تحفل الدراما السورية في الموسم الدرامي الحالي بصورة بصرية متطورة عن السنوات والمواسم الدرامية السابقة، بحيث تفتح إمكانية الحديث والبحث على المستوى البصري ما يجعل المشاهد السوري والعربي هو الحكم والفيصل، بنسبة مشاهدة ومتابعة عالية.

فدراما موسم 2023، عادت إلى توظيف الطبيعة الجغرافية البيئة السورية في محتوى درامي بصري في العديد من أعمالها، رغم عدم وجود أي عمل درامي للمخرج نجدت إسماعيل أنزور الذي اشتهر في توظيف الإبهار البصري في الدراما السورية، إذ وظف المخرج سامر البرقاوي طبيعة الريف السورية ذي المساحات المفتوحة في رسم مشهدية خاصة تقدم تعبيرا بصريا داخل فضاء الريف بعيدا عن مطولات الحوار الدرامي، وإنما يوظفه في مشهدية بعيدة عن روح الأمكنة المغلقة الاعتيادية (الاستوديو)، إلى التعبير باللقطة البصرية المحسوبة بدقة وهامش المغامرة فيها ضئيل جدا. 

الشارات واللقطات العامة

تتميز شارات الأعمال الدرامية باللقطات المتتابعة المدمجة مونتاجيا حيث ظهرت شارة “العربجي” من إخراج سيف الدين سبيعي، التعاقب بين أجزاء متغايرة، وتعاقب بين أفعال، وكأنها مصورة على شاريو متحرك سحبة واحدة، لكن في الواقع عملية المونتاج جعلت منها هكذا تبدو وكأنها مصورة في كاميرا بحالة واحدة. 

أما شارة “الزند” من تأليف عمر أبو سعدة؛ إختار المخرج البرقاوي الربط بين القرية وطبيعتها ونواعير حماة ونهر العاصي، وعربة القطار، والخرائط والمعارك المصورة بلقطات تقارب الكاميرا الأرض من الأسفل نحو الأعلى، وحركة الجياد والأحصنة في الجري والعدو، لينتقل بعدها إلى الأمكنة الأثرية القديمة في أكثر من مدينة سورية. 

بينما المخرج فادي وفائي في “صبايا 6″، يعتمد على الشكل التقليدي بعرض صور للممثلات المشاركات في المسلسل، وكذلك المخرج المثنى صبح في عمله “خريف عمر”. 

والغرائبية في شارة  “زقاق الجن” التي تعتمد على عرض الأدوات والدمى المحترقة الموجودة في العمل، بالإضافة إلى الدماء الموجودة على الثياب والأيادي الملطخة  على جدران الحارة.

 في حين شارة “ليلة السقوط” للمخرج ناجي طعمة تعتمد على اللقطات الواسعة والعريضة المأخوذة عن حالات دخول “داعش” إلى الموصل وسنجار والرقة،  والمشاهد الحربية في القتال وحركة السيارات المسلحة.

 أما اللقطات العامة والواسعة تظهر في العديد من الأعمال الدرامية منها “الكرزون” للمخرج رشاد كوكش عبر فيلا “عدنان بيك، أسامة الروماني”، وكل لقطات الشارع الذي استأجرت به “نور، ليليا الأطرش”.

 وفي “صبايا 6” نجد اللقطات الخارجية لمنزل الصبايا وبالشارع عندما تركب بعض منهن سياراتها، وفي المكتب الذي يعملن به. 

ورغم أن العديد من اللقطات والمشاهد في باحات البيوت الدمشقية كما في زقاق الجن للمخرج ناجي طعمة نجد اللقطات الواسعة والعريضة في بيت” أبو نذير، أيمن زيدان”، وكذلك مشاهد الغابة في المسلسل، بينما نجد اللقطات العريضة والمفتوحة على شارع يتصل بعدد من الشوارع بأحد أحياء بيروت في العمل الدرامي “النار بالنار” من إخراج محمد عبد العزيز. 

اللقطات القريبة العاطفية 

اللقطة القريبة هي الفكرة التي يعرضها علينا موضوع جزئي منفصل عن مجموعة أو منتزع من مجموع، يشكل هذا الموضوع جزءا منه، من اللقطة القريبة تحتفظ بالقدرة ذاتها على انتزاع الصورة من الاحداثيات(المكانية- الزمانية)، كي تبرز تأثيرها الصرف، وظهر ذلك في لحظات ولادة  الصبية الحامل في النار بالنار بالحلقة الأخيرة حيث التركيز على الوجه، ولقطات جزئية من الجسد، وعندما أطلق  (بارود، تيم عبد العزيز) النار على(عمران،عابد فهد) في ذات الحلقة.

 ونجد لقطة قريبة على وجه منى واصف في دور الأم في العمل الدرامي “وأخيراً” من تأليف وإخراج أسامة عبد الناصر، عند موت ابنتها (يارا) مع النواح الغنائي على رأس ابنتها، ولقطة قريبة لوجه “ياقوت، قصي خولي” في المشفى ليسأل سائق الباص لكي يقدم له معلومة عن المكتب الذي يشغلهم، وعن كل رحلة يتم فيها خطف النساء والفتيات.

 أما في “ليلة السقوط” نجد لقطات قريبة عندما تباع دكتورة (جوانا، صبا مبارك) في مزاد السبايا، وعندما يشتريها فلاح من قريتها العراقية ليأخذها إلى بيته تعيش فيه ابنة القاضي” كندا حنا، كريستين”، ويكون الشراء لحساب القائد الداعشي” حسان أبو عبد الله الذابح، طارق لطفي”.

أما في العمل الدرامي”الكرزون” نجد (ليندا، حنين خالد) في لقطة قريبة لوجهها وجسدها في بيت (أديب، قاسم ملحو).

 وأيضا اللقطات القريبة العاطفية بين (أبو نذير،أيمن زيدان)، و(ثريا، صفاء سلطان) من العمل الدرامي” زقاق الجن” من تأليف محمد العاص وإخراج تامر إسحاق. 

وفي العمل الدرامي”العربجي” من تأليف عثمان جحا ومؤيد النابلسي، وإخراج سيف الدين سبيعي نجد العديد من اللقطات التي تجمع (حسن، فارس ياغي) و(حسنية، دلع النار) في لقطات قريبة.

إن ماهية اللقطات القريبة في الدراما التلفزيونية تعبر عن خصوصية يشمل عليها الوجه أو الوجوه، ومع هذا أو ذاك من الوجوه المتميزة، ومع النسب المتغيرة بين الأجزاء (وجه يتصلب، وجه يرق)، ومكان الاتصال المضمر بين الخصوصيات، الذي يميل إلى التطابق مع الوجه أو الذي يتجاوزه.

 وتحويل الوجه(إشاحته) كما في لقطة (أم ياقوت، منى واصف) في موت ابنها، وفي لقطة مثل (مريم، كاريس بشار) في النار بالنار، فالتصلب الحاصل في وجه مريم نتيجة فعل الطعن جفف كل الدماء التي جسدها.

 وبهذا تختلف وظيفة اللقطة القريبة حسب كل حالة من الحالات الدرامية المطلوبة في كل مشهد من مشاهد العمل الدرامي.

المعارك القتالية الجماعية 

تظهر المعارك القتالية في الأعمال الدرامية كجزء من محتوى كل مسلسل من الأعمال التي عرضت في موسم العام 2023، وكأن تطابق الصراع كجزء من العالم الطبيعي الحقيقي في الحياة الذي يتبدى داخل أوساط اجتماعية مصورة بقوة بالغة، بتوزيع اجتماعي مزدوج” أغنياء- فقراء، أخيار- أشرار”، ولكن ما يعطي لتصويرهما بالتحديد مثل هذه القوة هو طريقتهما التي يرجعان فيها الخطوط إلى عالم أصلي يهدر في داخل كل الأوساط، فهذا العالم لا يوجد مستقلا عن أوساط محددة، وإنما تعيش هذه الأوساط بخصائص وسمات خاصة بها. فالصراع الطويل الذي خاضه (عاص الزند، تيم حسن) ضد الباشا ورجالاته منذ فراره من القرية بعد مقتل أبيه، وقلع عين قائد عملية القتل إلى عودته وتشكيل عصبة متمردين ضد الباشا والعسكر المتعاون معه، ومن أهم المعارك التي خاضها عاصي ضد رجالات” فايز قزق” في معركة النهر، إذ نجد دور كبيرا لاندفاعة الشخصيات والفؤوس تسبقها في الهواء، لتعود وتحصد الشخصيات التي قذفت ضدها. 

أما العمل الدرامي ليلة السقوط فاللقطات والمشاهد العامة في المعارك الكبيرة حيث أرتال السيارات المحملة بالرشاشات، والجثث المنشورة في أرض المعركة، بحركة دائمة وأصوات قذائف وانفجارات، ومساحات من الأرض المحروقة، وبقايا نيران مشتعلة، وبيوت مهدمة، وحركة سيارات( بيك آب، تيوتا) في المنطقة، ومن أهم مشاهد معركة تحرير سجناء  سجن الموصل هو انفجار الصهريج الملغم أمام حاجز سجن الموصل الذي فتح الطريق لكسر حمايات السجن الخارجية.

 وتظهر مشاهد نزوح أهالي الموصل نحو مدينة اربيل في كردستان العراق، وتأمين منظمات المجتمع المدني وجبات غذائية على الطريق للنازحين، والمعسكرات التي تم استقبالهم بها، ومعسكرات الجيش العراقي والكردي التي تعمل من أجل تحرير هذه المناطق من سيطرة واحتلال داعش.

 وفي العربجي نجد المعارك في الاستيلاء على مخازن القمح والحبوب، ووجود (عبدو العربجي، باسم ياخور) مع الفارين من وجه العدالة الذي يستولون على حمولة عربات القمح التي تباع بعيداً عن عين المتصرف الذي يشتري القمح للجيش العصملي الذي يخوض الحروب خارج بر الشام، ومن اللقطات الواسعة بصرياً مشهد جلد العربجي من قبل( أبو حمزة، سلوم حداد) في ساحة العربجية أمام كل العربجية في الساحة وتحويل المشهدية من حالة الجلد والظلم إلى لقطة كشف الحقيقة وتوضيح مدى ظلم كبير النشواتية للعربجي. 

قضايا فردية 

تعززت القضايا الخاصة والفردية في الأعمال الدرامية في هذا الموسم بصرياً من خلال تظهير العديد من القضايا الخاصة مثلما حدث في زقاق الجن من زواج أبو نذير من ثريا، وفردية( لطيف، حمادة سليم) في الاحتفاظ بكل ما يعانيه وعدم الحديث إلى محيطه وقدرته على الاستمرار في فعل قتل الأطفال الذين يخطفهم بعيداً عن اكتشافه كقاتل رغم كل ما بذلته أسرته من أجله. 

وخوض( إمارات رزق) معارك القتل منفصلة ومنفردة حتى شريكها في السكن (عبد المنعم عمايري).

 وترضى (كريستين، كندا حنا) ابنة القاضي في ليلة السقوط الزواج من الشيخ الداعشي أبو عبد الله حسان الذابح بعد أن صادر منها الموبايل لصالح الدولة الإسلامية بغية إنقاذ أبيها ورأسه من أن يكون بيد شيوخ الدولة الإسلامية في الموصل. 

وفي العمل الدرامي “وأخيراً” نجد مشهد غاية في الفردية الخاصة يجمع ياقوت و(خيال، نادين نسيب نجيم) في الشارع أمام العربة حيث يقبلها متجاوزاً الخطوط الحمراء درامياً واجتماعياً.

 أما العمل الدرامي “مقابلة مع السيد آدم” الجزء الثاني تظهر فردية الفعل عندما يزور الدكتور( آدم عبد الحق،غسان مسعود) بيت( أبو حسين، جهاد الزغبي وزوجته) ويخطفهما من أجل تقديم معلومات تخص تحقيقاته الخاصة، وآليات إدخال المواد المخدرة.

 وفي العربجي يضرب عبدو في السجن شخصيتين من صبية شاهين في السجن، ويعض أحدهما من أذنه فارضاً على المهجع آلية تعامله الخاصة داخل السجون التي ينتقل إليها واحداً تلوى الأخر، ولحظات بوح( بلقيس، روعة ياسين) بحبها له، لكنه لا يستجيب لهذه النداءات الخاصة. 

 وفي الزند نجد العلاقة الخاصة التي تربط( نجاة، دانا مارديني) مع عاصي بعد زواجهما وتعبر عنها بالشوق إليه. 

والرد العنيف من ( ربيع، ليث المفتي) على ( حلا، ابنة مالك بيك) في الكرزون، عندما تحمل منه، وتهديدها بالضرب أن اقتربت منه في الفضح والتعرية لهذه الشخصية.

أخيرا فإن الصورة البصرية للموسم الدرامي2023، شغلت المشاهدين والمتابعين خلال شهر رمضان، إذ جاءت عودة الدراما السورية لقنوات العرض العربية بعيداً عن ما عانت منه في السنوات والمواسم الأخيرة من مقاطعة، حرمت المشاهد العربي من مشاهدتها. فالدراما السورية باتت جزء من المواسم الدرامي العربي في شهر رمضان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات