لم يكن مقتل يحيى السنوار أمرا مستبعدا، حيث كان العقل المدبر لهجمات “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي، وأبرز الشخصيات العنيدة ذات الطابع العسكري والصلب في إدارة شؤون حركة “حماس” داخل قطاع غزة وفي مواجهة إسرائيل.
وكانت الأحداث الدموية التي شهدتها المنطقة إثر الهجمات المباغتة على غلاف غزة وممتدة منذ قرابة العام أو أكثر قليلا، قد رفعت من وتيرة أن يكون السنوار مع آخرين في قمة أولويات إسرائيل، وضمن بنك أهدافها، كما حدث مع القيادي بـ”حماس” إسماعيل هنية، وزعيم “حزب الله” حسن نصرالله. فالسنوار الذي تولى في آب/ أغسطس الماضي قيادة الحركة وجناحها السياسي، هو على الرادار الإسرائيلي منذ فترة غير قليلة، وقد قضى 24 عاما في سجونها، حيث إنه ظل يلح على استعادة الهجمات الانتحارية ضد إسرائيل.
مقتل السنوار.. “بداية النهاية” الحرب
ينظر إلى السنوار الأكثر تطرفا بأنه قد قرب المسافة بين جناحي الحركة، السياسي والعسكري الممثل في “كتائب القسام”، وأنهى التباينات الوهمية بينهما أو على وجه دقيق جعل هناك درجة من التجانس وغلبة للعسكري على حساب السياسي، لا سيما في ظل الخلافات السابقة التي ساهمت في حدوث تصدعات مع قضايا مثل توغل الدور الإيراني في شؤون الحركة وهيمنتها البالغة، فضلا عن التغلغل الاستراتيجي بالمنطقة بسوريا والعراق ولبنان.
وبالتالي، مثّل السنوار كتلة صلبة تقف حائلا دون الوصول إلى تقدم سياسي وتفاوضي منذ اندلاع ما عرف بـ”طوفان الأقصى”، واعتبر أحد الأطراف التي لن تقود إلى نتيجة إيجابية في هذا الملف، ومسألة تحرير الرهائن.
من ثم، فإن السنوار هدفا إسرائيليا بل هو الهدف “رقم واحد” كما وصفته صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، وذلك حتى من قبل “طوفان الأقصى” الذي سرع من وتيرة تصفيته، وكما كان سببا في هجمات السابع من أكتوبر، فتعتبره تل أبيب مهندس آخر في تطوير الحركة عسكريا وجعلها تنظيما مسلحا يعتمد على صواريخ محلية الصنع، ويوسع من تدشين الأنفاق.
حتما، لن يكون مقتل السنوار نهاية فورية للحرب في غزة، أو توقف الصراع في لبنان، لكن من المرجح أن تكون هناك استهدافات أخرى تنهي بها إسرائيل القادة الرئيسيين بالحركة لإضعاف القدرات الميدانية، وتقويض العناصر التي تضع قبضتها على ملف الرهائن، وعزلها عن مصادرة القوة، ومن ثم إرغامها على التفاوض وتحرير المختطفين منذ عام.
وعلى الأرجح أن الاستراتيجية الإسرائيلية تقوم على فرضية ومخطط إنهاء الدور الميلشياوي الذي طوق وهدد أمنها خلال السنوات الأخيرة، وعلى وجه الخصوص في العقد الذي أعقب “الربيع العربي”، وتمثل في وكلاء إيران فضلا عن “حماس” في غزة.
بالتالي ثمة ضرورة للتخلص من الحالة الفصائلية في السياسة، من خلال تقويض نفوذها وتصفية قوتها وإنهاء بنيتها العسكرية جنبا إلى جنب مع التخلص من قادتها الميدانيين والعسكريين المؤثرين ميدانيا وسياسيا.
ولهذا اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه بمقتل السنوار ستكون “بداية النهاية” للحرب في غزة، في حين تسعى طهران أن تقول إن “المقاومة” لن تنتهي وفق ما ذكرت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة في نيويورك وقالت إنه “سيعزز روح المقاومة” بهدف “تحرير” الأراضي المحتلة، حسب وصفها.
إمكانية حدوث انقسامات
ومن هنا تبدو البعثة الأممية قد التقطت الرسائل والإشارات الإسرائيلية خلف استراتيجيتها التي تنتهجها منذ بدأت في تصفية القادة بلبنان ووصلت للجيل المؤسس في “حزب الله” وقمة الهرم التنظيمي، الأمر الذي يراه مراقبون قد يتسبب في حدوث انقسامات داخل هذه الفصائل نتيجة تفشي الخلافات بينها، حيث إنه مع غياب الشخصيات التي تتمتع بنفوذ و”كاريزما” وقدرات تنظيمية وعسكرية في النطاقين الميداني والسياسي، ستكون الهياكل التنظيمية لهذه الفصائل أمام خطر يتهدد استقرارها، وستكون هناك فرصة لمراجعة المواقف والخطط والسياسات السابقة ومناقشة جدواها، ومنها عملية “طوفان الأقصى”، لا سيما وأن الحاضنة في غزة عارضت الهجوم وكشفت عن امتعاضها من التدمير الذي نجم عن ذلك، وكان السنوار في مرمى هذه الانتقادات.
وفي إطار احتمالية بدء مسار تفاوضي جاد، قال الرئيس الأميركي جو بايدن إنه بصدد إرسال وزير خارجيته أنتوني بلينكن لإسرائيل لمحاولة الدفع باتجاه وقف لإطلاق النار في غزة. وقال بايدن للصحافيين بعيد وصوله الى ألمانيا: “حان الوقت لتنتهي هذه الحرب ويعود هؤلاء الرهائن، وهذا ما نحن مستعدون للقيام به، وأنا سأرسل أنتوني بلينكن الى إسرائيل”.
وأشار بايدن إلى أن الزيارة ستحصل في غضون “أربعة أو خمسة أيام”. واعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن قتل السنوار بمثابة “نقطة تحوّل” وفرصة لـ”وقف الحرب”.
ليس ثمة شك، أن مقتل السنوار يضع الفصل ما قبل الأخير في حرب غزة وهو احتمال قائم ومرجح أمام مسارات رئيسية متفرقة، فمن جهة، مستقبل الحركة في غزة يعاني من معضلات وأزمات تنظيمية ستفاقم موقفها السياسي والعسكري ويضعف من قدراتها الهيكلية، بما يجعل قدراتها على الصمود في الميدان عملية شاقة.
إن كبح التفاؤل في تصريحات المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين يضع الكرة في ملعب “حماس” التي بدورها ينبغي أن تضع للحرب نهاية، بمعنى القبول بحل ملف الرهائن ووقف إطلاق النار، والدخول في صفقة حول اليوم التالي للحرب.
ومن جهة أخرى، تبدو هناك فرصة للقوى الإقليمية المنخرطة في وساطة لإنهاء الحرب مع الولايات المتحدة وأوروبا، لبدء مساعي جديدة نحو وقف إطلاق النار وصفقة لحل أزمة الرهائن.
غير أن السؤال على هذه الاحتمالات والسيناريوهات، سيظل مرتبطا بمواقف المرشحين المحتملين لقيادة الحركة، خليل الحيّة وخالد مشعل ومحمد السنوار، ومقاربتهم للأوضاع، وما إذا كانت لديهم القدرة على التعافي من الضربة التي طالت يحيى السنوار والحفاظ على هيكلية التنظيم، أو بدء إسرائيل استهدافات أخرى تقضي على ما تبقى من قادة الحركة لإحداث تأثير بالغ يشل قدراتها ويضعف أي فعالية لها.
وعلى المستوى السياسي، لا تضم القيادة المتبقية لـ “حماس” في غزة شخصية قادرة على خلافة السنوار. ومن المؤكد أن يأتي الزعيم القادم من قيادة الحركة في الدوحة، حيث يتبنى المرشحان الرئيسيان وجهات نظر مختلفة بشأن مسألة وقف إطلاق النار وتحالفات “حماس” الإقليمية، وخاصة مع إيران.
فخليل الحيّة، الرجل الثاني في “حماس” بعد السنوار، كان حليفا وثيقا للزعيم الراحل ورأس وفد الحركة في مفاوضات وقف إطلاق النار، فضلا عن محادثات المصالحة الأخيرة مع حركة “فتح” المنافسة، وفق “معهد واشنطن” لدراسات الشرق الأدنى.
ومن المرجح أن يسعى لمواصلة مسار السنوار سواء في جبهة الحرب في غزة أو في الحفاظ على التقارب مع إيران. أما خالد مشعل، المرشح الآخر المحتمل، فقد شغل سابقا منصب زعيم “حماس” لفترتين، وعلاقاته مع إيران معدومة عمليا، وقد حاول منذ فترة طويلة إبعاد “حماس” عن المحور الإيراني وتقريبها من أصولها في جماعة “الإخوان المسلمين”. ومن المرجح أن يكون أكثر اهتماما بالتوصل إلى وقف إطلاق النار وبالتالي الاستفادة منه دبلوماسيا من خلال وضع “حماس” كطرف فلسطيني لا غنى عنه في الحوار. ومع ذلك، لا يتمتع أي من هذين الزعيمين بالقدرة أو العلاقات اللازمة التي تمكنه من السيطرة الفعالة على الجناح العسكري في غزة.
الكرة في ملعب “حماس”
ولهذا تقول صحيفة “وول ستريت جورنال”، إن مقتل السنوار يشكل “محطة مهمة” في انحسار “حماس” لكن “الحرب لم تنتهِ بعد”، وذلك بما يجعل المؤشرات تتجه على نحو متزايد نحو احتمالات البدء في جولة جديدة من تحقيق بنك الأهداف الإسرائيلي، وبما يرشح باستهدافات لقادة آخرين في الحركة، حتى الوصول إلى الرهائن.
لكن مسؤولا في وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” علق لـ”الحرة” الأميركية على أن واشنطن تتابع تقارير حول مقتل السنوار وهي بعد بـ”مرحلة التقييم”.
وتابع: “نحن على علم بالتقارير حول مقتل السنوار، لا نزال في مرحلة تقييم الموقف وجمع المعلومات”، موضحا أنه “من المبكر الحديث عن تداعيات مقتل السنوار إذا تأكد ذلك”، مشيرا إلى أن واشنطن “ترحب بأي خطوة تقرب الإسرائيليين من تحقيق أهدافهم وتوقف إطلاق النار وتعيد الرهائن إلى ديارهم”.
وفي المحصلة، فإن كبح التفاؤل في تصريحات المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين يضع الكرة في ملعب “حماس” التي بدورها ينبغي أن تضع للحرب نهاية، بمعنى القبول بحل ملف الرهائن ووقف إطلاق النار، والدخول في صفقة حول اليوم التالي للحرب، يتم من خلالها مقاربة الوضع الأمني الذي سيكون عليه القطاع. وقد ذكر الناطق بلسان وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، أن بلاده “ستضاعف العمل” بغية استئناف المحادثات التي تقود لوقف إطلاق النار وتحرير الرهائن، مؤكدا أن السنوار كان ممانعا شرسا للتفاوض في غضون الأسابيع القليلة الماضية. وتابع: “من الواضح أن هذه العقبة أزيلت. لا يمكنني أن أتوقع أن هذا يعني أن من سيحل محل (السنوار) سيوافق على وقف إطلاق النار، لكن (مقتله) يزيل ما كان في الأشهر الماضية عقبة رئيسية أمام التوصل إلى وقف إطلاق النار”.
- انهيار كبير لليرة السورية أمام الدولار في حلب
- واشنطن: على سوريا تغيير سلوكها.. وطهران تلمح لعقد جولة “أستانا” بالدوحة
- أردوغان يأمل التوصل لاتفاق بسوريا.. و”حزب الله” يرفض القتال مع الأسد “حالياً”
- فصائل المعارضة تواصل التقدم في حماة وحلب.. ماذا أحرزت؟
- فرح في الشمال وحذر في الوسط: كيف يرى السوريون تغير الخارطة العسكرية؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.