مع إعلان “حزب الله” تعيين الشيخ نعيم قاسم في قمة الهرم التنظيمي هناك محاولة إسنادية من إيران لسد فراغ كبير تسببت فيه عملية استهداف القادة المؤسسين من الجيلين الأول والثاني، وبالأخص حسن نصر الله الذي امتلك بشخصيته الكاريزماتية وقدراته في الخطابة إمكانات تنظيمية جعلت حجم قوته يتضاعف في ذهنية أتباعه وحاضنته، وقد كان يستثمر هذه الشخصية من خلال خطاباته وأداءه في جذب قواعده والمؤيدين واستمالة كما تخويف قطاعات مختلفة.

الحزب المدعوم من إيران في لبنان كان وحسن نصر الله شيئا واحدا، صورة طبق الأصل، بل إن مقتل الأخير أفقد الحزب أجزاء غير قليلة من مصادر قوته، وأضعف التماسك بين صفوفه الحركية وداخل الجماعات الشيعية. 

قاسم يتزعم “حزب الله”

صعود قاسم في تلك اللحظة عملية محفوفة بمخاطر كثيرة وتواجهها تحديات معقدة، حيث لن تنقطع المقارنة بينه وبين نصر الله. فإلى جانب القدرات والإمكانات وربما المهارات الشخصية التي لا تبدو متطابقة ومتماثلة للطرفين، فإن التناقض في سياق ظهور كل منهما على قمة الحزب، سوف لن يكون في صالح نعيم قاسم، خاصة مع الهزائم الفادحة التي مني بها تنظيمه، وانكشافه الأمني والاستخباري للدرجة التي جعلت الوصول للقادة المؤسسين سهلا ودقيقا ويحقق الأهداف من دون صعوبة، وليس في وسع الزعيم الجديد أن يستثمر ما كان يروج له سابقه بشأن “الانتصار” على إسرائيل كما في حرب تموز/ يوليو 2006.

نعيم قاسم أمين عام «حزب الله» في كلمة مسجّلة هي الأولى له بعد إعلان انتخابه في منصبه الثلاثاء- “إ.ب.أ”

بالتالي، فإن خطاب الحزب في تلك اللحظة يتجه من تضخيم الشخصية الطائفية الشيعية وبلورتها حول التنظيم الذي كان في السابق لديه “قوة ردع” مع إسرائيل، ويتحجج بسلاحه اللا شرعي حماية لبنان، بينما يخفي وراء ذلك كله القمع والاغتيالات التي نفذها ضد خصوم مشروعه في لبنان، وأجندته في سوريا، ويجد نفسه بصدد خطاب آخر يفتش عن وسائل تعيد بناء الثقة مجددا بين القادة والقواعد، ويلح على فكرة الموت و”الشهادة” حتى لا تبدو أعداد القتلى في صفوف الحركة الشيعية المسلحة عبئا إضافيا يضاعف من مهام القيادة الجديدة. 

ولهذا عدّ الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان “وجود الشيخ نعيم قاسم على رأس حزب الله سيعزز الإرادة في المقاومة”، وأكد على أن قاسم هو “شخصية مؤسسة وبارزة” ووجوده في قمة الهرم التنظيمي للحزب، ستكون فرصة لبعث الإرادة واستئناف المسار.

ولم يتوقف هذا الدعم أو الإسناد المقدم من طهران للزعيم الجديد عند حدود الرئيس الإيراني بل امتد لآخرين، وذلك ما يعكس الرغبة والضرورة الملحة لتقوية نعيم قاسم وتعزيز نفوذه في مجاله التنظيمي الجديد، وحتى لا يكون الفراغ كبيرا لدرجة لا يملك على ملء جوانبه، كما سبق وحدث مع الفراغ المتسبب فيه مقتل قائد “فيلق القدس” بـ”الحرس الثوري” الإيراني قاسم سليماني، وقال قائد “الحرس الثوري” الإيراني حسين سلامي، إن تنصيب نعيم قاسم له دلالة تشير إلى أن “فكر المقاومة لا يمكن القضاء عليه”.

“بقاؤك لن يطول”

غير أن إسرائيل من جهتها لم تدخر وقتا طويلا وردت على تسمية أمين جديد لـ”حزب الله”، في حين هددت أو لوحت باغتياله المحتمل في حال لم يعدل عن سياسات “حزب الله”، وجاء في صفحتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي: “قد تكون فترة توليه هذا المنصب الأقصر في تاريخ هذه المنظمة إذا سار على درب سابقيه حسن نصرالله وهاشم صفي الدين”.

ليس ثمة شك، أن التحديات التي يواجهها “حزب الله” وقاسم من خلال منصبه الجديد، سوف تنعكس آثارها في المرحلة المقبلة. فمن جهة، لم تعد علاقة الحزب بين حواضنه والقواعد الاجتماعية في البيئة الشيعية متماسكة ولا يخفي المدنيون في لبنان بخاصة الشيعة امتعاضهم وهجومهم المباشر على الحزب الذي دفع البلاد لهذه الحرب من دون إرادة أي طرف، من جهة أخرى.

وتابعت: “لا حل في لبنان إلا بتفكيك هذه المنظمة كقوة عسكرية”، وفق تعبيرها، ناشرة صورة لقاسم يمسح عرقه، وعلقت عليها “خلال أول خطاب له”.

كما ذكر وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، في منشور له على حسابه بمنصة “إكس/ تويتر سابقا” وقد أرفق صورة لنعيم قاسم: “العد التنازلي بدأ”. وأردف: “بقاؤك لن يطول”.

بالتالي، فإن نعيم قاسم يجد نفسه في تلك اللحظة أمام بيئة متفجرة وجملة مخاطر وتعقيدات تصنع عوائق أمام مهامه وتجعله كما سابقه عند الحافة في حال عدم العدول عن استراتيجية الحزب في مواجهة إسرائيل، وهي مخاطر وتعقيدات في جانب منها داخلية تخص وضعه التنظيمي الذي يعاني من الانكشاف الأمني والاستخباري أمام قدرات إسرائيل التقنية والتكنولوجية.

هذا فضلا عن احتمالات قوية وفق مراقبين بشأن شبكة من العملاء والجواسيس قريبين الصلة من الحلقة الضيقة داخل قادة التنظيم وحولهم، وكذا خارجية، تخص المواجهة مع إسرائيل وتحديدا حكومة بنيامين نتنياهو الذي يصر على استكمال أهدافه بتقويض الحزب وإنهاء تهديداته بشكل تام. 

ليس ثمة شك، أن التحديات التي يواجهها “حزب الله” ونعيم قاسم من خلال منصبه الجديد، سوف تنعكس آثارها في المرحلة المقبلة- “وكالات”

ويمكن القول إن تسمية الأمين الجديد للحزب، محاولة للتخفيف من الخسائر ولو بشكل ظاهري، وتجاوز مرحلة الهزيمة وتعويض الفراغ بآخرين وكأن الحزب يؤكد على تعافيه وقدرته على بناء صفوفه. ومن ثم، هي رسالة للداخل الشيعي وتحديدا قواعد الحزب المدعوم من إيران.

أدوار قادة الحزب مكشوفة

وهنا، يبدو توقيت إعلان إسرائيل لمقتل نائب “قوة الرضوان” بالحزب مصطفى أحمد شحادة أمرا مقصودا ولتفويت الفرصة على الحزب من إيصال رسائله للداخل بشأن قدراته على تعويض خسائره، أو بناء قيادات من جديد، وقد تزامن الإعلان الإسرائيلي ليس فقط مع الإعلان عن تصعيد قاسم لمنصبه الجديد، بل ومع خطابه الأول وهو زعيم للحزب، وقد جاء في بيان الجيش الإسرائيلي أن “غارة موجهة من استخبارات الجيش، ضرب (سلاح الجو) مصطفى أحمد شحادة نائب قائد قوة الرضوان التابعة لحزب الله في منطقة النبطية وقتلته”.

وذكر البيان أن القيادي بقوات النخبة بـ”حزب الله” المعروفة بـ”الحاج الرضوان” الاسم الحركة لمؤسسها عماد مغنية واغتالته إسرائيل عام 2008، هو المسؤول عن عمليات هذه القوات بسوريا، فضلا عن إشرافه على “هجمات إرهابية في جنوب لبنان”. وذلك ما يعني أنها رسالة إسرائيلية لـ”حزب الله” بأن أدوار قادته مكشوفة.

ليس ثمة شك، أن التحديات التي يواجهها “حزب الله” ونعيم قاسم من خلال منصبه الجديد، سوف تنعكس آثارها في المرحلة المقبلة، على كافة المستويات. فمن جهة، لم تعد علاقة الحزب بين حواضنه والقواعد الاجتماعية في البيئة الشيعية متماسكة بل تعاني من التململ والتمرد، في ظل النزوح والقتل والتدمير الهائل للمدنيين، ولا يخفي المدنيون في لبنان بخاصة الشيعة في مناطق نفوذ الحزب امتعاضهم وهجومهم المباشر على الحزب الذي دفع البلاد لهذه الحرب من دون إرادة أي طرف، وانتهاك لسيادة الدولة اللبنانية، ولهذا انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مع تسمية قاسم في منصب الأمين العام هجوم على مواقف متشددة وقديمة له بخصوص المرأة ترقى إلى كونها إهانة مباشرة وواضحة.

في المحصلة، فإن نعيم قاسم في الخطاب الأول برزت لديه المشكلات والتحديات المتفاقمة، كما ظهر أهمها وهي محاولة ترميم وبناء جبهته الداخلية المهتزة والتي تعاني من تصدعات وعدم تماسك، حيث لم يحمل الخطاب أي رسائل ذات شأن للخارج أو القوى الإقليمية، بل كان إصراره على أن اغتيال قادة الحزب سواء عباس الموسوي أو نصر الله لن يكون مؤثرا، إنما إخفاء للحقيقة، 

أكد نعيم قاسم على الاستمرار “في تنفيذ خطة الحرب التي وضعها نصر الله”- “وكالات”

وقال: “أرادوا من قتلهم أميننا العام أن يهزموا فينا روح المقاومة وأن يحطموا إرادة الجهاد ولكن دماءه سوف تبقى تغلي في عروقنا وستزيدنا عزما على المضي في هذه الطريق”.

وعلى هذا، أكد قاسم بأن لا شيء سوف يتغير في المقابل، بل إن السياسة التي اتبعها سلفه ستكون هي نفسها وبرنامج عمله، بمعنى أن الهزيمة التي تلقاها الحزب باستهداف قادته لن تؤدي إلى تنازلات. مشيرا إلى الاستمرار “في تنفيذ خطة الحرب التي وضعها نصر الله”. وبرر تداخله في الحرب في ظل الانتقادات العلانية من داخل بيئته الحاضنة، وقال إن “مساندة غزة كانت واجبة علينا.. توفقنا بالدخول في جبهة المساندة لغزة”. بل زعم أن الحزب استبق الدخول في الحرب يوم الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر قبل مهاجمة إسرائيل، مؤكدا: “إسرائيل كانت تريد أن تفتح الحرب علينا مباشرة بعد 7 أكتوبر”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة