تحكي رواية “عندما بكى نيتشه” للمؤرخ الأميركي “إرفين د. يالوم” عن قصة الحب الوحيدة والقصيرة التي عاشها فيلسوف المطرقة “نيتشه” مع الأديبة والمحللة النفسية الروسيّة “لو سالومي” بعد أن جمعهما الصديق المشترك الناقد الأخلاقي “بول ري” عام ١٨٨٢.

“نيتشه” أقام مع “سالومي” في الشهور التالية على تعرفهما في علاقة وُصفت بـ”عفيفة وقوية”، انتهت بسبب الصديق “بول ري” الذي أحب “لو سالومي” أيضاً وساهمت أخت “نيتشه”، “إليزابيث”، بشكلٍ كبير في تدمير قصة حب أخيها الأصغر الذي بقي مكتئباً وحزيناً لعدة سنوات بسبب ضياع حبه واعتقاده بأنه تعرض للخيانة، في تلك الفترة أيضاً بدأ “نيتشه” بتدوين كتابه “هكذا تكلم زرادشت” بعدما أشعره وهن الحب بضرورة ولادة الإنسان الخارق.

كيف دمرت “إليزابيث” حب “نيتشه”؟

يشير المؤرخ “إرفين د. يالوم” إلى الدور الكبير الذي لعبته “إليزابيث” في إنهاء علاقة “نيتشه” بـ”لو سالومي” بطريقةٍ عنيفة، وذلك بعدما صارت تُحيك المؤامرات وتبعث برسائل تحريضية لـ”نيتشه” تخترع فيها قصص عن “لو سالومي”، ويذكر التاريخ أن “إليزابيث” طالما كانت موهوبة بالتزوير واختلاق الحقائق حتى أن دلست في قصة حياة “نيتشه”، وفي كتاباته ومن القصص المشهورة عنها إهداءها عصا “نيتشه” لـ”هتلر” الذي دخل أرشيف “نيتشه” عندما كان مستشاراً حاملاً بيده سوطه الشهير، وبعد ساعة ونصف خرج ممسكاً بعصا “نيتشه”!

في عام 1893، عادت أخت “نيتشه”، “إليزابيث”، من الباراغواي بعد انتحار زوجها «اليميني المتطرف»، فاطلعت ودرست جميع أعمال أخيها، وتولت العناية بها ونشرها، وأسست عام 1894 “أرشيف نيتشه”، بعد ثلاثة أعوام نقل “نيتشه” للإقامة مع أخته “إليزابيث”، التي كانت ترعاه بسبب مرضه وسمحت بمجيء الزوار له، وكان منهم “رودلف شتاينر” (الذي ألف عام 1895 واحداً من أوائل الكتب التي تشيد بـ”نيتشه”)، وقد استعانت “إليزابيث” بـ”شتاينر” لفترةٍ لمساعدتها على فهم فلسفة شقيقها.

لو سالومي”..  جامعة العقول

كانت “سالومي” على خلاف النساء في تلك الفترة، متحررة جريئة، تمارس سحرها على الرجال وتتمتع بإغوائهم، وهذا على ما يبدو ما أسر قلب فيلسوف القوة الذي مجد أخلاق السادة.

“لو أندرياس سالومي” من مواليد روسيا 1861، والدها عسكري روسي من أصل فرنسي، هرب من فرنسا خلال فترة الحروب الدينية مع الكاثوليك، ثم عاد إلى أوروبا ثانيةً بسبب سياسة روسيا التعسفية، لذلك عاشت الأديبة معشوقة الفيلسوف الذي أعاد خلق النبي الفارسي “زرداشت” في أوروبا حياة ثقافية ثرية.

في كتباها “حياتي”، تحكي “سالومي”، التي كانت ترفض ممارسة الجنس مع عشاقها، كيف ردّت “نيتشه” مرتين عندما عرض عليها الزواج، وذلك بعدما دفعه عشقه لها إلى الموافقة على خطتها بالعيش معها و”بول ري” في شقةٍ واحدة “بعفة” كأصدقاء وليس كعشاق، وافق “نيتشه” و”ري” على عرض الشابة الروسيّة، وأطلق “نيتشه” على تجمعهم “الثالوث غير المقدس”، لكن كل من “نيتشه” و”راي” كان يخطط لأن يصبح العشيق الوحيد الحقيقي للفاتنة الروسيّة، الأمر الذي فشّل كل منهما في تحقيقه، فالأديبة الروسيّة كانت مُتدربة جيداً على التحكم بمشاعرها وعلى المضي في خطتها، “جمع العقول” كما وصفها المؤرخ الأميركي في “عندما بكى نيتشه”.

من رسائل “نيتشه” إلى “لو سالومي”

«عزيزتي “لو”، أنا لدي فجر، ليس ذلك الفجر الزاهي الألوان! شئ لم أعد أومن أنه ممكن، وهو إيجاد صديق من أجل سعادتي ومعاناتي المطلقتين، لكن أصبح يبدو الآن ممكناً- الإمكانية الذهبية في أفق حياتي كلها في المستقبل.. أشعر ببالغ السعادة كلما فكرت بروح عزيزتي الجريئة والغنية».

«عزيزتي “لو”، لا تدّعي أن نوبات جنون العظمة التي تعتريني أو غروري الجريح يزعجك كثيراً، وإذا أخذتُ حياتي بيدي في إحدى تلك النوبات العاطفية التي تعتيرني، لا تقلقي علي. ماذا تشكل تهويماتي بالنسبة لك! لقد توصلت إلى هذا الرأي المنطقي بعد أن تناولت بدافع اليأس جرعة كبيرة من الأفيون».


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.