ارتفعت حدّة غضب السوريين بسبب فصل الكثير من الموظفين السوريين من أعمالهم، في مختلف مؤسسات الدولة، بينما تعلل الإدارة السورية ذلك بهيكلة الدوائر الرسمية، ومعالجة الترهل الوظيفي، سعيًا لإصلاح الاقتصاد المتعثر بعد سنوات من انتشار الفساد بسبب سياسات النظام السابق.
وأفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، بأنه تم فصل عدد من الموظفين والعاملين من المنتمين إلى الطائفة العلوية بشكل تعسفي من وظائفهم، من بعض المعامل والمنشآت الصناعية.
فصل دون توضيح رسمي
أوضح المرصد أن قرارات الفصل شملت عدة شركات ومعامل غذائية وصناعية، دون توضيح رسمي للأسباب، حيث لم تُصدر الجهات الإدارية أي بيانات رسمية توضح أسباب الفصل الجماعي، في ظل تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي في سوريا وعدم دفع الرواتب لعدد من القطاعات الحكومية.
وأشار المرصد إلى فصل أكثر من 100 ألف موظف من المؤسسات الرسمية، منهم 1,580 في الخطوط الحديدية، و12 ألفاً في قطاعَي الصحة والتربية ومرفأ اللاذقية، كما تم فصل 3 آلاف معلم من الخدمة، بينما قامت شركات المنتجات الحديدية بإيقاف 500 عامل عن العمل لأجل غير مسمّى.

وبحسب أرقام “المكتب المركزي للإحصاء”، كان هناك ما يقارب مليون ونصف المليون موظف، يعملون في وزارات الدولة المختلفة، عندما استلمت الإدارة السورية الحالية مقاليد الحكم تحت قيادة الرئيس أحمد الشرع، لكن وزارة المالية في حكومة تصريف الأعمال، قالت إن نحو 400 ألف موظف “شبح” يتقاضون رواتبهم دون حاجة لوجودهم.
ومنذ سقوط النظام في الـ8 من كانون الأول/ ديسمبر 2024، بدأت الحكومة المؤقتة بإجراءات فصل وُصفت بالتعسفية للموظفين، دون توضيح الأسباب، كما تم منح آلاف آخرين إجازات مأجورة لمدة ثلاثة أشهر، لكن لم تتم إعادتهم إلى العمل.
إجراء غير شرعي
من جهته، اعتبر المحامي محمد المهايني، فصل الموظفين من قبل حكومة تصريف الأعمال ليس شرعيًا، موضحًا أنه لا يستند إلى مادة قانونية، بل يتم عبر مديري المؤسسات الجدد الذين عيّنتهم الإدارة السورية الجديدة، وفقًا لـ”إرم نيوز“.
وأضاف أن من يملك حق طرد الموظف من عمله هو رئيس مجلس الوزراء، بناءً على أسباب يتم توضيحها في القرار، لكن ما يجري الآن من فصل يُعدّ غير شرعي لأنه يصدر عن مديرين قامت السلطة الجديدة بتعيينهم، مع أن القانون لا يخول لهم ذلك.
حكومة تسيير الأعمال اتخذت منذ استلامها قرارات ليست من صلاحياتها، باعتبارها حكومة أمر واقع، وُجدت بحكم “الشرعية الثورية”، وفي مقدمة تلك القرارات فصل الموظفين وتعديل المناهج.
المحامي محمد المهايني
وبيّن أن الحكومة الانتقالية التي شُكّلت بعد صدور الإعلان الدستوري، سارت على خطى الحكومة السابقة، فتم فصل أعداد كبيرة من الموظفين، ما جعل آلاف الأسر السورية بلا مدخول.
إجراءات تعسفية
يصف العديد من الموظفين من مختلف القطاعات إجراءات الحكومة بالتعسفية، متهمين إياها باستهداف لون محدد من مكونات المجتمع السوري، والعمل على تسريح الموظفين المنتمين إليه، بحسب استطلاع “إرم نيوز”.
“تهمة تهديد السلم الأهلي” كانت سببًا في قرار فصل أحد الإعلاميين، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، مشيرًا إلى أنه فوجئ بقرار فصله من الصحيفة التي يعمل فيها بتلك التهمة.
وأضاف:”فصلوني بسبب مشاركتي لأحد منشورات المرصد السوري لحقوق الإنسان على فيسبوك، وتم حرماني من حقوق التقاعد والتعويضات واللجوء إلى القضاء”.

وبموازاة عمليات فصل الموظفين، يؤكد العديد من الصحفيين، أنهم تفاجؤوا بتعيين رؤساء تحرير ومديرين عامين في المؤسسات الإعلامية، أعمارهم في العشرينات، وليس لديهم أي تجربة في الإعلام، ولم يسبق لهم أن نشروا مقالًا في حياتهم!
ومنذ استلامها السلطة، قامت الحكومة بحلّ الجيش، فسرّحت مئات آلاف الموظفين، إلى جانب فصل عناصر شرطة المرور والشرطة المدنية.
عمل المساعد أول في الشرطة، “ع.ع”، في سلك شرطة المرور منذ 20 عامًا، الذي أصبح يعول أسرته من بسطة للخضار على أحد أرصفة دمشق، بعد أن تم حرمانه من وظيفته وراتبه الشهري، متسائلًا: “ما علاقتي بالحرب وأعمال القتل والصراع الدائر؟”.
احتجاجات رافضة للإجراءات
لم ينجُ قطاع الصحة أيضًا من عمليات فصل الموظفين، ومثله قطاع رجال الإطفاء، وقد أدت هذه الإجراءات إلى قيام العمال بتظاهرات ووقفات احتجاجية في دمشق والعديد من المدن السورية، رفضًا لتلك القرارات.
كما تقول الممرضة “ج.س”: “فصلوا عددًا كبيرًا من الكوادر التي تحتاجها المشافي، مثل: مصوري الطبقي المحوري، والرنين المغناطيسي، وفصلوا عددًا كبيرًا من الممرضين والممرضات، وكان من الواضح أن إجراءات الفصل تمت بناءً على انتمائهم الطائفي”.
ويؤكد من تبقّوا على رأس عملهم في الوظيفة حتى الآن ينتظرون صدور قرارات فصلهم في أي لحظة، استنادًا إلى انتماءاتهم الطائفية.
“لا نريد أن نختبئ خلف أصابعنا، فإجراءات الفصل تتم بناءً على هوية الشخص والقرية التي يتحدّر منها، والدليل أنهم يرفضون أي طلب تطوّع في قوات الشرطة أو الجيش، خارج المكوّن الذي يعتمدونه في جميع الوظائف”.
أحد موظفي وزارة المالية
ووفقًا لوزارة المالية السورية في حكومة تسيير الأعمال السابقة، تواجه سوريا معضلة “الموظفين الأشباح”، وهم أشخاص يتقاضون رواتب دون أداء عمل فعلي. ويبلغ عددهم حوالي 400,000 موظف، ما يطرح تساؤلات عن آلية معالجتهم.
أما وزير التنمية الإدارية، محمد السكاف، فقد صرّح أن الدولة السورية “لن تحتاج سوى ما بين 550 ألف إلى 600 ألف موظف”، أي أقل من نصف العدد الحالي البالغ 1.3 مليون موظف حكومي.
ويبدو أن ملف الموظفين يسير بلا قانون ناظم، فقرارات الفصل والتوظيف يمكن أن يقوم بها أي مدير، مع أن قانون العاملين في الدولة يحمي الموظفين المثبّتين، ويحصر موضوع فصل أي منهم بيد رئيس مجلس الوزراء، كما أنها تؤدي إلى تفريغ مؤسسات الدولة من الكفاءات واستبدالها بموظفين جدد برواتب 200 دولار، مع اشتراط الولاء إلى “هيئة تحرير الشام”، وفق “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
- مؤتمر “وحدة الموقف والصف” الكردي يعلن بيانه الختامي.. تفاصيل
- في ظل غياب العدالة الانتقالية.. استمرار أعمال التصفية والانتقام في سوريا
- مروان الحلبي.. طبيب الخصوبة الذي ارتقى لسُدة التعليم العالي
- رد دمشق على واشنطن تناول 5 مطالب… تفاصيل الرسالة السورية حول شروط رفع العقوبات
- تديّن أم موضة؟.. هجوم حاد من سارة نخلة على حجاب حلا شيحة “الموسمي”
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

تحوّل في شرعية التمثيل السوري: واشنطن تُعيد تعريف العلاقة القانونية مع دمشق

خطة لإدارة البلاد بعد سقوط الأسد: ماذا تتضمن؟

ارتفاع الاستقالات من القطاع العام في سوريا.. كيف تتعامل الحكومة مع الطلبات؟

وفد إيراني رسمي لـ لقاء الأسد في دمشق.. ما هي الرسالة؟
الأكثر قراءة

واشنطن تتسلّم رد دمشق على متطلبات تخفيف العقوبات.. تفاصيل

هل تحمل زيارة وزير الخارجية الأردني لدمشق رسائل بعد حلّ “اللواء الثامن” بدرعا؟

مسؤول أميركي: لا ثقة بدمشق حتى الآن وهذه أولوياتنا في سوريا

مرهف أبو قصرة: من حقول حلفايا لوزارة الدفاع السورية.. رحلة مثيرة للجدل!

محمد البشير: من حكومتي الإنقاذ وتصريف الأعمال إلى وزارة الطاقة.. السيرة الكاملة

مباحثات أوروبية حول إمكانية تخفيف العقوبات عن سوريا
المزيد من مقالات حول اقتصاد

السعودية وقطر تتكفلان بسداد ديون سوريا لدى “البنك الدولي”.. ما دلالات تلك الخطوة؟

احتجاز شاحنتين أردنيتين في السويداء: هل تتأثر حركة النقل بين البلدين؟

خبير يحل اللغز.. لماذا ترتفع أسعار المواد المحلية السورية أمام المستوردة؟

الوزير العائد: هل ينجح يعرب بدر في ترميم شرايين النقل السوري؟

سرّ تزايد الطلب على الدولار.. هل تتراجع الليرة السورية؟

صندوق النقد الدولي يعين رئيسا لبعثته إلى سوريا.. ماذا تعني هذه الخطوة؟

سخط كبير رغم تسهيلات “التجاري السوري” لسداد القروض.. بماذا طالب السوريين؟
