لا تنفك الحكومة اللبنانية، عبر مختلف مسؤوليها بترديد اسطوانتها المعتادة بوجوب إعادة اللاجئين السوريين في لبنان، تحت ذريعة عودة الاستقرار في سوريا ونهاية الأعمال القتالية من جهة، وبسبب تشكيلهم ضغطا على البنية التحتية اللبنانية، والمجتمع والاقتصاد اللبنانيين، وفق التعبير الحكومي اللبناني.

من جهتها قالت دمشق في عدة مناسبات، أنها تقوم بتهيئة الأوضاع الملائمة لعودة اللاجئين والمهجرين، خاصة بعد عقدها لمؤتمر في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، برعاية روسية، من أجل عودة اللاجئين، في محاولة للبدء بعملية إعادة الإعمار التي تشكل عودة اللاجئين حجر زاوية مهم فيها.

ولكن في مقابل ذلك كله، لا تزال أعداد اللاجئين السوريين العائدين، خاصة من دول جوار سوريا قليلة جدا بالمقارنة مع الأعداد الكلية لهم، ففي لبنان يصل عددهم إلى نحو مليون لاجئ، منهم نحو 900 ألف مسجلين لدى مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وهذا ما يعطي مؤشرا على عدم قناعة غالبية اللاجئين بالعودة في ظروف غير ملائمة اقتصاديا وأمنيا.

استباق لبناني؟

وزير المهجرين اللبناني، عصام شرف الدين، بحث يوم أمس السبت، مع وزير الإدارة المحلية والبيئة في الحكومة السورية، حسين مخلوف، الإجراءات المتخذة من قبل الجانبين لتأمين عودة ميسرة وآمنة للمهجرين السوريين في لبنان، بحسب ما أفادت به تقارير صحفية.

مخلوف، أفاد بأنه أطلع الوزير اللبناني على الأعمال التي قامت بها دمشق من أجل تسهيل عودة اللاجئين والمهجرين السوريين إلى وطنهم، مضيفا أن من هذه الإجراءات هي مراسيم العفو، وتأجيل خدمة العلم لمدة ستة أشهر للعائدين، واستخراج الوثائق المفقودة لمن فقدها في دول اللجوء، وتسجيل الولادات الجديدة في سوريا، وتوفير خدمات النقل والطبابة وكل ما يلزم لإيصالها إلى مناطق إقامتهم.

من جهته، قال شرف الدين، في تصريحات للصحفيين، أن لبنان يسعى  مع سوريا إلى تعزيز التعاون لاستكمال تنفيذ الخطة الوطنية المعتمدة لدى الجانبين، للإسراع بعودة اللاجئين السوريين وتأمين حياة كريمة لهم.

وفي مقابل ذلك، يعلم الجانبان، السوري واللبناني، أن هذه الدعوات لم تثمر خلال العامين الأخيرين بشكل خاص، عن عودة أعداد كبيرة من اللاجئين، ولبنان “الرسمي”، يسعى من خلال هذه الدعوات في معظم الأوقات، إلى استجرار الدعم الدولي، بحجة تأثير اللاجئين السوريين على الاقتصاد اللبناني.

ويرى محمد حسن، مدير مركز وصول لحقوق الإنسان، خلال حديثه لموقع “الحل نت”، أن المسؤولين في لبنان يضعون تداعيات تفاقم الأزمة الاقتصادية على عاتق استضافته للاجئين السوريين، متناسيين الفشل الذريع في إدارة الأزمات التي تسببها الحكومات المتعددة السابقة، والذين هم غير قادرين على وضع خطط لانتشال لبنان من الوضع المزري في حكومتهم الحالية، وفق وصفه.

وأوضح حسن، أن لبنان ينشط في فتح قضية اللاجئين السوريين عند بدء انعقاد المؤتمرات الدولية المتعلقة بسوريا، وقريبا هناك مؤتمر بروكسل “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”، وهذا يجعل لبنان أكثر نشاطا في الضغط على اللاجئين السوريين للفت الانتباه لكوارثه، واستجرار استعطاف المجتمع الدولي لمساعدة حكومته، كما أن المساعدات الدولية هي جزء مهم يستند عليه اقتصاد لبنان منذ بدء أزمة اللجوء السورية، بحسب حسن.

إقرأ:عنصرية لبنانية جديدة ضد اللاجئين السوريين.. هذه الأسباب الحقيقية

تعويم حكومة دمشق؟

يرى العديد من المراقبين، أن لبنان يسعى في الآونة الأخيرة، إلى زيادة تطبيع العلاقات مع دمشق، على المستوى السياسي، مستغلا قضية اللاجئين السوريين، وأيضا لتعويم الحكومة السورية بعد استعادتها السيطرة على قسم واسع من الأراضي السورية.

وبحسب المراقبين، فإن زيارة الوزير شرف الدين لن تكون الأخيرة لدمشق، وسيكون هناك زيارات لاحقة أخرى، بخاصة بعدما كان وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية رمزي مشرفية، زار دمشق، في آذار /مارس، من العام الماضي، لبحث ملف عودة اللاجئين السوريين في لبنان إلى بلادهم.

وترى الكاتبة السياسية اللبنانية في موقع “إندبندنت عربية”، سوسن مهنا، خلال حديثها لموقع “الحل نت”، أن ملف اللاجئين في كل مرة يعاد فتحه، من أجل عودة تطبيع العلاقات مع سوريا، “لكن ليس له أساس دولي أو داخلي، خاصة أن روسيا صاحبة مبادرة عودة اللاجئين تخوض الآن حربا في أوكرانيا”.

وتضيف مهنا، أن أوروبا أيضا في حالة ربما لن تقدم معها أي دعم خلال الأزمة الحالية في أوكرانيا، ما سيؤدي إلى دخول ملف اللاجئين السوريين في لبنان في جارور المماطلة، أي أنه لا يوجد سوى تعويم من لبنان للحكومة السورية، متسائلة عن نفع حديث حكومة لبنانية “مفلسة” حسب تعبيرها، في هذا الملف.

ولفتت مهنا، إلى أن هناك منظمات دولية وأهلية في لبنان، تعنى بأوضاع اللاجئين السوريين، كما أن اللاجئين، يعيش معظمهم بين الأهالي في لبنان، ولا يقتصر وجودهم على المخيمات، في إشارة منها إلى الاندماج بين السوريين واللبنانيين.

قد يهمك:مراقبة اللاجئين والمهاجرين السوريين: لماذا يسعى حزب الله إلى إنشاء ملفات أمنية للمغتربين؟

مخاطر عودة اللاجئين السوريين

هناك العديد من العوامل التي تعتبر أسبابا، تمنع معظم اللاجئين السوريين في لبنان من العودة، فالعامل الأمني لا يزال العامل الأقوى وله التأثير الأكبر في اتخاذ قرار العودة من عدمه، فأجهزة دمشق الأمنية تعتبر أن غالبية من غادروا البلاد من المعارضين، وبالتالي لا بد من التحقيق مع قسم ممن يعود منهم، كما يمكن أن تحصل عمليات اعتقال واختفاء وقتل تحت التعذيب.

وبالإضافة إلى ذلك، هناك الخدمة العسكرية الإلزامية التي تنتظر العائدين، حتى وإن حصلوا على تأجيل أولي لمدة 6 أشهر، كما أن الوضع الاقتصادي والبنية التحتية المدمرة، وعدم وجود فرص عمل وانهيار الاقتصاد بشكل عام من أهم الأسباب التي تمنع اللاجئين من العودة.

وقد أشار تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” تحت عنوان “حياة أشبه بالموت”، والذي يتحدث عن عودة اللاجئين السوريين من الأردن ولبنان، والصادر في تشرين الأول/أكتوبر 2021، إلى أن اللاجئين السوريين الذين عادوا من الأردن ولبنان بين عامي 2017، و2021 “تعرضوا لانتهاكات حقوقية جسيمة واضطهاد من الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها، مثل التعذيب، والقتل خارج نطاق القانون، والاختفاء القسري”.

وأضاف التقرير أنه “لا تزال السلامة والأمن في سوريا في طليعة المخاوف بالنسبة إلى اللاجئين عند اتخاذ قرار العودة إلى ديارهم. وحتى الذين يقررون العودة هم غالبا يفعلون ذلك تحت ضغط شديد، وفي الأردن، تسبب الانكماش الاقتصادي وتدابير الإغلاق الصارمة في تقويض سُبل عيش آلاف اللاجئين السوريين، اللاجئون الذين يقررون العودة إلى سوريا، ليس لديهم في الغالب سوى معلومات محدودة عن الأوضاع داخل البلاد”.

إقرأ:ضمن خطة لترحيلهم.. لبنان يُنظم ملف اللاجئين السورييّن ويُحصي أعدادهم

العديد من العوائق، تمنع اللاجئين السوريين في لبنان من العودة، فشبح الاعتقال يطارد معظم العائدين، إضافة للمستوى الكبير من الفقر الذي وصل له السوريون داخل سوريا، ومن جهة ثانية، فلا يمكن للبنان أن يقوم بإعادة قسرية للاجئين السوريين، ففي ذلك مخالفة صريحة، لاتفاقية مناهضة التعذيب، والقانون الدولي العرفي، والقانون الدولي الإنساني، وحتى اتفاقية 1951 الخاصة باللاجئين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.