دمشق تستعين على الشتاء بالحطب… ومؤسسات الدولة تشكو قلة مخصصاتها من الوقود

دمشق تستعين على الشتاء بالحطب… ومؤسسات الدولة تشكو قلة مخصصاتها من الوقود

كازية

لانا جبر

لم تعد الحياة في مدينة دمشق سهلةً، على الرغم من محاولات الحكومة السورية خلال السنوات الثلاث الماضية تحييدها، والتخفيف من وطأة الأزمات الاقتصادية التي اجتاحت الأراضي السورية عليها، وخاصة فيما يتعلق بتأمين الوقود اللازمة لحياة المدنيين البسيطة من تدفئة ونقل.

وعلى الرغم من أنَّ صعوبة تأمين ما يلزم  للمواطنين من غاز ومازوت وبينزين تحول إلى مهمةٍ شاقة منذ عام 2012 ، إلا أن وتيرة هذه الأزمة ارتفعت حدتها بشكل كبير خلال الأشهر الماضية، فالقاطن في مدينة دمشق بات يشعر اليوم بأنه يفتقد لأدنى متطلبات الحياة اليومية.

“الأزمات كانت تتابع على سكان دمشق” فهي لم تأتي مرة واحدة كما الأشهر الماضية، بهذه الكلمات عبّر أبو فؤاد وهو موظف حكومي في دمشق، عن الأوضاع، مشيراً إلى أنَّ تأمين مازوت للتدفئة هذا العام بات مهمةً مستحيلة، وهو ما تزامن مع شحٍّ في كميات البينزين اللازمة للنقل، وهي الأزمة التي اجتاحت محطات الوقود، وحتى تأمين اسطوانة الغاز “بات أمراً صعباً”.

أما السيدة رويدا وهي ربة أسرة، فشبهت تأمين الوقود في دمشق “بالمستحيلات الثلاث” ، حتى في حال استسلم المواطن أمام محاولات تأمينه عن طريق المصادر الحكومية بأسعاره الرسمية، فإن توفره في السوق السوداء، وبأسعار مضاعفة بات أيضاً “صعباً” في هذه الظروف.

ولعل الأسوأ أن أزمة المحروقات تتزامن مع أزمات أخرى تضيّق الخناق على المدنيين في دمشق، كأزمة الطاقة الكهربائية ، التي يؤدي انقطاعها يومياً لما يزيد عن 16 ساعة، إلى حرمان المواطن من وسيلة أخرى للتدفئة، كان يمكن أن يستعيض بها عن المازوت، وهو ما اضطر نسبة كبيرة من  العائلات في قلب العاصمة وحتى الميسورة منها إلى الاعتماد على مدافئ الحطب.

بين أحد المواطنين الذي فضل عدم ذكر اسمه، بأن مدافئ الحطب اجتاحت العاصمة دمشق بقوة هذا العام، حيث باتت الوسيلة الأكثر توفراً اليوم، على الرغم من أن الإقبال عليها أدى إلى ارتفاع أسعار الحطب بشكل كبير، مشيراً إلى أن أزمات الوقود والطاقة إنما زادت من استياء سكان المدينة بشكل كبير، وهو ما بات يدفع نسبةً كبيرةً منهم للهجرة “فالأوضاع باتت لاتطاق” حسب وصفه.

وبالعودة إلى أزمة المحروقات ووقود الطاقة، فإن أزمة توفرها اليوم وعلى مايبدو لم تعد حكراً على المواطن وحده إنما على الحكومة السورية التي تعيش ذات الأزمة، مما يجعلها أمام موقف صعب، على اعتبار أنها تؤثر بشكل مباشر على بقية الخدمات، حيث لم يتوان وزير الكهرباء مؤخراً وخلال تصريحاته الماضية من تكرار الشكوى بأن كميات الوقود المخصصة لوزارة الكهرباء باتت ضيئلة جداً مقارنة مع الحاجة الحقيقية، حتى تستطيع الأخيرة تأمين الطاقة الكهربائية للمدينة بشكل أفضل.

أما بالنسبة لمياه الشرب وانقطاعها لفترات طويلة، إنما يرتبط أيضاً وبشكل وثيق بالأزمات السابقة حيث إن تأمينها يتطلب طاقة كهربائية “باتت سيئة” لتدوير العنفات اللازمة لوصول المياه إلى المنازل.

وفي هذا الإطار لم يخف خبير اقتصادي سوري في حديث مع موقع الحل السوري أن أزمة الوقود أدت إلى استغناء الناس بشكل كامل عن المازوت، وعدم التفكير بتأمينه كما في السنوات الماضية، حيث إن مديرية المحروقات لم تقم بتوزيع المادة إلا لنسبة ضئيلة من الذين سجلوا في القوائم لديها، أما سعر المادة في السوق السوادء فبات مرتفع جداً، و”لا يمكن للمواطن تحمل نفقاته” حيث وصل سعر الليتر إلى 200 ل.س.

وتابع الخبير إن أزمة البينزين وشح المادة في محطات الوقود دفع الكثير منها إلى إغلاق أبوابها حتى إشعار آخر، وهو ماخلق أزمة نقل وجعل الكثير من المواطنين يركنون سيارتهم ويعتمدون على وسائط النقل الجماعية أو على أقدامهم.

أما الغاز فوضعه ليس بأفضل كما وصف المصدر، حيث وصل سعر أسطوانه الغاز إلى 2000 ل.س في السوق السوداء في حين أن سعرها الرسمي لا يتجاوز الـ 1100 ل.س، بالإضافة إلى أن الجهات الرسمية تعمد إلى ملئها بأقل من نصف استطاعتها، وهو ما يجعلها تفرغ من الغاز بعد أقل من شهر لدى ألسرة المتوسطة، كما تزامنت مشكلة الغاز مع قرار رسمي رفع  سعر إسطوانة الغاز الفارغة سعة 12.5 كغ  إلى 6300 ل.س بدلاً من 4800 ل.س، وإسطوانة الغاز الفارغة سعة 20 كغ إلى  8750 ل.س بدلاً من 7250 ل.س.

ورأى الخبير الاقتصادي أن أزمة المحروقات إنما بدأت عندما رفع النظام السوري مخصصات الوقود لدعم آلته الحربية وقواه الأمنية على حساب تأمين مستلزمات المواطن السوري، مشيراً إلى أن ذلك أثقل كاهل المواطنين حينها، وبدأت مشكلة المحروقات تظهر جلياً في المناطق الخاضعة لسيطرته ، مشيراً إلى أن هذه الأزمة تفاقمت بعد أن خسر النظام أيضاً حقول النفط وآبار الغاز في عدة مناطق سوريا، وخاصة في المنطقة الشرقية، الخاضعة اليوم لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.

وتابع المصدر “إن توقف إيران أحد الحلفاء الأساسيين للنظام والداعمين له مؤخراً عن تزويده بالنفط، وذلك بسبب صعوبات النقل بين البلدين، زاد أزمة المحروقات في سوريا، وجعل النظام في مأزق حقيقي”، حيث سمح مؤخراً للقطاع الخاص باستيراد مادتي المازوت والفيول لأغراض الصناعة فقط ، على اعتبار أن شحها أثر على حركة الصناعة المتردية أصلاً.

ورجح الخبير أن تستمر أزمة المحروقات في تفاقم خلال الأشهر القادمة إذا ما استمر الوضع على ماهو عليه، وهو ما يجعل التحدي القادم أمام النظام أصعب، على اعتبار أن العجلة الاقتصادية تتباطأ، وهو ما يؤثر على حياة الناس في المناطق الخاضعة لسيطرته التي لطالما صورها بأنها اعتيادية.

ولم تتوقف أزمة المحروقات عند مدينة دمشق كما تابع الخبير،إنما انتشرت أيضاً في مدن اللاذقية وحمص، حيث يؤدي شح المواد إلى مشاجرات بين السكان أمام محطات الوقود في تلك المدن، وهو ما دفع القوى الأمنية لتنظيم دور المواطنين أمام محطات الوقود في مدينة اللاذقية، أما في مدينة حمص فلا يخلو طابور المواطنين بانتظار توزيع الغاز من إطلاق الأعير النارية فيما بينهم، وهو ما يؤدي إلى سقوط جرحى بين المنتظرين دورهم للحصول على جرة غاز .

يذكر أن الحكومة السورية رفعت مؤخراً سعر ليتر البينزين من 120 إلى 140 ل.س، كما رفعت سعر ليتر المازوت من 80 إلى 100 ل.س.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.