قوبل إعلان السلطات السورية المؤقتة لمسودة الدستور الجديد بانتقادات جمّة واحتجاجات واسعة. وقال مراقبون إن الإعلان الدستوري ما زال يتضمن إقصاء بعض المكونات السورية فيه. كما أثير جدل كبير حول بنود الدستور الذي يرسم مسار المرحلة المقبلة للبلاد.
إلى ذلك وصفت بعض الأطراف السورية مسودة الإعلان الدستوري الذي وقع عليه الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، بـ”المخيب للآمال”، واعتبرتها استمرارا لسياسة الإقصاء والتهميش التي انتهجها “نظام البعث” ضد بعض المكونات السورية.
سوريا.. انتقادات للدستور الجديد
وأعلنت لجنة صياغة الإعلان الدستوري السوري التي تشكلت قبل نحو أسبوعين أنها قررت حصر السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية خلال المرحلة الانتقالية “لضمان سرعة التحرك ومعالجة أي تطورات خلال تلك الفترة”، وإقرار مرحلة انتقالية تمتد لخمس سنوات.
ويحصر مسودة الدستور السوري الجديد كافة السلطات بيد أحمد الشرع، بما في ذلك تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، ورئاسة مجلس الوزراء، وتعيين أعضاء المحكمة العليا.
وقد أثار ذلك ردود فعل غاضبة ومستاءة، بالإضافة إلى احتجاجات اندلعت في شمال وشرق سوريا ضد هذا الإعلان الدستوري الجديد، الذي اعتبره البعض خطوة نحو إعادة إنتاج “حكم الفرد الواحد”.
في هذا الصدد، أبدى المحامي والناشط الحقوقي السوري أنور البني بعض التحفظات على مسودة الدستور السوري الجديد. وأشار إلى أنها “تجاوزت دور الإعلان الدستوري كإعلان دستوري، لتصبح دستورا مصغّرا، يُحدّد مسبقا اسم الجمهورية، ومصادر التشريع، وصلاحيات الرئيس”. واعتبر أن هذا يُصادر إرادة السوريين والسوريات.
كما أن القانون لم ينص على إشراك المجتمع المدني في تسمية أعضاء “مجلس الشعب”، بحسب المحامي السوري عبر حسابه الشخصي على منصة “فيسبوك”.
كما لا توجد نصوص تتعلق بتشكيل سلطة قضائية مستقلة تماما، وتسمية الرئيس لأعضاء المحكمة الدستورية العليا. وأخيرا، وفق البني، ثمة غموض يكتنف كيفية صياغة الدستور الجديد.
تناقض في نصوص الدستور
من جانبه أكد الدكتور نائل جرجس أستاذ القانون الدستوري في جامعات فرنسا وسويسرا أن ثمة تناقضات في نصوص الإعلان الدستوري السوري.
وأردف جرجس أن الإعلان الدستوري يتشبث بحقوق الإنسان، ويعتبر الحريات المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان المُصادق عليها من طرف سوريا كجزء لا يتجزأ منه (المادة 12). كما تنصّ مادته العاشرة على أن ″المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب”. وتضيف مادته الثالثة بأن حرية الاعتقاد مصونة.
وأوضح جرجس أن هناك تناقضا مع النصوص أعلاه، حيث تنص المادة الثالثة من هذا الإعلان الدستوري على أن دين رئيس الجمهورية هو الإسلام، وأن الفقه هو المصدر الرئيسي للتشريع، بعد أن كانت مصدرا من مصادر التشريع وفقا للمادة الثالثة من دستور 2012، وأيضا دستور 1973.
وبالتالي، يرى جرجس أن هذا النص الجديد سيُتيح تفسيراتٍ قد تجعل أي تشريع مدني يتعارض معه مخالف للفقه الإسلامي، وبالتالي واجب الإلغاء. وهكذا، قد تتحول سوريا إلى دولة دينية تحكمها الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي، إذ تتعارض الأخيرة مع حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية، وخاصةً المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، والمساواة بين المرأة والرجل، وحرية المعتقد، وقضايا أخرى مثل تطبيق الحدود.
كما يُشير الإعلان الدستوري في مادته الثانية إلى مبدأ الفصل بين السلطات (أي التنفيذية والتشريعية والقضائية). وبذلك يحق لرئيس الجمهورية ممارسة السلطة التنفيذية دون غيرها، غير أن نفس هذا الإعلان يتيح له التدخل في السلطة التشريعية عبر تشكيله لجنة عليا لاختيار أعضاء مجلس الشعب وتعيين ثلث أعضائه (المادة 24)، بالإضافة إلى تسميته لكافة أعضاء المحكمة الدستورية السبعة (مادة 47)، طبقا لجرجس.
تبني النظام الرئاسي
أستاذ القانون الدستوري، سام دالا، قال إن الإعلان الدستوري حذف مصطلح “الديمقراطية” الذي تواتر وتكرر في مختلف الدساتير السورية (بغض النظر عن تطبيقه أو التحايل عليه)، والذي كان مطلبا أساسيا للسوريين، شعارا رفعوه منذ اليوم الأول للثورة.
وبيّن دالا أنه لم يسمع تفسيرا أو مبررا من لجنة إعداد الإعلان الدستوري لهذا الحذف (ربما لعدم سؤالهم عنه)، لكن أي عاقل متابع للشأن العام يدرك أن هذا يعكس رؤية وفلسفة “سلطة الأمر الواقع بدمشق” التي مهمتها الأساسية “دسترتها” أو إعطائه طابعا دستوريا، رافضة أو على الأقل متجنبة استخدام مصطلح “الديمقراطية”، وهو مصطلح ليس متواتر عليه فقط في الدساتير السورية المتعاقبة، بل وفي 99 بالمئة من دساتير دول العالم ومنها دول عربية وإسلامية.
ولفت دالا في منشور آخر عبر منصة “فيسبوك”، إلى خطورة تبني النظام الرئاسي في الإعلان الدستوري، معزيا ذلك بالقول: “بعيدا عن أي تسليم تام أو أي رفض مطلق لأحكام الإعلان الدستوري، ومن خلال النظر إلى مدى قدرة هذه الأحكام على تأسيس الشروط والمقومات للانتقال نحو دولة قانون، بحيث تقطع مع الماضي الذي اتسم بالاستبداد لسببين: الإقصاء والاستفراد بالسلطة، بمنح رئيس الجمهورية سلطات تنفيذية شبه مطلقة ومصادرته السلطة التشريعية، وسيطرته على السلطة القضائية، يضاف إليه استحواذه المطلق على الجيش والأجهزة الأمنية”.
احتجاجات ضد الإعلان الدستوري
في المقابل، خرجت مظاهراتٌ عديدة في مدن شمال وشرق سوريا، وكذلك في محافظة السويداء الجنوبية، تنديدا بالإعلان الدستوري، معتبرينه إقصاءً وتهميشا للمكونات السورية الأخرى، وخاصةً الأكراد والدروز. وهذه المظاهرات مستمرة منذ نحو 4 أيام.
وقد وصف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في سوريا حكمت الهجري، يوم السبت الفائت، الإعلان الدستوري الصادر عن السلطات المؤقتة بأنه “غير منطقي”.
وقال الهجري في محافظة السويداء إن “ثوابتنا الوطنية هي نفسها، ولكن الأمور وعندما بدأت تصل لحد عدم التفكير المضبوط بما يخص مصير هذا البلد، فلا بد أن نتدخل”.

كما وانتقدت “الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا، الخميس الماضي، الإعلان الدستوري، معتبرة أنه “يتنافى” مع تنوع سوريا ويضم بنودا تتشابه مع حقبة حكم “حزب البعث”، الأخير الذي لم يعترف بأي من المجموعات العرقية والدينية في الدستور.
كذلك، انتقد “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، المظلة السياسية لـ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، الإعلان الدستوري.

وأوضح أوضح عضو الهيئة الرئاسية لدى “مجلس سوريا الديمقراطية”، علي رحمون لـ”العربية.نت”، أن “النص الدستوري مُفصّلٌ على مقاس أحمد الشرع، ولا يعبر عن طموحات وتطلعات الشعب السوري”، مشيرا إلى أنه “أمام السوريين نضال كبير للوصول إلى دستور يحقق تطلعات الشعب بكل مكوناته القومية والدينية”.
- مؤتمر “وحدة الموقف والصف” الكردي يعلن بيانه الختامي.. تفاصيل
- في ظل غياب العدالة الانتقالية.. استمرار أعمال التصفية والانتقام في سوريا
- مروان الحلبي.. طبيب الخصوبة الذي ارتقى لسُدة التعليم العالي
- رد دمشق على واشنطن تناول 5 مطالب… تفاصيل الرسالة السورية حول شروط رفع العقوبات
- تديّن أم موضة؟.. هجوم حاد من سارة نخلة على حجاب حلا شيحة “الموسمي”
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

رد دمشق على واشنطن تناول 5 مطالب… تفاصيل الرسالة السورية حول شروط رفع العقوبات

الشرع يضع شرطا أساسيا للتطبيع مع إسرائيل

بعد حظرها في الأردن.. الشرع يرفض فتح مكاتب لـ “الإخوان المسلمين” في سوريا

العلاقات السورية الأميركية: هل ينجح الشرع في كسب ثقة ترامب؟
الأكثر قراءة

واشنطن تتسلّم رد دمشق على متطلبات تخفيف العقوبات.. تفاصيل

هل تحمل زيارة وزير الخارجية الأردني لدمشق رسائل بعد حلّ “اللواء الثامن” بدرعا؟

مسؤول أميركي: لا ثقة بدمشق حتى الآن وهذه أولوياتنا في سوريا

مرهف أبو قصرة: من حقول حلفايا لوزارة الدفاع السورية.. رحلة مثيرة للجدل!

محمد البشير: من حكومتي الإنقاذ وتصريف الأعمال إلى وزارة الطاقة.. السيرة الكاملة

مباحثات أوروبية حول إمكانية تخفيف العقوبات عن سوريا
المزيد من مقالات حول شرق أوسط

هوية تُمحى.. استبدال اسم قرية مهجّرة بسوريا يثير مخاوف من تغيير ديموغرافي

وسط غياب المحاسبة.. دوافع طائفية وانتقامية وراء تصاعد القتل ضد المدنيين بسوريا

أم سورية تناشد لإعادة أبنائها الثلاثة المخطوفين من الساحل

الأمن السوري يعتقل قياديين في “الجهاد الإسلامي” بدمشق.. ما دلالات ذلك؟

اختطاف النساء في الساحل السوري و”سبيهن”.. ما القصة؟

تحقيق أميركي يكشف تفاصيل مروّعة عن مجازر الساحل السوري

إلهام أحمد: تطبيق اللامركزية سيخفف الأعباء عن دمشق
