مع استحالة الحصول على معلوماتٍ موثوقة بخصوص عدد ووضع المصابين بفيروس #كورونا في #سوريا، تشعر العديد من العوائل في المنفى بالقلق حيال أبنائها وأحبائها، الذين يعتقد أنهم معتقلون في السجون السرية الرهيبة للحكومة السورية.

هذه العوائل السورية، اللاجئة في #تركيا #الأردن #لبنان و#أوروبا وفي جميع أنحاء العالم، قد عانت الحرب وكل شرورها من إرهابٍ وقصفٍ وقتلٍ ودمار ودموع ومطاردة، وصولاً إلى المنفى.

لقد رأوا الأهل والجيران والأصدقاء وهم يموتون. تركوا بيوتهم وأماكن طفولتهم، والبعض ترك ورائه والدَين مُسنَّين لا يستطيعان تحمّل عناء الهروب ومذلة الغربة، لياليهم ليست هادئة أبداً، وأحلامهم مهجورة منذ فترة طويلة، لم تبق لهم سوى الذكريات ومرارة العيش والصدمة.

ولدى كل من وافق من هذه العوائل على التحدث إلى (صحيفة لوموند) هاجس يبقيها على قيد الحياة ويمنعها من العيش في الوقت ذاته: زوج أو أب أو ابن أو عم أو ابن عم اعتقلته #المخابرات_السورية واختفى في غياهب سجونها، دون أن تعرف عنه أي شيء.

لا أخبار ولا معلومات ولا أدنى لائحة اتهام أو إجراء قانوني، لا تجد هذه العائلات طريقةً للدفاع عن أبنائها، وما من عنوانٍ يمكن مراجعته. الآلاف من الأسئلة بلا إجابة، وليس لدى هذه العوائل سوى شك قوي وأمل في أنهم لا يزالون على قيد الحياة في سجون #الحكومة_السورية، التي وصفتها #منظمة_العفو_الدولية بأنها “مذابح بشرية”.

ويبدو أن المفقودين قد تم مسحهم من جميع السجلات الرسمية كما اختفوا من على وجه الأرض. فحتى تاريخ اليوم، هناك ما لا يقل عن 83000 مفقود، بحسب تقديرات #الشبكة_السورية_لحقوق_الإنسان التي توثّق كل حالة.

واليوم، جاء فيروس كورونا ليزيد من قلق هذه العوائل، فهناك روايات متداولة، داخل سوريا وخارجها، ترهبها وتجعلها تتخيل مذبحة في شبكة سجون ومراكز اعتقال الأسد الرسمية والسرية، والتي لا يسمح لأحد بزيارتها.

«إنهم ضعفاء والأكثر عرضةً»، تحذر “أمل الناسين” محامية ورئيسة مركز (آمال للشفاء والدعوة) للأسر  اللاجئة، والتي تحدثت للصحيفة من منفاها في مدينة #أنطاكيا التركية، حيث تعيش منذ عام 2012.

هي لم تقم بالطبع بزيارة مراكز الاعتقالات وسجون المخابرات السورية حيث يتكدس السجناء فوق بعضهم البعض. لكنها تستند إلى تقارير نشرتها منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش والشبكة السورية لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى شهادات السجناء الهاربين والمفرج عنهم ومن تمت مبادلتهم، التي جمعتها منذ بداية #الثورة_السورية في شهر آذار 2011.

وتصف “الناسين” السجون النتنة والمزدحمة والخالية من التهوية وضوء النهار في كثير من الأحيان والموبوءة بالفئران: زنزانات مساحتها 4 × 6 أمتار، تحتوي على ما يصل إلى خمسين سجيناً يمكنهم فقط الجلوس والنوم بالتناوب، وهم محرومون من النظافة والرعاية عند المرض.

يتم استدعاءهم بانتظام لجلسات التعذيب، حيث يعودون بأجساد مدماة. «إنه الجحيم بعينها»، تقول المحامية. الجحيم التي دخلت فيها بالفعل أمراض مثل السل، وحيث لن يقاوم السجناء، الهزيلون والمثخنون بالجروح، فيروس كورونا.

وتتابع قائلةً: «سواء كان السجان أو أي سجين جديد قادم من سجن آخر مصاباً، فإنه سينقل العدوى وسيموت المئات دون أدنى رعاية، لأنه لا يمكن أن يتوقع من الجلادين القلق بشأن صحة ضحاياهم».

الأمل لا يزال قائماً

إنها مسألة أيام فقط، لأن فيروس كورونا انتشر بالفعل في سوريا، على الرغم من جهود النظام لتقليل الأرقام وضغوطه على الأطباء لإعلان الوفيات الناجمة كورونا على أنها ناجمة عن الالتهاب الرئوي أو ذات الرئة.

فالجثث لم تعد تعطى للأهالي، ورجال المخابرات يراقبون المستشفيات حتى لا يتم تسريب المعلومات. وقد تم الإعلان عن 45 حالة في أوائل شهر أيار وعن ثلاثة وفيات فقط. لكن من يصدق هذه الأرقام؟ سواء كانوا يعيشون في الخارج أو داخل البلاد، فإن عوائل المفقودين ترتجف ذعراً، لأن فيروس كورونا الجديد سيكون حليفاً لبشار الأسد في القضاء على السجناء المصنفين على أنهم “معارضون وإرهابيون”، حتى لو كانوا مجرد طلاب قبض عليهم في المظاهرات الأولى لربيع 2011.

«سيكون الأمر مؤلماً»، تعلق المحامية “الناسين”، والتي ترى أنه إذا كان هناك وقت نحتاج فيه إلى المساعدة من بقية العالم، فهو الآن! لقد أغلق فيروس كورونا الحدود، وحجر شعوب الكوكب في بيوتهم وكأنهم في حبس.

كل هذا يجب أن يجعلهم أكثر قدرة على فهم ما يمر به المعتقلون السوريون، وإلهامهم بالتضامن معهم. «يجب أن نرفض أن يستغل بشار الأسد الفيروس الجديد ويجعله سلاحه الجديد في الحرب، سواءً للقضاء على هذا العدد الضخم من المعتقلين، أو لإقناع الغرب رفع العقوبات عن نظامه»، تتابع “الناسين” بغضب.

عاد والد وشقيق “غرام”، البالغة من العمر 30 عاماً والمقيمة في أنطاكية كذلك، من السجن. لكن أعمامها، اللذان فقدتهما منذ 2013، لم يعودا بعد ولا أخبار عنهما.

تعيش الأسرة بأكملها حول صور الرجلين في ذكرياتهم وانتظارهم. كل شيء محظور ومعلق في انتظار عودتهما، لا يمكن بيع ممتلكاتهما، ولا يمكن لزوجاتهما الزواج مرة أخرى. وتقول الفتاة الشابة: «حتى تنظيم حفل الزفاف كان لا يمكن تصوره مع وجود أعمام معتقلين في سجون بشار».

إن وصول سجين مفرج عنه يتسبب في كل مرة في غليان مجتمع العوائل المنفية بأكمله، حيث يمطر الناجي بوابل من الأسئلة مثل: «هل قابلت هذا الشخص أو ذاك؟ هل سمعت عنه إنه من قرية كذا أو من عائلة كذا.. هل تم نقله؟ هل تم تعذيبه؟ هل من احتمال أنه لا يزال على قيد الحياة؟». وفي أغلب الأحيان، لا يعلم الناجي أي شيء، فيستمر الانتظار ويبقى الأمل قائماً.

«القبول بالموت سيكون خيانة لنا والدخول في لعبة بشار. إنه مدين لنا بالتفسيرات، ويجب أن تتم مسائلته. إن هذا المطلب من أجل العدالة، لأن فرضية فيروس كورونا لا تطاق. إذاً سيموتون هكذا؟ من يقاوم أشد أنواع التعذيب والحروق والصعق بالكهرباء والجلد وكل الفظائع التي مارستها عائلة الأسد منذ عقود لتركع الشعب على ركبتيه، سيموت بفيروس كورونا الذي سيبرئ جلادهم؟ كلا!»، تصرخ عبر الهاتف زوجة الصحفي “جهاد أسعد محمد” الذي اعتقل في دمشق عام 2013 وما من خبر عنه منذ ذلك الحين.

ومع ذلك، فإن زوجته قد حرثت السماء والأرض بحثاً عنه، وأنشأت صفحة على الفيسبوك، وعملت وناضلت في عدة منظمات، واتصلت بمنظمة العفو الدولية ومنظمة مراسلون بلا حدود، وحاولت شراء معلومات من المسؤولين الفاسدين. وحتى تاريخ اليوم، هي لا تعلم شيء عنه، لكن حياتها مستمرة في التركيز على هذا الغياب، «يغذيها الأمل» في العثور على زوجها.

إن ما يقض مضجعها، حالها حال الكثير من عوائل المفقودين، هو فكرة أن فيروس كورونا قد يجتاح السجون مثل النار في الهشيم فيقتل تلك الأجساد الضعيفة، أو يعطي بشار ذريعة لمذبحة بحقهم.

القلق ذاته ينتاب “باسمة” 55 عاماً من #الغوطة على أبواب #دمشق، التي لا تزال تأمل في عودة ابنها الوحيد، الذي اعتقل عام 2013 وهو في الثانية والعشرين من عمره.

«لقد بحثت عنه لمدة عام ونصف، كدت أصاب بالجنون.  لقد صعقت عندما علمت أنه في #سجن_صيدنايا المروع. استطعت رؤيته لبضع لحظات، محاطاً بحارسين. كان نحيفاً مرتدياً الخرق، ولم يستطع حتى أن يرفع رأسه لمواجهتي. وقال لي: لا تقلقي يا أمي، أنا بخير. ولكن بالطبع لم يكن كذلك!»، تقول “باسمة”، التي تعيش مؤقتاً اليوم في #جزيرة_كوس، في #اليونان، في انتظار العبور إلى أوروبا.

وتتابع بحرقة قلب: «كنت قد أحضرت له بيجاما وأحذية وجوارب وبعض الطعام والمال. بحثت عن محام له، لكن المحامين كانوا يسخرون مني في كل مرة. توسلت لرؤيته مرة أخرى، والغريب أنهم سمحوا لي بذلك. كان عارياً وعظامه بارزة أكثر من السابق، فتركت له ما استطعت».

وعندما أرادت العودة إلى السجن، كان اسمه قد حذف من القوائم هذه المرة، وأخبروها بأنهم لا يعرفون أحداً بهذا الاسم. فصاحت “باسمة” بأنها رأته في وقت سابق هناك، ولم تكن تحلم، لكن دونما جدوى. لقد باعت وخسرت كل ما تملك في محاولة للعثور عليه، وشراء ذمم الضباط للحصول على معلومات. حتى أنها أعطتهم خاتم زواجها. وقد باع آخرون منازلهم ليحصلوا على خبر عن ذويهم المفقودين. فالفساد موجود في كل مكان، وسوق المعلومات الكاذبة على قدم وساق.

وفيات بسبب السكتة القلبية

ثم يحدث أن تصل شهادات الوفاة ذات يوم إلى عوائل المفقودين والمعتقلين. ففي عام 2018، على سبيل المثال، تم إرسال عدة مئات من البيانات التي تشير إلى وفاة شخص مفقود، بتاريخ 2013 وغالباً ما يكون سببها “السكتة القلبية”.

لا دليل ولا تفسير ولا حتى جثة. الأخبار مروعة لكنها لا تقضي على الأمل، لأنه وكما أخبرتنا “سارة كيالي” باحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش، ظهر سجين بعد عام من إعلان وفاته وبعد ست سنوات موته المفترض. من يصدق؟.

وتضيف كيالي: «الأسد يلعب بعواطف العوائل، لا شيء واضح، وعدم اليقين هو السائد اليوم. لكن فيروس كورونا القاتل، بعد تسع سنوات من المعاناة، بات مصدراً جديداً للقلق بالنسبة لهم». وليس مرسوم العفو الجديد، الذي نشرته دمشق في شهر آذار الماضي، هو الذي سيريحهم.  حيث تصفه كيالي بأنه «ذر الرماد في العيون».

من جهته، يرى “فضل عبد الغني” رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في مرسوم العفو المذكور بأنه «محاولة كئيبة لطمأنة #الأمم_المتحدة والمنظمات غير الحكومية في سياق جائحة كورونا». فهذا العفو، مثل سابقه، لا يتعلق إلا بالسجناء العاديين. وبكل الأحوال، فإنه قد تم تجميع السجناء السياسيين والصحفيين والناشطين جميعاً تحت اسم “الإرهابيين”.

ومع الأخذ في الاعتبار أن هناك ما يقرب من 1300 ألف معتقل في مراكز الاحتجاز السورية، فإنه ووفقاً لمراسيم العفو السبعة عشر منذ عام 2011، سيستغرق الأمر 325 عاماً لتفريغ هذه السجون.

ناهيك عن استمرار الاعتقالات التعسفية (665 معتقل منذ مرسوم العفو الصادر في 15 أيلول 2019)، وكذلك الوفيات تحت التعذيب (116 حالة موثقة من قبل الشبكة السورية لحقوق الإنسان لذات الفترة).

ويقول الدكتور “مثنى” وهو سجين سابق يعيش الآن في #برلين: «من حق العوائل أن تخاف. إن الأسد أسوأ من الإيرانيين الذين أفرجوا عن آلاف السجناء تحت ضغط من كورونا. لن يفعل شيئاً لتجنيب المعتقلين هذه المأساة. على العكس تماماً! يمكن أن يوفر له هذا الفيروس فرصة للتخلص من جميع المعارضين لحكمه».

ويكشف تقريرٌ أخير من منظمة غير حكومية عن الضعف الشديد الذي تعاني منه #سوريا في كل ما يتعلق بالصحة، ابتداءً من انخفاض عدد المستشفيات الصالحة للعمل، وانتهاءً بالافتقار الشديد للمعدات والعاملين الطبيين منذ أن فرّ 70 ٪ منهم إلى خارج البلاد.

كما يوضح التقرير المذكور أن القوات الحكومية قتلت 669 عاملاً في المجال الصحي منذ شهر آذار 2011، بينهم 83 باستخدام التعذيب، وأن الأسد لا يزال يحتجز 3332 منهم في سجونه.

عن صحيفة (Le Monde.fr) الفرنسية


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.