تتردد في الآونة الأخيرة تقديرات عديدة بشأن الموقف الإسرائيلي من سوريا في ظل توسع ضربات تل أبيب لتقويض نفوذ إيران بالمنطقة، وبالأخص في ما يعرف بـ”جبهات الإسناد”، غير أن تلك الجبهات تعتمد على محاور مختلفة لتوفير حماية ودعم كبيرين من خلال الأنفاق التي يتم الاستعانة بها في التهريب سواء كان يخص مقاتلين وعناصر ميلشياوية أو سلاح ومعدات عسكرية، فضلا عن أعمال التدريب وتجهيز المسيرات أحيانا، كما هو الحال في المنطقة الحدودية بين سوريا ولبنان، ومنها معبر “المصنع الحدودي”. 

يضاف لذلك، أن هناك مناطق عديدة داخل سوريا تقع ضمن نطاق سيطرة “الحرس الثوري” الإيراني، تضطلع بأدوار مختلفة في سياق الحرب المندلعة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وبخاصة على مستوى التخطيط الاستراتيجي والعمليات الهجومية العسكرية.

يدرك الأسد أن إدارة الرئيس ترامب سوف تساند للنهاية إسرائيل في الحرب بغزة، وثمة مراجعة للملفات الإقليمية، وعلى رأسها سوريا، ومن المرجح أن تعاود سياسة “الضغط الأقصى” مكانها، الأمر الذي يكشف عن كون طهران هي القاسم المشترك في كافة الأحوال.

ولهذا، كان لافتا توسع إسرائيل في ضرباتها وتضاعف غاراتها العسكرية التي طاولت عدة مناطق سوريا، وقد وصلت إلى حد الكشف عن عملية قام بها “الكوماندوز” الإسرائيلي في العمق السوري وخطف “متعاون” مع “الحرس الثوري”. إذ تنفيذ القوات الإسرائيلية عملية في سوريا ونجاح عملية القبض على عنصر ميلشياوي كان يتولى “جمع معلومات استخبارية” يؤشر إلى انكشاف الساحة السورية، وأنها مسرح عمليات مفتوح ومعد لإنجاز عدة مهام إسرائيلية تحديدا تقليص وإنهاء النفوذ الإيراني. وقال الجيش الإسرائيلي إن هذه العملية ساهمت في منع “هجوم مستقبلي على إسرائيل، وكشف طريقة عمل الكيانات الإيرانية في الجولان”.

سوريا.. الأسد بين “نارين”

والمثير كذلك أن نبرة الامتعاض من قبل الحكومة في دمشق أو حليفها الروسي لا ترقى إلى حدود الصدام، بل هي لذر الرماد في العيون. وقد بات واضحا أن النفوذ الإيراني في سوريا كما في لبنان يواجه مصيره السياسي والأمني والعسكري حيث تنأى الأنظمة بعيدا عن الأزمات المتسبب فيها.  

وفي غضون أيام قليلة، نفذت إسرائيل غارة في ريف حمص، بعد حادث مماثل في منطقة السيدة زينب جنوب العاصمة السورية دمشق، بينما أعلن “المرصد السوري” لحقوق الإنسان إن الغارة استهدفت “مستودعا للذخيرة لحزب الله اللبناني”. 

لكن هذه العمليات الإسرائيلية العنيفة التي غض النظام في دمشق الطرف عنها، ولا يعطيها كما في السابق أهمية كبيرة في ماكينتها الإعلامية لمهاجمة إسرائيل، تفتح باب التساؤل عن مقعد “بشار الأسد” الذي يبدو بين نارين أو جحيمين، حيث إن التوترات التي ينأى بنفسه عنه، منذ اندلاع الحرب في غزة، وقد رفض محاولات إيرانية عديدة ليكون داخل “جبهة الإسناد”، وتنفيذ عمليات من الجولان، لا تحول بينه وبين الوقوع تحت طائلة تداعياتها. 

جانب من الدمار جراء غارة إسرائيلية سابقة على سوريا- “أرشيفية – رويترز”

فمن جهة، تصر إسرائيل على إنهاء النفوذ الإيراني في المناطق المتاخمة لها، والتي تعد عمقا استراتيجيا، يمكن أن تشكل تهديدات مرة أخرى. كما أنها ترفض مسألة التطويق التي سبقت الحرب في غزة، وتمثلت في تضييق الخناق عليها في اليمن وسوريا ولبنان والعراق عبر الميلشيات التابعة “للحرس الثوري”.

ومن جهة أخرى، لا تريد إسرائيل تفويت اللحظة التي يتحين فيها الأسد الفرصة للتخلص من عبء النفوذ الإيراني بعد أن استدار المرة تلو الأخرى للبحث عن نفقات الحرب والحصول على استحقاقات سياسية واقتصادية من جراء مساندة “النظام في مواجهة الثورة ضده”. وليس ثمة شك أن عودة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب في دورة ثانية غير متتالية، يدفع باتجاه تنفيذ تل أبيب رؤيتها حتى النهاية، واستكمال خططها من دون توقف.

ضغوط إقليمية على الأسد

يقول سيرغي ماركوف، العضو السابق في مجلس “الدوما” الروسي ومدير معهد الدراسات السياسية، إن الحكومة السورية – وليس النظام – وفق تأكيده، انهارت تقريبا نتيجة ضغوط التيار الإسلامي، ثم جاءت إيران وحاولت إنقاذ بشار الأسد، ومع روسيا تم إنقاذ الحكومة السورية. وتابع مذكرا في مقابلة مع برنامج “الحرة الليلة” أن روسيا لعبت دورا في “إنقاذ نظام الأسد من خلال الطيران، بينما لعبت إيران دورا عن طريق إرسال آلاف الجنود”، مشيرا إلى أن تلك الجهود أفضت إلى “موقف أكثر استقرارا” في النظام بدمشق قائلا إن “الحكومة السورية تسيطر على حوالي 80 بالمئة من السكان والأرض”.

وأضاف مبرزا الدور الروسي في استقرار سوريا، وفق رأيه، أن موسكو نجحت في الضغط على الحكومة السورية وعلى إيران للتوصل إلى خلق منطقة عازلة على امتداد الحدود السورية الإسرائيلية، ومنطقة لا يمكن للقوات الإيرانية أن تدخلها “وهذا لضمان أمن إسرائيل”، حسب قوله.

ثم استدرك قائلا: “الآن أعتقد أن الحكومة السورية ليست مرتاحة لأن إسرائيل تهاجم القوات الإيرانية المتواجدة على أراضيها”، وتابع: “ولا يوجد شيء يمكن أن تفعله الحكومة السورية حيال ذلك”. وأكد أيضا: “لو ترك الإيرانيون سوريا، فسيعود أعداء الحكومة السورية من جديد”، في إشارة إلى التيار الإسلامي.

من جانبها، ترى جينا وينستانلي، السفيرة الأميركية السابقة، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، أن الأسد لم يسيطر على البلاد لفترة طويلة، وهو السبب وراء قصف الولايات المتحدة لمقاتلي تنظيم “داعش” وكذلك المسلحين التابعين لإيران. 

ولفتت ضيفة برنامج “الحرة الليلة” عبر مداخلتها من واشنطن إلى أن إسرائيل أيضا قصفت الأتراك الذين كانوا في الأراضي السورية، “وبالتالي كان هناك افتقار للسيادة على ما هو داخل حدود سوريا، وهذه علامة على حكومة ضعيفة”، مضيفة قائلة: “لو كانت سوريا شريكة في جلب السلام والاستقرار إلى المنطقة، لكان الأسد شريكا موثوقا”.

الأسد لديه وعود بشأن أن يكون ملف اللاجئين بسوريا “طوق النجاة” الذي يقرب بينه وبين الغرب. و”لهذا، فإن الأسد المشغول بالوعود والإغراءات، ولا ينصت إلى خرق المجال الجوي، وعمليات الإضعاف للوجود الإيراني بسوريا”.

مصدر سياسي عربي مطلع لـ”الحل نت”

وفق مصدر سياسي عربي مطلع، فإن تنفيذ إسرائيل لعمليات في سوريا قد يأخذ عدة أشكال، منها تنفيذ الغارات والهجمات على مناطق نفوذ إيران في سوريا، وضرب “الشرايين الرئيسية التي تتدفق منها حركة المقاتلين والسلاح، ومنع انتقالها إلى جبهات الصراع والقتال في لبنان”.

وبينما يستبعد حدوث “اجتياح بري” فإنه يؤكد أن هناك “أكثر من غطاء” لاستكمال إسرائيل مهام “إنهاء الوجود الإيراني في سوريا”. ولم يوضح المصدر طبيعة “الغطاء”، وما إذا كان يعني دعما أميركيا أو قبولا من قوى إقليمية، لكنه أكد على أن “الأسد” تلقى عدة رسائل عبر وسطاء وبشكل مباشر على ضرورة “الانخراط بشكل جاد في عمل ينهي تهريب السلاح من سوريا إلى لبنان، فضلا عن مراجهة أجهزته ومؤسساته الأمنية والعسكرية التي بها ولاءات مزدوجة، روسية وإيرانية”.

ما الإغراءات المقدمة لـ”الأسد”؟

ويقول المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ”الحل نت”، إن الأردن مؤخرا يلعب دورا آخر مهما إلى جانب الإمارات في دعم وإدارة عدة ملفات تتصل بوضع الحكومة السورية في مواجهة الصراع المفتوح بين إيران وإسرائيل في سوريا، مشيرا إلى أن عمان تتوسط لدى قوى أوروبية بغرض مسألة اللاجئين، وذلك ما يجعل من الضروري تحسين الوضع المالي لدمشق، ويخلص المصدر إلى أن “إغراءات” ربما تشق طريقها إلى “الأسد” للبقاء صامدا في صراع الإرادات.  

ويلفت المصدر ذاته إلى أن “اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي وبشار الأسد بعد مقتل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله كان عاصفا. إذ كانت المعلومات المؤكدة لدى الجانب الإيراني هي أن التحركات التي نفذتها طهران عبر فصائل من الحشد الشعبي للتموضع في سوريا بعد استقدام عناصر من حزب الله إلى لبنان، كان مكشوفا وانتهى بالفشل، ولم تكن تلك المرة الأولى التي يشعر الطرف الإيراني بالانحسار والعجز”.

ورغم أن التحالف الإيراني السوري قد وصل إلى مراحل غير مسبوقة نتيجة الحرب في سوريا، إلا أن وجوده قد تحول إلى عبء، بينما تفاقم مع حرب غزة، والتي تبد فرصة ثمينة للتخلص من ضغوطه وإملاءاته المختلفة، والتي وصلت إلى حد أن تلقى بسببها “الأسد” تهديدات تطاله أمنه الشخصي فضلا عن أمن نظامه وبقائه في حال ذهب إلى جانب المحور الإيراني وانخرط في حرب غزة. 

بالتالي، فإن المتغيرات التي خلقت لبشار الأسد فرصة للتخلص من حليفه الإيراني، قد وفرت له “إغراءات” على حد تعبير مراقبين، يبحث للحصول عليها جراء عدم الانجرار في الحرب، مثل تخفيف العقوبات، ودخول قوى إقليمية في مسألة إعادة الإعمار، لا سيما الإمارات، والتي سبق لها وحذرت الأسد أو بالأحرى نقلت له التحذير الإسرائيلي ومغبة الوقوع في فخ فتح جبهة من سوريا ضد إسرائيل. 

وهنا يؤكد المصدر السياسي المطلع لـ”الحل نت”، أن الأسد لديه وعود بشأن أن يكون ملف اللاجئين بسوريا “طوق النجاة” الذي يقرب بينه وبين الغرب. ويتابع: “لهذا، فإن الأسد المشغول بالوعود والإغراءات، لا ينصت إلى خرق المجال الجوي، وعمليات الإضعاف للوجود الإيراني بسوريا”.

الرئيس السوري بشار الأسد يحضر قمة منظمة التعاون الإسلامي في الرياض، المملكة العربية السعودية، 11 نوفمبر 2023. وكالة الأنباء السعودية- “رويترز “

بشكل واضح، يدرك الأسد أن إدارة الرئيس ترامب سوف تساند للنهاية إسرائيل في الحرب بغزة، وثمة مراجعة للملفات الإقليمية، وعلى رأسها سوريا، ومن المرجح أن تعاود سياسة “الضغط الأقصى” مكانها، الأمر الذي يكشف عن كون طهران هي القاسم المشترك في كافة الأحوال، ومواصلة إضعافها واستنزافها لتقويض نفوذ وكلائها، من ثم، فإن روسيا والحكومة بدمشق إلى جانب قوى إقليمية عربية تفتح محورا يصطف لجهة إنهاء النفوذ الإيراني وكتابة الفصل الأخير في سيرة الميلشيات الإيرانية.

فيما يمثل المشروع الإسرائيلي “خط ألفا” عند مرتفعات الجولان، أحد أبرز تداعيات ما يتم الإعداد له داخل هذا المحور، حيث إن إظهار اليد الطولى لإسرائيل في هذه الجغرافيا المهمة والاستراتيجية الحدودية، له مؤشر آخر مرتبط بإعلان ترامب عام 2019، عزمه الاعتراف بسيطرة إسرائيل على تلك المنطقة التي تعتبرها دول العالم “محتلة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات