أثار الحديث عن اعتزام بيلاروسيا نشر ما يصل إلى 200 جندي من قواتها في سوريا للخدمة إلى جانب القوات الروسية في البلاد، وذلك وفقا لوثيقة حكومية روسية صدرت أمس الاثنين، العديد من التساؤلات حول هدف موسكو من طلب لقوات عسكرية خارجية في هذا الوقت؛ وذلك بالتزامن مع التوتر الذي تفتعله روسيا على الحدود الأوكرانية، في حين يرى مراقبون أن القوات البيلاروسية عبارة عن نسخة جديدة من “فاغنر” في سوريا.

القوة غير الناعمة

قد يمثل وصول قوة عسكرية من بيلاروسيا برعاية موسكو وبموافقة دمشق، تحولا في ميزان القوى الإقليمي، في ظل سعي حثيث من موسكو لتغليب نفوذها أكثر في سوريا وغيرها من الدول في المنطقة. هي خطوة انتقد فيها محللون وخبراء عسكريون الأهداف الروسية من جعل سوريا موطن لشبكات أمنية غير شرعية.

يقول المحلل العسكري، العقيد عبد الله حلاوة، لـ”الحل نت”، أن الحرب في سوريا كانت لحظة حاسمة بالنسبة للقوات الروسية التي جعلت من البلاد ساحة تجارب ناجحة للشرطة العسكرية أو قوات “فاغنر” التي يشرف عليها الجيش الروسي بشكل غير رسمي، إذ أطلقت موسكو العنان لهذه القوات عبر مهام واسعة النطاق.

وأشار حلاوة، والذي عمل سابقا كضابط ارتباط مع القوات الروسية إبان دخولها إلى درعا عام 2018، إلى أنه منذ بداية تدخل موسكو في أيلول/سبتمبر 2015 لحماية القاعدة العسكرية الروسية في حميميم. مع ذلك، بدأ التحول الحقيقي في كانون الأول/ديسمبر 2016، عندما تم إرسال كتائب الشرطة العسكرية إلى  حلب بعد استعادة المدينة من قبل القوات النظامية. 

ومنذ ذلك الحين، تبع كل تغيير إقليمي حاسم في سوريا نشر لقوى الشرطة العسكرية التي جلبتها موسكو من دول الاتحاد السوفيتي سابقا، كالشيشان، وجمهورية القرم، وداغستان، وحاليا بيلاروسيا، إذ كانت مهمة هذه القوات بتسيير دوريات في المنطقة مع القوات الحكومية السورية، وضبط المناطق التي لا يزال يتواجد فيها قوات معارضة للحكومة السورية، واتسع لاحقا لمرافقة الوفود الرسمية التي تزور المدن لتقديم المساعدات للأهالي.

ومع دخول شبكة “فاغنر” العسكرية، التي رافقت القوات الروسية في سوريا خلال عملياتها. يعتقد حلاوة أن روسيا اتخذت قرارا بتأهيل قوات الجمهوريات التابعة لها في مناطق النزاع التي دخلت فيها، من أجل تثبيت نجاح تجربتها وإرسالها إلى بلدان أخرى.

أما الاحتمال الآخر والذي يرجحه حلاوة، أن توسع روسيا في أفريقيا ولا سيما مالي، تطلّب منها سحب قوة “فاغنز” في المناطق التي أحكمت سلطتها عليها. ولذلك بدأت في تأهيل قوى جديدة لها في سوريا من أجل شغر المكان الذي ستتركه “فاغنر” في سوريا. كون أن “الفيلق الخامس” أثبت عدم فاعليته في الاعتماد عليه، وفق تقديره. 

للقراءة أو الاستماع: سوريون في أوكرانيا برعاية “فاغنر” الروسية 

باستثناء “فاغنر” أدوات بوتين الجديدة في سوريا

تشكلت قوة الشرطة العسكرية الروسية في عام 2011، وهي الآن تضم 20 ألف عنصر، تحت قيادة فلاديمير إيفانوفسكي، رئيس المديرية الرئيسية للشرطة العسكرية بوزارة الدفاع الروسية. وبدأ الانتشار الأول لهذه الشرطة العسكرية في سوريا في كانون الأول/ديسمبر 2016 بقوة من الشيشان. معظمهم من قوات الأمن التابعة للرئيس الشيشاني، رمضان قديروف. 

ورغم أن بعض الروايات تشير إلى أن عدد العناصر الشيشان يصل إلى 500 عنصر داخل سوريا. إلا أن قوتهم الحقيقية ربما كانت أقل من 400 عنصر. لقد شغل الشيشان مجموعة متنوعة من الأدوار، بدءا من تأمين القوافل إلى مهام توزيع المساعدات في حلب. حيث روجت موسكو لهم بأن لهم القدرة على إيجاد أرضية مشتركة مع السكان المحليين بسبب عقيدتهم الإسلامية.

وكانت الشرطة العسكرية من أنغوشيا الأداة الثانية التي اعتمد عليها بوتين في سوريا. إذ كانت القوات الأنغوشية، ظاهرة بشكل خاص في حراسة قاعدة حميميم الجوية. كما شاركت في القتال إلى جانب الجيش السوري في حي جوبر بدمشق.

وفي الوقت الحالي، ومع تسجيل موسكو نجاحها في تجربتها، تضم وحدات الشرطة العسكرية عدة عناصر مكوّنة من عدة هويات عرقيات مختلفة. بحلول شهر يوليو/تموز الفائت، كانت أربع كتائب تعمل في سوريا، بإجمالي قرابة 1200 عنصر. وتتمثل مهامهم الأساسية في توفير الأمن للمنشآت والأفراد الروس. وإقامة نقاط التفتيش ومحطات المراقبة التي تراقب “مناطق خفض التصعيد” التي يتم إنشاؤها وفقا لاتفاقية تم التوصل إليها في كازاخستان في أيار/مايو 2017 بين روسيا وإيران وتركيا.

للقراءة أو الاستماع: لأول مرة.. عائلة ضحية سوريّة تُطالب بمحاسبة عناصر «فاغنر» الروسيّة

مينسك ودمشق باتفاقية عسكرية؟

وتنص مسودة اتفاقية بين روسيا وحليفتها بيلاروسيا، بحسب ما نقلته وكالة “أسوشيتيد برس” والتي أقرها رئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستين، على أن القوات البيلاروسية ستعمل على تقديم “مساعدة إنسانية” للسكان خارج مناطق القتال، كما تنص الوثيقة، التي لم يتم التوقيع عليها بعد من قبل وزارتي الخارجية والدفاع في البلدين، على أن القوات البيلاروسية ستعمل تحت سيطرة الجيش الروسي في سوريا عند نشرها في البلاد.

ووفقا للوثيقة فإن”​بيلاروسيا​ سترسل قوات عسكرية يصل قوامها إلى 200 فرد”. والمشروع الذي عرضته ​وزارة الدفاع الروسية​ والموافق عليه من قبل الخارجية الروسية وغيرها من الجهات المعنية. والهيئات التنفيذية ​الفيدرالية​ والمحكمة العليا لروسيا الاتحادية ولجنة التحقيق التابعة الروسية. والتي عملت سابقا مع الجانب البيلاروسي. وينص على تكليف وزارتي الدفاع والخارجية الروسيتين إجراء محادثات مع الجانب البيلاروسي للتوصل إلى اتفاق. والتوقيع على اتفاقية نيابة عن الحكومة الروسية، والسماح بإجراء تعديلات غير أساسية على المسودة.

وتعليقا على هذه الأنباء، نفى الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، صحة الأخبار التي زعمت إرسال قوات بيلاروسية إلى سوريا. مدعيا بأنها مزيفة. ومؤكدا أن بلاده لم ترسل حتى الآن أي قوات إلى سوريا. كما أشار  إلى أن الحكومة السورية توجهت بطلب في وقت سابق، للمساعدة من خلال إرسال أطباء بيلاروسيين.

في حين يرى مراقبون، بأن الانتشار المخطط للقوات البيلاروسية في سوريا، يعكس طبيعة العلاقات الدفاعية الوثيقة بشكل متزايد بين البلدين الجارين والحلفاء السوفييت السابقين (موسكو ومينسك). إذ نقلت روسيا قواتها من سيبيريا إلى بيلاروسيا في الأسابيع الأخيرة، لإجراء مناورات مشتركة شاملة. كما ازداد انتشار القوات الروسية من الحشد العسكري بالقرب من أوكرانيا، مما أثار مخاوف الغرب من غزو محتمل.

للقراءة أو الاستماع: مرتزقة «فاغنر» تستحوذ على نفط سوريا بتسهيل من النظام وروسيا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.