فايز سارة

ينشغل العالم بقضية #اللاجئين، فيما ينشغل فيه من تطورات القضية السورية، والتي تحولت للأسف لدى البعض وفي بعض جوانبها إلى قضية لاجئين، وإن كان هذا لا يمنع من قول، إنها قضية تستحق اهتمام العالم وانشغاله لما فيها وحولها من حيثيات وتفاصيل واحتمالات، خاصة وأن القضية السورية، تكاد تغلق بابها على خمس سنوات، شهدت فيها أحداثاً وكوارث إنسانية، يكاد لا يماثلها في التاريخ العالمي كوارث، نجمت عن رد نظام الأسد بحملة متواصلة من القتل والاعتقال والتدمير والتهجير، طالت أغلبية الشعب السوري البالغ عدده نحو خمس وعشرين مليون نسمة، خرج قسم كبير منهم، يطالب بالحرية والكرامة ومستقبل أفضل لأبنائه وبلده.

 

وحملة النظام الدموية ضد السوريين، لم تكن نتيجة ما فعله وحده. إنما تمت بمشاركة آخرين، انتظموا في تحالف دولي – إقليمي، ضم #روسيا و #إيران و #حزب_الله اللبناني ومليشيات عراقية وأخرى أفغانية وعصابات من القتلة المحترفين، جرى تجنيدهم من أنحاء العالم للقتال في سوريا، واشتغلت على المسار ذاته جماعات الإرهاب والتطرف ومنها “داعش”، لتساهم في الحملة ذاتها، وتزيد عمليات القتل والاعتقال والتدمير والتهجير.

وتهجير السوريين وهجرتهم، لم يكونا بفعل الإجرام الذي مورس عليهم فقط، إنما نتيجة سبب آخر، وهو سياسة النظام في تسهيل خروج السوريين من بلدهم، ودفعهم بهذا الاتجاه بكل الوسائل، ومنها التخلي عن المنافذ الحدودية، وإصدار أوامر للبعض بالمغادرة، وتوسيع عملية الحصول على جوازات سفر، وتسهيل إجراءات المغادرة وخاصة في البيئات والمناطق المناهضة للنظام، وبها استكملت طرق عملية تهجير السوريين، وتنوعت من استخدام قوة العنف وآثاره إلى استعمال القوة الخفية.

وأدى دفع السوريين لمغادرة بلادهم إلى خروج ملايين إلى الدول المجاورة. وتشير التقديرات إلى وجود أكثر من مليونين ونصف مليون سوري في #تركيا، ونحو نصفهم في الأردن، وقرابة مليون ونصف مليون في #لبنان، وأكثر من ربع مليون في إقليم كردستان بالعراق، وأكثر من مليون في بلدان الخليج العربية أغلبهم في المملكة العربية السعودية والإمارات، وأكثر من نصف مليون في #مصر، ومائة ألف في السودان، إضافة إلى تقديرات تتراوح ما بين 350 و500 ألف سوري، صاروا لاجئين في أوربا.

ورغم أن هذه التقديرات هي السائدة في أرقام اللاجئين السوريين في بلدان الجوار والأبعد منها، إلا أنه لا يمكن الركون إليها واعتبارها نهائية، لأسباب من بينها، أنه لا يتم تسجيل كل اللاجئين من جانب المؤسسات المختصة في الأمم المتحدة، كما يحدث في لبنان، ولأن بعض الدول لا تقوم بتسجيل اللاجئين، كما في تركيا ومثلها في بلدان الخليج العربية، بخلاف ما هو عليه الحال في بلدان أوربا، ولكل بلد في هذا أسباب ودواع، تفسر موقفه، وأغلب تلك الدواعي، تستند إلى أسباب سياسية وأمنية واجتماعية، تتحكم بإعلان أرقام اللاجئين السوريين في البلد المعني.

وسط تلك البيئة المحيطة وفي ظل التعتيم وغياب الشفافية فيما يتعلق بأرقام اللاجئين، التي تمارسها الحكومات المختلفة حسب الحاجات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، يتم إفساح المجال للأكاذيب والإشاعات حول اللاجئين.

النقطة الاولى في الأكاذيب حول اللاجئين تتعلق بربطهم بالإرهاب. ففي لبنان ثمة أوساط تتهم اللاجئين باحتضان عصابات التطرف والإرهاب ولاسيما “داعش”، ويتم التعامل مع أي سوري باعتباره إرهابياً أو نصيراً للإرهاب بتأثير من حزب الله وأمثاله الذين يسيطرون على الجيش اللبناني وجهاز المخابرات. وتحت ذريعة التخوف من الإرهابيين ومواجهة خطر دخولهم، يتم اتخاذ اقصى الإجراءات في التعامل مع السوريين في منافذ الدخول في كثير من بلدان العالم بما فيها البلدان المصنفة في عداد أصدقاء الشعب السوري، والتي تقول إنها تدعم كفاح السوريين ضد نظام الأسد.

النقطة الثانية في الاكاذيب حول اللاجئين، ربطهم بالظواهر الإجرامية والقول، إن وجودهم في بلدان اللجوء وسع دائرة الجرائم ومنها جرائم القتل والتحرش والاعتداءات الجنسية والسرقة وصولاً إلى جرائم الإرهاب من خلال التركيز على بعض الحوادث، ومنها حادثة التحرش الجنسي في كولونيا بألمانيا، التي كشفت التحقيقات، أنه لا صلة للسوريين بما حدث من تحرش واعتداءات، وكذلك الحال في التفجيرات الإرهابية، التي قام بها “داعش” في #باريس، وظهر لاحقاً أن مرتكبها الرئيس مغربي الأصل.

والنقطة الثالثة في الأكاذيب، تكمن في إشاعة أن اللاجئين، إنما هم عاطلون عن العمل ودون إمكانيات ولا خبرات، قدموا إلى بلدان اللجوء للعيش على حساب دافعي الضرائب في ذلك البلد على نحو ما يؤكد مروجو هذه الإشاعة في بلدان أوربية، وهي إشاعة تتنافى مع واقع أن أغلب الواصلين إلى بلدان أوربا من المتعلمين وأصحاب الشهادات والطلبة، وأنهم خرجوا من بلادهم بحثاً عن ملجأ آمن، وهرباً الممارسات الدموية لنظام امتنع العالم عن محاسبته على جرائمه، وركز اهتمامه على نقد ضحاياه.

لم يكن السوريون من جنس الملائكة، ولا هم يسعون إلى ذلك، لكنهم ليسوا شياطين ولن يكونوا. هم شعب مثل كل الشعوب، فيهم ولديهم كل ما لدى الشعوب الأخرى من فضائل ونقائص، والمختلف الوحيد في حال السوريين، أنهم صاروا إلى كارثة عميقة، وضعهم فيها نظام الأسد وحلفائه وجماعات التطرف والإرهاب، فصاروا ضحايا وبينهم ملايين اللاجئين، وهم يستحقون أن يعاملوا بإنسانية ووفق الحقائق، لا أن تثار حولهم الأكاذيب، التي لا تفيد غير أعدائهم فقط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة