ازدادت الاستثمارات السورية في الأردن في الفترة الأخيرة. ورجحت مصادر اقتصادية أن يستقطب الأردن كبار أصحاب رؤوس الأموال السوريين، وذلك على أثر التسهيلات، التي أعلنت عنها وزارة الاستثمار الأردنية، حول الدخول والزيارة والإقامة للمستثمرين ورجال الأعمال.

وأرجعت المصادر توقعاتها إلى أن من شأن هذه التسهيلات جعل الأردن منصة للتواصل التجاري بين المستثمرين السوريين والعرب، وتحديدا أصحاب الشركات الخليجية، الذين يخشون دخول الأراضي السورية، بسبب العقبات التي يضعها قانون قيصر الأميركي على كل من يفكر بالاستثمار في مناطق سيطرة حكومة دمشق.

وكانت الحكومة الأردنية قد أعلنت مؤخرا عن حزمة تسهيلات للاستثمارات السورية للأردن، وخاصة للمستثمرين الحاملين للسجل التجاري من الدرجتين الممتازة والأولى. إذ طلبت وزارة الاستثمار الأردنية من سفارتها في دمشق التواصل مع غرف الصناعة والتجارة السورية، لتزويدها بأسماء المستثمرين السوريين، للسماح لهم بدخول الأراضي الأردنية، والإقامة فيها لمدة عام كامل.

ووجه القرار إلى زيادة مدة التأشيرة للمستثمرين ورجال الأعمال، لتصبح خمس سنوات، ومنح الحاصلين عليها إقامة مؤقتة، تصل إلى ثلاثة أشهر.

ورغم كل هذه التسهيلات للاستثمارات السورية في الأردن، إلا أن حكومة دمشق انتقدت القرار الأردني، واصفة إياه بأنه “غير كاف”، مرجعة ذلك إلى أن “التسهيلات لا تشمل تجار الدرجة الثانية والثالثة والرابعة”.

وطالب محمد خطاب، نائب رئيس غرفة تجارة دمشق، الأردن بـ”تعديل القرار، حتى يشمل جميع التجار، بكل درجات تصنيفهم التجاري، ليكون مؤثرا في العمل التجاري بين البلدين”.

في المقابل اعتبر عماد القباني، عضو مكتب غرفة تجارة دمشق، أن القرار الأردني “فكرة جيدة، وبادرة حسن نية تؤسس للتعاون بين البلدين”. مستدركا: “إلا أن طلب الأردن منا تزويده بالمعلومات والداتا عن المستثمرين والتجار لا يعد طلبا منطقيا”.

الاستثمارات السورية في الأردن والتوتر على الحدود

ويسعى الأردن، شأنه شأن بقية دول العالم، إلى استقطاب المزيد من الاستثمارات الخارجية، وخصوصا مع زيادة المخاوف الاقتصادية العالمية، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

وأكد صندوق النقد الدولي، في بيان له، إن “السياسات السليمة، التي رسمها الأردن، ساعدت في الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي في البلاد، على الرغم من الظروف العصيبة التي ترتبت على جائحة كورونا”. متوقعا أن “يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للأردن بنسبة تقارب 2.4 بالمئة في العام الحالي”.

ويعد الأردن من الدول الجاذبة للاستثمارات الخارجية، ويساعده في ذلك الاستقرار السياسي الذي يشهده، والقوانين التي تحمي المستثمرين الأجانب. لكن ما يبدو غير مفهوم تزامن تقديم التسهيلات مع الاتهامات الأردنية الرسمية لقوات حكومة دمشق بدعم مهربي المخدرات عبر الحدود.

وفي هذا الإطار، يرى الباحث والخبير الاقتصادي د.محمد حاج بكري أن “الأردن أراد بهذه التسهيلات أن يعطي المصداقية للتعاملات التجارية مع دمشق، في الوقت الذي يعاني فيه من محاولات تهريب المخدرات”.

مضيفا لـ”الحل نت” أن “الحكومة الأردنية تريد التأكيد على جديتها في موضوع الانفتاح الاقتصادي على الاستثمارات السورية في الأردن، وخصوصا أنها تعيش ضائقة مالية، ما يعني أنها عازمة على الاستفادة من التجارة مع سوريا، رغم التداعيات السلبية للتوتر على الحدود السورية الأردنية، عبر محاولة زيادة التعاملات التجارية الشرعية، والقضاء على التهريب”.

هل ينجح الأردن باستقطاب المستثمرين السوريين؟

د.عبد الحكيم المصري، وزير المالية والاقتصاد في الحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة السورية، يرفع من سقف توقعاته بنجاح مساعي زيادة الاستثمارات السورية في الأردن، وقدرة الحكومة الأردنية على استقطاب المستثمرين السوريين.

ويرجع تفاؤله إلى “عدم توفر البيئة المناسبة لممارسة العمل التجاري في مناطق سيطرة النظام، وغياب الشعور بالاستقرار لدى أصحاب الفعاليات التجارية”.

ويضيف المصري، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “المستثمرين السوريين يعانون من تأمين المواد الأولية المستوردة، والفروق في سعر صرف الدولار بين السوق السوداء ومصرف سوريا المركزي”. مؤكدا أن “حظوظ الأردن كبيرة في دفع هؤلاء المستثمرين للعمل على أراضيها، وخصوصا أنها تعد من أكثر الدول المجاورة لسوريا استقرارا”.

ويوضح المصري أنه “رغم التسهيلات التي قدمها لبنان والعراق للاستثمارات السورية، إلا أن هشاشة حضور الدولة في هذين البلدين لا تشجع المستثمرين السوريين على دخولهما، بخلاف الأردن، الذي ينعم بالاستقرار السياسي”. مشيرا كذلك إلى “قرب الأراضي الأردنية من دمشق، التي يتركز فيها العدد الأكبر من المستثمرين السوريين”.

مقالات قد تهمك: التطبيع مع حكومة دمشق: هل يؤدي التوتر مع الأردن إلى إنهاء مساعي إعادة تعويم الأسد؟

عراقيل حكومة دمشق

لكن الوزير في الحكومة المؤقتة يتحدث عن “احتمالية وضع عراقيل لمنع هجرة رؤوس الأموال، ووصول الاستثمارات السورية إلى الأردن”. مؤكدا: “لن يسمح النظام بانتقال ما تبقى من رؤوس الأموال بمناطق سيطرته إلى الأردن وغيرها بهذه السهولة”.

ويتابع المصري: “بذلك، لم يبق أمام هؤلاء إلا تهريب أموالهم نحو الأردن، وهو الخيار الأكثر احتمالية، نظرا للفوضى السائدة بمناطق سيطرة النظام”.

في المقابل، قال محمود المفتي، أمين سر القطاع الكيميائي في غرفة صناعة دمشق وريفها، إن “التسهيلات الأردنية للاستثمارات السورية إيجابية، على عكس ما يظن البعض، لإعطائها الأريحية للصناعي والتاجر في دراسة الأسواق، وتأمين المواد الأولية بشكل أسهل، والشحن عبر ميناء العقبة، وكسر الحصار المفروض على سوريا بشكل غير مباشر، لعدم وجود عقوبات على الموانئ الأردنية”.

وأضاف أن “الصناعي السوري، تبعا للقرار، لن يفك معمله وآلاته ويأخذها إلى عمان أو بيروت، لأن جذوره في بلده، وعلى المتخوفين من هجرة رؤوس الأموال أن يفكروا بالمزايا، أي جذب الزبائن، ووجود فرص تصديرية، من خلال مقابلة رجال الأعمال العرب من الخليج وليبيا، المتواجدين في الأردن أكثر من سوريا، وعقد الصفقات معهم”.

ويرتبط الأردن وسوريا بمعبرين حدوديين رئيسيين، هما الرمثا/الجمرك القديم، وجابر/نصيب. وفي آب/أغسطس 2020، أغلق الأردن معبر نصيب، بسبب ارتفاع إصابات كورونا المسجلة على الحدود، وأعاد تشغيله بشكل كامل في أيلول/سبتمبر2021.

ولم يقطع الأردن علاقته بحكومة دمشق، لكن العلاقة بين الجانبين تراجعت إلى الحدود الدنيا خلال السنوات الماضية، حتى تشرين الأول/أكتوبر 2021، عندما تلقى الملك الأردني عبد الله الثاني اتصالا هاتفيا من الرئيس السوري بشار الأسد. إلا أن العلاقات عادت للتدهور مؤخرا، بعد تصاعد عمليات تهريب المخدرات من الجنوب السوري إلى الأردن. ويتهم مسؤولون أوردنيون الميلشيات والعصابات الموالية لإيران وحكومة دمشق بتنظيم عمليات التهريب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة