تراجع الثروة الحيوانية يهدد الأمن الغذائي في شمال وشرقي سوريا

تراجع الثروة الحيوانية يهدد الأمن الغذائي في شمال وشرقي سوريا

تشهد مناطق الإدارة الذاتية، كحال غالبية سوريا، شحا في الأمطار للعام الثاني على التوالي، ما دفع نسبة كبيرة من مربي الماشية إلى العزوف عن تربيتها، جراء قلة المراعي وارتفاع أسعار المواد العلفية.

في الأثناء، دعا باحثون اقتصاديون إلى دق ناقوس الخطر نتيجة “التهديد المخيف” الذي يطال الثروة الحيوانية، كأحد أهم دعائم الاقتصاد والأمن الغذائي في المنطقة.

تكاليف باهظة

وبحسب ياسر محمد(45 عاما) وهو مربي أغنام من قرية نعمتلي بريف قامشلي الشرقي، فإن تكاليفه لتربية نحو 250 رأس من الأغنام بلغت نحو 80 مليون ليرة سورية خلال 6 أشهر، وهي تكاليف غير مسبوقة ولا يمكنه تعويضها، تبعا لانخفاض أسعار المواشي في الوقت الراهن.

وأضاف المربي أنه كان قد أشترى 80 خروفا قبل شهرين بـ16 مليون ليرة، ولكن ثمنها لا يتجاوز 11 مليون ليرة حاليا.

وأشتكى محمد من أنهم لم يحصلوا على العلف من مديرية الثروة الحيوانية في القامشلي التي تتبع للإدارة الذاتية سوى مرة واحدة  خلال عام.

وشهدت مناطق الإدارة الذاتية حالة مماثلة في العام الماضي، جراء شح الأمطار وقلة المراعي وارتفاع أسعار المواد العلفية بشكل غير مسبوق.

أسعار مرتفعة للحوم 

 ولا يختلف حال المربي محمد أمين الحمد المقيم في قرية جمعاية بمدخل قامشلي الشرقي منذ 30 عاما، والذي كان يربي 150 رأسا من الأغنام ولكنه اضطر منذ الصيف الماضي إلى بيع 100 رأس منها لتأمين مصاريف ما تبقى من قطيعه.

وأضاف الحمد لـ “الحل نت” أن عدم وجود المراعي وارتفاع سعر كيلو الشعير إلى 1500 ليرة، وكيلو النخالة إلى 1200 ليرة، وسعر التبن إلى 950 ليرة، أضر بالمربين بشكل كبير ودفع الكثيرين إلى التخلص من قطعانه، بسبب الخسائر الكبيرة التي يتعرضون لها.

 وأشار المربي إلى أن الغنمة التي تزن 35 كيلو غراما يصل سعرها حاليا إلى 250ألف ليرة سورية، وهو انخفاض كبير في الأسعار مقارنة بالفترة الماضية.

اقرأ أيضا: الجفاف يهدد المحاصيل الزراعية في سوريا.. بخاصة القمح والشعير

 لكن في المقابل لا تزال أسعار اللحوم الحمراء في سوق القصابين مرتفعة ومتفاوتة بين ملحمة وأخرى، حيث انخفض سعر كيلو لحم الخروف من 20 ألفا إلى 18 ألف ليرة فقط، رغم انخفاض أسعار المواشي في المنطقة بشكل كبير.

إغلاق سيمالكا

ويعتمد مربو وتجار الماشية في مناطق شمال وشرق سوريا، على تصدير ماشيتهم إلى إقليم #كردستان ومنها إلى بقية مناطق #العراق، حيث يكون الطلب الرئيس على العجول والخراف التي يجري تسمينها لأشهر في حظائر خاصة، وعبر برامج تغذية محددة ليزداد وزنها بشكل كبير خلال وقت قصير.

ولفت الحمد، إلى أن أغلاق معبر سيمالكا بين شمال وشرق سوريا وإقليم كردستان، أثر بشكل كبير على حركة الشراء في المنطقة وفي تدني الأسعار.

ووصف المربي الذي ينحدر من مدينة الرقة، أحوال المربين هناك بأنها “مأساوية بسبب قلة المراعي وتوقف الشراء بعد إغلاق معبر سيمالكا، حيث اعتاد التجار شراء دفعات من الرقة وتصديرها إلى إقليم كردستان”.

 وتشير إحصاءات غير رسمية، إلى أنّ أعداد الثروة الحيوانية في محافظة #الحسكة انخفضت إلى الربع خلال سنوات الأزمة في سوريا، فيما قدرت مديرية الزراعة الحيوانية الحكومية أعداد الثروة الحيوانية في محافظة الحسكة بنحو مليون و800 ألف رأس في نهاية العام 2020.

وخسر الشاب محمد إسماعيل 18 عاما عمله جراء انخفاض الأسعار واضطرار صاحب العمل إلى بيع قطيعه من الأغنام تدريجيا لتفادي خسائر أكبر خلال الفترة القادمة.

وكان الشاب قد بدأ العمل كأجير لتربية الأغنام في قرية رنكو بريف القامشلي الغربي لكنه عاد قبل نحو اسبوعين إلى قريته، خويتلة بريف الحسكة الجنوبي، بعد ارتفاع أسعار الأعلاف بشكل كبير “حيث بات بيع العلف المخزن أكثر فائدة من تربية الأغنام”.

“تهديد مخيف”

في السياق ذاته حذر الباحث الاقتصادي، شوقي محمد، من أن “الثروة الحيوانية في المنطقة باتت مهددة بشكل مخيف بسبب قلة الأعلاف وأسعارها المرتفعة -إن توفرت- وحالة شبه الجفاف التي تصيب المنطقة”.

وأضاف في منشور على صفحته في موقع فيسبوك أن ذلك يأتي “بعد خسارة آلاف الرؤوس من الماشية في السنوات الماضية نتيجة التصدير العشوائي وعمليات إخراجها بطرق غير شرعية”.

وأشار محمد إلى أن “المسألة بحاجة إلى التدخل المباشر والسريع من قبل الجهات المعنية لدعم مربي الأغنام وتأمين الأعلاف لمواشيهم وبأسعار مناسبة”.

مشددا على أهمية “الحفاظ على #الثروة_الحيوانية لأنها واحدة من أهم دعائم الاقتصاد في المنطقة ولدورها الهام في دعم الأمن الغذائي فيها”.

توزيع مع وقف التنفيذ

ولم توزع مديرية الثروة الحيوانية التابعة للإدارة الذاتية سوى دفعة واحدة من العلف على المربين في المنطقة، رغم سيطرة الإدارة الذاتية على مراكز القامشلي والحسكة وعامودا وتربسبيه(القحطانية) منذ شباط/ فبراير من العام الفائت.

وكان الرئيس المشترك لدائرة الثروة الحيوانية التابعة للإدارة الذاتية في القامشلي، “محمد طاهر محمود”، قد صرح لـ(الحل نت) حينها بأن «الفساد المتفشي في فروع مراكز الأعلاف التي كانت تسيطر عليها الحكومة السورية، هو ما دفعهم لاتخاذ قرار توزيع هذه المواد على المربين في المنطقة».

وأوضح “محمود”، أن «عمليات توزيع المواد العلفية من جانب مؤسسات الحكومة كانت تجري وفق جداول سابقة تعود للعام 2010، لذا كان يتم توزيع كميات كبيرة لغير المستهدفين المعنيين من المُربين، كما أن كميات كبيرة كانت تصل إلى يد التجار».

 ولم تحصل “الحل نت” على تصريح رسمي من مسؤولي مديرية الثروة الحيوانية رغم مراجعتهم لأكثر من مرة، ولكن مصادر من المديرية قالت إنها باشرت بإجراء إحصاء شامل للثورة الحيوانية في القامشلي منذ بداية شهر كانون أول/يناير الفائت.

وأضاف المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إن المديرية ستعود إلى توزيع المواد العلفية واللقاحات الوقائية مع الأدوية العلاجية وفق حاجة كل مربي وبحسب رؤوس ماشيته بعد انتهاء الإحصاء في “مقاطعة قامشلو” خلال الفترة القادمة.

وشهدت معظم المناطق السورية كحال شمال وشرقي سوريا، منذ نهاية الأسبوع الفائت هطولات مطرية أنعشت أمال المزارعين ومربي الماشية لتفادي سنة محل جديدة، إلا أن عدم استمراريتها في الهطول خلال الأشهر القادمة لن يجدي نفعا، وفق مزارعين من المنطقة.

اقرأ أيضاً: ما قصة الدَين القديم لعائلة القذافي على بشار الأسد؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.