في مسلسل ارتفاع أسعار السلع في سوريا، من أجرة التاكسي إلى أسعار معظم السلع الغذائية والخضروات واللحوم بشكل غير مسبوق، تنضم الأسمدة إلى قائمة الارتفاع، إذ ارتفعت التسعيرة بنحو 90 بالمئة، حيث تجاوز سعر طن سماد اليوريا، وفق التسعيرة الجديدة 2.4 مليون ليرة سورية، بعد أن كان بحدود 1.3 مليون ليرة، وتأتي هذه الزيادات في الأسعار نتيجة لقرار حكومي غير مدروس، حيث تم رفع سعر البنزين المدعوم بنسبة 130 بالمئة، بالإضافة إلى تهاوي الليرة السورية أمام القطع الأجنبي، خلال الأيام الماضية.

تضاعف أكثر من 600 ضعف

مصدر في قطاع الزراعة كشف عن رفع جديد لأسعار الأسمدة ليتجاوز سعر طن سماد اليوريا وفق التسعيرة الجديدة 2.4 مليون ليرة، بعد أن كان بحدود 1.3 مليون ليرة وبذلك يكون ارتفع سعر الطن أكثر من مليون ليرة، وأن معظم التبريرات حول رفع أسعار الأسمدة سببها ارتفاع قيم تأمين وشراء هذه المادة، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الأربعاء.

وبحسب التقرير المحلي، فإنه في حال مقارنة هذا السعر الجديد لطن سماد اليوريا 2.4 مليون ليرة، مع مبيعه في عام 2011 يكون مبيع الطن من اليوريا تضاعف أكثر من 600 ضعف، حيث كان مبيع طن اليوريا مع بداية عام 2011 نحو 4 آلاف ليرة.

ويتزامن قرار رفع سعر الأسمدة مع نقص حاد في توافر المادة، الأمر الذي خلق ظاهرة متاجرة وسوقا سوداء اختلط فيها الحابل بالنابل، ولم يعد معظم المزارعين يفهمون ما يحدث أو كيفية تأمين التمويل لشراء احتياجاتهم من الأسمدة، وكل ذلك بالتوازي مع ظاهرة الأسمدة غير الفعالة (المغشوشة)، والتي لا تعترف وزارة الزراعة بوجودها، أو ربما تتغافل عنها.

من جانبه، نفى مدير الأراضي والمياه في وزارة الزراعة، جلال غزالة، ما تحدّث به الكثير من الفلاحين عن نقص المادة الفعالة في إحدى (ماركات) الأسمدة، المرخصة لها المبيع في السوق المحلية.

بدوره، مدير الأراضي والمياه اعترف أن هناك كميات معينة من الأسمدة، وزعت في السوق المحلية لشركات غير مرخص لها بالعمل وحملت أسماء وعلامات تجارية مزورة، وتم التعامل مع هذه الظاهرة وإغلاق معملين وختمهما بالشمع الأحمر، على حد قوله للصحيفة المحلية.

قد يهمك: تضاعف أسعار السماد في سوريا.. القمح والخضار بانتظار ارتفاع الأسعار

قرارات تساهم بانخفاض الإنتاجية

في المقابل، أفاد بعض أعضاء المكتب التنفيذي في اتحاد الفلاحين بحكومة دمشق، أنه لم يتم إعلامهم بأي تعديل لأسعار مادة الأسمدة وأنهم سيعارضون أي تعديل، أو رفع لسعر مادة السماد لما له من أثر سلبي على الإنتاج الزراعي، وخاصة المحاصيل الاستراتيجية التي تمثل الأسمدة فيها عاملا مهما وخاصة محصول القمح، وعدم قدرة الفلاح على مجاراة أي رفع جديد للأسعار.

واعتبر اتحاد الفلاحين، أن مثل هذه الإجراءات في حال صدورها تسهم حكما في انخفاض الإنتاجية للمساحات المزروعة، وهو بخلاف التوجه الحكومي المعلن بالتوسع في الزراعة، وخاصة محصول القمح وتحقيق أكبر قدر ممكن من الإنتاج لتأمين الاحتياجات المحلية، والتخفيف من فاتورة المستوردات واستنزاف القطع الأجنبي.

وكل ذلك على التوازي مع انسحاب الحكومة السورية من دعم مبيع هذه المادة للفلاحين رغم أهميتها، وضرورتها لتحسين معدلات الإنتاج والحفاظ على الفلاح، وعدم تركه عرضة للعجز عن التمويل ومغادرة أرضه، والانزياح نحو مهن، وأعمال أخرى.

عجز في تأمين الأسمدة

في سياق التصريحات الحكومية حول أسباب تراجع القطاع الزراعي، والعجز عن تأمين الأسمدة، قال وزير الزراعة، محمد حسان قطنا، منتصف الشهر الفائت، خلال زيارته لمحافظة درعا، أن الحكومة لا تستطيع تأمين الأسمدة حاليا ضمن الظروف الحالية، محاولا استخدام العقوبات كذريعة جديدة لإخفاء عجز حكومة دمشق عن تأمين مستلزمات مواطنيها، لاسيما في مجال الزراعة، بحسب موقع “سناك سوري” المحلي.

وأوضح قطنا، في حديثه السابق، أن الحكومة لن تستطيع الالتزام بتأمين الأسمدة، عدا الفوسفاتية منها، والتي تتيحها للجميع ولكل أنواع الأشجار المثمرة والمحاصيل والخضار، مضيفا حول الأسمدة الآزوتية، أن الحكومة لن تتمكن من تأمينها إلا لمحصول القمح، مبينا في الوقت نفسه أنه لم يتم تأمين الأسمدة حتى الآن، وأنه في حال استمرار ذلك، فإن الفلاح سيقوم بتأمين حاجته من السوق السوداء.

هذا وبعد ندرة الأسمدة في السوق السورية، واعتراف الحكومة بعدم قدرتها على توفير المادة للمزارعين، ظهرت المادة مرة أخرى في الأسواق حاليا ولكن بسعر مضاعف وأكثر. لذا فمن الواضح أنها لعبة واستغلال واضح لجيوب الفلاحين من قِبل التجار وبتقاعس مع الجهات المعنية في الحكومة بدمشق.

وبحسب متابعة “الحل نت”، فإن ندرة الأسمدة من بين أبرز التحديات، التي تقف أمام الزراعة، وتنمية القطاع الزراعي في سوريا الذي تضرر من الجفاف وتداعيات حرب، فمن جهة لا تملك مصانع القطاع العام القدرة على إنتاج الكميات اللازمة من هذه المادة، وأيضا المصانع الخاصة باتت غير قادرة على تلبية السوق المحلية من الأسمدة.

وحول احتياجات بعض المزروعات من أنواع محددة من السماد، أظهرت بيانات وزارة الزراعة السورية، خلال العام الماضي 2021، أن الاحتياج الفعلي لمحاصيل القمح والقطن، والشوندر السكري والتبغ في الظروف الاستثنائية من مادة اليوريا يبلغ 300 ألف طن، ومن الفوسفات الممتاز، في حين أن ما توفر في المصرف الزراعي التعاوني من سماد اليوريا بلغ 29.5 ألف طن فقط، ومن الفوسفات الممتاز نحو 38 ألف طن، وهي كمية قليلة للغاية.

تداعيات ارتفاع أسعار الأسمدة

بحسب شبكة “بي بي سي”، كانت شركات الأسمدة العالمية أصدرت تحذيرات من أن الحرب الروسية في أوكرانيا ستحدث صدمة في الإمدادات العالمية من الغذاء، إثر ارتفاع أسعار الأسمدة وسط مخاوف من تأثر الإمدادات.

وتعد روسيا من أهم الدول المصدرة للأسمدة عالميا، بينما تساهم أيضا بنسبة كبيرة من المغذيات الضرورية للتربة في الأسواق العالمية، كما أنها ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي، الذي يلعب دورا كبيرا في إنتاج الأسمدة الكيماوية، بحسب تقارير صحفية.

كانت حكومة دمشق وقّعت عقدا مع شركة “ستروي ترانس غاز” الروسية، التي تملك حصة في الشركة العامة للأسمدة، في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، يقضي باستثمار شركة الأسمدة ومعاملها الثلاثة مدة 40 عاما قابلة للتجديد.

ومنذ توقيع العقد، سادت مخاوف من أن تساهم روسيا، في رفع الدعم عن الأسمدة الزراعية، وبالتالي غلاء أسعارها نتيجة تصدير الشركة الروسية للأسمدة، خاصة أن العقد يجيز لها التصدير ولكن في حال اكتفاء حاجة السوق المحلية، وهذا ما حصل نوعا ما حاليا.

هذا ويشهد السوق السوري ارتفاعا تصاعديا في الأسعار منذ الأيام الماضية كما تدهورت الليرة السورية مقابل النقد الأجنبي، الأمر الذي أثّر على تسعيرة معظم السلع ومنهم الأسمدة وبالتالي سيكون هناك مضاعفة في تكلفة القمح، والشعير (السلة الغذائية لسوريا) مما سيؤثر حتما على الأسعار، وحدوث موجة غلاء أخرى خاصة في المواد الغذائية والخضروات والفواكه والخبز.

قد يهمك: عجز عن تأمين الأسمدة في سوريا.. ما القصة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.