خاص – الحل السوري:

لا ترى أم عبد الله، (50 عاماً) أية صعوبة في إيجاد إجابة على سؤال حول أسباب انتشار زواج القاصرات في سوريا خلال هذه الفترة، فالسيدة تعتبر المسألة نسبية و”حرية شخصية” للفتاة وذويها، والأمر متعلق بـ”ستر البنت” وحمايتها وتزويجها لشخص معروف رغم صغر سنها “أفضل” من بقائها دون “زوج يحميها، في ظل ما نمر به من فوضى ممتدة على الأراضي السورية، وفي كل المناطق”.

وتلفت أم عبد الله في حديثها لموقع الحل السوري، إلى أن الدافع وراء تزويج الفتيات القاصرات هو “الخوف عليهن” دون أن تخفي الجانب المادي الذي يقف وراء هذه الظاهرة لكنه برأيها ليس عاملاً أساسياً، فسوريا لم تكن تعرف انتشاراً كبيراً لهذه الظاهرة قبل العام 2011 على حد قولها، وإن وجدت لكانت على نطاق محدود، وبعدد حالات لا يتجاوز أصابع اليد في المنطقة الواحدة.

أما أم أيمن (اسم مستعار) 45 عاماً، فتتحدث عن زواج ابنتها البالغة من العمر 14 عاماً من شاب يكبرها بعشرة سنوات في إحدى مناطق دمشق العشوائية، هذا الزواج العرفي (غير مسجل في المحاكم الرسمية) لم يدم أكثر من ثلاثة أشهر لعدم توافق الطرفين على العيش سوية.

تقول السيدة “زوجي متوفي منذ عشرة سنوات ولا معين لي سوى ابني الذي سحب إلى الخدمة الاحتياطية، كنا نعيش في حي فقير وفي ظل الفوضى خفت عليها كثيراً من أي اعتداء أو سوء ربما قد تتعرض له، فزوجتها عندما تقدم لها أول عريس”.

واليوم، الفتاة دون زوج، ودون أية مستحقات، ومطلقة، ولا يتجاوز عمرها 18 عاماً.

زواج لتخفيف المصاريف

لم تتردد لمى (15 عاماً) من منطقة #السكري بحلب في الزواج من رجلٍ يكبرها بسنوات، إذ أرادت فقط أن تخفِّف عن والدها بعض المصاريف بعد إغلاق المصنع الذي كان يعمل فيه بمنطقة الراموسة في حلب، وتخلت عن أحلامها “الكثيرة”، حتى نسيتها تماماً.

تقول لمى “صحيحٌ أن زوجي يكبرني بسنوات، لكنني سعيدة لأنّه يؤمن لي متطلبات الحياة”.

لمى ليست القاصر الوحيدة التي تبخرت أحلامها مبكراً نتيجة ما خلَّفته الحرب من بؤسٍ اقتصادي، فأكثر من نصف معاملات الزواج في #دمشق وريفها هي لقاصرات دون سن الأهلية.

أما فاطمة (14 عاماً) من منطقة #الزاهرة بدمشق فكانت إحدى ضحايا زواج القُصّر الذي تم عبر سمسار عرّف زوجها على والدها.

تقول فاطمة “أجبرني والدي على ترك المدرسة بعد أن تقدَّم لي رجل أربعيني فتزوّجته رغم أنِّي أحلم أن أكمل دراستي وأصبح طبيبة أسنان”.

ولا يختلف الأمر كثيراً مع هدى (15 عاماً) من مدينة #القوريّة بريف دير الزور التي توضح أن الديون أغرقت عائلتها فاضطٌّرت للتضحية بنفسها مقابل تعهد زوجها الخمسيني بسد تلك الديون كمهر لها، تقول هدى “لم أكن أتوقّع أن أتزوج بهذا العمر لكن ظروف الحياة صعبة وعائلتي وقعت في ورطة المعيشة فكان زواجي الحل الوحيد لتخليصها من تلك الديون”.

الظاهرة تنتعش في ظل الفوضى

تشير أرقام القاضي الشرعي الأول بدمشق محمود معراوي، إلى أن ارتفاع حالات زواج القاصرات خلال الفترة الماضية، جاء “نتيجة الأوضاع الراهنة وسوء المعيشة”، ولفت إلى أن “القاصر تصرّ على الزواج من أي شخص بهدف الإنفاق عليها، ولو كان عمرها غير مناسب للزواج”.

ووفق الأرقام الرسمية، فقد بلغ عدد معاملات زواج #القاصرات في #دمشق نحو 5 معاملات يومياً للعام 2014، أي بنسبة 10% إلى 15% من معاملات الزواج، والتي وصل عددها نحو 50 معاملة، في حين بلغ عدد المعاملات على مستوى #سوريا 200 معاملة يومياً، وأن هناك نسبة كبيرة من معاملات الزواج لقاصرات تزوجن عرفياً، ويقدر عددهن 400 حالة.

وحول ذلك يقول القاضي الشرعي لصحيفة الوطن المحلية، إن “المحكمة الشرعية تحاول أن تضبط هذه الحالات بالقانون، إذ أجاز زواج القاصر الذي أتم الخامسة عشرة، والثالثة عشرة للفتاة ضمن ضوابط لا يمكن تجاوزها”.

بيد أن خلف هذه الضوابط والأرقام التي ارتفعت خلال سنوات الحرب الماضية، عالم شديد البؤس حيث الفقر والجهل يغذيان ظاهرة جديدة تجتاح المجتمع السوري وتشرب من مخلفات الوضع البائس اقتصادياً سواء داخل سوريا أو خارجها في دول الجوار، وبالتالي نحن أمام حالة جديدة من الانحدار تتعرض فيها حيوات فتيات #سوريات قاصرات للخطر، ويجعلهن زوجات وأمهات قبل السن اللازم، في وقت يفترض أن يكنّ على مقاعد الدراسة.

والقاصر خلال فترة الزواج هذه، تعتبر غير مكتملة النضج عقلياً، وتكون بحاجة لذويها، وللمدرسة حتى تكمل تعليمها، ولتكون قادرة على اتخاذ قرار بشأن مصيرها مستقبلاً.

مخيمات اللجوء بؤرة لتنامي الظاهرة

يعد الفقر والخوف على مستقبل الفتيات حسب الشهادات التي جمعناها عن الظاهرة، من أشد العوامل التي جعلت الأهالي يوافقون على تزويج بناتهن وهن تحت السن القانوني، وكذلك للتقليل من النفقات بعدما “أصبح حوالي 90% من السوريين تحت خط الفقر”، وفق المركز السوري لبحوث السياسات.

ووجد من يرغب بالزواج من فتيات قاصرات في مخيمات اللجوء فرصة لينتقي منها ما يريد، مستغلاً حاجة اللاجئين وضعف إمكانياتهم المادية، حتى غدت مخيمات اللجوء في دول الجوار تشهد حالات زواج تفوق التوقعات، لعدة عوامل أهمها “انخفاض التكلفة” اللازمة للزواج من فتاة سوريّة سواء كانت قاصراً أو بالغة.

القصّر يفرون من الحرب دون حماية

ويأتي هذا في وقت أعلنت الأمم المتحدة فيه عن تضاعف نسبة زواج القاصرات السوريات من بين اللاجئات مع بداية العام 2016، وحاجة المنظمة الدولية لمساعدات جديدة لصالح تعليم اللاجئين السورين.

وحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن نسبة #القاصرين بين اللاجئين الذين يصلون إلى #اليونان، ارتفعت من 16% في حزيران إلى 28% في تشرين الثاني 2015.

ويعزز ذلك ما ذهب إليه باحث اقتصادي متابع للقضية من دمشق (رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية)، بأن الأسباب الاقتصادية هي التي دفعت لتكريس ظاهرة زواج القاصرات في سوريا، وتتمثل بضعف المداخيل ومستويات المعيشة وانخفاض قيمة العملة وكل هذه الأسباب وغيرها أدت إلى حدوث مشاكل اجتماعية في المجتمع السوري منها زواج القاصرات.

ولفت إلى أنه عندما يكون الدخل محدود فإن رب الأسر لن يتردد بتزويج ابنته القاصر رغم صغر سنها، أيضا من العوامل التي دفعت لهذه الظاهرة هو انخفاض معدلات العمل وزيادة معدلات #البطالة في المجتمع السوري، مما أدى إلى ضغوطات على الأسر، كما أن القاصر نفسها باتت تخشى على نفسها من فقدان عائلتها أو أن تصبح وحيدة في المجتمع نتيجة لعوامل الحرب، وهذا الخوف أيضاً متبادل لدى رب الأسرة لذا فهو يدفعها للزواج مبكراً كنوع من الحفاظ عليها من آثار الحرب ولكي تجد معيلاً في حال فقدت أسرتها.

التكاليف الاقتصادية، وارتفاع مستوى المعيشة، كانا العاملان الأكثر تسبباً في انتشار ظاهرة زواج القاصرات، كما أن رخص تكاليف الاقتران بفتاة سورية قاصر أصبح محفزاً أساسياً لاستمرار تنامي هذه الظاهرة، التي من غير المرجح أنها ستنتهي قريباً لاستمرار الصراع وتنامي عوز وفقر السوريين معه.

فكل مايحتاجه اليوم شاب يرغب بالزواج، محبسٌ من حديد أو ذهب تقليد، وغرفةُ صغيرة وثيابٌ ليس بالضرورة أن تكون جديدة، دون طقوس أو احتفالات، لتكتمل فصول قصةٌ أبطالها شباب ورجال وسماسرة استغلوا الظروف السيئة، لفتياتٌ أعمار هن بين 13 و16 قُطفنَ باكراً.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.