أوسع، ويجعل مسألة قيام الحرب الشاملة بعيدة بشكلٍ ما، ولكن اختيار السنوار لإدارة حركة “حماس” ربما يزيد المسألة تعقيداً.
ووفقاً لما أضافه سلطان، فإن “عملية مقتل هنية لا تلحق أي ضررٍ عسكري على حركة “حماس” في القطاع، ولكنها تعبر عن انتصار مخابراتي لدولة إسرائيل، لا يقدم لها شيئاً أكثر من استمرار الحرب وازدياد الوضع تعقيداً”.
الاتجاه نحو الحرب الشاملة
رغم المخاوف الكبيرة من الحرب الشاملة لما ستؤول إليه من كوارث إنسانية غير مأمونة عواقبها، فإن تأزم الوضع القائم يجعلها قريبة ووشيكة، وعبر عن هذا نجيب ميقاتي رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عن الهجوم الإسرائيلي الجوي على الضاحية الجنوبية لبيروت قائلاً: “زاد من تعقيدات الوضع القائم، وعزز المخاوف من مواجهات ميدانية من شأنها أن تدفع الأمور نحو الحرب الشاملة”.
ويصرح سلطان بأن: التغيرات الجيوسياسية لا يمكن لها أن تحدث إلا من خلال الحرب الإقليمية، وهذه الحرب ستكون حرب طويلة ومكلفة، وربما تتوسع إلى حرب أوسع، لكن في حال بقيت الردود في الإطار المحدود؛ وردت إيران في قواعد الاشتباك الضمنية، وإسرائيل سعت بعد ذلك إلى عدم التصعيد، فلن تكون هناك التغيرات الجيوسياسية السريعة.
ولكن إذا اندفعت الأطراف جميعاً إلى حرب إقليمية، فنحن مرشحون إلى تغيرات جيوسياسية واسعة النطاق، ربما تعاد رسم خطوط السيطرة، ورسم خطوط المنطقة بشكلٍ كامل، وهندسة المنطقة، خاصة في منطقة الهلال الخصيب، وهذا سيكون واقع المنطقة للمستقبل، والواقع الجديد المأمول لهذه المنطقة بالفعل.
والواقع أن ما تشهده المنطقة يوحى بالتزام إيران بأن يكون ردها ضمن الإطار الذي يجعلها لا تنجرف إلى حربٍ إقليمية أوسع، ويجعل مسألة قيام الحرب الشاملة بعيدة بشكلٍ ما، ولكن اختيار السنوار لإدارة حركة “حماس” ربما يزيد المسألة تعقيداً. فإسرائيل تعلن السنوار هدفاً لها، وتلقبه بـ”الحي الميت”، وذلك لمسؤوليته عن هجوم السابع من أكتوبر 2023، الذي أُطلق عليه “طوفان الأقصى”، مما يجعل مسألة المفاوضات في حكم الفناء، وإذا كانت فإنها ستكون متعثرة للغاية وذات شروط غير مقبولة للطرفين، والمفاوضات بديل الحرب، وإذا تعثرت فإن هذا يعني أن الحرب قائمة إلى أبعد مدى ممكن.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.