بين الحين والآخر، تتكشف مخاطر تنظيم “داعش” المستمرة، وتبدو استراتيجيته قائمة على إعادة بناء قواعده الهيكلية وترميم قمة الهرم التنظيمي بعد الضربات التي طالته وأنهت دولة “الخلافة” المزعومة، عام 2017، على يد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في الباغوز، آخر معاقله في شمال شرقي سوريا. من الضروري النظر في مخططات التنظيم الإرهابي الذي ينشط من جديد بعدة مناطق في العالم ويثير تهديدات جمّة مع محاولات انتشاره وإعادة تموضعه واستعادة قدراته، فضلا عن تنفيذ هجمات مسلحة والبحث عن موارد جديدة وجذب مقاتلين.

وبينما لم تخف الأمم المتحدة أن التنظيم الإرهابي لا يمكن القضاء عليه دفعة واحدة من خلال اعتماد القوة، فإنه من اللافت قدرة التنظيم على اعتماد اللامركزية لحماية التنظيم وأفراده وقادته من الاستهدافات التي تنهي وجوده في بقعة جغرافية محددة، كما حدث عندما أعلن الاستيلاء على أراضي شاسعة ممتدة بين سوريا والعراق، وبالتالي، انطلق نحو التخلي عن المركزية والانتشار بين الفروع بما يمكنه من التوسع والانتشار وتنفيذ عمليات مباغتة عبر تكتيك “الذئاب المنفردة”، فضلا عن إمكانية تصدير الإرهاب بواسطة الشبكات المتغلغلة في عدة مناطق وخروج هجمات من خلال الأفراد المتخفين بناء على تكتيك الكمون المؤقت.

مؤشرات هجمات “داعش”

وإلى جانب الهجمات التي سبق ونفذتها “داعش” مؤخرا بعدة مناطق تحديد في دول إفريقية، لكن إحباط مخطط لهجوم إرهابي في إسرائيلي وفق ما ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” بعد أيام قليلة من الذكرى السنوية الأولى لهجمات “حماس” في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، يعطي مؤشرات عديدة لافتة، منها استمرار الاعتماد على الاستراتيجية ذاتها والتي على ما يبدو تحقق نتائج تجعل التنظيم ما يزال موجودا على خريطة التنظيمات الجهادية، وينشط في انتشاره الإرهابي، وكذا قدرته على التجنيد والاستقطاب، والتعافي من الصدمات العسكرية التي تكبدها وتسببت في هزائمه، ناهيك عن وفرة الموارد التي ينجح في إدارتها وتغطي عملياته الإرهابية.

ما تزال القوات الأميركية تواصل هجماتها التي تستهدف النقاط التي يتمركز أو يتخفى بها “التنظيم الإرهابي”داعش” في سوريا، خاصة مع اعتماده الكمون في مناطق كالبادية السورية بمساحاتها وتعقيداتها الجغرافية.

فالعملية التي نجحت تل أبيب في الكشف عنها ومنع حدوثها، تكشف عن طبيعتها النوعية وحجمها الضخم وتكاد أن تكون “منهاتن جديدة”، وذلك من ناحية الضحايا المحتملين في حال وقوع الحادث الإرهابي، حيث إن الخلية التي جندتها “داعش” من عرب إسرائيل، كانت تهدف إلى تفجير مركز تجاري في تل أبيب بواسطة سيارة مفخخة. 

وبحسب بيان رسمي نقلته صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية، فإن “الخمسة درسوا لقطات لهجمات في سوريا، وناقشوا كمية المتفجرات اللازمة للعملية”. موضحا أن الخلية “كانوا على اتصال بعناصر “داعش”، وخططوا للسفر إلى الخارج للقائهم”. كما أن “الخطة تم الكشف عنها بعمليات استخباراتية دقيقة وفعّالة، وتم إيقافها في مراحلها الأولية”. 

وتابع البيان أن إحباط العملية “منع كارثة كبرى وأنقذت أرواحا”، وتعهدت الشرطة وجهاز الأمن الداخلي “باستخدام كل الوسائل المتاحة لهما لإحباط المؤامرات للإضرار بأمن دولة إسرائيل ومواطنيها”.

أيديولوجيا “داعش” لا تزال قائمة

من ثم، يبدو التنظيم الإرهابي الذي انحسر وتلاشى في نقاط ارتكازه بسوريا والعراق، يبدأ مرحلة تصفها التقارير الأممية بأنها تعكس قدرته على التأقلم والتكيف مع الهزائم التي هددت بنيته وأثرت بشكل مباشر على التنظيم، لدرجة انتشاره في مقابل سقوطه في بؤرة ومركز نشأته بأكثر من 28 دولة حول العالم وفق تقرير سابق لوزارة الخارجية الأميركية السنوي بشأن الإرهاب.

لذا، كشف منسق وزارة الدفاع الأميركية للتحالف الدولي لهزيمة “داعش”، آلان ماتني، وجود استراتيجيات وخطط جديدة يعتمدها التحالف لمواجهة تهديدات التنظيم في العالم.

وقال ماتني، وفق تقرير نشره موقع وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” الخميس الفائت، إن “داعش” لم يعد “يحكم أراض” لكن الأيديولوجية التي يتبناها التنظيم لا تزال قائمة، وهناك حاجة للتحالف الدولي لمواجهة هذه التهديدات، وفق موقع “الحرة” الأميركي، وقد أوضح  ماتني: “أعتقد أنه إذا تعلمنا أي شيء خلال السنوات العشر الماضية، يمكنني القول إن هذا التهديد لا يختفي بل يتغير ويتكيف”.

وتابع: “التحالف الآن في  مرحلة طبيعية وصحية حيث يتكيف هو أيضا مع هذه التطورات”. ونقل الموقع الأميركي، ما ورد بالتقرير، ومفاده أن التحالف عمد إلى بناء مقاربات استراتيجية جديدة انتقلت من تحرير الأراضي الواقعة تحت سيطرة التنظيم الإرهابي لـ”تتبع تحركات التنظيم القادمة”.

وأشار إلى قول منسق وزارة الدفاع الأميركية للتحالف الدولي لهزيمة “داعش” بأن “جماعات مثل داعش تقيّم باستمرار نقاط قوتها وضعفها وتحاول الاستفادة منها، ونحن أيضا نفعل الشيء ذاته”، والذي لفت إلى أن الجماعات الجهادية والتنظيمات الإرهابية المسلحة تهدف إلى تحريض القوى التي تتحالف ضدها عالميا على “المبالغة في رد الفعل أو نتصرف بطريقة يصعب الحفاظ عليها استراتيجيا، وهو يريد منا أن نستخدم الكثير من الموارد، حتى لا تستطيع الدول لوحدها مواجهة تهديداته”.

يظل خطر “داعش” قائما بل ومرشح للزيادة، لا سيما في ظل الوضع الإقليمي بالشرق الأوسط الذي يتهيأ للانفجار في أي لحظة والانتقال لحرب شاملة، فضلا عن الاستقطاب العالمي نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا.

كما عرج المنسق الأممي المعني بشؤون الإرهاب بالتحالف الدولي على الاستراتيجية التي يتبناها و”تحولت من تنفيذ عمليات عسكرية على الأرض إلى تبادل المعلومات الاستخبارية”، حيث إن استراتيجية هزيمة التنظيم الإرهابي “تركز أيضا على توزيع العبء بين دول التحالف بشأن التدريب في مجال مكافحة الإرهاب”.

وفي ما يخص العراق وسوريا ثمن الدور الذي يحدث لمواجهة الإرهاب، وقال: “متمرسون للغاية الآن في عمليات مكافحة الإرهاب وأصبحوا شركاء مهرة حقا، وأكد على وجود “شركاء محليون في سوريا يتمتعون بمهارات عالية وقدرات كبيرة”.

وما تزال القوات الأميركية تواصل هجماتها التي تستهدف النقاط التي يتمركز أو يتخفى بها التنظيم الإرهابي في سوريا، خاصة مع اعتماده الكمون في مناطق كالبادية السورية بمساحاتها وتعقيداتها الجغرافية المعقدة والشاسعة، وهي القدرات التي ألمح لها المسؤول الأممي وفق التقرير المنشور بمنصة وزارة الدفاع الأميركية.

نفذ الجيش الأميركي ضربات جوية على معسكرات لتنظيم “داعش” بسوريا، يوم الجمعة الفائت- “وكالات”

وقال مانتي إن “داعش يتسرب مرة أخرى إلى أماكن يصعب العثور عليها، مما يتطلب أساليب مختلفة لملاحقته، والتحالف الدولي يتكيف الآن مع هذه التغييرات”، ولهذا، نجحت القوات الأميركية في شن غارات جوية على عدة معسكرات للتنظيم بسوريا، نهاية الأسبوع الماضي، وفق القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم)، موضحة أن الضربات “ستؤدي إلى تعطيل قدرة داعش على التخطيط والتنظيم وتنفيذ الهجمات ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها والمدنيين في جميع أنحاء المنطقة وخارجها”.

وقالت في تغريدة على حسابها الرسمي على منصة “إكس/ تويتر”: “تقييمنا لآثار هذه الضربات جارية، ولا تشير إلى وقوع إصابات بين صفوف المدنيين. سنقوم بتقديم تحديثات فور ورودها”. فيما أوضح بيان آخر للقيادة المركزية أنه خلال الشهر الماضي أيلول/ سبتمبر، قضى 37 من العناصر الإرهابية إثر ضربتين نفذتهما القوات الأميركية بغارات دقيقة طالت تنظيمي “داعش” و”حراس الدين” الإرهابيين.

وفي بيان ثالث ذكر الجيش الأميركي فيه، يوم السبت الفائت، أنه “نفذ ضربات جوية على معسكرات لتنظيم داعش بسوريا، يوم الجمعة”، مضيفا: “نعكف على تقييم خسائر الضربات ولا دلائل على سقوط قتلى أو جرحى مدنيين”.

بسبب حروب روسيا وإيران

وبالتزامن مع كل ذلك، يظل خطر “داعش” قائما بل ومرشح للزيادة، لا سيما في ظل الوضع الإقليمي بالشرق الأوسط الذي يتهيأ للانفجار في أي لحظة والانتقال لحرب شاملة، فضلا عن الاستقطاب العالمي نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، واعتماد طهران وروسيا وعدة أطراف من خصوم الغرب وواشنطن تهديد الأمن والاستقرار العالمي.

يتسبب الصراع في أوكرانيا منذ الغزو الروسي ونشوب الصراع مع واشنطن والغرب، في احتمالات توظيف موسكو وطهران قوى إسلاموية لتهديد خصومها السياسيين.

وذلك ما يظهر من خلال إنذارات دق أجراسها رئيس جهاز الأمن الداخلي البريطاني كين مكالوم والذي تحدث عن مخاطر “داعش” والإرهاب على بلاده، وأن “أكثر من ثلث التحقيقات ذات الأولوية التي أجراها جهاز الأمن الداخلي البريطاني (MI5) مؤخرا تضمنت روابط بجماعات إرهابية في الخارج، حيث استأنف تنظيم “داعش” على وجه الخصوص “جهود تصدير الإرهاب”.

وبحسب شبكة “سي إن إن” فقد قال مالكون إن “أكثر من واحد من كل ثمانية أشخاص يحقق معهم الجهاز بتهمة التورط في الإرهاب هم قاصرون، بزيادة ثلاثة أضعاف منذ عام 2021”. وتابع: “نحن ندرك بقوة الخطر المتمثل في أن تؤدي الأحداث في الشرق الأوسط إلى إثارة عمل إرهابي في المملكة المتحدة بشكل مباشر. ولكن في حين حدث ارتفاع في الفوضى العامة وجرائم الكراهية، فإنه لم يترجم بعد إلى نشاط إرهابي”.

وأشار إلى أنه “بعد بضع سنوات من كبح جماحهم، استأنفوا جهودهم لتصدير الإرهاب. وقد سعت القاعدة إلى الاستفادة من الصراع في الشرق الأوسط، داعية إلى القيام بأعمال عنف”.

واتهم مالكوم الاستخبارات الروسية بأنها تقوم بـ”مهمة مستدامة لإحداث فوضى في الشوارع البريطانية والأوروبية”. وقال إن جهازي المخابرات الداخلية والشرطة بلندن أحبط كل منهما “20 مؤامرة إرهابية مدعومة من إيران في بريطانيا منذ بداية عام 2022”. وأردف: “جهاز المخابرات الداخلية لديه مهمة صعبة للغاية. كانت السنوات العشرين الأولى من حياتي المهنية هنا مليئة بالتهديدات الإرهابية. ونحن نواجه الآن هذه التهديدات إلى جانب مؤامرات الاغتيال والتخريب المدعومة من الدولة، على خلفية حرب برية أوروبية كبرى”.

رجل يتفقد الدمار في مصنع استهدفته غارة جوية إسرائيلية خلال الليل في بلدة الشويفات جنوب بيروت، 28 سبتمبر، 2024. (تصوير أنور عمرو / وكالة فرانس برس)

في المحصلة، تبدو الحوادث الإقليمية التي جرت بعد ما عرف بـ”طوفان الأقصى” سببا في تضاعف قدرات التنظيمات الإرهابية، وزيادة نشاطها ووجود بيئة مواتية لتنفيذ عملياتها المسلحة، حيث إن قوى الإسلام السياسي لعبت على الاستقطابات المتشددة بتفجير قضايا طائفية ودينية لحساب الاصطفاف مع “محور المقاومة” وفق زعمهم وترويجهم، بينما حاولت استغلال الهجمات التي نفذتها “حماس” ضد إسرائيل لجذب أفراد متشددين ضد الغرب وتهديد المصالح الأوروبية والأميركية، وحتى تهديد مصالح أنظمة بالشرق الأوسط اعتبرتها تلك القوى متحالفة أو متواطئة ضد “نصرة المؤمنين”، كما يحدث تحديدا بحق الخليج ومصر، والأخيرة متهمة بمنع وصول المساعدات لقطاع غزة، والمساهمة في فرض الحصار الإسرائيلي.

ومن ناحية أخرى، يتسبب الصراع في أوكرانيا منذ الغزو الروسي ونشوب الصراع مع واشنطن والغرب، في احتمالات توظيف موسكو وطهران قوى إسلاموية لتهديد خصومها السياسيين، وذلك ما يظهر في التعاطي البراغماتي لموسكو مع حكومة حركة “طالبان” المسلحة والمتشددة، ورفع الحركة من قائمة المنظمات الإرهابية، وذلك في إطار محاولة كسبها شرعية بتوسيع العلاقات الدبلوماسية معها، الأمر الذي بدوره يصنع جيوب وبيئات تتمكن فيها المنظمات الإرهابية من الحركة والنشاط طالما لديها القدرة على الاستفادة من الصراعات والتسلل بين التناقضات المختلفة، فتظل هذه الجماعات الإرهابية المسلحة تؤدي دورها الوظيفي داخل نطاقات الأزمات الدولية والإقليمية، وتقوم الأطراف المختلفة بإدارة الصراع من خلالهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة