سارة العمر

ألقت الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها الأسرة السورية بظلالها على علاقة الآباء بأطفالهم،  وتنامت ظاهرة #العنف_الأسري داخل الأسرة السورية، وتنوعت أشكالها بين الإهمال والتوبيخ إلى الضرب وأحياناً التعذيب.

 

وكشفت إحصائية أخيرة لمؤسسة التآخي لحقوق الإنسان و المعنية برعاية الطفل في عدد من المناطق ذات الغالبية الكردية في سوريا، أن 70 بالمائة من أطفال سوريا معنّفون بسبب الحرب، و30 بالمائة جراء العنف الأسري.

وكان رئيس الهيئة العامة للطب الشرعي في #حكومة_النظام حسين نوفل، كشف في فبراير الماضي أن ” ثلثي الأطفال في سوريا يتعرضون للإهمال، فيما يتعرض ربعهم  للضرب”.

ووفقاً لإحصائيات الهيئة ذاتها، بلغ عدد الأطفال الذين قضوا خلال عام 2014 نتيجة لسوء معاملة الأهل  200 طفل. في حين بلغ عدد وفيات الأطفال المسجلة لدى مكتب دفن الموتى نتيجة سوء المعاملة الناجمة عن الضرب العنيف والإهمال الأسري 40 حالة في #دمشق، و 20 حالة في #حلب، 15 في #حمص.

هذا الواقع أكدته #اليونيسف في تقرير لها، أعربت فيه عن تخوفها الشديد من تزايد حالات العنف ضد الأطفال السوريين مؤخراً.

وتعد الضغوط النفسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الأسرة السورية النازحة، السبب الرئيسي لتنامي ظاهرة التعنيف الأسري في أوساط النازحين السوريين في الداخل السوري.

تفسر هبة الأحمد وهي متطوعة في #الهلال_الأحمر_السوري قائلة “الخوف وانعدام الأمان الذي يعيشه الكثير منا الآباء والأمهات النازحين يصيبهم باضطرابات نفسية وينقلونه إلى أطفالهم، بالتعنيف اللفظي أو الجسدي، والأطفال أيضاً ينقلونه بينهم، فمعظم الأطفال الذين نتعاون معهم في برامج الدعم النفسي الذي تقيمه المنظمة يتميزون بالعدوانية، وهي أحد أسوأ انعكاسات العنف الذي يمارس ضدهم”.

التعنيف المميت

كشف محمد (تحفظ عن ذكر كامل اسمه) وهو ممرض من #حلب لموقع #الحل_السوري عن “وجود عشرات حالات التعنيف ضد الأطفال التي تصل للنقطة الطبية شهرياً” موضحاً “في نيسان الماضي وصل خمسة أطفال إلى قسم الإسعاف بسبب الضرب المبرح، كانت أجسادهم أشبه بأجساد معتقلين خرجوا من غرفة التعذيب، فقد أحدهم حياته خلال ساعات بسبب تلقيه ضربة على رأسه تسببت له بنزيف داخلي. الأسوأ هو التستر على الأب المعنِّف من قبل أقارب الطفل وعدم وجود من يحاسبه، أحد الآباء المعنِّفين هدد زميلي بالسلاح إن أفصح عن الأمر”.

في حالات أخرى تسبب الإهمال الذي يعيشه الكثير من الأطفال بتعرضهم لحوادث مميتة، ففي دمشق سجلت العديد من حالات الوفيات لأطفال نتيجة تعرضهم لصعقة بالتيار الكهربائي.

تقول هبة إن “إهمال الأهل للكثير من المراهقين الأطفال يزج بهم في صفوف المقاتلين ويعرض حياتهم للخطر، فيما يزج بالأصغر سناً في ساحات العمل ويعرضهم لخطر الخطف أو الاستغلال وأحياناً القتل”.

 

مبادرات

وفي محاولة للتقليل من انتشار هذه الظاهرة وزيادة الوعي لدى الأهل، نشطت عدة منظمات إنسانية وحقوقية في الداخل السوري للقيام بدورها في رصد هذه الانتهاكات وعلاجها، وذلك من خلال حملات توعية للأهل لتعريفهم بالعنف الأسري وخطورته على أطفالهم، بالإضافة إلى إخضاع الأطفال لدورات علاج نفسي للتخفيف من معاناتهم.

ومن بين هذه المؤسسات مؤسسة التآخي، التي تعمل ضمن برنامج حماية حقوق الطفل الذي يديره مركز أصدقاء الطفولة في ست مدن سورية.

تشير السيدة دلال إسماعيل مديرة برنامج حماية الطفل وحقوقه في المنظمة للحل إلى أن “المركز يقوم برصد الانتهاكات التي ترتكب بحق الأطفال، وبرصد أعداد الأطفال الذين تعرضوا لعنف، سواء أكان هذا العنف جراء الأحداث التي تشهدها سوريا من اشتباكات، وانفجارات، وسقوط قذائف، وخطف، وتهجير، وقتل. أو كان عنفاً أسرياً”.

وعن أهم الأساليب التي تساعدهم لمعرفة وضع الطفل النفسي، توضح إسماعيل: “يتم إجراء اختبارات للتعرف على كل حالة كاختبار رورشاخ واختبار رسم الرجل، إضافة إلى أسئلة توجه للطفل للتعرف على مدة تأثره بالأحداث. ومن خلال عملنا ظهرت على الأطفال حالات القلق والخوف والانطوائية والعدوانية والعناد إضافة لأن نسبة كبيرة منهم يعاني من نقص العاطفة وضعف تقدير الذات”.

أما عن طرق العلاج التي يتبعونها لتخفيف معاناة الأطفال، تقول “يتم العمل مع الأطفال وفق نوعين من الجلسات. جلسات جماعية من خلال برنامج يومي يتضمن ألعاب جماعية تفاعلية وإرشادات عامة حول السلوكيات الصحيحة، إضافة إلى نشاطات ترفيهية وتنمية مواهب.  وجلسات فردية تقوم على إرشادات وتوجيهات الضرورية لتعديل أي سلوك خاطئ لأي طفل، وتزرع فيه الطمأنينة والأمل والتفاؤل بمستقبل أفضل”.

من جهتها، تقوم فرق الهلال الأحمر السوري بالعديد من الأنشطة التربوية والترفيهية التي تعنى بتخفيف الآثار النفسية التي يعاني منها الأطفال السوريون، وذلك ضمن برنامج الدعم النفسي الاجتماعي الذي ترعاه منظمة اليونيسف.

إن ظاهرة العنف ضد الأطفال في ازدياد في سوريا، ويجمع خبراء على أن توعية الأهل بضرورة التعامل مع الطفل بأسلوب صحيح، والاستماع إليه واحتوائه والتخفيف من تأثير ضغوط الحرب النفسية عليه، وتوجيههم للامتناع عن بضربه وتوجيه الكلمات والأوصاف النابية إليه، يشكل حجر الأساس في الحد من الظاهرة.

ومن هذا المنطلق تقوم مؤسسة التآخي بدورات توعوية للأهل لتجنب ممارستهم العنف ضد أطفالهم وتبيان خطورة ذلك على مستقبلهم.  من خلال تقديم  إرشادات تساعدهم  على التعامل الأمثل مع الأطفال في ظروف الأزمة، وكيفية خلق بيئة أسرية سلمية.

في هذا الإطار تؤكد اسماعيل  أن  “العمل المتواصل مع الأطفال والأهل، أظهر  تطوراً كبيراً في حالات الأطفال الذين قام ذويهم بالتعاون معنا”، مشيرة إلى أن “المركز سيستمر في تقديم خدمة الدعم النفسي والاجتماعي لأطفال المناطق التي يغطيها والنازحين فيها، بغية مساعدتهم والتخفيف من هذه الظاهرة قدر المستطاع”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.