يُطلق اقتصاد “الظّل” أو الاقتصاد السري أو غير الرسمي أو الموازي على السوق السوداء، التي تنشط في العديد من البلدان التي تشهد اضطرابا ومن ضمنها سوريا، إذ لا يشمل اقتصاد “الظل” الأنشطة غير القانونية فحسب، بل يشمل أيضا الدخل غير المبلغ عنه من إنتاج السلع والخدمات القانونية، سواء من المعاملات النقدية أو معاملات المقايضة.

تمدد بشكل مخيف

يعتمد تمويل الاستثمار في المقام الأول على موارد الحكومة المحلية والخاصة، وثانيا على الموارد الخارجية، وبغض النظر عن مصدر التمويل الاستثماري، يواجه الاقتصاد السوري مشكلة خطيرة ومزمنة من اقتصاد “الظل”، تشمل جميع الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة، كما يشمل اقتصاد الظل العديد من الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة مثل التهريب، والتهرب الضريبي والإهدار المالي والعديد من الأنشطة الأخرى.

ووفقا لتحليل الاقتصادي، ماجد الحمصي، فإن “السوق السوداء”، كما يفضل أن يطلق عليها البعض، تسيطر تقليديا على المشهد السوري، و”نرى أن الأفراد غالبا ما يختارون أقصر الطرق، حتى وإن كان ذلك ينطوي على الانخراط في قضايا أخرى، لأن هذه الظواهر تنمو مع تزايد الصعوبة، والتعقيد المطلوبين للمشاركة في الاقتصاد الرسمي”.

وبحسب حديث الحمصي، لـ”الحل نت”، فإن كل من يشارك في السوق السوداء في سوريا، أيّا كان نوعها، ليس دائما شخصا مشتبها به أو غير صادق، وعوضا عن ذلك، يمكن أن يكون أحيانا رب العائلة يبحث عن مصدر آخر للدخل، بعد توالي الأزمات في البلاد، مما يجعله في نفس الصف مع تجار الأزمة.

وعلى أي حال فإن التقارير غير الرسمية تفيد باستفحال السوق السوداء في سوريا، لتبلع نحو 90 بالمئة من الاقتصاد، في حين تبلغ النسبة رسميا أكثر من 40 بالمئة.

الدولة أحد أسباب الانتشار

سابقا، وبحسب مصادر رسمية، فقد تسبب الهدر في الاقتصاد السوري في خسارة ما يقارب 40 بالمئة من إجمالي الناتج عام 2002، والتي كانت تقدر بنحو 21.9 مليار دولار في ذلك الوقت، كان الدولار يساوي 45 ليرة سورية، وهذا يعني أنه من أجل السيطرة على الهدر الاقتصادي فقط، كان من الممكن تأمين موارد مالية كافية لتقصير الفترة المستهدفة للخطة الخمسية العاشرة للبلاد بمقدار النصف تقريبا.

ويشير الحمصي، إلى أن القطاع الخاص الذي تشكل أنشطته الاقتصادية حوالي 60 بالمئة من إجمالي النشاط الاقتصادي في الدولة، بنسبة 15 بالمئة فقط من إجمالي ضريبة الدخل في البلاد، إذ لا تقل تكاليف التهرب الضريبي عن 50 مليار ليرة سورية في السنة، وهي تشمل شرائح ضريبية مختلفة ومتنوعة، “على سبيل المثال، عدم وجود توثيق للوكالات الأجنبية، التي تستورد حوالي 185 مليار ليرة سورية سنويا، يتضح أن خسائر خزينة الدولة من هذا النوع وحده تصل إلى أكثر من 6 مليارات ليرة سورية.

وطبقا لحديث الخبير الاقتصادي، فتشير تقارير مصرفية دولية إلى أن اقتصاد الظل في سوريا يتسبب في خسارة ما بين 20 إلى 40 بالمئة من الناتج المحلي غير المضاف، من خلال طرق التهريب أو الرشاوي أو العمولات من أجل الحصول على مكاسب أو عطاءات أو بيع خاص لمؤسسات الدولة .

وتعتبر الجمعية السورية المتخصصة وغير الحكومية، أن أسباب انتشار اقتصاد الظل تعود بالأصل إلى عوامل عدة، أبرزها تراجع دور الدولة والقوانين المختصة، ثم انخفاض دخل الفرد وارتفاع معدل الإعالة، وعدم قدرة الاقتصاد الوطني على خلق فرص عمل للقادمين إلى سوق العمل، وندرة السلع وعدم مرونة التشريعات الاقتصادية، وغيرها.

سوريا أرض خصبة للسوق السوداء

منذ عام 2005، اختارت سوريا التحول من نموذج التخطيط المركزي إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، القائم على سياسة الانفتاح والمرونة لآليات القطاع الخاص، والتشجيع على الاستثمار في الأنشطة الاقتصادية. وبسبب هذه المرحلة الانتقالية، ازدادت ظاهرة اقتصاد الظل والسوق السوداء سوءا، واخترقت الشبكات الرسمية وغير الرسمية نتيجة ضعف أنظمة الرقابة والمساءلة والحماية، والإمكانيات المحدودة للاقتصاد الكلي السابق، ونقص الخبرة في العمل في مجالات الاستثمار والتوظيف والمالية العامة.

وساعدت هذه الفجوة على ظهور الأزمة الحالية التي تعكس الإحباط ،والاستياء الشعبيين من تنامي الجماعات الانتهازية التي استفادت من فجوات تراكم الثروة من مختلف المصادر.

ويؤكد اقتصاديون، أن هذا الاقتصاد غير الشرعي أو غير المنظم بات واقعا بسوريا، يراه ويعرفه المسؤولون ويرون إنتاجه بالأسواق، لكن غض النظر عنه يعود لأسباب كثيرة.

فمن أسباب التغاضي عن السوق السوداء واقتصاد الظل في سوريا، “امتصاص جزء كبير من البطالة وتأمين معظم احتياجات السوق، إضافة إلى دور اقتصاد الظل الأسود بغسيل الأموال والتهرب من الرقابة الدولية، وذلك يخدم الكثير من المسؤولين الفاسدين في الحكومة”.

يقول الاقتصادي السوري، “محمود حسين”، حسب ما نقله موقع “الليرة اليوم”، إن انسحاب الحكومة السورية، خصوصا بعد عام 2011، من تأمين المواد الأولية والمحروقات، بالتوازي مع تفشي الإتاوات وارتفاع الضرائب، ساهم باتساع هذا القطاع غير المنظّم.

والجدير ذكره، أنه مع ارتفاع الأسعار وندرة المواد الغذائية في الأسواق السورية، ظهرت خلال الأشهر الماضية سوق سوداء لبعض المواد الأساسية مثل السكر والزيت وغيرها، ومع كل فقدان للمادة يضطر الأهالي للاتجاه للسوق السوداء للحصول على المواد بأسعار مرتفعة ومخالفة، وذلك تزامنا مع تقييد حكومة دمشق لعمليات استيراد هذه المواد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.