في ظل الجهود الإقليمية والدولية المستمرة لإحداث خرق في الأزمة اليمنية المستمرة وإحلال السلام بالبلاد، تواصل إيران تحركاتها التي تفضي إلى تقويض الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار والأمن هناك، فبعد ثلاث سنوات من وفاة غامضة لسفيرها السابق لدى جماعة “الحوثيين” حسن إيرلو، أعلنت طهران تعيين سفير جديد لها يدعى علي محمد رضاني في صنعاء الخاضعة لسيطرة “الحوثيين” الموالين لإيران منذ عام 2014، بعد الانقلاب على الحكومة اليمنية الشرعية.
خطوة إيران هذه اعتبره محللون أنها “متعمدة”، إذ يبدو أن طهران ترغب بتوطيد هيمنتها لسنوات طويلة في البلاد ولا تريد إيجاد أرضية مشتركة مع دول المنطقة لإنهاء الأزمة اليمنية المستمرة منذ سنوات.
ولا يخفى على أحد أن ثمة علاقات وثيقة بين إيران وجماعة “الحوثيين” في اليمن، حيث يتقاسمان مصالح استراتيجية مشتركة، فإيران تسعى إلى توسيع نفوذها في المنطقة، وتعتبر اليمن موقعا استراتيجيا، خاصة السيطرة على مضيق باب المندب، فيما يسعى “الحوثيون” إلى الانفراد بالسلطة هناك.
ومعروف أيضا أن إيران تدعم “الحوثيين” عسكريا وماليا، بالإضافة إلى توفير الأسلحة والتدريب، حتى يتمكن “الحوثيون” من مواجهة الحكومة اليمنية الشرعية و”التحالف العربي” هناك. كما تقوم سياسة إيران الخارجية على دعم الجماعات الشيعية في المنطقة، وتعتبر “الحوثيون” جزءا من مشروعها في المنطقة. وبالتالي كل ذلك يشي بأن اليمن منطقة استراتيجية فعّالة في دائرة المنافع والسياسات الإيرانية.
إيران تعين “عسكريا” سفيرا لها باليمن
عقب وصول علي محمد رمضاني إلى صنعاء، قدم أوراق اعتماده بمناسبة تعيينه سفيرا ومفوضا لدى إيران في صنعاء الخاضعة لجماعة “الحوثيين”، التي تعتبر نفسها حكومة، بينما في الواقع “غير المعترف بها” لا إقليميا ولا دوليا.
وذكرت وكالة “سبأ” بنسختها الحوثية أن ما يسمى وزير الخارجية جمال عامر، “استقبل سفير الجمهورية الإسلامية في إيران الجديد، علي محمد رمضاني”.
هذا وقد حذرت الحكومة اليمنية من أن تعيين سفير إيراني جديد في مناطق سيطرة “الحوثيين” قد يرافقه تصعيد عسكري جديد من قبل الميلشيا، لاسيما فيما يتعلق باستهداف الملاحة البحرية وتعطيل الحركة التجارية الدولية، خاصة وأن هذا السفير الإيراني الجديد، له خلفية عسكرية، فهو من “الحرس الثوري الإيراني”، وبشكل أدق، عضو في “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري”.
وقال وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني، معمر الإرياني: “نحذر من موجة تصعيد جديدة لميلشيا الحوثي، على خلفية استقبال مندوب إيراني جديد في مناطق سيطرتها، خصوصا وأن ذلك يتزامن مع استهداف ناقلة النفط اليونانية (سونيون)”، وفق ما نقلته وسائل الإعلام.
وأكد الإرياني، في منشور له على حسابه الرسمي على منصة “إكس/تويتر”، أن “إعلان ميلشيا الحوثي الإرهابية استقبال مندوب إيراني جديد، بعد 3 أعوام من مصرع الحاكم العسكري حسن إيرلو، يكشف عن الفشل الذريع وحجم العزلة التي تعيشها”.
وأضاف الإرياني: “العالم بات مجمعا وعلى قناعة تامة بأن ميلشيا الحوثي ما هي إلا أداة لإدارة مشروع إيران التوسعي في المنطقة، وأنها منزوعة القرار الفعلي في النواحي كافة، ولا تمتلك أي وصاية على نفسها، وأن الحرس الثوري الإيراني هو الوصي عليها، حتى في إدارة المحافظات اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين”.
وشدد الوزير اليمني على مطالبة المجتمع الدولي بـ”التصدي الحازم لسياسات إيران التوسعية، وتصدير الثورة الخمينية، وتشكيل الميلشيات الطائفية، والتي خلفت أزمات متعددة على مستوى عدد من دول المنطقة”.
دلالات تعيين سفير ذو رتبة “عسكري”
في سياق دلالات تعيين إيران سفيرا جديدا لها في صنعاء، وتحديدا ذو خلفية عسكرية، فإن ذلك يحمل دلالات استراتيجية خطيرة، بحسب ما قال صالح أبو عوذل رئيس مؤسسة “اليوم الثامن” للإعلام والدراسات، في حديث مع “الحل نت”.
خطوة إيران هذه قد تعكس استعدادها لمزيد من التصعيد، سواء على مستوى العمليات العسكرية أو الضغوط السياسية، فضلا عن أن طهران تسعى لتوظيف الصراع في اليمن كأداة في صراعها الأوسع مع دول المنطقة والقوى الغربية.
صالح أبو عوذل رئيس مؤسسة “اليوم الثامن” لـ”الحل نت”
ولفت أبو عوذل، رئيس مؤسسة “اليوم الثامن” ومقرها العاصمة عدن، إلى أن هذه الخطوة الإيرانية تحمل دلالات استراتيجية تتجاوز نطاق المهام الدبلوماسية التقليدية. وقدر أبو عوذل أن هذا التعيين قد يعكس رغبة طهران في تعزيز نفوذها الميداني على الأرض، وهو ما قد يشير إلى احتمال تصعيد الأوضاع في اليمن.
وبيّن أبو عوذل أن وجود شخصية عسكرية في منصب السفير يعكس نية إيران لتوسيع نطاق الحرب وربما إعادة تفعيلها بشكل أوسع، “سواء في الداخل اليمني أو باتجاه الجنوب المحرر والأراضي السعودية”، لافتا إلى أن هذا التعيين يمكن اعتباره إشارة ضمنية إلى موافقة طهران على الهجمات التي يشنها “الحوثيون” على خطوط الشحن في خليج عدن والبحر الأحمر. فوجود شخصيات عسكرية في مناصب دبلوماسية يرتبط غالبا بدعم العمليات الميدانية والتخطيط الاستراتيجي، مما قد يعزز من قدرات “الحوثيين” على تنفيذ مزيد من الهجمات.
معاداة المنطقة والغرب
في هذا السياق ذاته، أضاف أبو عوذل أن هذه الخطوة قد تعكس استعداد إيران لمزيد من التصعيد، سواء على مستوى العمليات العسكرية أو الضغوط السياسية، مؤكدا أن هذه التحركات تشير إلى أن طهران تسعى لتوظيف الصراع في اليمن كأداة في صراعها الأوسع مع دول المنطقة والقوى الغربية، مما يضع اليمن في قلب التوترات الإقليمية المتزايدة.
وتسيطر إيران على نصف اليمن من خلال تبعية جماعة “الحوثي” لها، وبالتالي ستسعى إيران للسيطرة على النصف الآخر من اليمن، وربما يساعدها في هذه الخطة وجود ممثلها العسكري كـ “سفير جديد” هناك، مما يعني أنها ستعتمد على الأسلوب الميداني للوصول إلى تحقيق أطماعها، وقد نشهد خلال الفترات المقبلة المزيد من التصعيد بين “الحوثيين” والسلطة الشرعية باليمن، حيث تعمل إيران على استغلال حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي يعيشها المنطقة ككل، وخاصة بعد اندلاع الحرب في قطاع غزة، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
وتعيين رمضاني في هذا الوقت العصيب الذي تمر به اليمن من أزمات جمّة قد يوضح إصرار إيران على إثارة صراعات داخلية أو تلك المتعلقة بالصراعات الدولية في البحر الأحمر والملاحة الدولية، إذ لم تكن تلك الصراعات الداخلية مع الشعب اليمني والصراعات الخارجية مع القوى الدولية إلا لخدمة المشروع التخريبي الإيراني.
مخاوف من تعيين رمضاني
إن موضع القلق من تعيين السفير الإيراني في صنعاء اليمنية، يأتي من كونه بعد وصول الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان إلى الحكم الذي وعد الشارع الإيراني أنه سيعمل على تحسين وتعزيز العلاقات الإقليمية والتعاون مع العالم على أسس الحكمة والمصالح المشتركة، مما يوحي بشكل واضح التعارض بين الخطاب الذي وجه به للشعب الإيراني وبين الأفعال على أرض الواقع. ولو كان هذا السفير دبلوماسيا سياسيا دون صفة عسكرية، لربما اعتبر الأمر جزءا من البروتوكول المتبع في هذه الحالات.
إلا أن صفته العسكرية تدعو إلى القلق أو أن إيران بصدد فعل أزمة ما في اليمن، وهذا الأمر لا يقل خطورة عن ما يقوم به “الحوثيين” اليوم في اليمن من التفجيرات والاعتداء على المواطنين وتعطيل حركة الملاحة الدولية وإثارة القلق في المنطقة.
وبحسب المراقبين قد يكون تعيين سفير إيراني ذو خلفية عسكرية شأنه في ذلك شأن السابق له، حسن إيرلو، إذ قد يأتي في إطار الضغط على المملكة العربية السعودية، في إطار تفاوضها معها.
وعلى الرغم أنه هناك حالة من التهدئة بين إيران والسعودية، وبين السعودية وجماعة “الحوثي”، فهذا التعيين يأتي كمحاولة إيرانية لإرسال رسالة مدلولها “أنها تدعم الجانب الحوثي، وتأكد على سلامة موقفه”. وفي الوقت نفسه تريد إيران أن تقول أنها موجودة وطرف مؤثر في مسار الأحداث.
مع تعيين رمضاني سفيرا جديدا لإيران في صنعاء، لم يعد هناك أي بصيص أمل في إنهاء الأزمة اليمنية، المشتعلة طوال الوقت، سواء بسبب التدخلات الإيرانية المستمرة، أو الصراعات بين جماعة “الحوثي” والقبائل.
وخطوة إيران هذه قد يعيد التفاهمات إلى المربع الأول، وطهران تدرك هذه الحقيقة لأنها ليست حريصة على هذه الهدنة. وهي تعمل على التوسع في المنطقة، والمملكة العربية السعودية تقف في طريق هذا التوسع العدائي. ومن مصلحة إيران أيضا إفساد العلاقات أو الهدنة، حتى لو كانت رسمية، بين “الحوثيين” والمملكة العربية السعودية، فحماعة “الحوثي” هي يد إيران في اليمن.
وقد شهدنا خلال هذا الشهر المزيد من أعمال العنف والتصريحات التي تحمل درجة من العداء والتراجع الواضح عن عملية السلام مع السعودية. وفي وقت سابق، أعلن القيادي البارز محمد علي الحوثي، أن على السعودية والدول المتحالفة معها وقف “العدوان وإنهاء الحصار وفتح المنافذ كشرط أولي على طريق السلام والاستقرار.
كما أن علي الحوثي طلب من السعودية كخطوة أولية نحو السلام، أن عليها القيام بدفع التعويضات عما حدث في الحرب عام 2014. ليبدو من خلال هذا الموقف عدم جدية جماعة “الحوثي” في تحقيق الاستقرار باليمن. وهذا ليس بالشيء الجديد على طريقة جماعة “الحوثي” التي دائما ما تراوغ وتعتمد خلق شروط جديد للسلام، مع كل مرة يقترب فيها موعد الاتفاق مع السعودية.
وهذا ما عبر عنه الإرياني على منصة “إكس/تويتر” في وقت سابق قائلا: “نحذر من استغلال ميلشيا الحوثي حالة التراخي الدولي لمواصلة تصعيدها الذي يهدد بتقويض فرص السلام وجر الوضع إلى مزيد من التعقيد، وينذر بانهيار الوضع الاقتصادي، ويفاقم المعاناة الإنسانية. ونؤكد أن الحكومة لن تقف مكتوفة الأيدي وستتخذ كافة الإجراءات التي تحفظ مصالح الشعب اليمني وموارده، وتحمي تضحياته في معركة استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب”.
وهذا كان قبل تعيين رمضاني سفيرا جديدا في صنعاء، ومع تعيينه، لم يعد هناك أي بصيص أمل في إنهاء الأزمة اليمنية، المشتعلة طوال الوقت، سواء بسبب التدخلات الإيرانية المستمرة، أو الصراعات بين جماعة “الحوثي” والقبائل التي بدأت تنشق وتتمرد على “الحوثي”.
وأخيرا يمكن القول إن تعيين إيران سفيرا عسكريا في صنعاء ليس إلا ورقة ضغط على دول المنطقة أو على القوى الدولية. لكن هذا لا يعني أنه لم تعد هناك أوراق إيرانية، إذ أصبح لدى إيران ضغوطات وأوراق كثيرة، أهمها خضوع “الحوثيين” لها. وهي الورقة القديمة التي تتجدد طوال الوقت، ومن خلالها تلعب على سياسة التفاوض مع أميركا أو مع دول “التحالف العربي” في اليمن.
- توحش “الحوثيين” يطال المنظمات الأممية.. نهب الموارد ونشر الرعب
- “الآن هم عراة ليس لديهم القدرة على حماية أنفسهم”.. تفكيك “محور المقاومة”
- مرتبط بـ “حزب الله”.. “بارون المخدرات” اللبناني ينتقل إلى سوريا
- قصي خولي وديمة قندلفت في مسلسل تركي.. تفاصيل
- إسرائيل تعلن مقتل قياديين في إنتاج الصواريخ ومنظومة الاتصالات في “حزب الله”.. من هم؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.