بين المبالغ الطائلة و”المحكمة العسكرية”.. شبان جنوبي دمشق يضطرون للتسوية

بين المبالغ الطائلة و”المحكمة العسكرية”.. شبان جنوبي دمشق يضطرون للتسوية

جلال بكور

كغيرها من المناطق السورية التي خضعت مجبرة للمصالحة والتسوية مع النظام، تلقت منطقة جنوب دمشق قوائم تضم آلاف الأسماء من الشباب والرجال المطلوبين للخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية في جيش النظام وميليشياته.
ثلاث بلدات في جنوب دمشق هي “يلدا، ببيلا، بيت سحم” وصل إلى المخاتير فيها قائمة تضم أسماء أكثر من ثلاثة آلاف شاب ورجل من أهالي المنطقة، مطلوبين للتجنيد الإجباري في جيش النظام، وأُرفقت القائمة مع تهديد بالعقاب ما لم يلتحق المطلوبون خلال مدة أقصاها خمسة عشر يوما.
الخوف من العقاب والاعتقال دفع بقرابة ألف وخمسمئة شاب إلى الالتحاق مباشرة بقوات النظام وفق ما أكده الناشط “قيس الشامي” لموقع “الحل السوري”، مضيفا أن العديد ممن قاموا بتسليم أنفسهم اختفوا في الفروع الأمنية ولم يسمع عنهم أي معلومة منذ تسليم أنفسهم لقوات النظام التي تطوق المنطقة.
وكانت قوات النظام قد سيطرت على البلدات الثلاث في نيسان الماضي عقب توقيع اتفاق تسوية ومصالحة جاءت إثر تهديد بإنهاء الهدنة القائمة مع فصائل المعارضة وحرق الأحياء وهدمها فوق ساكنيها.
وأوضح الناشط “قيس الشامي” أن جميع الذين جاءت أسماؤهم في القائمة الأخيرة هم من المتخلفين أو المنشقين عن قوات النظام، وفضلوا البقاء في المنطقة وإجراء المصالحة والتسوية مع النظام، مضيفا أن أي شخص مطلوب للنظام بتهمة أخرى يقوم النظام بمداهمة منزله واعتقاله دون سابق إنذار.
وقال إنه بعد وصول القائمة اعتقل النظام العديد من قيادات وعناصر “الجيش السوري الحر” سابقا وكانوا قد أقاموا تسوية ومصالحة بعد حصولهم على ضمانات، إلا أن النظام غدر بهم، مضيفا أنه “لم تتم تسجيل أي حالة إفراج بعد عملية الاعتقال”.
وأردف الناشط أن هناك من تمكن من الفرار إلى الشمال السوري لكن مقابل مبلغ مالي وصل إلى 2 مليون ليرة سورية، مشيرا إلى الصعوبة الشديدة في مغادرة المنطقة كون النظام يحاصرها ويشرف على كافة المداخل والمخارج.

إلى أين المفر؟
وتقول مصادر من بلدة ببيلا لـ”الحل السوري” إن الشباب في البلدة لم يعد أمامهم سوى خيار تسليم أنفسهم للنظام أو الفرار من المنطقة إلا أن الخيار الأخير صعب نظرا لتكلفته المالية المرتفعة مقابل فقر معظم أهالي المنطقة نتيجة الحصار المستمر منذ أربع سنوات وعدم وجود فرص عمل، فضلا عن التخوف من خطر الوقوع بيد ميليشيات الدفاع الوطني.
وأضافت المصادر أن شباب المنطقة باتوا لقمة سائغة أمام النظام، ولم يعد هم المخاتير والمجلس المحلي في ببيلا أو بيت سحم سوى إيصال التهديدات واستجداء النظام من أجل مد خط كهرباء وإدخال سيارة أسطوانات الغاز إلى المنطقة.

وذكرت مصادر أن القائمين على المخترة والمجالس المحلية لا يجرؤون على سؤال ضباط النظام عن أحد المعتقلين، فيما يقوم بعض المنحدرين من المنطقة والمقيمين في أحياء دمشق بالاتصال بضباط النظام عبر “محامين” يعملون لصالح أولئك الضباط من أجل إيجاد حلول للإفراج عن بعض المعتقلين، موضحة أن الإفراج سيتم مقابل مبالغ مالية كبيرة.
ومن جانبه يمضي “محمود” معظم وقته في منزله متواريا عن الأنظار ولا يحاول الخروج من المنطقة باتجاه دمشق خوفا من الاعتقال.
ويقول “محمود” لـ”الحل السوري” إنه سيبقى في منزله حتى تتم مداهمته، لن يقوم بتسليم نفسه للنظام، إلا أن التحاق أحد أقاربه بقوات النظام فور وصول القوائم يثير القلق في نفسه أحيانا ويدفعه إلى التفكير بالذهاب والتسليم للنظام وذلك تلافيا لما قد يحدث.
ويضيف أنه كان مقاتلا سابقا في صفوف “الجيش السوري الحر” وأجرى مصالحة منذ ستة أشهر ولديه شكوك كبيرة بأن النظام لم يشطب اسمه من قائمة المطلوبين بتهمة القتال ضده، والدليل على ذلك وفق قوله اعتقال العديد من عناصر الجيش الحر سابقا واختفاؤهم في الفروع الأمنية.

العفو والمحاكم العسكرية
وكان النظام قد أصدر مؤخرا مرسوما بالعفو عن المتخلفين والفارين من “الجيش السوري” إلا أن ذلك المرسوم بقي حبرا على ورق وفق ما أكدته عدة مصادر متطابقة من معظم المناطق التي خضعت للمصالحة والتسوية مع النظام في دمشق وريفها وحمص وريفها و درعا وريفها.
وتقول مصادر عاملة في دوائر النظام لـ”الحل السوري” أن مرسوم العفو الذي صدر عن النظام لا يعني إعفاء المطلوبين من الخدمة الاحتياطية أو الإلزامية، إنما يعني إعفاؤهم من العقوبات العسكرية المترتبة على ذلك حال تسليم أنفسهم.

وأضافت أن العقوبات العسكرية قد تصل أحيانا للإعدام والسجن المؤبد، مؤكدة على أن النظام يقوم باعتقال عناصر “الجيش السوري الحر” بحجة أنهم لم يقوموا بتسليم أنفسهم، بناء على نص المرسوم الذي يشترط التسليم وبالتالي سوف يخضعهم لاحقا للمحاكم العسكرية.
وأوضحت المصادر أن الشرط الرئيسي لعملية التسوية والمصالحة هو الالتحاق بقوات النظام بشكل مباشر بعد انتهاء المدة الممنوحة والتي كانت مقررة بستة أشهر ولم تكن تتضمن أي تعهدات بالحماية من الاعتقال، وكل من تم إبلاغه بغير ذلك قبل أن يقوم بالمصالحة فقد تعرض للخداع سواء من النظام أو ممن كان قائما على توقيع وتنفيذ الاتفاق من جهة المعارضة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.