بينما قالت الولايات المتحدة إنها تتوقع أن تمضي المحادثات غير المباشرة بين “حماس” وإسرائيل قُدماً، كما هو مخطط لها، وأن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار لا يزال ممكناً، تبدو ثمة روابط بين ذلك وهيئة وقوة الرّد الإيراني على عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، وذلك على خلفية تحرك طهران نحو الاستفادة من تطور وتيرة المفاوضات، وأن تضمن لنفسها موقعاً في دائرة المفاوضات الجارية نحو الوصول لصيغة تضمن وقف إطلاق النار.
فيما يأتي ذلك بوقت ترتفع فيه استعدادات الجميع لمواجهة احتمالات الانزلاق لحرب واسعة، ومن جهة ثانية العمل على الوصول نحو مقاربة تخفض التصعيد في الشرق الأوسط. يبدو من خلال ذلك، أنه سيتبلور شكل الرّد الإيراني ومنسوب الاستفادة التي ستستطيع طهران أن تجنيها من تلك الحالة، والوصول بنفسها كوسيط حقيقي وتجد مقعداً على طاولة المفاوضات الفاعلة حول قطاع غزة، ومستقبله، وربط ذلك بحركة “حماس”، واعتبارها نقطة جديدة في مسار جماعاتها الولائية.
تأجيل مسبق
ثلاثة من كبار المسؤولين الإيرانيين، أشاروا إلى أن السبيل الوحيد الذي يمكن أن يرجئ ردّ إيران المباشر على إسرائيل، بسبب اغتيال إسماعيل هنية على أراضيها، هو التوصل في المحادثات المأمولة هذا الأسبوع إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وقال أحد المصادر، وهو مسؤول أمني كبير في إيران، إن بلاده وحلفاءً لها مثل جماعة “حزب الله” اللبنانية، سيشنّون هجوماً مباشراً إذا فشلت محادثات غزة أو إذا شعرت بأن إسرائيل تماطل في المفاوضات. ولم تذكر المصادر المهلة التي ستسمح بها إيران من أجل إحراز تقدم في المحادثات قبل أن ترد، وفق ما نقلت وكالة “رويترز”.
وأوضحت المصادر، شريطة عدم الكشف عن هويتها نظراً لحساسية الأمر، إنه مع تزايد خطر نشوب حرب أوسع في الشرق الأوسط بعد مقتل إسماعيل هنية والقيادي في “حزب الله” فؤاد شُكر، انخرطت إيران في حوار مكثّف مع الدول الغربية والولايات المتحدة في الأيام الماضية بشأن سُبل الرّد على إسرائيل وحجمه. وفي تصريحات نُشرت الثلاثاء الماضي، قال السفير الأميركي لدى تركيا، إن واشنطن تطلب من الحلفاء المساعدة في إقناع إيران بخفض التصعيد.
كما تحدثت ثلاثة مصادر حكومية في المنطقة عن إجراء محادثات مع طهران لتجنب التصعيد قبيل محادثات وقف إطلاق النار في غزة، التي من المقرر أن تبدأ الخميس، الخامس عشر من شهر آب/ أغسطس الجاري في مصر أو قطر.
صفقة على الهامش
من جانبها نشرت “فوكس نيوز”، أن مسؤولين أميركيين عقدوا اجتماعاً مع مسؤولين إيرانيين وقدّموا أسماء لمسؤولين إيرانيين يُعتقد أنهم متورطون في عملية اغتيال هنية بشكل مباشر أو غير مباشر.
في هذا السياق، يشير الدكتور هاني المالكي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة اللبنانية، إلى أن سبب الاختراقات الإسرائيلية المتكررة لإيران، يرجع لكون الأخيرة هي العدو الأول والرئيسي لإسرائيل، وضربها مباشرة يعطي حسب التفكير الإسرائيلي نتائج أفضل من ضرب الأذرع الولائية وهذا هو العنوان الاستراتيجي.
يتابع هاني المالكي الأكاديمي اللبناني حديثه لـ”الحل نت” بقوله، إن الاختراقات المتكررة لتل أبيب ضد الأهداف الإيرانية كانت برؤى محددة، مثل عرقلة البرنامج النووي بنسف أماكن أو اغتيال علماء والحصول على معطيات سرّية، فضلاً عن استهداف قيادات ومراكز على صلة بالأذرع الإيرانية في المنطقة، وقد تم قتل أو على الأقل محاولة قتل كلٍّ مَن له علاقة بـ”حزب لله” و”الحوثيين” والفصائل العراقية.
غالباً، وبحسب المصدر ذاته، ما يسهّل هذه الاختراقات أن النظام الإيراني يعاني من مجموعة من الاختلالات البنيوية فهناك ضعف تكنولوجي، وصراعات داخلية سياسية وعرقية، وفساد مالي، والأخطر من كل ذلك الفقر الذي يعانيه الشعب الإيراني، ما يسهّل الحصول على خدمات عملاء إيرانيين لصالح الخارج، وذلك ما بدا واضحاً في كل ملابسات عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية.
يتابع أستاذ العلوم السياسية حديثه قائلاً: إن العقل الاستراتيجي الإيراني قرر أن السبيل الأسلم لمواجهة إسرائيل يكون عبر الأذرع الولائية، والعمل على عدم التورّط في حرب مباشرة معها، وهذا في تقديري، والحديث للمصدر ذاته، سيستمر ولن يتغير، إذ تحاول إيران على الدوام الابتعاد عن المواجهة المباشرة والالتزام بقواعد الاشتباك؛ لأن لديها برنامج عمل داخلي أهم عناوينه تطوير السلاح النووي، لإقامة التوازن الاستراتيجي، ولا تريد لأي حروب جانبية أن تنسف هذه الجهود.
إذاً، أي ردّ إيراني سيكون محسوباً بدقة مراعاة لعدة أمور، أهمها عدم إعطاء ذريعة لحرب شاملة، وعدم إغضاب الغرب، أو قطع العلاقات مع المحيط الإقليمي، وأردف المالكي قائلاً: إن “إيران لن تفرط أبداً بفرصة التوصل إلى تفاهمات مع كل هؤلاء، لتكريس دورها القيادي سلمياً في المنطقة وضمان مقعد في المفاوضات الفاعلة”.
من خلال ذلك يختتم الدكتور هاني المالكي حديثه لـ””الحل نت” بقوله: “ينبغي الالتفات إلى تصريح الرئيس الإيراني عن الرّد المناسب في الوقت المناسب واعتبار ذلك بداية النزول عن الشجرة، بيد أن مسالة حزب الله مختلفة، والحرب المفتوحة معه غير مستبعدة. ولكن إيران تعتقد أنه لن يتم القضاء على الحزب تماماً، كما تعتقد أنه لا يتم القضاء على حماس وأخواتها. إذاً حرب الأذرع ستستمر للسنوات المقبلة”.
كلمة السر: “العملاء”
الباحث في العلاقات الدولية، الدكتور كمال الزغول، يلفت إلى إن تأخّر الرّد الإيراني له أسبابه وسياقه الذي ينبغي قراءته من خلاله. ويتابع في حديثه الذي خصّ به “الحل نت”، أن تلك الأسباب في تقديري، أولاً، التحضير للدفاع قبل الهجوم؛ لأن الضربة إذا كانت موجعة يكون الرّد الإسرائيلي حتمياً. ولذلك أجرى “الحرس الثوري” مناورات في الأيام الماضية، ومنع الطيران المدني من التحليق محلياً، وذلك لصدّ أي هجوم باتجاه المفاعلات النووية.
ثانياً، المقاربة الثانية وهي دولية حيث أجرت إيران محادثات أممية، وقدمت شكوى لمجلس الأمن حول اغتيال رئيس حركة “حماس” إسماعيل هنية على أراضيها، لـ تشرعن دفاعها عن نفسها كأي دولة أخرى.
أما المقاربة الثالثة، فقد جاء التأخّر بالرّد لقراءة بوصلة التحركات العسكرية الأميركية في المنطقة. وبالرغم من التواجد الكبير للقوات الأميركية إلا أن واشنطن تصرفت باطمئنان وبـ تريّث، مما يوحي بنيتها تجاه منع الحرب الإقليمية.
وفي ما يخصّ المقاربة الرابعة، يقول الزغول إنها تتمثل في “ممارسة الحرب النفسية على إسرائيل والذي يعكس جهود الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب على غزة والتي هي ستنتقل على حزب الله بالتأكيد”.
ويلفت الزغول، إلى أن تأخّر الرّد الإيراني لا يعني عدم الرّد بالضرورة، إلا إذا كان هناك مكسب سياسي بعدم مهاجمة “حزب الله” من قبل إسرائيل، والمبني على إنهاء الحرب في غزة. بهذا سيكون الرّد محدوداً لكن له تأثيره على إحداثيات الهدف العسكري فقط لإبقاء خيط المقاومة مفتوح وللمحافظة على المصلحة الإيرانية.
إن الظرف الإيراني الحالي المتمثل في الوضع الداخلي بعبء تشكيل الحكومة، سيجبر الرئيس الجديد مسعود بزشكيان على تشكيل حكومة مدنية، لكنها ستعكس حكومة عسكرية لمقاومة الظرف بعيداً عن الانفتاح المنشود، فإن كانت الضربة موجعة لإسرائيل يتم بذلك إغلاق أي أفق سياسي لحكومة بزشكيان، ولذلك التأخير جاء تحت ظل هيكلة جديدة لحكومة تقع بين السلام والحرب، وبناء هذه الحكومة شارك بتأخير الرّد الذي سيعتمد على مقاربة الوضع الدولي حول الحرب على غزة.
ومن ثم، لا تنشب حرب إقليمية إلا إذا كانت الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل موجعة، وهنا علينا أن نقرأ من خلال مقاربة الانفتاح الإيراني من خلال أفق سياسي، قد يجعل إيران تكتفي بـ”حزب الله” واليمن لشنّ هجومها، وإن أرادت شنّ هجومها بذاتها، قد تشنّ هجوماً على مكاتب “الموساد” خارج إسرائيل، لكن إن تبنت إيران عنصر المفاجأة فلا نستطيع التنبؤ بوجهة الهجوم.
كما ينبغي الاهتمام بتلك التقارير التي كشفت عن لقاءات أميركية إيرانية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ووعدت بها أميركا إيران برفع العقوبات الاقتصادية وإعطائها أسماء العملاء الإيرانيين في الداخل، مما قد يكون ساهم بتأخير وبناء عملية مدروسة. وذلك لبناء خطة لاجتثاث امتدادات هؤلاء العملاء سواء كانوا في الداخل الإيراني أو في دول لها حدود برّية مع إيران.
ولذلك كان اتخاذ القرار حول مكان وزمان الهجوم وردة الفعل، هي من النقاط الأساسية حول عملية التأخير لكي يكون مبنياً على معلومات دقيقة تشرعن شنّه، لأنه، باعتقاد الزغول، ستظهر معلومات جديدة حول عملية اغتيال قائد “حماس” إسماعيل هنية، بعد تنفيذ الضربة الإيرانية والتي ستعزز التبريرات الإيرانية لتنفيذ الهجوم.
- توحش “الحوثيين” يطال المنظمات الأممية.. نهب الموارد ونشر الرعب
- “الآن هم عراة، ليس لديهم القدرة على حماية أنفسهم”.. تفكيك “محور المقاومة”
- مرتبط بـ “حزب الله”.. “بارون المخدرات” اللبناني ينتقل إلى سوريا
- قصي خولي وديمة قندلفت في مسلسل تركي.. تفاصيل
- إسرائيل تعلن مقتل قياديين في إنتاج الصواريخ ومنظومة الاتصالات في “حزب الله”.. من هم؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.