في دولة تعتمد بشكل رئيسي في تأمين الاحتياجات الأساسية من الغذاء على الاستيراد، كانت تبعات الغزو الروسي لأوكرانيا مضاعفة على مصر، التي بدأ اقتصادها خلال العام الفائت 2022، بالدخول في نفق مظلم.

الجنيه المصري سجل واحدا من أسوأ الأداءات لعملات الأسواق الناشئة منذ 2002، كما بدأ العام الجديد بانخفاض حاد وصلت نسبته إلى أكثر من 7 بالمئة، تزامنا مع تراجع مؤشرات مستوى المعيشة في البلاد، فهل يكون استمرار الحرب في أوكرانيا سببا في انحدار مستويات المعيشة في مصر إلى مستويات قياسية.

تأثير الغزو الروسي

تقرير لصحيفة “إرش تايمز” الإيرلندية، قال إن عمليات الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، تسببت بخسائر فادحة للاقتصاد المصري المضطرب، في وقت يواجه أكثر من مئة مليون مصري من ارتفاع مستمر للمواد الغذائية ومختلف السلع والخدمات الأساسية.

الاقتصاد المصري يواجه العديد من المشاكل المحورية، التي أدت في النهاية إلى هذا الانهيار السريع في قيمة العملة المحلية ومستوى المعيشة للأفراد، إذ إن الحكومة المصرية حاولت على مدار العام الماضي إرضاء “صندوق النقد الدولي” الذي طالب لتلبية طلب مصر للقروض، بتحرير أسعار الصرف والبدء برفع الدعم الحكومي عن بعض المواد الأساسية.

ومنذ تصديق “صندوق النقد الدولي” على حزمة الدعم الجديدة للحكومة المصرية، انخفض الجنيه المصري أمام الدولار من 24.7 جنيه إلى 26.3 جنيه للدولار الواحد، حيث وافق “صندوق النقد” على الحزمة الأخيرة مقابل عدة إصلاحات اقتصادية وضعها الصندوق كشرط للموافقة، بما في ذلك التحول إلى سعر صرف مرن.

الخبير الاقتصاد فراس شعبو، رأى أن أزمة الاقتصاد المصري ليست مرتبط فقط بالغزو الروسي لأوكرانيا، حيث إن هناك مشاكل اقتصادية قديمة ومتجذرة في الاقتصاد، لكن الحرب في أوكرانيا زادت من حدة هذه الأزمات لا سيما على مستوى أسعار الغذاء والتضخم.

مشاكل قديمة

شعبو قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “الاقتصاد المصري لديه مشاكل عديدة، قبل حتى بدء الحرب في أوكرانيا، هناك تدخلات بشكل رسمية في الحياة الاقتصادية وسيطرة لقطاع العسكر على مفاصل الاقتصاد، أدى ذلك لخوف شركات القطاع الخاص من الدخول إلى السوق المصرية“.

برأي شعبو فإن تراكم أزمات الاقتصاد المصري، خاصة فيما يتعلق بالديون الخارجية، إضافة إلى أزمة “كورونا” وبعدها تبعات الغزو الروسي لأوكرانيا، أدت بالنهاية إلى اضطرار المصرف المركزي تحرير أسعار الصرف، ما انعكس سلبا على القدرة الشرائية للمواطن المصري.

قد يهمك: هل تكون الموازنة في تونس سببا لعصيان ضريبي؟

حول ذلك أضاف، “مصر تعتمد بشكل أساسي على استيراد الغذاء، لذلك ارتفاع أسعار الغذاء الناتج عن تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، تسبب بمتاعب كبيرة للاقتصاد المصري، انعكس أيضا على حجم الموازنات وحجم الدعم الحكومي. حاولت مصر مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا تلبية احتياجاتها، عبر الاستحواذ على بعض عقود شراء القمح بشكل أساسي، ولكن هذا انعكس أيضا على الموازنات وعلى حجم الدعم الموجه لهذا القطاع“.

رفع الدعم؟

يبدو أن الحكومة المصرية ستتجه كما اتجهت العديد من حكومات الدول العربية مؤخرا، إلى رفع الدعم عن الخبز وغيره من المواد الغذائية، وذلك بسبب الحاجة المالية الكبيرة للحكومة، فضلا عن أن هذه الإجراءات وضعها “صندوق النقد الدولي” شرطا لقبول طلب القرض الأخير.

الحكومة المصرية بدورها، وافقت على هذه الشروط لأنها لا تملك الكثير من الخيارات، إذ أوضح شعبو في هذا الصدد أن “ما حدث مؤخرا في الجنيه المصري، هو انكشاف للوضع الاقتصادي المتراكم، خاصة مع نهاية 2022 كان الوضع في غاية السوء“.

شعبو لفت كذلك إلى أن مشكلة أسعار الصرف في مصر ليست فقط في الارتفاع، إنما تكمن كذلك في التذبذب الكبير، بالتالي تسعيرات السلع والخدمات غير مستقرة، ما يؤدي إلى نشوء بيئة تجارية غير مناسبة للمستثمرين، الذين يلجأون للتسعير وفق توقعات مستقبلية سلبية بالنسبة للعملة المحلية.

الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في مصر، قد تؤدي إلى انخفاض الطلب على السلع المستوردة، لكن شعبو يشير إلى أن هناك العديد من هذه السلع تخضع لما يسمى بـ“الطلب غير المرن“، وذلك لأنها سلع أساسية بالنسبة للمواطن ولا يمكن الاستغناء عنها مهما ارتفعت أسعارها.

عجز في الميزان التجاري

المستشار الاقتصادي الدكتور أسامة القاضي يؤكد كذلك، أن مشكلة الاقتصاد المصري تتجاوز تداعيات الحرب في أوكرانيا، لا سيما وأن العجز التجاري في مصر وصل مؤخرا إلى 38 مليار دولار.

القاضي قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “حجم الاستيراد في مصر أكثر من ضعفي حجم التصدير، الديون المصرية كذلك ارتفعت بشكل هائل من 44 مليار دولار إلى 155 مليار دولار خلال 10 سنوات، هذا يعني أن وضع الاقتصاد المصري سيء للغاية، ويمكن القول إن تداعيات حرب أوكرانيا زادت الأمور سوء، كما أن انخفاض الجنيه أمر متوقع نتيجة التراكمات السلبية“.

الاقتصاد المصري، تضرر بشدة جراء سنوات التقشف خلال السنوات الثلاثة الماضية، التي شهدت تفشي فيروس “كورونا“، وتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، التي أدت إلى ارتفاع أسعار الغذاء بشكل عالمي، وكون مصر تستورد معظم احتياجاتها من الغذاء، كانت التداعيات السلبية مضاعفة على الاقتصاد المصري.

ومع انخفاض قيمة العملة المحلية، تضاعفت نسب التضخم في مصر مقارنة بالدول الأخرى، حيث تعيش البلاد حاليا تضخم داخلي تراكمي، تُضاف نسبته إلى نسب التضخم العالمي، الأمر الذي أدى لانخفاض القوة الشرائية وانخفاض معدلات الاستهلاك والطلب، وقد يشمل لاحقا المعامل والشركات، التي سترفع أسعار منتجاتها لتتماشى مع مستوى التكاليف وأسعار الصرف.

من المهم الإشارة كذلك إلى أن نقطة الضعف البادية للاقتصاد المصري، هي وفرة العملة الصعبة، بشكل رئيسي نتيجة حجم المستوردات الهائل مقارنة بحجم الصادرات.

منذ بداية عام 2022، فقد الجنيه المصري أكثر من 40 بالمئة، من قيمته مقابل الدولار، كما عانت البلاد في الأشهر الأخيرة، من ارتفاع معدلات التضخم، حيث تجاوز المعدل السنوي 18 بالمئة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وسعى “البنك المركزي” المصرين للحد من الارتفاع عن طريق رفع أسعار الفائدة.

“البنك الأهلي المصري” و”بنك مصر”، أعلنا أنهما يقدمان شهادات ادخار عوائد بفائدة 25 بالمئة، وهي خطوة يعتقد الخبراء أنها محاولة أخرى لكبح جماح التضخم.

بحسب تقرير “إرش تايمز” فإنه وبعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، سحب المستثمرون الأجانب المليارات من مصر في حين خسر قطاع السياحة، الذي يوظف 10 بالمئة من 27 مليون عامل ويمثل 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، السياح الروس والأوكرانيين الذين شكلوا حوالي ربع إجمالي الوافدين.

بناء على مؤشرات الاقتصاد في مصر، يبدو أن الحكومة ستواجه تحديات اقتصادية ربما تكون الأبرز منذ عشرات السنين، فهل ستنجح الحكومة في التغلب على الأعاصير التي تحاوط الاقتصاد عبر الخطوة التي لجأت فيها إلى “صندوق النقد الدولي” للحصول على مزيد من القروض.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.