من وجهة نظر الدكتور حايد حايد، المختص في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “المعهد الملكي للشؤون الدولية” (تشاتام هاوس)، وهو معهد مستقل للسياسات مقره في لندن، فإن الانتهاكات والقمع من قبل روسيا للشيشان، ولدت لديهم فكرة مقاومة موسكو وجعلها أولوية قصوى أينما كان القتال.

حايد في تقرير نشر على موقع “آسيا تايمز”، تحدث عن مغادرة المقاتلين الشيشان من سوريا باتجاه أوكرانيا للمشاركة في الحرب ضد روسيا، وكيف خلقت المظالم والتجريد التي مارستها موسكو ضدهم، مقاومة عسكرية متنقلة ضدها أينما تواجدت القوات الروسية.  

فحينما بدأ المرتزقة السوريون بالظهور للمرة الأولى في صراعات أخرى، ذلك قبل بضعة أعوام، تساءل المحللون عن إمكانية شق هؤلاء المرتزقة طريقهم نحو أوكرانيا. وفي المقابل، قلة قليلة أولوا انتباههم إلى الدور الذي قد يلعبه المقاتلون الأجانب في سوريا، لاسيما الجهاديون منهم، في أوروبا.

الشيشان واتفاقية روسيا وتركيا

بحسب “آسيا تايمز”، كان من المفاجئ للكثيرين رؤية المقاتلين الشيشان يرحلون عن سوريا للقتال ضد روسيا في أوكرانيا. ولكن كان ينبغي توقع مثل هذا التطور بسبب هدوء القتال في سوريا وعداء “هيئة تحرير الشام” للفصائل الجهادية، بالإضافة إلى موقف أوكرانيا الترحيبي بهم.  

فقد كان الشيشان من بين أوائل المتطوعين الأجانب الذين انضموا إلى الحرب ضد حكومة الرئيس السوري، بشار الأسد. وقد تأسس أول فصيل شيشاني في سوريا في عام 2012 على يد “عمر الشيشاني”، القائد الشيشاني الذي أًصبح في العام التالي وزيرا للحرب في تنظيم “داعش”.  

بالإضافة إلى انضمامهم إلى مجموعات مثل تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة”، التي انبثقت عنها “هيئة تحرير الشام”، شكل المقاتلون الشيشان مجموعاتهم الخاصة، مثل “جنود الشام”، بقيادة مراد مرغوشفيلي، المعروف أكثر باسمه الحركي “مسلم الشيشاني”. و”أجناد القوقاز”، برئاسة “عبد الحكيم الشيشاني”، واسمه الحقيقي رستم أزيف. 

العدد الدقيق للمقاتلين الشيشان في سوريا غير معروف، ولكن بحسب المصادر المحلية فإن عددهم الآن لا يتجاوز بضعة مئات، في حين كان يبلغ عددهم عدة آلاف في السنوات الماضية. ولكن بالرغم من أعدادهم المتواضعة في سوريا، إلا أن المقاتلين الشيشان هناك اكتسبوا سمعة كمقاتلين ماهرين ومخلصين وشجعان.  

بالرغم من دورهم الحاسم في محاربة الحكومة السورية، لم يعد وجود الشيشان موضع ترحيب في شمال غربي سوريا. فقد كان لوقف إطلاق النار الذي توسطت فيه تركيا وروسيا في آذار/مارس 2020، أثرا سلبيا على المقاتلين الأجانب المستقلين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.  

وطبقا لحايد، فإن “هيئة تحرير الشام”، الحاكم الفعلي للمنطقة، تم طرد الشيشان من الأراضي السورية. وكانت “تحرير الشام” منذ سنوات، وبغرض تعزيز سيطرتها على آخر منطقة خاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة، تختار بشكل منهجي الفصائل المسلحة في أراضيها وتزيل أولئك الذين يقاومونها. وقد استهدفت “الهيئة” في البداية الفصائل المنافسة، مثل “أحرار الشام”، لكنها تحركت بعد ذلك لاستهداف أي جماعة لا تخضع لها. 

الطريق نحو أوكرانيا

بعض التنظيمات لاسيما “أجناد القوقاز”، اتخذت الطريق السهل للخروج وعلّقت العمليات مبكرا، بينما قاومت في البداية تنظيمات أخرى، مثل “جنود الشام”، ولم تستسلم إلا عندما أصبح خطر المواجهة المباشرة مع “هيئة تحرير الشام” وشيكا. في كلتا الحالتين، لم يسمح للمقاتلين الشيشان بالقتال ضد روسيا، وهو سبب انتقالهم إلى سوريا في المقام الأول. 

تقرير “آسيا تايمز” أشار إلى أن ظروفا متعددة جعلت من الحرب الأوكرانية بديلا جذابا للمقاتلين الشيشان. أولا، تسمح أوكرانيا للشيشان بالاشتباك مع الروس مباشرة. فمظالم التجريد والقمع التي مارستها روسيا ضد الشيشان تجعل من مقاومة موسكو أولوية قصوى بالنسبة للشيشان، فحيثما كان القتال فإن ذلك لا يهم. 

ثانيا، أدى موقف أوكرانيا الترحيبي تجاه المقاتلين الأجانب إلى تسهيل عملية النقل. وعلى عكس عام 2014، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم بالقوة، أصبحت السلطات الأوكرانية الآن أكثر استعدادا للتعاون مع متطوعين أجانب، بما في ذلك الشيشان المتمرسين الذين يتمتعون بخبرة في قتال القوات الروسية على خطوط الجبهة الساخنة أو في أراضي العدو. 

أخيرا، وبحسب “عبد الحكيم الشيشاني”، تعتبر السلطات الأوكرانية الشيشان حلفاء وتسمح لهم بالبقاء بشكل قانوني. وحتى أن المقاتلين الشيشان وقعوا صفقة مع الحكومة الأوكرانية لإنشاء لواء من الشيشان بأكمله يتبع لوزارة الدفاع مباشرة. 

كما سهل وجود المقاتلين الشيشان في أوكرانيا وصول الشيشان الآخرين إليها. وكان ذلك واضحا في تجربة “عبد الحكيم” الذي تمكن من السفر من تركيا بمساعدة الاتصالات الشيشانية الموجودة بالفعل على الأرض. ولزيادة إمكاناتهم بشكل أكبر، تتوارد التقارير بأن الألوية الشيشانية تعمل على إقناع السلطات الأوكرانية لتسهيل دخول مواطنيهم من سوريا وتركيا، وكذلك من أماكن أخرى. ومن المرجح أن يؤدي تدفق المقاتلين الشيشان إلى أوكرانيا إلى تشجيع الجماعات الجهادية الإقليمية الأخرى في سوريا على أن تحذو حذوها. 

في النهاية، ترى “آسيا تايمز” بأنه رغم مشاركة هؤلاء المقاتلين المهرة في الحرب قد تكون مفيدة لأوكرانيا الآن، فإن موقف كييف الترحيبي لن يستمر إلى الأبد. ففي نهاية المطاف، سيشكل وجود المقاتلين الأجانب تحديات أمنية خاصة بها. كما أن نهاية الحرب في أوكرانيا لن تكون نهاية لمهمة الشيشان. فكما أوضحت الحالة في سوريا، فإن قرار المقاتلين الشيشان بالوقوف إلى جانب كييف أظهر استعدادهم للانضمام إلى إي طرف طالما أن روسيا هي العدو المشترك فيما بينهم. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة