في حين أن أصداء الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين لا تزال تتردد وتتكشف وتتفاوت عن أسبابه ودوافعه من عدة أطراف وعلى مختلف المستويات، أجرى أمين “المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني” علي شمخاني، محادثات رفيعة المستوى في الإمارات يوم الخميس الماضي، ويأتي ذلك في وقت تسعى فيه طهران لتعزيز التواصل مع دول الخليج العربي في ظل تنامي التوترات مع الغرب بشأن أنشطتها النووية ومبيعاتها من الطائرات المسيّرة لروسيا، بجانب العديد من الضغوط الداخلية التي تواجهها منذ أشهر عديدة.

يبدو جليا أن هذه الزيارة الإيرانية للإمارات هي مؤشر جديد على التقارب بين إيران ودول الخليج، فمع وصول المسؤول الأمني ​​الإيراني الكبير، إلى أبو ظبي، في هذا التوقيت بالذات وبالتزامن مع التقارب السعودي الإيراني قبل أيام يشير إلى مدى سعي طهران وتعطّشها لهذا التقارب.

لذلك، يفتح هذا الأمر الباب أمام عدة تساؤلات حول سرّ هذه الزيارة وتوقيتها، وأسباب رغبة إيران في التقارب مع الخليج في هذا الوقت الراهن بالتحديد، والحجم الأمني ​​والاقتصادي لهذا الاجتماع، وكذلك ما إذا كانت لملفات إقليمية مثل الملف السوري واليمني حصة في هذه الزيارة اللافتة.

ما سر توقيت الزيارة

المسؤول الأمني الإيراني، شمخاني، زار الإمارات بعد أيام من توصل طهران والرياض لاتفاق بوساطة صينية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات خلال شهرين بعد سنوات من العداء. ونقلت وسائل إعلام إيرانية رسمية عن شمخاني قوله “بالنظر إلى المنصات الملائمة التي تم إطلاقها منذ عام لتطوير العلاقات بين إيران والإمارات، فإني أرى أن هذه الرحلة بمثابة مرحلة جديدة للعلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية”.

في الأثناء قالت “وكالة أنباء الإمارات” (وام)، إن الرئيس الإماراتي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، استقبل شمخاني وأن الجانبين بحثا القضايا والمستجدات الإقليمية والدولية التي هي محل الاهتمام المشترك، وأهمية العمل على دعم السلام والتعاون في المنطقة بما يحقق تطلعات شعوبها، فضلا عن أن اللقاء بحث العلاقات الثنائية وسبل مدّ جسور التعاون بين البلدين في مختلف المجالات بما يحقق المصالح المشتركة.

هذه الزيارة تشكل أهمية كبيرة في ظل ما تمر به المنطقة والعالم من تحولات جيوسياسية جمّة، وشمخاني، يُعد من أبرز الأدوات الإيرانية التي تلعب دورا مهما وهي تقوم باستعادة العلاقات لدرجة متقدمة رغم وجود ملفات خلافية منها أزمة الجزر الثلاث، حسبما يوضح ويرى الباحث السياسي والمتخصص في الشؤون الإيرانية، هاني سليمان.

قد يهمك: الصين تترقب.. ما تعنيه المصالحة السعودية الإيرانية للمشهد المالي العالمي؟

المتخصص في الشؤون الإيرانية، يعتقد أثناء حديثه مع موقع “الحل نت”، أن العلاقات منضبطة بين البلدين، الأمر الذي تعكسه العلاقات الاقتصادية ووجود الجاليات الإيرانية بالإمارات. وثمة رغبة إيرانية لدفع العلاقات مع طهران لمستويات متقدمة ومزيد من التعاون فضلا عن دور إماراتي لقيادة مصالحة وتقريب وجهات النظر مع الدول العربية.

رسائل وتنازلات إيرانية!

في المقابل، يرى المتخصص في الشؤون الإيرانية، سليمان، أن هذه الزيارة تبعث برسائل إيرانية غير مباشرة وتبدو منفتحة أو فيها تنازلات عن ما يخص تشددها السياسي والأيديولوجي تجاه قضايا “تصدير الثورة” لكن كل ذلك سيتم اختباره لاحقا ويتوقف على مدى جدّية النظام الإيراني في تحقيق كل هذه النوايا.

منذ فترة تبحث إيران عن التقارب نتيجة تخفيف الضغوط التي مورست عليها ورغم محاولاتها التكيف مع العقوبات وغيرها من الضغوط التي من بينها العزلة الدبلوماسية، إلا أنها تسعى لترحيل الضغوط بواسطة تعديل سياساتها الخارجية حيث إن النظام لا يمكن أن يسير في مسارين مختلفين وهما مواجهة الاحتجاجات في الداخل وتأزم أوضاعها الإقليمية والدولية، وقد فقدت أدواتها ومواردها الاقتصادية والسياسية لا سيما بعد خسارة شخصيات لها أوزان فاعلة مثل قاسم سليماني، على حدّ تعبير سليمان.

هذه المهادنة مع دول الخليج ربما تكون لتخفيف الحمولات الثقيلة حتى لو بصورة مؤقتة وترتيب أوراقها مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” للخروج من مأزق الملف النووي وتحييد دول الخليج في الصراع الأخير وبناء تحالف خليجي إيراني برعاية الصين، لكن كل ذلك ليس نهائيا وحتميا بل سيتوقف على مدى جدّية إيران في إنهاء دورها الفوضوي بدعم الميليشيات في اليمن والعراق وسوريا، وفق وجهة نظر سليمان لهذه التحركات الإيرانية.

هذا وكانت الإمارات قد خفّضت من مستوى العلاقات مع إيران بعد أن قطعت السعودية علاقاتها مع طهران في كانون الثاني/يناير 2016 بسبب اقتحام محتجين إيرانيين السفارة السعودية بالعاصمة الإيرانية بعد إعدام الرياض لرجل الدين الشيعي البارز نمر النمر.

بعد سنوات من الخصومات السياسية، بدأت الإمارات إعادة فتح قنوات التواصل مع طهران في عام 2019. وأدى ذلك إلى رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية العام الماضي بين البلدين اللذين تربطهما علاقات تجارية تعود إلى أكثر من قرن. وشكلت إمارة دبي منذ فترة طويلة إحدى قنوات الربط الرئيسية لإيران مع الخارج.

كذلك، دفعت المخاوف المتزايدة بشأن تقارب العلاقات بين إسرائيل وخصومها العرب السابقين، بما في ذلك اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية المعروفة باسم اتفاقيات “إبراهيم”، رجال الدين الذين يتولون الحكم في إيران إلى السعي لتحقيق استقرار إقليمي.

اليمن وسوريا على رأس المباحثات

في سياق الزيارة الإيرانية للإمارات، لمّح بعض المحللين أن هذه الزيارة تناولت الملف اليمني وكيفية إنهاء الصراع اليمني المستمر منذ تسع سنوات، وتيسير تحويل العملات الأجنبية إلى إيران.

قد يهمك: الدور الغريب للصين في التقارب السعودي الإيراني.. تحوّل في القوة أم رهان يثير المخاوف؟

سليمان، يرى أن الملف اليمني لا شك أنه أحد الملفات القوية على طاولة المفاوضات في هذه الزيارة والزيارات القادمة ربما وبدرجة أقل الملف السوري، فضلا عن المقاربة السياسية لعمل التوافق والتقارب مع الدول العربية. أما الملف الأمني كذلك هو والاقتصادي حاضر بقوة لمناقشة العديد من المسائل المتعلقة بالتجارة وزيادة تقدمها وتنميتها وتأمين الملاحة والممرات المائية الدولية وربما ستكون إيران لديها الرغبة لتقديم طمأنة لدول الخليج وإثبات حسن نواياها.

وكالة “رويترز” كانت قد قد نقلت عن صحيفة “نور نيوز” الإيرانية، قولها إن رحلة أبوظبي جاءت ردا على زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي إلى إيران أواخر عام 2021، وأردفت أن كبار المسؤولين الاقتصاديين والمصرفيين والأمنيين سيرافقون شمخاني لإجراء محادثات تشمل قضايا ثنائية وإقليمية ودولية.

بالتالي يرى خبراء آخرون أن الوفد الاقتصادي والدبلوماسي والأمني الذي يرافق شمخاني في هذه الزيارة، لا بدّ أنه يحمل دلالة أن طهران تسعى لفتح آفاق تعاون أوسع في المجالات الاقتصادية والدبلوماسية مع أبوظبي، التي تُعدّ الشريك الاقتصادي الأكبر في الخليج.

بحسب “الفايننشال تايمز” نقلا عن محللين، فإن إيران استخدمت على مدار العقد الماضي، الشركات في المراكز التجارية بالإمارات للتحايل على العقوبات المنهكة التي فرضتها الولايات المتحدة، ردا على برنامج إيران النووي. وكانت الإمارات من بين أكبر الشركاء التجاريين لإيران منذ عقود حتى في الأوقات الصعبة بين الدولتين.

هذا وأظهرت أحدث الأرقام الرسمية لطهران، أن بضائع بقيمة 13.6 مليار دولار تم استيرادها إلى البلاد عبر الدولة الخليجية، وهو ما يمثّل نحو 31 بالمئة من جميع الواردات خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الإيراني الذي ينتهي الأسبوع المقبل.

البعض يتحدث عن علاقات متقدمة بين إيران والخليج، لكن ثمة شكوك تؤشر إلى عدم حسم هذا المسار التفاؤلي المتوقع. فالنظام الإيراني وأدبيات “الثورة” والاستثمار في الميليشيات الخارجية لتحقيق مصالحها الجيوسياسية وتحقيق ما يُعرف بـ”الهلال الشيعي” ما يزال يضغط على عقل القادة في إيران وسياساتهم، بل أن كل ذلك قد يحول دون الاستمرار في سياسة وازنة مع الخليج تؤدي إلى الهدوء والاستقرار، وإنما يمكن قراءة الأمر برمته على أنه تكتيك إيراني للتهدئة بصورة مرحلية.

في المحصلة لا يمكن توقع استغناء النخبة الحاكمة في إيران عن الأيديولوجيات ومفهوم الدولة الفارسية وتصدير “الثورة”، لكن الممكن هو البحث عن حد أدنى من التوافق السياسي والمصالح والمساحات المشتركة والتنسيق الاقتصادي والأمني بما يحقق التهدئة والاستقرار طالما أن التطابق غير متوقع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.