كان قرار اعتقال العجمي الوريمي الأمين العام لحركة “النهضة” التونسية، في تموز/يوليو الفائت، مؤشرا جديدا من الرئيس قيس سعيد بعدم وضعه للاستحقاق الانتخابي لمنصب الرئيس ضمن معادلة علاقته مع الإسلام السياسي وممثليه في تونس، سواء مع حركة “النهضة”، أو “جبهة الخلاص”، أو الأحزاب التي ظهرت كمنشقة عن التيار الرئيسي، خاصة “حزب العدالة والإنجاز”، الذي يتزعمه عبد اللطيف المكي، القيادي البارز السابق في حركة “النهضة” الإسلاموية.
من هنا، كان من المرجح ألا تسمح الدولة والرئيس قيس سعيد لممثلي الإسلام السياسي بدخول الانتخابات الرئاسية خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل، حيث أشار قيس سعيد أكثر من مرة إلى مسؤولية مكون الإسلام السياسي في حركة “النهضة” خلال توليهم السلطة، كل العثرات التي علقت بثوب الوطن خلال العشرية الأخيرة ودخول البلاد لمعترك العنف والاغتيالات وتعطيل مسارات البلاد مما يؤدي بالضرورة لأهمية الإقصاء عن المشهد الانتخابي تحت ذرائع وحجج متعددة ومتنوعة استنادا لغياب المحكمة الدستورية وتعويضها بالمحكمة الإدارية.
إلا أن هيئة الانتخابات الممثلة في الهيئة المستقلة للانتخابات تعتبر نفسها صاحبة الحق والكلمة الأخيرة في كل ما يتعلق بالاستحقاق الانتخابي، ومن هنا تم حسم الأسماء التي لها حق دخول الساحة الرئاسية بين ثلاثة أسماء فقط، من بينهم الرئيس قيس سعيد، ومرشح “حركة الشعب القومي العربي” زهير المغزاوي، والنائب السابق ورجل الأعمال العياشي زمال، الذي يخضع لإجراءات قانونية.
استبعاد البعض يثير جدلا في تونس
كان قرار لجنة الانتخابات في تونس، مطلع أيلول/سبتمبر الجاري، باستبعاد ثلاثة مرشحين للانتخابات الرئاسية، وهم الزعيم السابق لحركة “النهضة” الإسلاموي عبد اللطيف المكي، والوزير الأسبق في عهد زين العابدين بن علي، والناشط البارز المنذر الزنايدي، وعماد الدايمي المستشار السابق للرئيس السابق منصف المرزوقي، رغم صدور أحكام قضائية من المحكمة الإدارية بإعادتهم إلى السباق الرئاسي، يؤطر إرادة الرئيس قيس سعيد في المضي قدما بالمسار والرؤية التي حددها منذ إجراءات 25 تموز/يوليو 2021، وصولا إلى لحظة الترتيبات للانتخابات الرئاسية، مرورا بكتابة الدستور وانتخابات البرلمان والمجالس المحلية.
وأثار قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات باستبعاد ثلاثة مرشحين للرئاسة أعادهم القضاء إلى السباق المقرر إجراؤه يوم 6 تشرين الأول/ أكتوبر القادم، سجالا قانونيا واسعا في البلاد.
في حين برر رئيس هيئة الانتخابات التونسية فاروق بوعسكر، في إيجاز إعلامي بثه التلفزيون الرسمي التونسي دون حضور الصحفيين، قرار الهيئة بالقول إن المحكمة الإدارية لم ترسل أحكامها إلى الهيئة خلال ثمان وأربعين ساعة بإصدار قراراتها وأن المرشحين تلاحقهم قضايا تزوير وتزكيات.
هذا وقد أوقف الأمن التونسي مطلع أيلول/سبتمبر الجاري، العياشي زمال بشبهة “افتعال تزكيات” مواطنين ضرورية لاستكمال ملف الترشح، وفق ما أفاد أحد أعضاء فريق حملته الانتخابية.
ومن ثم، قررت النيابة العامة في منطقة منوبة بعد استجوابه إيداعه الحبس الاحتياطي لمدة 48 ساعة، برفقة أحد أعضاء حملته الانتخابية.
وقد ندد “الاتحاد العام التونسي للشغل” يوم الثلاثاء، الثالث من أيلول/ سبتمبر الجاري، بـ”تجاوز خطير” للقانون بعد إقصاء ثلاثة مرشحين للرئاسة يُنظر إليهم على أنهم منافسون جديون على رغم صدور حكم قضائي بإعادتهم إلى السباق، قبل الانتخابات المقررة في السادس من تشرين الأول/أكتوبر المقبل.
وأكد في بيان، وفق ما نقلته وسائل الإعلام، رفضه “لهذا القرار الخارج على القانون واعتباره توجيها ممنهجا ومنحازا وإقصائيا وتأثيرا مسبقا في النتائج”، مضيفا أنه “ضرب صارخ للسلطة القضائية ولأحكامها”.
واعتبر القرار “تأكيدا على غياب المناخ الملائم والشروط الضرورية لانتخابات ديمقراطية وتعددية وشفافة ونزيهة”.
نحو ذلك قال الكاتب الصحفي مراد علالة، إنه خلافا للأشهر القليلة الماضية ارتفع منسوب الاهتمام بالانتخابات الرئاسية في الشارع التونسي لأسباب عديدة، من بينها أهمية منصب رئيس الجمهورية، سواء في الدستور أو في ضمير التونسيين.
يستطرد الكاتب التونسي حديثه لـ “الحل نت” أن المواطن التونسي يبدو أنه وقع في حالة من الحنين إلى سلطة الأب، إضافة إلى أن الاهتمام بالانتخابات الرئاسية يرتبط بالتأكيد بمسار عودة الحياة للمشهد السياسي والمدني وحركة الأحزاب، أو بالأحرى العوائل السياسية التي تقف خلف المرشحين لهذا الاستحقاق المهم، دون أن ننسى الحلم الحقيقي والأمل نحو الخروج من الأزمة المعقدة وتناقضات الحياة السياسية التي تعيشها تونس اليوم.
وكما هو معلوم فإن المحكمة الإدارية في تونس لعبت دورا كبيرا في مرافقة الانتخابات بمختلف أنواعها في تونس منذ العام 2011. كما أننا، على عكس المحطات الانتخابية السابقة، نشهد هذه المرة صداما بين هذه المؤسسة القضائية (المحكمة الإدارية) والهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي تتمسك بالادعاء بأنها صاحبة الولاية المطلقة على الانتخابات، فيما ترى المحكمة ومناصروها أنها الضامن لنزاهة وشفافية وحرية أي انتخابات، يضيف الكاتب الصحفي، مراد علالة.
استغلال جماعات الإسلام السياسي للأزمات
وسط الجدل الدائر حاليا في تونس نتيجة استبعاد بعض الأسماء من الاستحقاق الانتخابي، وانتقادات البعض لمؤسسات الدولة واتهامها بـ”تجاوز القانون”، يشير أستاذ التاريخ الراهن عبد اللطيف الحناشي إلى “أننا ربما لم نصل إلى ما وصلنا إليه لو كانت المحكمة الدستورية موجودة”.
وبالتالي يلفت الحناشي لـ”الحل نت”، إلى أهمية الضغط الذي كان ينبغي أن يعمل عليه رجال القانون والنخبة في المجتمع التونسي من أجل تركيز تلك الهيئة، حيث وصل بالبعض إلى حد الدعوة إلى الوقوف أمام البرلمان والمطالبة بالمحكمة الدستورية.
في حين، يشتبك الكاتب التونسي مراد علالة، مع تناقضات اللحظة الراهنة وتعطل مسارات التطور الديمقراطي في الشرق الأوسط، خاصة الدول التي عاشت أحداث “الربيع العربي” على خلفية حضور جماعات الإسلام السياسي وتقاطعها مع نظام الحكم مما أربك الشأن العام. ويقول علالة في هذا السياق، “من المثير للسخرية أن يجد الشارع التونسي نفسه أمام قضيتين على طرفي نقيض، فثمة ارتياح وتأييد لإبعاد الإسلام السياسي عن المشهد العام، وخاصة من الحكم، وإقصاء رموزه من المناصب العليا في مؤسسات الدولة. لكن في الوقت نفسه، هناك قلق حقوقي، إذا جاز التعبير، بشأن الطريقة التي تمت بها إزاحة الشخصيات المحسوبة على جماعات الإسلام السياسي من سباق الانتخابات الرئاسية من قبل هيئة الانتخابات”.
تجربة الحكم التي عاشتها حركة “النهضة” في تونس والمرارة التي تركتها في ذاكرة الشعب التونسي، دفعت التونسيين إلى دعم الرئيس قيس سعيد في إجراءاته ضد تلك الجماعات الإسلاموية.
الكاتب التونسي، مراد علالة لـ”الحل نت”
ومن المؤسف، فقد أصبح هناك خلط اليوم بين الدفاع عن حق المواطنين في الترشح والدفاع عن دولة القانون، وما يمكن أن يُفهم على أنه دفاع عن ممثلي الإسلام السياسي للعودة إلى المشهد والسلطة، وهذه القضية بدون شك أنها ستستغل من قبل حركة “النهضة” الإسلاموية وما يعرف بـ”جبهة الخلاص” والجماعات الدائرة في فلكها لتسجيل نقاط في الحرب المستعرة مع السلطات وتحديدا مع رئيس الجمهورية قيس سعيد، على حد تعبير الكاتب التونسي، مراد علالة.
استثمار الحالة السياسية
في ضوء كل ذلك، يبدو أن الوضع السياسي في منطقة الشرق الأوسط رهن الثبات والجمود، ولا يعرف أي تقدم للأمام، ولا يتقدم نحو الأفضل ولو لمرة واحدة، على هامش تغلغل جماعات الإسلام السياسي في بنية العمل السياسي خلال السنوات الأخيرة، وأخرى ما يرتبط بمسار الحرية والديمقراطية وحق الأشخاص والتنظيمات السياسية في ممارسة العمل العام دون قيود أو اشتراطات.
لكن تجربة الحكم التي عاشتها حركة “النهضة” في تونس والمرارة التي تركتها في ذاكرة الشعب التونسي، دفعت التونسيين إلى دعم الرئيس قيس سعيد في إجراءاته ضد تلك الجماعات الإسلاموية في العام 2021 وأعطته شرعية جديدة للحكم غير شرعية الاستحقاق الانتخابي في العام 2019 الذي اجتازه سعيد باكتساح كبير حينها، وفق ما يقدره الكاتب التونسي أثناء حديثه لـ”الحل نت”.
وفي الوقت الراهن، يبدو أن قوى الإسلام السياسي في تونس، سواء “النهضة” أو “جبهة الخلاص”، تعمل كل منهم على استغلال الوضع السياسي في تونس ضد الرئيس والدولة، واستغلال تواجد بعض القيادات في الخارج، خاصة القيادي النهضوي، رفيق عبد السلام، من خلال مقولات الوضع الحقوقي والقانوني لأعضاء وقيادات “النهضة” الموقوفين، وما حدث حاليا مع ترشح عبد اللطيف المكي.
إذاً، سيستفيد الإسلام السياسي أيضاً من الدعم الخارجي المعهود من نفس المحور ومن نفس الماكينات الإعلامية، وعبر ذلك سنعود دون أدنى شك لخطاب المظلومية واستعارة الخطاب الحقوقي، وستكون هناك فرصة أمام الجماعة الإسلاموية لإعادة الانتشار، كما يقال في القاموس العسكري، “استجماع القوة بعد الضربة التي تلقتها وأدت إلى انحسار شعبيتها وتفككها وتمرد أفرادها”. فعبد اللطيف المكي، على سبيل المثال، قفز من قارب حركة “النهضة” وأسس “حزب العمل والإنجاز”، مع الحفاظ في الوقت ذاته على وجوده داخل “جبهة الخلاص”. بدوره، عاد السياسي التونسي وأمين عام “حزب المؤتمر من أجل الجمهورية” سابقا ورئيس سابق لديوان رئيس الجمهورية التونسية، عماد الدائمي للمشهد من خارج حدود الوطن مرتديا ثوب الناشط الحقوقي الذي يقاوم الفساد ويحمي المرفق العام بدل ثوب الناشط السياسي الذي كان يرتديه في “حزب المؤتمر من أجل الجمهورية”، وهو القادم إليه من حركة “النهضة” وفق شهادة إخوة الدرب، يقول الكاتب التونسي مراد علالة.
ويمكن القول إن التقية، التي هي من الأساليب الأساسية في نشاط “الإخوان المسلمون”، أتاحت لممثلي الإسلام السياسي من الوصول إلى مرحلة متقدمة في المسار الانتخابي والتصادم في النهاية مع هيئة الانتخابات، فالمكي والدائمي اختارا عدم إثارة الضجة عندما فتحت ملفات قضائية ضدهما، وقام أنصارهما بجمع التوصيات بهدوء وحفظ الملفات في الآجال وهما اليوم يصران على مواصلة المعركة.
وهذه المعركة قد تكون محسومة شعبيا إلى حد ما، باعتبار أن القرار ضد حكم قوى الإسلام السياسي لا رجعة فيه في الشارع التونسي، وإن سُمح للمكي والدائمي مواصلة السباق الرئاسي، فإنهما إلى جانب تقاسم الخزان الانتخابي المشترك، فسوف يجدون صدرا شعبيا كبيرا سيُترجم في صناديق الاقتراع، ولكن سياسيا وحقوقيا ستواصل المجموعة الإسلاموية تعطيل الاستحقاق الانتخابي ومحاولة استغلال ذلك للعودة إلى المشهد السياسي من خلال توظيف المواقف المبدئية لمكونات المجتمع المدني والسياسي والنخب التي رفضت اجتهادات هيئة الانتخابات ودعمت المحكمة الإدارية، وذلك من خلال لعب “دور الضحية” كالعادة. بل والأغرب من ذلك هو الادعاء بالدفاع عن دولة القانون والمؤسسات والحقوق والحريات التي هي قيم ومبادئ لا وجود لها في مشروع جماعات الإسلام السياسي ودولة الخلافة.
في المحصّلة، ستجاهد الجماعات الإسلاموية وتبني سلوكها على أخطاء الطريق واجتهادات هيئة الانتخابات وسلوك السلطة بشكل عام وسلوك البعض الذي “يغلّط” هذه السلطة ويغالطها. وستعمل هذه الجماعات على استعادة الأنفاس واستعادة الحاضنة الاجتماعية التي فقدتها في الفترة الماضية، وهو ما يجب أن يتفطن إليه الجميع وخاصة من يتوهم أن الإسلاميين اندثروا من البلاد، أو أن المقاربة الأمنية والقضائية كفيلة بلجمهم، فهذا نهج وقعت تجربته قبل العام 2011 وحقق نتائج عكسية. ولذلك لابد من الاستفادة من أخطاء الماضي والرهان على تنمية وعي المواطن وتحصين المجتمع ضد جميع الاختراقات والظواهر السلبية التي تعود به إلى الوراء.
- المعارضة تدخل مدينة حماة.. والجيش السوري يؤكد خوض معارك في الريف الشمالي
- مستشار خامنئي: لم نتوقع أن تقع تركيا في “فخ” أميركا وإسرائيل
- فصائل المعارضة على تخوم مدينة حماة.. والجيش السوري يحصّن مواقعه
- وسط المعارك المستمرة.. روسيا قد تقوم بإخلاء سفنها البحرية من ميناء طرطوس
- سخرية واسعة من تصريحات مسؤولين سوريين حول معركة حلب
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.