تتعدد وتتباين القراءات السياسية مع تصاعد وتيرة الأوضاع الأمنية والعسكرية بين “حزب الله” وإسرائيل، ففي الوقت الذي تبدو فيه إسرائيل عازمة على استكمال مهامها لاستعادة الوضع الأمني في المنطقة الشمالية، وكذا عودة سكان المستوطنات الشمالية لأماكنهم بعد خروج المدنيين قسرا نتيجة التهديدات التي مارسها الحزب الولائي، فإن نظرة مبدأية لما يجري في “جبهة الإسناد” اللبنانية، يعطي مؤشرا على أن تل أبيب لديها غطاء سياسي لعملية عسكرية في لبنان ربما تتجاوز تصفية البنية العسكرية بالجنوب إلى إرغام الحزب على التخلي عن سلاحه، والذهاب بعيدا عن النقاط الحدودية التي تشكل مهددات للأمن القومي الإسرائيلي، كما أن الهدف في غزة مع “حماس” انتقل للبنان، والمتمثل في تقويض وإنهاء الميلشيات في الجانبين.
والملاحظ، أن إسرائيل لديها عدة أهداف استراتيجية من وراء ضرباتها للارتكازات الأمنية والعسكرية لـ”حزب الله” بعد انكشافه استخباريا والعثور على بنيته العسكرية والأنفاق السرية، تتعلق بضرورة أن يظل تحت ضغوط واستنزاف مستمرين، حتى تتقلص قدراته وإمكانياته الهجومية، ولا يكون بمقدوره إعادة تأمين صفوفه وبناء ترسانته العسكرية، حيث إن استهداف ميناء الحديدة اليمنية بالتزامن مع الضربات من قبل إسرائيل في جنوب لبنان، يحمل، إلى جانب تأثيرات ذلك الميدانية والاستراتيجية المباشرة، رسائل بأن تفكيك “جبهات الإسناد” لن يكون في مرتبة أقل من الأولوية الإسرائيلية عن تفكيك الميلشيات وإضعاف دورها ومنع تهديداتها.
رسائل إسرائيل لإيران
فالرسائل بشكل مباشر هي لطهران التي تلعب دورا في توفير الغطاء الأمني والعسكري الرعائي لقوى وميلشيات “محور المقاومة”، ومفادها أنه لم تعد هناك “حروب ظل” أو “قواعد اشتباك”، إنما وضع آخر من المواجهة تطال الأذرع والرؤوس من دون خطوط حمراء أو التزام بأي قيود، وقد صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه ما تزال هناك خطط لم يتم الكشف عنها، بما يعني أن الصراع ومروحة أهدافه الأمنية والعسكرية والسياسية مرشحة للتنامي وليس الانحسار، وقد عقب على اغتيال زعيم “حزب الله” حسن نصرالله بقوله: “العمل لم يكتمل بعد. وفي الأيام المقبلة، سنواجه تحديات كبيرة، وسنواجهها معا”.

وتابع: “وقال “من يضربنا، سنضربه. لا يوجد مكان في إيران أو الشرق الأوسط لن تصل إليه ذراع إسرائيل الطويلة، واليوم أنتم تعرفون بالفعل مدى صحة ذلك”.
يقول الدكتور عبد السلام القصاص الباحث المختص في العلوم السياسية، إن قرار تفكيك البنية العسكرية لـ”حزب الله” في جنوب لبنان، يتم بالتنسيق بين إسرائيل والولايات المتحدة، وفق ما هو متداول إعلاميا، لا سيما بخصوص المشاورات التي تتم بين وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ونظيره في تل أبيب يوآف غالانت.
ويؤكد القصاص في حديثه لـ”الحل نت”، أن المواجهات الإسرائيلية مع “حزب الله” في جنوب لبنان وربما إيران، من غير المتوقع أن تتوقف أو تصل لنقطة التفاوض سريعا، خاصة أن الأهداف الكامنة لدى إسرائيل “لن تكون سهلة وتحققها سيكون بالدم والنار. فهذه اللحظة التي تراكم فيها إسرائيل انتصاراتها وتحديدا بعد مقتل زعيم “حزب الله” حسن نصرالله، لن تقبل بالعودة للوراء كما هو الحال في السياسة والحروب، وترضخ لقرار وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701، الأمر الذي عفا عليه الزمن.
بل، والمطلوب هو عزل السلاح وتفكيك “جبهات الإسناد” حتى لا تطوق إسرائيل مرة أخرى، بما يعني خفض التنسيق مع طهران وإرغام الأخيرة على أن تكون داخل الحسابات الأمنية ووضعها في دائرة الخطر إذا لم تضبط ميلشياتها، وذلك بعد أن بدا أقرب للمعلومة أن مقتل إبراهيم رئيسي وحسين أمير عبد اللهيان حدث بطريقة مماثلة لتفجيرات “البيجر”، وفق تقدير القصاص.
ويرجح القصاص إلى أن ما يسمى بـ”محور المقاومة” تلقى ضربتين فادحتين، أولها مع مقتل قاسم سليماني القائد السابق لـ”فيلق القدس” والذي مثل مقتله مع رئيس “الحشد الشعبي”، ومن تداعياته فقدان السيطرة على الميلشيات التابعة “للحرس الثوري” الإيراني وعدم إمكانية ضبطها، وثانيتهما مع اغتيال حسن نصرالله، لافتا إلى أن الميلشيات تتأثر بـ”الطبيعة الكاريزماتية ووقوعها تحت إغراء العوامل الشخصية، فضلا عن الارتباط بالشخصيات المؤسسة لما يكون لها من سحر الزعامة في ظل العقائد الدينية والسياسية القائمة على الأبوية والسلطوية السياسية والأيدولوجية.
فغياب نصرالله سيخلق تمردات عديدة وانقسامات كان هو وحده القادر على منعها، كما سيترتب عليها ضعف الروابط التي حققها مع الميلشيات الأخرى بالمنطقة في اليمن. ولن يكون وجود عناصر “حزب الله” في سوريا كما في السابق سواء كنتيجة مباشرة لمقتل حسن نصرالله، أو مع الهجمات والضغوط التي سوف تمارسها إسرائيل في مناطق نفوذ إيران كافة بسوريا.
إضعاف القوى الميلشياوية الإيرانية
فيما يواصل الباحث المختص في العلوم السياسية، تأكيده على أن التطورات التي شهدتها الفترة الأخيرة بعد اندلاع “طوفان الأقصى”، جعلت إسرائيل تنظر إلى أن التفاوض على وقف إطلاق النار والاستجابة لصفقة من خلال الحراك الدبلوماسي الذي قادته الولايات المتحدة وفرنسا مع دول الخماسي المعنيين بالوضع في لبنان، لا ينبغي حدوثه بينما الجبهات التي شكلت تهديدات ضد إسرائيل على وضعها ذاته، وبعبارة أخرى: إنهاء فكرة وحدة الساحات، قولا وعملا. ومن ثم فإن “القرار الإسرائيلي هو تصفية البنى العسكرية لهذه القوى الميلشياوية، ثم فك ارتباطاتها ببعضها البعض من جهة، وصلاتها مع غزة، من جهة أخرى، وإضعاف تلك الحلقات بإيران أخيرا”.
طهران أمام خيارات صعبة ومعقدة تتصل بوضعها الإقليمي الذي اعتمدت فيه على “عسكرة” سياساتها الخارجية وتديرها قوة “فيلق القدس”.
في المحصلة، فالمحور الإيراني الآن يفقد قدراته الاستراتيجية التي كانت موجودة حتى مرحلة ما قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، وإنهاء وجود “قوة الردع” أمام إسرائيل، بينما تحمي تلك القوة سياسات طهران بالمنطقة، وبمقدورها تعطيل مصالح الغرب والولايات المتحدة كما هو الحال مع الدور “الحوثي” اليمني في البحر الأحمر، والتأثير بشكل أو بآخر على عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل.
وقد نجحت إسرائيل أن تذهب إلى نقطة خطيرة، وتتجاوز فكرة أو بالأحرى هواجس الحرب الإقليمية باغتيال نصرالله وما تلاه من أحداث تمثلت في العملية العسكرية البرية “المحدودة ودقيقة الأهداف” التي أعلن عنها الجيش الإسرائيل، حيث وضعت مصداقية إيران “رأس الحربة” و”حجر الزاوية” في “محور المقاومة” وداخل “جبهات الإسناد” على المحك، حيث إن الضربات والاستهدافات الأخيرة قلصت من خيارات النظام الإيراني الذي لم تكن حساباته الاستراتيجية دقيقة، وجعلته يظهر كمن يضحي بوكلائه في معركة ينهزم فيها لا محالة.
والردود الإيرانية على إسرائيل تبدو رمزية. وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت بأن “حزب الله وحماس مشلولان مؤقتا وإيران مكشوفة، وفق موقع “الحرة” وتابع: “الآن هم عراة، ليس لديهم القدرة على حماية أنفسهم. إسرائيل لديها أعظم فرصة في 50 عاما لتغيير وجه الشرق الأوسط”.
إيران أمام خيارات صعبة
وعليه، فإن طهران أمام خيارات صعبة ومعقدة تتصل بوضعها الإقليمي الذي اعتمدت فيه على “عسكرة” سياساتها الخارجية وتديرها قوة “فيلق القدس”، وثمة رسالة مفادها أن بعد اغتيال نصرالله ربما لم يعد أي شخص يمثل تهديدا لإسرائيل خارج مستوى المصير ذاته، وهي كلها أجراس إنذار مدوية.
في حين أنه على مستوى علاقتها بالمحاور التي شكلتها، إيران، تتفاقم الأزمات لتبرير موقفها الساعي للتفاوض والتنازل، من جهة، وعدم تقصيرها في حماية وكلائها من جهة أخرى، ذلك ما يمكن متابعته من تصريحات متأخرة تشير إلى أن المرشد الإيراني علي خامنئي حذر زعيم “حزب الله” من خطة لاغتياله. وتؤشر تلك التصريحات على أن هناك محاولة لالتماس العذر أو إعفاء طهران من مسؤولية حماية قادة محورها، وضعف أجهزتها أو انكشافها أمنيا واستخباريا.
من هنا، يمكن القول إن خيارات إيران المقبلة، لا سيما بعد مقتل نصرالله، تضعها في النقطة الصفرية وحصد مرارة وتكبد هزيمة، وذلك ما يتفق معه الباحث بـ”مركز الأهرام” للدراسات السياسية والاستراتيجية، سعيد عكاشة، حيث إن الخيار الأول لإيران هو التصعيد.
وبالتالي إذا اختارت إيران التصعيد، فقد (تتبنى نهجا مباشرا في قيادة قوات “حزب الله” القتالية، وهو مسار غير فعال في أفضل الأحوال نظرا لغياب القيادة العسكرية المتمركزة في لبنان حاليا. أو بدلا من ذلك، يمكن أن تسهل إيران إطلاق صواريخ “حزب الله” الموجهة بدقة قبل أن تدمرها إسرائيل، أو توجه وكلاء مثل الميلشيات الشيعية المتمركزة في العراق والحوثيين في اليمن للاشتباك عسكريا مع إسرائيل. ولكن هذا الخيار أيضا يواجه تحديات، بما في ذلك المخاطر الشخصية التي يتعرض لها القادة الإيرانيون المتمركزون في لبنان، والذين على أي حال ليسوا على دراية بالبلاد وتعقيداتها الأمنية والسياسية. وقد يؤدي التصعيد في النهاية إلى حملة إسرائيلية أوسع نطاقا ضد أصول إيران في المنطقة).

أو الاتجاه الثاني بحسب عكاشة هو التراجع، فـ”بدلا من ذلك، قد تتراجع إيران في الوقت الحالي للحفاظ على وكيلها من تكبد المزيد من الخسائر. وقد يستلزم ذلك قبول المبادرة الدبلوماسية الأميركية-الفرنسية، وتوجيه حزب الله للانسحاب عسكريا إلى شمال نهر الليطاني. كما يعني هذا التراجع الفصل بين جبهتي الحرب في لبنان وغزة. وكل هذا من شأنه أن يوفر “للحرس الثوري” الإيراني الوقت والمساحة لإعادة بناء ترسانة حزب الله وإعادة هيكلة قيادته العسكرية. ومع ذلك، فإن التراجع يحمل مخاطر أيضا، بما في ذلك التعرض لحملة عسكرية إسرائيلية مستمرة تشمل إضعاف أو القضاء على صواريخ حزب الله الموجهة بدقة”.
- “سيحاكمون”.. الشرع يرفض الطلب الجزائري بتسليم المقاتلين الجزائريين في صفوف الأسد
- انعكاسات محتملة.. ما مردود قرار تركيا رفع القيود عن الواردات السورية؟
- الشرع يتحدث عن أسباب رحلته إلى العراق وانضمامه “للقاعدة”
- “دعمنا لسوريا مستمر حتى مع تغيير النظام”.. موسكو تغازل دمشق
- رغم رفع جزء من العقوبات.. لماذا تفشل الإدارة السورية في جذب استثمارات جديدة؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

إسرائيل تواصل التصعيد في جنوبي سوريا.. عمليات برية وغارات جوية

غارات إسرائيلية على منطقة دير علي بريف دمشق.. ماذا استهدفت؟

أبرزها سوريا.. ترامب يُعلّق المساعدات الخارجية الأميركية فما الأسباب؟

السلطات في دمشق تمنع جنسيتين من دخول البلاد
الأكثر قراءة

وعود حكومية بلا تنفيذ.. هل توقفت بوادر حلول الأزمات السورية؟

وزير النقل السوري يتحدث عن آليات جديدة لتسعير السيارات.. ماذا قال؟

وزير الداخلية السوري: التعاون مع روسيا يخدم دمشق

وزارة الداخلية دفعت محمد الشعار إلى تسليم نفسه.. ماذا قالت؟

وثّقَ تعذيب السوريين بسجون الأسد.. تفاصيل جديدة عن “قيصر”

واشنطن تتحدث عن سحب قواتها من سوريا.. و”قسد” تؤكد عدم تلقيها خططا رسمية
المزيد من مقالات حول في العمق

عن ضرورة انفكاك دمشق عن موسكو

الإرث الحضاري بشرق سوريا.. بين تهميش الأسد وتخريب “داعش”

روسيا في سوريا: مصير مجهول وفرص ضعيفة للبقاء

التعليم في شرق سوريا.. عقود من التهميش الممنهج

عودة أم فشل جديد: ماذا وراء التحركات الإيرانية في أوراسيا؟

فصائل إيران المسلحة: قنابل موقوتة في العراق

الزيارة الخارجية الأولى للرئيس الشرع إلى السعودية: رسائل دولية وملفات على أجندتها
