يبدو أن أزمة الطاقة العالمية المتفاقمة إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى جانب أزمات دولية أخرى، ستعيد دول الخليج العربي، الغنية بالنفط والغاز إلى صدارة الاهتمام الدولي وتعزز دورها في حلحلة بعض الملفات، نظرا للدور الذي تلعبه في الحفاظ على توازن السوق واستقراره في مواجهة المتغيرات على الساحة الاقتصادية العالمية، لا سيما وأن الجانب الاقتصادي مما لا شك فيه تُعد من الأدوات الرئيسية لتعزيز دور أي دولة أو منطقة.

لذلك، لا بد للتساؤل فيما إذا ستعزز أزمة الطاقة العالمية، التي تُعد من أحد أبرز الأزمات على الساحة الدولية، من دور الخليج العربي عالميا، وفي أي مسار. من جانب آخر، جددت المملكة العربية السعودية تأكيد موقفها الداعم للجهود الدولية الرامية إلى حل الأزمة الروسية الأوكرانية سياسيا، بما يحفظ الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين، فهل تنجح السعودية في حل الملف الأوكراني، وما دوافع هذه الجهود.

في خضم أزمة الطاقة العالمية وامتلاك دول الخليج من كميات ضخمة من النفط والغاز، هل هذا يعزز من دورها ويحفزها في تشكيل تحالفات إقليمية ودولية للحد من توسّع إيران وتمددها بالمنطقة، ولا سيما بعد زيارة دولة الإمارات الأخيرة لسوريا مؤخرا.

استقرار “أمن الطاقة”

على مدى العقود الماضية، لعبت دول مجلس التعاون الخليجي الست “السعودية والبحرين وقطر وسلطنة عمان والإمارات والكويت” دورا محوريا في ضمان استقرار وتحقيق أمن الطاقة عالميا.

بحسب تقرير لـ”اندبندنت“، يتجاوز إجمالي احتياطات الدول الست النفطية 510 مليارات برميل، تشكل 32.7 بالمئة من إجمالي الاحتياط العالمي المؤكد البالغ 1.55 تريليون برميل، بينما يبلغ إجمالي إنتاجها قرابة 18 مليون برميل يوميا، تلبي 19 بالمئة من إجمالي الطلب العالمي البالغ قرابة 99 مليون برميل يوميا.

بالتالي، تبرز أهمية دول الخليج في صناعة الطاقة التقليدية، بخاصة في وقت الحروب والأزمات الجيوسياسية، كالجارية حاليا في أوكرانيا وبعض الدول الأخرى. حيث يشكل النفط ما يصل إلى 80 بالمئة من ميزانيات هذه الدول، وتتخذ دول المنطقة، لا سيما السعودية والإمارات، إجراءات لتنويع مصادر تمويل الاقتصاد استعدادا لمرحلة ما بعد النفط.

في تقدير الكاتب الإماراتي والمتخصص في الشأن الخليجي والباحث السياسي غير المقيم في مركز “تريندز للبحوث والاستشارات”، محمد خلفان الصوافي، من المؤكد أن ملف الطاقة سيعزز دور دول الخليج العربي. للأسباب التالية؛ “الطاقة سلعة استراتيجية ونادرة في العالم، وقد أثبتت أزمة أوكرانيا ذلك”.

كذلك، ومن وجهة نظر أخرى، وفق حديث الصوافي الخاص لموقع “الحل نت”، وهذا في رأيه أهم الأسباب، أن دول الخليج العربي قد أتقنت اللعبة الدولية، وبالتالي أصبحت تجيد مسألة إدارة هذه السلعة بما يخدم مصالحها.

قد يهمك: تحديات النظام السياسي المتعثر في الكويت.. مفترق طرق أم ركود متجدد؟

بالإضافة إلى ذلك، فقد استحوذت هذه الدول على العديد من الأسواق العالمية بفضل شراكاتها المتنوعة والمختلفة، وبالتالي يمكنها تسويق سلعِها بطرق مختلفة، وهذا يمنحها مرونة في الحركة الدبلوماسية والتفاوض، على حدّ تعبير الصوافي.

وكالة “موديز”، تقول إن إنتاج النفط والغاز في دول “مجلس التعاون الخليجي”، تبقى المصدر الرئيس لقوة المالية العامة وتوافر السيولة الجيدة، وكذلك مصدر الحماية من التعرض للأخطار الخارجية لسنوات مقبلة، مضيفة في أحدث تقاريرها أنه إذا كان متوسط أسعار النفط 55 دولارا للبرميل، فإنها تتوقع أن يظل إنتاج النفط والغاز أكبر مساهم منفرد في الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون.

الحظر الأوروبي على النفط الروسي والذي أُعلن عنه في 31 أيار/مايو الماضي، بهدف خفض الصادرات الروسية بنسبة 90 بالمئة مع حلول 2023، ساهم في تسريع وتيرة ارتفاع أسعار الطاقة، والتي كانت تشهد في الأصل ارتفاعا كبيرا ناجما عن الاضطرابات المرتبطة بجائحة “كورونا”.

وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، قال قبل فترة ليست ببعيدة إن “قرار تحالف أوبك بلاس، في أعقاب أزمة أوكرانيا تبين أنه القرار الصحيح”، مؤكدا أن “التحالف لا يسيّس قراراته إنما يعتمد على أساسات السوق فقط”، موضحا أن “التحالف يبقي الشؤون السياسية خارج تحليلاته وتوقعاته لأوضاع السوق”، مضيفا “نركز فقط على أساسات السوق، وهذا يمكّننا من تقييم الأوضاع بموضوعية أكثر”.

كذلك، وعلى وقع أزمة الطاقة العالمية التي قد تعيد تشكيل علاقات الخليج مع بقية العالم كما اتضح من عديد من الزيارات والرحلات المكوكية إلى المنطقة لا سيما إلى السعودية والإمارات خلال العام الحالي والماضي، من جانب رؤساء كبرى الدول، من بينها زيارات قادة الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والصين.

دور في الاستقرار الإقليمي والدولي

من جانب آخر، جددت الرياض تأكيد موقفها الداعم للجهود الدولية الرامية إلى حل الأزمة الروسية الأوكرانية سياسيا، بما يحفظ الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين. هذا فضلا عن زيارة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة إلى روسيا، قبل نحو شهرين ونصف، التي جاءت في توقيت حساس جدا، نظرا للعديد من التوترات الإقليمية والدولية. وقد اعتبرها المراقبين أنها تأتي في إطار مساعي الخليج لإيجاد حلول وتقليل التصعيد والتأكيد على ضرورة إيجاد حلول سلمية ودبلوماسية للمشاكل بين الدول.

أما التأكيدات السعودية فقد جاءت ضمن متابعة “مجلس الوزراء السعودي” عددا من الموضوعات ومستجدات الأحداث في المنطقة والعالم خلال جلسته التي عقدت برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بعد ظهر يوم الثلاثاء الفائت، في قصر اليمامة بمدينة الرياض، وفق صحيفة “الشرق الأوسط”.

“مجلس الوزراء”، استعرض خلال الجلسة، فحوى المحادثات التي جرت بين المملكة وعددٍ من الدول الشقيقة والصديقة في الأيام الماضية؛ لتوطيد أواصر التعاون المشترك، والارتقاء بالعلاقات ودفعها إلى آفاق أرحب.

فيما إذا كان لدول الخليج دورا في إيجاد حل للملف الأوكراني ودوافع جهودها لذلك، يفضل الصوافي، استخدام كلمة “التأثير الإيجابي” أكثر من الحكم بنجاح أو فشل جهودها، “ذلك لأن المسألة فيها الكثير من التعقيدات متمثلة في عدم وضوح الموقف الغربي خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا في حل الأزمة فرغم أنهما يصرّحان بالحل السياسي إلا أن مخصصات دعم أوكرانيا تقول غير ذلك”.

لكن الصوافي يرجح بأن “الجهود السعودية السلمية في حل الملف الأوكراني ستجد أذانا صاغية من الكثير من دوائر صنع القرار الدولي ربما من روسيا وأوكرانيا بما يسمح بإجراء حوار للخروج من هذا المأزق”.

تحالفات لردع إيران؟

الإدارة الأميركية، يبدو أنها تراجعت عن تهديداتها تجاه السعودية بعد قرار خفض إنتاج النفط العام الماضي من أجل تعزيز التنسيق الأمني لمواجهة إيران، وفق ما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أميركيين وسعوديين.

بعد ثلاثة أشهر من وصول العلاقات إلى أدنى مستوى تاريخي بين البلدين، تسعى واشنطن إلى تعزيز التعاون الأمني مع الرياض لمواجهة إيران في 2023.

المسؤولون أشاروا إلى علامات تحسن التعاون بين الولايات المتحدة والسعودية في الأسابيع الأخيرة حيث انخفضت أسعار البنزين في الولايات المتحدة، وصبّت نتائج انتخابات التجديد النصفي بشكل غير متوقع لصالح الديمقراطيين، بينما تزايدت المخاوف بشأن إيران.

بينما يشك الصوافي بأن يكون للدول الخليجية نوايا لتشكيل تحالفات سواء سياسية أو عسكرية إقليمية أو دولية ضد إيران أو غيرها من دول العالم، على الأقل لسببين اثنين هما؛ أن تركيز هذه الدول وخاصة السعودية والإمارات تنموي بشكل أساسي والتحالفات لا تصب في هذا الجانب.

أما السبب الثاني، فإن الدولتان السعودية والامارات بدا لديهما تفاهمات سياسية مع إيران والإمارات قطعت شوطا كبيرا في هذا الجانب حيث أعادت سفيرها لدى طهران. أما السعودية هناك حديث عن وجود حوار مع إيران بوساطة عراقية، وصحيح أنها توقفت لفترة ولكن قمة بحر الميت “بغداد2” أحيا الحديث عن هذا التفاهم، على حدّ تقدير الصوافي.

بالنسبة لسوريا والإمارات هذه الزيارة الثانية لوزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، خلال عام تقريبا، بمعنى أنها ليست جديدة وإنما الأمر يحتاج إلى مشاورات بما يخدم مصلحة الشعبين ويخدم الاستقرار العربي فسوريا دولة مهمة ولا يمكن تجاوزها عربيا وإقليميا، حسب وجهة نظر الصوافي.

قد يهمك: السعودية على خط صناعة السيارات الكهربائية.. تنوع اقتصادي ومعدل نمو مرتفع

لكن يبدو أن الشراكة الاستراتيجية بين دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية ولا سيما في مجال الأمن والتسليح، سيبقى مستمرا وتحديدا في ردع خطر التمدد الإيراني، على الرغم الاضرابات التي حصلت بين واشنطن والرياض مؤخرا، بشأن قرار “أوبك بلاس”.

قبل نحو شهرين، تبادل واشنطن والرياض المعلومات الاستخباراتية بأن إيران كانت تستعد لهجوم وشيك على السعودية وطورتا ردا منسقا. في حين أشار المسؤولون أيضا إلى التعاون العسكري المستمر الذي ساعد على استمرار العلاقة السياسية خلال أشهر من الاضطرابات.

العام الماضي، رافقت المقاتلات السعودية قاذفات أميركية بعيدة المدى عبر مجالها الجوي الوطني عدة مرات، في مناورات أجريت مع دول أخرى متحالفة مع واشنطن، بما في ذلك إسرائيل.

هذا وتعمل الولايات المتحدة بشكل وثيق مع السعودية وإسرائيل ودول أخرى في الشرق الأوسط لتطوير أنظمة دفاع جوي منسقة جديدة وتوسيع التعاون في البحر لردع إيران.

حفظ أمن المنطقة

في تصريح سابق في مؤتمر صحفي عُقِد في كانون الأول/ديسمبر الماضي، لوزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، قال فيه “سنستمر في إقامة جسر قوي للغاية مع الولايات المتحدة في جميع المجالات، سواء في الشؤون الأمنية أو السياسية”، وهذا ما يستدل إلى أن الأزمات التي تعصف بالمنطقة والعالم جعلت من الأطراف إلى إعادة تشكيل التواجد العسكري الأميركي في الشرق الأوسط من خلال تجميع مظلة أمنية تمتد من إسرائيل عبر الخليج.

ذلك لأن المخاوف بشأن إيران تزايدت منذ أن بدأت روسيا في استخدام طائرات بدون طيار إيرانية الصنع لمهاجمة أوكرانيا، حيث حذّر “البيت الأبيض” من أن الخصمين الأميركيين يطوران شراكة عسكرية واسعة النطاق. كما أن المراقبين يرون أنه على واشنطن العمل على تخفيف التوتر مع الرياض بصرف النظر عن التهديدات الإيرانية، وأن إقامة علاقات دبلوماسية قوية وتعاونية بين الدول أمر ضروري للاستقرار الدولي، ومن المهم أن تلعب واشنطن دورا رائدا في هذه العملية.

من جهته، قال الخبير في شؤون الأمن الدولي، كام بوركس، في مقال رأي على موقع “ذا هيل” إن السعودية وهي أكبر دولة خليجية وهي المرشح الواضح لمساعدة واشنطن. ويشير بوركس إلى أنه لطالما كانت للمملكة علاقة دفاعية قوية مع الولايات المتحدة، وقد سعى المسؤولون الأميركيون والسعوديون على مدى عقود إلى الحفاظ على مستوى من المجاملة في مواجهة الخلافات التي هددت بتقويض العلاقات الثنائية.

إجمالا، احتلت الأزمات الدولية، وخاصة الحرب الروسية الأوكرانية، موقعا متقدما على أجندة دول الخليج. وبما أن هذه الدول تعتبر قضايا السلم والأمن الدوليين من بين أهم القضايا التي توليها أهمية. وبالمثل، يبدو أن أزمة الطاقة العالمية الحادة في ظل العديد من المتغيرات الدولية ستعزز دور هذه الدول في العديد من الملفات وعلى عدة مستويات، سواء اقتصادية أو ديبلوماسية سياسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.