موسكو ودمشق لا تعلنان عادة عن الزيارات التي يقوم بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى العاصمة الروسية، فالزيارات الثلاثة الماضية تم الإعلان عنها بشكل مفاجئ بعد إجراء الزيارة دون أي تمهيد مسبق، لكن تسريبات خرجت خلال الأيام الماضية تحدثت عن زيارة مرتقبة للأسد إلى روسيا خلال الأيام القليلة القادمة.

الزيارة التي تُعد الرابعة من نوعها، تطرح التساؤلات عن أهداف الزيارة أو كما يسميها بعض المحللين عملية استدعاء من قبل موسكو للرئيس السوري بشار الأسد، من أجل توجيهه في بعض الملفات، خاصة في ظل صعود العديد من الملفات المتعلقة بدمشق مؤخرا، بينها التطبيع مع الدول الإقليمية والملف الاقتصادي المتدهور في سوريا، فهل تكون هناك توجيهات روسية جديدة للأسد خلال الزيارة.

زيارة بدون إعلان رسمي؟

روسيا من جانبها لم تؤكد بشكل صريح التسريبات التي تحدثت عن الزيارة، وقد علق  المتحدث باسم “الكرملين” ديمتري بيسكوف، على هذه الأنباء، بالتأكيد على أن الزيارات الرسمية إلى روسيا يتم الإعلان عنها في المواعيد المحددة، وخلال تصريحات نقلتها وسائل إعلام روسيا، لم ينفي بيسكوف أو يؤكد هذه الأنباء على الرغم من سؤاله عنها، وبرر عدم الإعلان عن بعض الزيارات بالتقيد ببعض قواعد السلامة.

تعليق بيسكوف جاء بعد ساعات على تقرير نشرته صحيفة “فيدوموستي” الروسية، نقلت فيه عن مصدر دبلوماسي مقرب من إدارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قوله، إن الأسد سيصل في زيارة رسمية إلى موسكو منتصف آذار/ مارس الحالي، وقد يكون في استقباله  الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

روسيا تسعى بالتأكيد من خلال زيارة الأسد إلى موسكو إلى إكمال ما بدأته دمشق خلال الفترة الماضية، وتحديدا بعد كارثة الزلزال وما تبعها من استغلال دمشق ومحاولة دفع بشار الأسد، والتسويق لفكرة أنه رئيس غير معزول، تأتيه الزيارات الدبلوماسية ويقوم هو بالتالي بزيارات إلى الدول.

قد يهمك: بين الفساد والعجز.. لماذا فشلت “التجارة الداخلية” السورية في السيطرة على أسعار السلع؟

من المرجح كذلك أن تكون روسيا تسعى لتوجيه الأسد ببعض القضايا، كملف التطبيع مع تركيا والدول العربية، خاصة وأن موسكو كان لديها دور بارز مؤخرا في متابعة ملف عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، وهي تدفع وتساعد الأسد في عملية إعادته إلى الدائرة الإقليمية من البوابة التركية، خاصة مع تصاعد رغبة أنقرة في إتمام هذا الملف.

أهداف موسكو

الباحث في الشؤون الروسية طه عبد الواحد، رأى أن موسكو تسعى لنفي فكرة أن الأسد محاصر دوليا عبر تعزيز زياراته إلى الخارج، مشيرا إلى أن الزيارة تتزامن مع التحضيرات الروسية لعقد اجتماع ثلاثي مشترك مع تركيا، بالتالي فإن ملف التطبيع سيكون من الملفات الرئيسية التي سيتم بحثها في الزيارة القادمة.

عبد الواحد وفي حديثه الخاص مع “الحل نت”، قال “الهدف الرئيسي من الزيارة يبدو هو تثبيت فكرة أن الرئيس السوري بشار الأسد يتجول بحرية بين الدولة وهو غير معزول على المستوى الدولي، ويزور موسكو بشكل طبيعي، خاصة بعد سلسلة الزيارات التي تلقاها في أعقاب زيارة الزلزال، بالتالي هذا الهدف هو إعلامي”.

لكن في الجانب المقابل، فما زالت هناك شكوك عديدة في قدرة موسكو على إخراج الأسد وحكومته من العزلة الدولية، خاصة بعد فشل معظم مساعي الدول العربية في التطبيع مع دمشق من جانب، ومن جانب آخر فإن روسيا نفسها تعاني هي الأخرى من العزلة الدولية، نتيجة استمرار عمليات غزوها لأوكرانيا، فكيف يمكن لمعزولٍ أن يُخرِج معزول آخر من عزلته.

زيارة الأسد المرتقبة إلى موسكو، تأتي تزامنا أيضا مع جهود روسية لعقد اجتماع يضم وزراء خارجية روسيا وسوريا وتركيا وإيران، وقد أكد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، الإثنين الفائت، استمرار العمل لعقد هذا الاجتماع، ما يعني أن زيارة الأسد المرتقبة قد تكون جزء من التحضير الذي أشار إليه نائب وزير الخارجية الروسي.

الدور الروسي في ملف التطبيع

روسيا سيكون لها دور بارز في الوساطة بين دمشق وأنقرة، خاصة وأن الحكومة السورية أعلنت قبل أسابيع عن شروط وصفها مراقبون بـ”التعجيزية” لقبول عودة علاقاتها مع أنقرة، لكن يبدو أن الأخيرة طلبت من روسيا تقريب وجهات النظر، بما يضمن عودة العلاقات في أقرب وقت ممكن، خاصة وأن تركيا تريد التقدم خطوات واضحة في هذا الملف قبل خوض الانتخابات الرئاسية.

سيحاول بوتين ربما إقناع الأسد بالتنازل عن شرط انسحاب القوات التركية من كامل الأراضي السورية، لقبول التطبيع مع تركيا، ويبدو أن كلا من أنقرة ودمشق يشتركان في الرغبة بالتطبيع، مع فرق أن أنقرة على عجلة من أمرها، بينما دمشق لا تريد الاستعجال في هذا التقارب، للخروج بأكبر كم من المكاسب السياسية وربما الاقتصادية فيما بعد.

مساعي روسيا لعقد اجتماعات رباعية، جاءت بعد اقتحام إيران للشراكة الروسية التركية، التي حاولت تهميش الدور الإيراني في وقت من الأوقات، وقد اقتحمت طهران هذه الشراكة من بوابة “أستانا”، فهي لا تريد اتفاقيات ثنائية خارج “أستانا”، كونها قد تحمل بنودا تتعارض مع مصالحها، فضلا عن إدراكها أن دور روسيا في الوساطة بين أنقرة ودمشق، قد يكون بمثابة “اتفاقية ثنائية”، تُبعد إيران من الطاولة الثلاثية.

محللون رأوا أيضا أن من بين القضايا التي سيناقشها الأسد مع بوتين، هي طلب المساعدة فيما يخص إعادة إعمار ما سببته كارثة الزلزال، كذلك مسألة إمدادات الوقود وجذب الاستثمارات إلى سوريا، خاصة وأن الاقتصاد السوري أصبح متهالك للغاية، والدولة على حافة الإفلاس مع استمرار العَجز في كافة القطاعات الاقتصادية.

هنا أوضح عبد الواحد في حديث، أنه يمكن لروسيا تقديم بعض الدعم الاقتصادي لدمشق، تحت غطاء المساعدات الإنسانية، لكنها لن تستطيع انتشال الاقتصاد السوري من حافة الانهيار، وأضاف “روسيا لديها إمكانات لتقديم المساعدات الإنسانية، لكن لا أعتقد أنها ستتجه لدعم الاقتصاد السوري بالكامل، فهي أيضا تعاني على المستوى الاقتصادي ولديها العديد من المشاكل، بسبب العقوبات الاقتصادية وانخفاض عائدات النفط والغاز”.

منذ اندلاع الاحتجاجات ضد حكومة دمشق في عام 2011، زار الرئيس السوري بشار الأسد، روسيا ثلاث مرات، ، كانت آخرها في أيلول/سبتمبر 2021 بالعاصمة موسكو، وقبلها في أيار/مايو  2018 عندما زار الأسد روسيا والتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي على البحر الأسود، تزامنا مع بدء المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، تحركا لإحياء العملية السياسية التي كانت متوقفة.

زيارة الأسد إلى روسيا، تحمل إذا ملفات عديدة أبرزها الاقتصاد وملف التطبيع مع الدول المحيطة لاسيما تركيا، لذلك فقد تكون التصريحات القادمة من لقاء الأسد وبوتين محدودة، لكن بالتأكيد فإن صدى الزيارة سيظهر في نتائج اجتماع وزراء خارجية سوريا وتركيا وإيران وروسيا، لكن هل ستتمكن فعلا موسكو من إخراج دمشق من عزلتها السياسية خلال الفترة القادمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.