النشاطات الاقتصادية غير المشروعة، أحد أنواع الاقتصاد المعروفة في سوريا مما قبل العام 2011، حيث كان يشكل 42بالمئة من إجمالي الناتج المحلي حيث يلجأ العديد من أصحاب الفعاليات المالية والتجارية إليها، للتهرب الضريبي أو لإخفاء عمليات مخالفة للقانون وحتى الأخلاق، ولكنها زادت خلال السنوات الأخيرة لتصبح سمة رئيسية للاقتصاد في سوريا.

اقتصاد الظل

هو كل نشاط اقتصادي غير قانوني، سواء كان يمس مسائل مشروعة من الناحية الأخلاقية والنظامية العامة أو غير مشروعة، أي مجمل الأنشطة التي لا تتم تحت مظلة القانون وشفافيته.

وتصنف “جمعية العلوم الاقتصادية السورية” اقتصاد الظل ضمن نوعين، الأول نشاط قانوني لكنه غير مرخص، ويُعرف باسم “الاقتصاد غير الرسمي”، إذ لا يخضع للرقابة الحكومية ولا تدخل مدخلاته ومخرجاته في الحسابات القومية، أما الثاني نشاط غير قانوني يُعرف بـ “اقتصاد الجريمة” أو “الاقتصاد الأسود”، وتندرج ضمنه الأعمال المتعلقة بالأسلحة والمخدرات وسرقة الآثار والمتاجرة بالبشر.

وبحسب الجمعية، فإن أسباب انتشار اقتصاد الظل إلى عوامل عدة، أبرزها تراجع دور الدولة والقوانين المختصة، انخفاض دخل الفرد وارتفاع معدل الإعالة، عدم قدرة الاقتصاد الوطني على خلق فرص عمل للقادمين إلى سوق العمل، ندرة السلع وانتشار السوق السوداء، عدم مرونة التشريعات الاقتصادية، وغيرها.

إقرأ:الاقتصاد الأسود.. سوريا بلد الكبتاغون

اقتصاد مستمر ولا دراسات

بحسب متابعة “الحل نت”، يواصل اقتصاد الظل في سوريا تمدده خلال السنوات الأخيرة، في ظل الأزمات الاقتصادية المتفاقمة واتجاه الكثير من السوريين إلى سياسة “النجاة الفردية” بحثا عن أي فرصة لتحقيق دخل يكفي أدنى متطلبات الحياة.

تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الخميس، نقل عن الباحثة الاقتصادية، رشا سيروب، أنه لا توجد دراسات حول اقتصاد الظل، وحتى بالنسبة للتقديرات فإن هامش الخطأ فيها كبير لعدة أسباب، أّولها عدم دقة الرقم الإحصائي للبيانات الرسمية المعلنة، وعدم توافر العديد من الأرقام الإحصائية التي تخدم التقدير، إضافةً إلى صعوبات التقدير الناتجة عن تشابك وتداخل أنشطة القطاع الرسمي مع غير الرسمي، موضحة أن معظم من يعمل في القطاع الرسمي يعمل أيضا في اقتصاد الظل من أجل تحسين الدخل، كذلك فإن معظم قطاعات الأعمال الرسمية لديها قسم كبير من أنشطتها غير مصرح بها، وتدخل ضمن اقتصاد الظل وذلك لغايات ضريبية، مضيفة أنه “حتى إن عامليها المسجلين في التأمينات الاجتماعية، فإن الجزء الآخر من راتبهم غير المقيد في السجلات الرسمية يندرج تحت اقتصاد الظل أيضا”.

وأضافت سيروب، أن العديد من التقديرات المبنية لاقتصاد الظل، مبنية على المشاهدة وليس على أساسٍ علمي، تتفق معظمها رغم اختلافها على أن اقتصاد الظل في سوريا في حالة تورم مزمن ومستمر، وأن القوة العاملة التي تغذيه هي شريحة الشباب، وذلك يعود إلى ارتفاع معدلات البطالة، التي تجاوزت 60 بالمئة لدى هذه الفئة، وبالمقارنة بين متوسط دخل الفرد ومتوسط الإنفاق يمكن القول إن حجم اقتصاد الظل يتجاوز 100 بالمئة.

قد يهمك:السوق السوداء تبتلع 90 بالمئة من الاقتصاد في سوريا

أسبابه وعلاقته بأمراء الحرب

بحسب “الوطن”، ترى سيروب أن أسباب انتشار اقتصاد الظل في سوريا كثيرة ولا يمكن حصرها، لكن يمكن ترتيبها وفق الأكثر مساهمة في خلق هذا النشاط المخفي، أهمها الإجراءات المعقدة وغير الواضحة، والتهرب من الواجبات المالية أي ضريبة الدخل، إضافة إلى انخفاض مستوى الدخل مقارنة مع مستوى المعيشة، مشيرة إلى أنه على الرغم من مساهمة اقتصاد الظل في توفير فرص عمل وتحسين مستوى الدخل وحفاظ بعض الأسر على وضعها فوق خط الفقر، وتوفير بعض السلع والخدمات في السوق، غير أنه يبقى حالة غير صحية للاقتصاد والمجتمع على المدى الطويل، حيث إن جميع العاملين فيه يعملون في بيئة عمل لا تتمتع بشروط السلامة الصحيّة والمهنيّة، ويفتقدون حقوقهم في الضمان الصحي والتأمينات الاجتماعية.

ولفتت سيروب، إلى أن انتشار هذا القطاع يعني مزيدا من العجز في الموارد العامة للدولة، وهذا ينعكس لاحقا على جودة الخدمات العامة المقدمة وعلى حُسن رسم السياسات، مبينة أن لاقتصاد الظل نوعا آخر ذا طبيعة إجرامية مؤذية للاقتصاد والمجتمع، مثل تجارة السلاح والآثار والتجارة بالأعضاء البشرية والمضاربة على العملة وغيرها، والتي تعتبر من أكثر الأنشطة المدرة للأرباح، بل كانت السبب الرئيسي لبروز أمراء الحرب، يضاف إليهم تجار الأزمات الذين احتكروا بعض السلع، وتاجروا بها (مثل تجار المواد الغذائية).

كما أشارت سيروب، إلى عدم قدرة الحكومة على ضبط النشاط الاقتصادي وتهربها من واجباتها تجاه المواطنين، بسبب شرعنتها انتشار هذه الأنشطة بذريعة الحرب، وتحسين مستوى المعيشة لمن يستطع تأمين فرصة له في هذا القطاع، وذلك وفق مبدأ غض النظر.

وطالبت بتنفيذ عقوبات صارمة من خلال قضاء نزيه ومستقل، على أنشطة اقتصاد الظل غير المشروعة قانونا كالأنشطة الجرمية والتهرب الضريبي والتي لها أباطرتها، لأن حجم المداخيل النقدية المتأتية منها أكبر بكثير من تكاليف العقوبات، مما يبقيها على استعداد للمخاطرة في هذه الأعمال.

إقرأ:28 مليار ليرة أرباح شركات التأمين في سوريا خلال عام

اقتصاد رديف؟

صحيفة “الوطن”، نقلت عن الخبير الاقتصادي، علي محمد، أن اقتصاد الظل ليس بالضرورة أن يكون سيئا وإنما هو اقتصاد رديف للاقتصاد الرسمي، وخاصة أن البلدان النامية ومن ضمنها سوريا يطغى فيها اقتصاد الظل على الاقتصاد الرسمي، حيث إنه يرفد الناتج المحلي بأرقام إنتاج مهمة ويؤمن فرص عمل لا يمكن للاقتصاد الرسمي تأمينها، مشيرا إلى أن الإحصائيات المتداولة تقول إن اقتصاد الظل يسيطر على 60-70 بالمئة من مجمل الاقتصاد الرسمي، فهذا يعني الحديث عن قطاعات كبيرة جدا تعمل ضمن إطار هذا الاقتصاد بمعزل عن الاقتصاد الرسمي.

ولفت علي محمد، إلى أن لهذا الاقتصاد عيوبه أيضا فهو موجود بعشوائية مفرطة إذ إن بعض الأنشطة تنتشر بشكل كبير في قطاعات معينة على حساب قطاعات أخرى، باعتبار أنه لا توجد رؤى حكومية معينة لتوزعها، فمن الممكن أن تكون أنشطة هذا الاقتصاد منتشرة بكثرة في القطاعات الخدمية، والتجارية في الوقت الذي تعد القطاعات الصناعية والزراعية أهم للاقتصاد السوري في الوقت الحالي.

وبيّن محمد، أن الأسباب لانتشار اقتصاد الظل في سوريا بهذا الشكل الكبير متعددة، أولها البيئة الاستثمارية غير الواضحة والفعالة والسياسات الاستثمارية والقرارات الخاصة بها، التي لم يدركها الشارع بشكلها الصحيح ولم يتقبلها، معتبرا أن الجهات الحكومية قد تكون مقصرة في هذا الإطار.

قد يهمك:أسعار العقارات في دمشق أغلى من لندن.. ما القصة؟

شركات الواجهة

تقرير سابق لـ”الحل نت”، أوضح انتشار ما يعرف بـ”شركات الواجهة” في سوريا، أو ما تعرف بالشركات الهيكلية، وتعتبر أحد أبرز الأساليب التي يتم اللجوء إليها للالتفاف على القوانين الاقتصادية، وهي شركات يتم استخدامها من قبل شركات أو أفراد، لتكون واجهة لأغراض قد تكون مشروعة، أو غير مشروعة لتكون ستارا لبعض الجرائم الدولية، حسب البنك الدولي.

حيث تقوم هذه الشركات بتقديم بيانات غير حقيقية، تهدف إلى الالتفاف على القوانين والقواعد التي تسعى إلى الحد من الفساد والتهرب الضريبي، وتغطية أعمال أخرى.

وتُستخدم هذه الشركات في سوريا لأغراض مختلفة، منها ما هو اقتصادي، ومنها ما هو أمني، ولكن بطرق مخالفة للقانون، حيث بات معظم رجال الأعمال المرتبطين بالحكومة السورية، يلجأوون لهذا الأسلوب لتفادي العقوبات الأميركية والأوروبية، من خلال ترخيص شركات جديدة في الداخل السوري، تهدف إلى وضع العقبات في عملية تتبع ملكية الشركات التي ترتبط بداعمي حكومة دمشق، وذلك من خلال أسلوب شراء الأسهم والحصص في أنواع مختلفة من الشركات، أو تكون شريكة في تأسيس بعض الشركات وإداراتها.

قد يهمك:سوريا.. التأمينات تنذر 5 آلاف صاحب عمل و830 قرار حجز احتياطي!

من الجدير بالذكر، أنه لا يمكن تحديد ماهية الأنشطة التي تنضوي تحت مسمى اقتصاد الظل في سورية لعدم وجود إحصائيات رسمية، كما لا يمكن حصر شركات الواجهة على وجه الدقة، وكلا الاقتصادين يعتمد عليهما المقربون من الحكومة خاصة في المشاريع الكبيرة للتهرب من الضرائب ومن العقوبات المفروضة على سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.