أعلن نائب الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني، الشيخ نعيم قاسم، الأحد الفائت، بداية مرحلة جديدة من مراحل الحرب مع إسرائيل قائلا: “دخلنا مرحلة جديدة وهي معركة الحساب المفتوحة مع إسرائيل”. فعلى مدى الأسبوع الماضي شهدنا ارتفاع وتيرة التصعيد المتبادل بين الحزب وإسرائيل.
إسرائيل من جهتها عملت على تكثيف غاراتها الجوية على العديد من الأراضي اللبنانية، مؤكدة على عزمها المضي قدما في مزيد من الضربات الواسعة على سهل البقاع شرق لبنان. أما “حزب الله” يعيش حالة الارتباك والتوتر الداخلي؛ فمع كل يوم تضعه إسرائيل في موقف أصعب من السابق وخاصة مع ارتفاع يومي في عدد الضحايا من المدنيين ومن أعضاء الحزب ومن الشخصيات القيادية.
تصارع الأحداث
سريعة هي الأحداث على الساحة اللبنانية ومختلفة هذه المرة؛ فقد دخلت في سياق الصراع التكنولوجي في الإطار ذاته من الصراع بين “حزب الله” وإسرائيل، فعبد الانفجارات التي تعرضت لها آلاف من أجهزة النداء واللاسلكي والتي أسفرت عن مقتل 37 شخصاً وإصابة ما يقرب من حوالي 3000 شخص، تعرض الحزب وأعضائه إلى حالة من الصدمة والارتباك السياسي التي من المؤكد سيكون لها أثرها على شعبية الحزب داخل لبنان.
هذه الانفجارات توضح بشكل كبيرة حالة الاختراق الأمني التي يعاني منها الحزب وقياداته. والحزب بدوره المتعاد تعهد بالرد على هذه الانفجارات، وأشار بالاتهام إلى إسرائيل التي لم تحرك لها ساكنا حتى بالتعليق أو بنفي مسؤوليتها.
وبعد يومان من انفجار أجهزة الاتصال شنت إسرائيل يوم الجمعة الماضية غارة جوية أدت إلى تدمير مبني من ثمانية طوابق في ضاحية بيروت، حيث كان أعضاء الحزب يجتمعون في الطابق السفلي من المبني، الذي أسفر عن مقتل 45 شخصاً من بينهم أشخاص مدنيون، ومن ضمن أعضاء الحزب الذين قتلوا كان إبراهيم عقيل، الذي كان يقود وحدة القوات الخاصة بالحزب.
وعلى هذا أطلق “حزب الله” أكثر من 100 صاروخ في وقت مبكر من صباح الأحد عبر شمال إسرائيل، وسقط بعضها بالقرب من مدينة حيفا، بينما شنت إسرائيل مئات الغارات على لبنان. وفي السياق ذاته وأثناء مراسم تشييع جثمان عقيل قال نائب الأمين العام لـ “حزب الله” نعيم قاسم : “نعترف بأننا متألمون. نحن بشر. ولكن كما نتألم نحن، فسوف تتألمون أنتم أيضاً”.
وتعهد نعيم بأن يواصل “حزب الله” العمليات العسكرية ضد إسرائيل دعماً لغزة، لكنه حذر أيضاً من الهجمات غير المتوقعة “من خارج الصندوق”، مشيراً إلى الصواريخ التي تطلق على عمق أكبر داخل إسرائيل. وأضاف قائلا: إن “التهديدات لن توقفنا… ونحن مستعدون لمواجهة كل الاحتمالات العسكرية”.
معركة الحساب المفتوح
في حديثها مع “الحل نت” قالت الباحثة في الشأن العربي الدولي، ريتا بولس شهوان: إن فكرة اعتماد مصطلح الحساب المفتوح توحي أنها حرباً مفتوحة لا علاقة لها بالزمان أو مكان، فمن الناحية العسكرية لها دلالة ضعيفة لأنه هل سيكون “حزب الله” قادرا بالمقارنة مع أسلحة إسرائيل على الصمود والاستمرار؟!
“حزب الله” بحسب بولس، لا يتعمد على نوعية الأسلحة التي لديه وإنما يعتمد على البشر على المدى البعيد كضحايا أو ذخائر لهذا الحساب المفتوح، كما أن الأسلحة التي يمتلكها الحزب ذات إمكانيات محدودة بسبب الحصار الدولي على إيران التي تزود الحزب بالأسلحة، ودليل على تطور الأسلحة الإسرائيلية مقارنة بالحزب هو ارتفاع عدد الضحايا مع كل عملية إسرائيلية حتى أنه زاد على عدد ضحايا حرب تموز 2006، والتي كان عدد ضحاياها 1200 فقط.
هذا يعني تفوق إسرائيل من الناحية العسكرية التي أصبح بإمكانها قتل 500 شخصاً في عملية واحدة. فما يقوله نعيم قاسم ما هو إلا مؤشر على انعدام القيمة الحياتية للأفراد حتى أنهم أصبحوا مجرد رقم في ظل مفهوم الحرب المفتوحة.
وتضيف بولس قائلة: “ليست هناك أي مرحلة جديدة كما قال نعيم قاسم، الجديد فقط استرخاص حياة الأشخاص بكل شرسة، فالناس لا تريد الحرب وتريد العيش الكريم، فما أعطي له حق التصريح حتى يتحدث باسم الناس، الذين جعلوهم وقودا في حروب الحزب الخاصة”.
إذاً، مفهوم الحرب المفتوحة لا يعني إلا أنها مفتوحة على أرواح المدنيين، فـ”حزب الله” حتى الآن لم يقتل قيادي إسرائيلي واحد فكيف تكون حربا مفتوحة، ونحن هنا بالطبع – بحسب حديث المصدر ذاته – لا ندعو إلى مزيد من القتل أو الحرب إنما نسعى إلى فهم كلام نعيم قاسم وحسب، فهل هي حربا مفتوح فقط على الجانب اللبناني، يبدو وفقا المعطيات المتاحة حتى الآن أنها كذلك!!!!
نقطة في غاية الأهمية من وجهة نظر بولس، وهي أن التصعيد يتم فقط بزيادة عدد الضحايا سواء في لبنان أو غزة، لأن هذا العدد المرتفع ربما يساعد إيران في دعم موقفها في التفاوض الذي تسعى للوصول إليه، وعليه فإن إيران تجلس على مائدة المفاوضات مع الغرب لأجل المتاجرة بدماء الضحايا لحسابها الخاص.
ولهذا نعود إلى ما قاله المتحدث باسم الأمن القومي في “البيت الأبيض”، جون كيربي، لشبكة “إيه بي سي”، بأن الولايات المتحدة “شاركت في دبلوماسية مكثفة وحاسمة للغاية”. وأضاف: “نريد أن نتأكد من أننا نستطيع الاستمرار في بذل كل ما في وسعنا لمحاولة منع تحول هذا إلى حرب شاملة هناك مع حزب الله عبر الحدود اللبنانية”.
كما أن هذا التصعيد على الجبهة اللبنانية لن يصب في مصلحة الحرب في غزة بالعكس، فمنذ اشتعال الوضع بين “حزب الله” وإسرائيل لم يعد العالم يلتفت إلى ما يحدث في غزة وإنما تحولت الأنظار إلى الجبهة اللبنانية نتيجة الخوف من الدخول في حرب شاملة.
مراحل جديدة من التصعيد
رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قال في بيان مصور “في الأيام الأخيرة وجهنا لحزب الله سلسلة من الضربات لم يكن ليتصورها أبدا. وإذا لم يفهم حزب الله الرسالة، فأنا أعدكم بأنه سيفهمها”. إشارة إلى سلسلة الغارات الأخيرة التي شنت إسرائيل على مواقع الحزب، وأيضاً إشارة إلى التفجيرات “البيجر” واللاسلكي.
من جهتها، جينين هينيس بلاسخارت، المبعوثة الأممية إلى لبنان، ذكرت على منصة “إكس” (تويتر سابقا)، أنه مع وجود المنطقة على شفا كارثة وشيكة، لا يوجد حل عسكري من شأنه أن يجعل أي من الجانبين أكثر أمانًا.
وهنا نستذكر، تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، بأن العمليات ستستمر حتى يصبح من الآمن عودة الأشخاص الذين تم إجلاؤهم على جانبه من الحدود – مما مهد الطريق أيضًا لصراع طويل حيث تعهدت حزب الله المدعومة من إيران بالقتال حتى وقف إطلاق النار في حرب غزة الموازية.
في ظل هذا الوضع المنفلت ومع مزيد من الغارات الجوية الإسرائيلية على الجنوب اللبناني، ظهرت الدبابات الإسرائيلية تتحرك نحو الجنوب اللبناني، مع خروج تصريحات من جانب الجيش الإسرائيلي تؤكد على عزم الجيش تغير الوضع الأمني مع الحدود اللبنانية، كما نشر مشاهد للتدريب قواته على الحدود مع لبنان.
وطبقا لهذه الأحداث، تدور في الأذهان جملة من التساؤلات: هل من الممكن أن يحدث اجتياح بري؟ وما موقف “حزب الله” إذا حدث هذا الاجتياح؟ أما أنها مجرد محاولة من إسرائيل لردع الحزب أكثر وأكثر؟ أما أنها محاولة ضغط جديدة من إسرائيل على إيران وإيقاف مرحلة التفاوض قبل بدايتها؟ وخاصة أن إسرائيل تعمل على كسب عامل الوقت فهي تأمل في عودة دونالد ترامب الذي وعد بأنه سيمنح إسرائيل كل الصلاحيات لحماية نفسها، هو الوقت ذاته الذي تعول عليه إيران في التفاوض مع البيت الأبيض خوفاً من عودة ترامب.
المحلل السياسي المختص في السياسة الإيرانية، أسامة الهتيمي، في حديثه مع “الحل نت”، يؤكد أنه لا يمكن الزعم بأن الإجابة على مثل هذه التساؤلات يتسم بالبساطة في ظل التطورات المتسارعة الحاصلة في المنطقة.
ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه المتابعون والمراقبون ردود قوية وحاسمة من قبل إيران و”حزب الله” اللبناني على الهجمات الإسرائيلية بالجملة في حقهما وانتهاك سيادتهما، خصوصا أن تل أبيب اتخذت خطوات استباقية متلاحقة أحدثت صدمة حقيقية لكليهما الأمر الذي جعل “حزب الله” في موقع رد الفعل غير المساوي على الإطلاق للفعل الإسرائيلي والذي يكشف عن أمرين مهمين للغاية.
أحد هذين الأمرين يتعلق بفارق القوة والقدرات بين “حزب الله” من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى، والثاني فقدان “حزب الله” حق التحرك بحرية تامة. ففي حين يعتقد الكثير من المحللين العسكريين أن لدى “حزب الله” إمكانيات تسلحيه يمكن أن يرد بها على تل أبيب لتحقيق بعض من التوازن المفقود؛ يؤكد هؤلاء أنه ليس للأمين العام للحزب حسن نصرالله ولا لقيادة الحزب اتخاذ مثل هذا القرار إلا بالحصول على الموافقة الإيرانية.
موافقة طهران بحسب الهتيمي، أمر صعب للغاية، كونها تدخر مثل هذا الاستخدام لما يهددها بشكل مباشر من ثم يصعب منح الضوء الأخضر لـ “حزب الله” باستخدام أسلحة ذات قدرات عالية في الوقت الحالي.
لكن وللموضوعية فإنني أعتقد – والحديث للهتيمي – أن استمرار التصعيد ضد “حزب الله” وتهديد قدراته العسكرية يعد تهديدا مباشرا لإيران كون أن الحزب يعد درة التاج الإيراني، فهو النموذج الأمثل الذي تتطلع إيران لاستنساخه في العديد من البلدان المستهدفة إيرانيا وعليه فإن ضياع هذا النموذج يعني انهيارا كاملا للمشروع الإيراني.
وأخيراً، إن ما يمارسه “حزب الله” ليس أكثر من حرب كلامية، فالحزب وأنصاره لا يجيدون إلا صياغة المصطلحات الجديدة وحسب كمصطلح الصبر الاستراتيجي. كما أن “حزب الله” مرهون بما تراهن عليه إيران من الدخول في المفاوضات، فهو لا يستطيع التحرك قيد أنملة دون حساب لهذه الحركة ومدى تأثيرها على السياسة الإيرانية. وعليه، فإن قرار الحرب أو الرد أو التراجع عن الرد هو قرار طهران وليس “حزب الله”.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.