بعد عامين من دخول الخليج العربي مرحلة خفض التوتر، على إثر خلافات عصفت بالمنطقة وأدت إلى توترات حادة بين دول “مجلس التعاون الخليجي”، منها ما وصلت إلى حدّ القطيعة، ما انعكس بشكل مباشر على عجلة التنمية في المنطقة وبروز حالة عدم الاستقرار، يبرز السؤال في الوقت الحالي، حول مدى إمكانية أن تمثل تجربة العودة إلى التنمية بين دول “مجلس التعاون” وتجنب الخلافات والعودة إلى وحدة الصف، في أن تكون مبدأ للسياسة الخارجية لدولة المنطقة في سياق تحقيق مستقبل أكثر أمنا واستقرارا. 

بعد إعادة العلاقات بين الأطراف المتخاصمة داخل “مجلس التعاون الخليجي”، وعودة الهدوء إلى أطراف متقاطعة رسميا وصلت حد القطيعة، مثل الخلاف الذي جرّ السعودية وقطر والإمارات إلى قطع العلاقات بشكل تام، ما أدى إلى تصاعد الخلافات إلى مواجهات إعلامية حادة وصلت حد المواجهات العسكرية بالوكالة، تتجه الأنظار إلى أي مدى يمكن أن تنجح استراتيجية التعاون الاقتصادي والتنمية المشتركة التي أعادت رسم علاقات دول “مجلس التعاون الخليجي” ووضعها في سياق تحقيق أمن واستقرار المنطقة، في أن تتحول إلى سياسة عامة يمكن من خلالها خفض التوترات الإقليمية وتعزيز الشراكات الدولية.

حيث يتطلع كثيرٌ من المراقبين في أن ينجح “مجلس التعاون الخليجي” وعدد من دول المنطقة، في نقل تجربتهم التنموية إلى إيران وأطراف أخرى بهدف المساهمة في تخفيف التوتر الجيوسياسي مقابل ارتفاع التعاون الثنائي عبر التنمية المشتركة التي تصبّ بمصلحة الجميع في آن واحد.

استعداد خليجي لتعزيز التعاون الاقتصادي

تلك التطلعات تتصاعد بعد تطرق حديث وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن بلاده تشعر بقوة بأن ما تقوم به والآخرون في المنطقة وخاصة دول “مجلس التعاون الخليجي” في مواجهة التحديات الاقتصادية، والاستثمار في بلدانهم بالتركيز على التنمية، هو مؤشر قوي لإيران وغيرها في المنطقة، بأن هناك طريقا لتجاوز النزاعات التقليدية نحو الازدهار المشترك، داعيا من خلال ذلك طهران إلى الحوار كسبيل إلى الازدهار المشترك عبر التعاون البنّاء بين دول المنطقة بدلا من الخلافات.

اقرأ/ي أيضا: تفاقم الوضع الاقتصادي بلبنان.. هل يزيد من المخاطر الأمنية؟

حديث الوزير السعودي جاء في ندوة حوارية عُقدت على هامش “المنتدى الاقتصادي العالمي 2023” في دافوس السويسرية، بعنوان “المستقبل المشرق في خضم التحديات الجيوسياسية”، تأكيدا على حديث سابق أدلى به لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية في كانون الأول/ديسمبر الماضي، قائلا إن التنمية هي الدافع في السعودية وكثير من الدول العربية التي نستقي منها سياساتنا الخارجية، والعمل السياسي إذا لم يخدم المصالح الاقتصادية والتنموية ويعزز رفاه المواطنين فهو مضيعة للموارد الوطنية.

ليس وزير الخارجية وحده من يتبنى هذا الخطاب، بل من قبله عدد من المسؤولين السعوديين الذين يدفعون في ذات الاتجاه. كان آخرهم وزير المالية السعودي محمد الجدعان خلال جلسة حوارية أيضا على هامش المنتدى ذاته، تحدث بأن لدى بلاده علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة، وعلاقة وثيقة مع الصين، وبإمكانها رأب الصدع بين الجانبين، والدفع نحو التركيز على التعاون وتجنب التوترات الجيوسياسية، والدعوة للهدوء والحلول السياسية.

في المقابل، أثارت تلك الأقاويل جدلا حول إذا ما كان ذلك سيدفع فعلا باتجاه تعزيز أمن المنطقة وصناعة مستقبل أكثر ازدهارا، خلافا للاستراتيجيات التقليدية المعتمدة منذ دهور، والتي تتمثل بالتدخلات الخارجية أو التأثيرات السياسية، وهو ما ناقشه موقع “الحل نت” مع الخبير الاقتصادي نايل الجوابرة، وقال إن مستقبل منطقة دول “مجلس التعاون الخليجي” متعلّق بالتعاون الاقتصادي والتنمية المشتركة.

الخليج العربي والمستقبل المالي الموحد

إذ تنتظر دول المنطقة إصدار عملة موحدة تؤكد الارتباط الكلي للمنطقة بالاقتصاد، الذي يعني عدم خروج مستثمر من المنطقة إن كان إماراتي للسعودية أو من السعودية والكويت وبالعكس من باقي دول المنطقة، يبين الجوابرة، ويشير إلى ضرورة أن يكون هناك إقرار ضريبي شامل وموحد للمنطقة حتى على مستوى رفع أسعار الفائدة أو بالنسبة لكل الاستثمارات، وذلك لتحقيق النظرة المستقبلية للتعاون الاقتصادي المشترك كسياسات ثابتة لدول الخليج.

الخبير الاقتصادي أشار إلى أن أهمية العملة الموحدة بين دول “مجلس التعاون الخليجي”، تكمن في ضرورة التأكيد على الاقتصاد القوي والمتنوع من حيث المصادر التي تشمل إنتاج النفط، وذلك للمساعدة على التنمية المستقبلية إلى دول الخليج والتعاون الاقتصادي فيما بينها والذي سيربط استقرار المنطقة به لا محال.

اقرأ/ي أيضا: كوريا الشمالية ودورها في توريد الأسلحة للشرق الأوسط.. دوافع مالية أم سياسية؟

أما فيما يتعلق بأهمية تلك التطلعات على مستوى خفض التوترات الإقليمية وتحقيق الاستقرار في المنطقة، لفت الجوابرة إلى أن السياسة والاقتصاد مرتبطان معا ويمثّلان وجهان لعملة واحدة، لذلك إن الاعتماد على السياسة في التعاملات مع العالم لا يُعد خيارا صحيا، لذلك من الضرورة أن تكون الشراكات بين الدول قائمة على السياسة والاقتصاد دون افتراق أحدهما، مبينا أن الابتعاد عن أحد الخيارين سواء كان السياسي أو الاقتصادي، قد لا يحقق علاقة دائمة، وهذا يشمل العلاقات بين دول الخليج أو الدول الإقليمية.

مبيّنا في سياق حديثه لموقع “الحل نت”، أن حل المشكلات بين الدول، من خلال اعتماد الاقتصاد يُعد ورقة داعمة كبيرة للمسار السياسي، لذلك أن التعاونات الاقتصادية والتنموية تساعد بشكل كبير في حل الخلافات والنزعات، لسبب أن المجال الاقتصادي يمثل داعم أساسي للجانب السياسي الذي يتم من خلاله بالتالي تحقيق التنمية والاستقرار.

دلالات التعاون الاقتصادي والتنموي

بالنظر إلى هذه الرؤية، فإن كثيرا من المراقبين يرون أنها ساهمت في احتواء كثير من التوترات في المنطقة خلال العامين الماضيين، وتجاوزت من خلالها عددا من الدول حالة الخلاف إلى حالة التعاون الثنائي، وكان من مظاهر ذلك التعاون هو اعتماد عدد من الدول في المنطقة التعاون الاقتصادي فيما بينها عن طريق تأسيس مجالس لـ “لتعاون والتنسيق الثنائي”، وتركز تلك المجالس في الأساس على التعاون الاقتصادي وتنمية الاستثمارات البينية.

ليس ذلك فحسب، بل للوصول إلى إنشاء كيانات استثمارية مشتركة على غرار “الشركة السعودية المصرية للاستثمار”، التي أطلقها “صندوق الاستثمارات العامة السعودي” في آب/أغسطس الماضي، بهدف الاستثمار في عدد من القطاعات الواعدة في مصر، وأصبح مقرها الرئيسي بالقاهرة.

علاوة على منطلق التعاون الاقتصادي والتنمية المشتركة، كذلك أسست تلك المجالس لترتيب المصالح السياسية والاستراتيجية وتعميق الحوار المستمر بين مختلف الأطراف بمختلف مستويات العلاقة، وللاستدلال على فاعلية مجالس التنسيق والتعاون الاستراتيجية.

فقد ارتفعت واردات الهند من السعودية بنسبة 93 بالمئة إلى 15.5 مليار دولار، بينما زادت صادراتها إلى السعودية بنسبة 22 بالمئة إلى 3.5 مليار دولار، بحسب بيانات وزارة التجارة الهندية، ويعود الفضل في ذلك إلى التنسيق المجدول والمستمر بين البلدين عبر المجالس الثنائية التي تنطلق من أساس تنموي، وهو ما ساهم بالضرورة في ارتفاع مستوى التنسيق والموثوقية بين البلدين في مختلف الأصعدة.

في الإطار ذاته، زاد حجم التبادل التجاري بين السعودية وتركيا من 3.7 مليار دولار في العام 2021 إلى 4.3 مليار دولار خلال العام الماضي 2022، طبقا لتصريح لوزير الخزانة والمالية التركي نور الدين نباتي على هامش منتدى استثماري سعودي- تركي الشهر الماضي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.