بينما حازت الحكومة الإيرانية الجديدة على ثقة البرلمان في عملية تصويت لفت الرئيس مسعود بزشكيان نحو حصول تشكيلته الوزارية على دعم المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.
إلى ذلك حذّر بزشكيان من عرقلة حكومته، قائلاً إن بلاده “تخوض حرباً أسوأ من حرب العراق”، منبهاً لضرورة تجاوز الشقوق الداخلية وتباين وجهات النظر حيال بعض القضايا وقال الرئيس الإيراني: “لماذا تجبرونني على قول أشياء لا ينبغي أن أقولها؟ تفاهمنا مع المؤسسات الأمنية و(الحرس الثوري)”. وذهب أبعد من ذلك، عندما قال إن “وزير الخارجية الجديد عباس عراقجي كان أول شخص وافق عليه المرشد”.
بزشكيان وتوافقه مع “الإصلاحيين”
هذا وشارك في التصويت 288 من أصل 290 نائباً، وحصل وزير الدفاع عزيز نصير زاده على أعلى نسبة أصوات، بواقع 281 صوتاً. وذهبت أقل نسبة إلى وزير الصحة، محمد رضا ظفرقندي بحصوله على 163 صوتاً.
فيما حصل وزیر الخارجیة عباس عراقجي على 247 صوتاً موافقاً، والاستخبارات، إسماعيل خطيب 261 صوتاً. والداخلية، إسكندر مومني 259 صوتاً. والثقافة، عباس صالحي 272 صوتاً.
وسارع بزشكيان إلى نشر صورته مع رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف ورئيس القضاء غلام حسين محسني إجئي. وكتب في تغريدة على منصة “إكس/تويتر”: “الوفاق من أجل إيران”، في إشارة إلى شعار الحكومة.
بدوره هنأ قاليباف الحكومة، وقال إن “البرلمان اتخذ الخطوة الثانية نحو الوفاق وأعطى الثقة لجميع أعضاء حكومة بزشكيان”. وأضاف: “سيكون البرلمان إلى جانب الحكومة في مسار حل مشاكل البلاد وتحقيق أحكام البرنامج السابع للتنمية. نجاح الحكومة هو نجاح لنا جميعاً”، وفق ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية.
استعرض الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بعض مشكلات المجتمع حين قال إن “المجتمع يعاني من مشاكل وفقر وتفرقة وظلم. إذا كنا نملك مهارة، فعلينا أن نركز على عيوبنا”. وأردف الرئيس الإيراني: “حل الخلافات ليس في إدانة الطرف الآخر، إذا أردنا حل المشكلة فعلينا أن نتنافس في حل الأزمة الاقتصادية، لا أن يهدم بعضنا بعضاً طريق نجاتنا هو الوحدة والتماسك”.
وبذلك دعا الرئيس الإيراني البرلمان إلى التقدم بالوفاق والتعاون. وحذر البرلمانيين بجمل واضحة حين قال: “إذا كان من المقرر أن تعملوا على ما ترونه مناسباً، وأن نعمل نحن على ما نراه مناسباً، فأنا أشك في قدرتنا على حل المشكلة”. ولفت قائلاً: “أنا هنا لحل مشاكل الشعب. لن أقف ضد الشعب. سأتوصل إلى تفاهم معكم لنضع أيدينا في أيدي بعضنا لحل مشاكل الشعب”.
وأضاف بزشكيان: “بصفتي إيرانياً، لا أستطيع أن أقبل أن ينمو الآخرون في الخارج بينما ينظر الإيرانيون بحسرة يجب أن نتوقف عن النزاعات غير المجدية ونتحد”.
في هذا السياق، يشير وجدان عبدالرحمن الباحث المختص بالشأن الإيراني إلى أنه فيما يتعلق بالتشكيل الوزاري للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الذي وافق عليه البرلمان الإيراني، نجد أن الرئيس بزشكيان كان يريد في الأصل تشكيل وزارة كبيرة من الإصلاحيين، وأنه كان ينوي في الواقع إحداث بعض التغييرات التي تتفق مع الوعود التي قطعها على نفسه. وقد التزم أمام نفسه بمواضيع وقضايا محددة، كالشباب والشعوب غير الفارسية، ومنحهم بعض الامتيازات وبعض الوزارات، وكذلك على مستوى ولاة الأقاليم.
وتابع وجدان عبد الرحمن حديثه لـ”الحل نت” قائلاً: “لكن بعد انتخابه رئيساً للبلاد، اصطدم بحائط كبير، ليس فقط ببيت المرشد الأعلى، إنما مؤسسته الأهم وكتلته الصلبة التي تتمثل في “الحرس الثوري الإيراني” وبيت المرشد. ويعتقدون بأنه إعطاء أي امتيازات للأطراف التي وعد بها مسعود بزشكيان يهدد الأمن القومي لإيران.
الرضوخ لـ”بيت المرشد والحرس الثوري”
بمعنى آخر، أن بزشكيان بهذا المسار ينبش ملفات قديمة ومسكوت عنها، والنظام الإيراني بشكل أساسي عمّد على إغلاق هذا الملف بشكل كبير، ولا يريدون أن يفتح الرئيس الجديد، أي بزشكيان، هذا الملف حتى لا يخلق أزمات كبيرة في البلاد. كما حدث في فترة الرئيس السابق محمد خاتمي الذي أعطى حريات قليلة، لكننا رأينا كيف حصل انفتاح كبير لدى الشعوب غير الفارسية، وكانت هناك مؤسسات ثقافية اجتماعية وحتى أحزاب على المستوى الإقليمي، وهذا هو ما يخشاه النظام الإيراني، يضيف الباحث المختص بالشأن الإيراني.
أراد بزشكيان أن ينقل هذه الرسالة للداخل الإيراني وأيضاً للخارج، بأن هذه الحكومة ليست حكومته وليست من اختياره الكامل وإنما حكومة المرشد الأعلى. وبالتالي نحن أمام حكومة رسمه “الولي الفقيه”، ولا تغيير حقيقي سنجده في سياسة إيران أو إصلاحات قد تذكر.
ولذلك فرض عليه أن يسلم أمره لمؤسسات بيت المرشد و”الحرس الثوري الإيراني”، مما أفضى نحو تغيير الخطة وأسماء بعض الوزراء. وفرض عليه وزراء من قبل “الحرس الثوري الإيراني” وبيت المرشد والبرلمان الإيراني.
ويشير عبد الرحمن إلى أن تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بخصوص التشكيل الوزاري وتصريحه العلني والشفاف بأن هذا التشكيل الوزاري مر عبر “الحرس الثوري الإيراني”، ونوّهم عليهم بشكل مباشر بأن كل المشاورات والخيارات وقرارهم كان عبر “الحرس الثوري” والسلطات الأمنية وبيت المرشد الأعلى الإيراني، أن بزشكيان من خلال هذا التصريح وضع النظام الإيراني بأكمله على المحك، خاصة حين قال إن هذه الحكومة ليست حكومته، بل حكومة المرشد الأعلى ودولته العميقة.
وبذلك هو أراد أن ينقل هذه الرسالة للداخل الإيراني وأيضاً للخارج، بأن هذه الحكومة ليست حكومته وليست من اختياره الكامل وإنما حكومة المرشد الأعلى وإذا ما حصل هنالك فشلاً أمنياً أو تأزم الوضع الاقتصادي أكثر مما هو عليه حالياً، أو فشل في إدارة المؤسسات وكذا فشل السياسة الخارجية الإيرانية، فإن هذا الفشل ليس من جانب مسعود بزشكيان الإصلاحي وإنما بسبب سياسات نظام “ولي الفقيه”، حيث فرض على بزشكيان وزراء من قبل بيت المرشد ، ولم يكن خياره أبداً. وبالتالي نحن أمام حكومة رسمه “الولي الفقيه”، ولا تغيير حقيقي سنجده في سياسة إيران أو إصلاحات قد تذكر.
التفاعل مع المتغيرات السياسية والاجتماعية
بدا تشكيل الحكومة الجديدة في إيران عملية حساسة ومعقدة كونها تتفاعل مع العديد من المتغيرات السياسية والاجتماعية، فضلاً عن أنها جاءت بعد أحداث مهمة مثل تحطم المروحية، ووفاة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، وتصاعد حالة الاحتجاجات في البلاد، مما صاغ المشهد السياسي في البلاد داخل جملة مركبة ومعقدة ودفع بها نحو أنظار الجميع.
كما أنها جاءت في لحظة مفصلية، نترقب حالة الصراع الإسرائيلي الإيراني على خلفية اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” في طهران، وهو ما جعل مسألة تشكيل الحكومة الجديدة إحدى القضايا الرئيسية سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الإقليمي والدولي.
بالعودة إلى الباحث في الشأن الإيراني وجدان عبدالرحمن، فإنه يشير فيما يخص مسار الاحتجاجات ومدى تغلغلها في مفاصل المجتمع وتهديدها لمنسوب استقرار النظام إلى أن هذا الأمر لا يبدو بعيداً. ووفق اعتقاد عبدالرحمن، فإن الاحتجاجات ستكون كبيرة في الفترات المقبلة، إضافة إلى الاحتجاجات الموجودة حالياً، فهي فاعلة ومستمرة. بيد أنه ينبغي وصفها “فئوية”، بمعنى أنها ترتبط بعمال وممرضين وأطباء ومعلمين وغيرهم .
إذا كان من الصعوبة التخفيف من أثر هذه المظاهرات أو التهوين من شأنها فقد يبدو من الأهمية ملاحظة أنها قد تكون بداية حراك كبير وشامل في أي لحظة، بالإضافة إلى القطاعات الرمادية التي لم تتحرك حتى الآن في الاحتجاجات وكذا المستائين من النظام، عندها سيكون سيطرة النظام على الاحتجاجات صعب جداً في ظل الضغوط التي يواجهها النظام الإيراني اقتصادياً وسياسياً وأيضاً على مستوى العقوبات الغربية. وبالتالي يمكن القول إن موضوع الاحتجاجات متوقع بشكل كبير خاصة في ظل هكذا حكومة شُكلت من قبل نظام “الولي الفقيه”، أي أنه لا جديد في محرك السياسة الإيرانية.
كما أن استمرار أزمات أسعار البنزين والمياه والكهرباء، قد تؤدي لأن تشكّل ممراً لخروج المتظاهرين إلى الشارع، وبالتالي قد تشكّل تحدياً كبيراً لجبروت النظام الإيراني.
استمرار سياسة “الولي الفقيه”
من جانبها، قالت مصادر منظمة “مجاهدي خلق الإيرانية” المعارضة، إنه رغم أن الأمر كان واضحاً منذ البداية، إلا أنه لا ينبغي لأي رئيس للجمهورية في إيران أن يظهر أنه مجرد مُعيَّن، وأن كل الأمور في إيران في يد “الولي الفقيه الحاكم” مثلما فعل الرئيس الحالي مسعود بزشكيان.
وفي سياق آخر ذي صلة، أشار التقرير الذي وصلتنا نسخة منه وتحت عنوان “إيران.. ديكتاتورية الولي الفقيه تحت ستار الجمهورية ” إلى أن النظام الحاكم في إيران يواصل تنفيذ عمليات “الإعدام”، ولم يكف أيضاً عن التوسع وإشعال الحروب والإرهاب فحسب، بل وجد في هذه الأمور ضرورة لبقائه وجعلها جزءًا من سياسته الأساسية إذ لجأ خامنئي ونظامه، إلى القتل الجماعي للسجناء.
وقد استأنفت دوريات الإرشاد المشؤومة ممارساتها، ويستمر قمع النساء والفتيات في الشوارع والأزقة، كما يستمر القتل اليومي بلا هوادة للعتالين وناقلي الوقود الفقراء. وقد صرح بزشكيان مراراً وتكراراً بأنه قد تم تقديم حكومته بناءً على رأي خامنئي وبعد موافقته. وقد أطلق الشعب الإيراني على حكومة بزشكيان لقب “حكومة الإعدام” وحسب قول بزشكيان، فإن “حكومته ليس لديها أي خطة سوى تنفيذ سياسات خامنئي”.
هذا وسلط تقرير جديد لمنظمة “هيومن رايتس ووتش“، مزيداً من الضوء على حملة الإعدامات التي تنفذها السلطات الإيرانية، بمعدلات توصف بأنها ضمن الأعلى في العالم، بما في ذلك ضد معارضين ونُشطاء سياسيين.
وأشارت المنظمة الحقوقية في تقرير المنشور على موقعها الإلكتروني، الأربعاء الفائت، إلى إن السلطات الإيرانية أعدمت 87 شخصاً على الأقل في غضون شهر، وذلك عقب الانتخابات الرئاسية التي أجريت أواخر حزيران/ يونيو 2024.
وتزامنت موجة الإعدامات الجديدة، بعد أسابيع قليلة من انتخاب مسعود بزشكيان. وأفادت منظمة “إيران لحقوق الإنسان” غير الحكومية، أنه بالإضافة إلى موجة الإعدامات التي أعقبت الانتخابات، أعدمت السلطات جماعياً 29 سجيناً في 7 آب/ أغسطس.
وقالت باحثة إيران بالإنابة في “هيومن رايتس ووتش”، ناهيد نقشبندي، “تنفّذ السلطات الإيرانية موجة إعدامات فظيعة بينما تروّج لانتخاباتها الرئاسية الأخيرة كدليل على التغيير الحقيقي”.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.