في مثل هذا اليوم قبل عام، 1 أيلول/ سبتمبر 2023، قال ياس خضر “هذا حدنا وبس بعد”، فتوقّف نبض صوت الأرض، وليل البنفسج، الذي حفر في الذاكرة العراقية فنه الأصيل ليبقى راسخا في الوجدان إلى الأبد، تتوارثه الأجيال بلا هوادة.

ولد ياس المطرب الكبير لعائلة دينية بمدينة النجف عام 1935، ورحل عن عمر 85 عاما قضاها في الحياة، وعن 60 عاما من الإبداع بمجال الفن، تاركا خلفه فنه يخلّده أبد الدهر.

“مطرب الهدل”

عمل ياس خضر علي القزويني الحسيني، “قاطعَ تذاكر” في مستشفى أبو صخير بمدينة النجف، قبل أن يتحول إلى أحد أبرز نجوم الغناء العراقي قاطبة.

ابن الفرات، بدأ مسيرته الفنية عندما التقى لأول مرة بالملحن الكبير محمد جواد أموري، وكان هذا اللقاء هو ثمرة إنتاج أغنية “الهدل”، التي بثت عبر إذاعة القوات المسلحة نهاية الستينيات، ونجحت نجاحا كبيرا، لدرجة أنه أُطلق عليه “مطرب الهدل”، وأصبح هذا هو الاسم الجديد لياس خضر.

ياس الذي انطلق بمسيرته الفنية عام 1968، كان أحد أبرز مطربي جيل السبعينيات في العراق، ولم يتوقف عن الغناء حتى رحيله، حتى أنه كان يعد العدة لإطلاق ألبوم غنائي جديد، لكن الموت كان أسرع فلم يرَ الألبوم النور.

ياس خضر وأبرز الأغنيات

من أبرز أغاني ياس خضر، “ليل البنفسج” و “مرينا بيكم حمد” و”حن وآنه أحن” التي كتبها جميعا الشاعر الكبير، الراحل مظفر النواب، ناهيك عن “مسافرين” و”تايبين” و”راحلين”، وغيرها العشرات والعشرات من الأغنيات الطربية النادرة.

شارك الراحل الكبير في كثير من المهرجانات والحفلات الرسمية وغير الرسمية، داخل الوطن العربي وخارجه، خاصة في الخليج العربي وسوريا ولبنان وليبيا ومصر، وفي عدد من الدول الأوروبية، حيث غنى للجاليات العربية بمختلف ألوان الغناء، فوصل صوته لكل المعمورة، وله جماهيرية خاصة -عجيبة وغريبة- في سوريا، لدرجة أن الحزن السوري كاد أن يوازي حزن العراقيين يوم رحيل صوت الأرض.

تكريمات

تكريمات عديدة نالها خضر، منها تكريمه في مهرجان الدوحة السادس عام 2005 من قبل الفنان العراقي كاظم الساهر، كما مُنح الدرع التكريمي في حفل نجوم الفن عام 2008.

حصل ياس خضر أيضا، على وسام الإبداع في الملتقى الإذاعي والتلفزيوني في عام 2015، وكُرم من قبل اللجنة الثقافية في نادي العلوية ببغداد عام 2018.

راحلين وموَدّعين

في وقت متأخر من ليلة 1 أيلول/ سبتمبر 2023، جاء النبأ الحزين. “راحلين ومودّعين”! هكذا قالها ياس خضر. خبر نزل كالصاعقة على العراقيين ومحبيه في كل بقعة من بقاع هذه البسيطة، ليترك عالمنا مرتقيا إلى السماء، هناك رفقة من سبقوه من قامات الفن العراقي، رياض أحمد وفؤاد سالم وسعدي الحلي، والقائمة تطول.

غيّب الموت ياس خضر في بغداد، إثر وعكة صحية تعرض لها، قضى على إثرها قرابة شهر متنقلا بين مستشفيات العاصمة، نتيجة مشكلات في الرئة والقلب، لتنعاه الأوساط الثقافية والفنية والشعبية والحكومة ورئاسة البلاد، فحظي بتشييع رسمي قبل أن يوارى الثرى حيث مدينته التي انطلق منها إلى الحياة، في مقبرة “وادي السلام”، مستقر “الراحلين والموَدّعين”.

في النهاية، لا أفضل من رثاء الكاتب السوري أنس ناصيف عن “صوت الأرض” يوم رحيله، نتركه خاتمة لسيرة الراحل الكبير، “والعمر الطويل لسميعة ياس خضر”، وتاليا هو النص.

في سلمية وقراها، أثناء النهار يترك الناس مجالا للتفاؤل وللرغبات وأحلام اليقظة والأحاديث عن الرواتب والمطر والمواسم والمدارس فيسمحون بمرور أغاني فيروز ووديع الصافي ونصري شمس الدين ومن أراد من مغني سوريا ولبنان. لكن عندما يحين المساء تغلق المنازل وتترسخ قناني العرق وسط طاولات الندامى، عندئذ تُفتح القلوب نحو الشرق فقط، لتهب تحت نجوم البوادي أحزان العالم محمولة على أصوات ياس خضر وحميد منصور وفؤاد سالم وباقي عشاق العراق ورجاله المقهورين.

العمر الطويل لسمّيعة ياس خضر، وليمتد صوته على طول المسافة بين سلمية والعراق، حيث على طريق مقفر هناك شاحنة واحدة على الأقل تمخر في البادية، مؤكدة على صندوقها الخلفي ببساطة وبخط عريض، أننا نسير (مجروحين)”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات