خاص (الحل) – نصف عام مضى على قيام عناصر أمن الدولة في دمشق، باعتقال الناشط الموالي، ومدير أكبر صفحة فيسبوك موالية للنظام، وسام الطير، من مكتبه في فندق الداما روز وسط العاصمة السورية، ومن ثم اقتياده إلى جهة مجهولة، لتبدأ رحلة اختفائه مجهولة المصير.

اعتقل مدير «دمشق الآن»، وزرع الخوف في قلوب جميع من حوله، فصمت زملاؤه عن السؤال عنه، وغاب وسام بعد سنوات من الخدمة في جيش النظام أولاً، وفي ماكينته الإعلامية ثانياً.. إلى أن كثرت شائعات مقتله تحت التعذيب، فهل مات وسام الطير؟

 

كيف تم اخفاء وسام الطير؟

علم موقع «الحل» من مصادر مقربة من أصدقاء وسام أن دورية من فرع أمن الدولة هي من قامت باعتقال مدير صفحة دمشق الآن من الطابق الثالث في فندق الداما روز، حيث قدم وزير السياحة السابق بشر يازجي، مكتباً مجانياً لفريق دمشق الآن، مقابل الترويج لنشاطات وزارة السياحة وأعمالها وفيديوهاتها.

وقام فرع أمن الدولة بتسليم وسام إلى فرع الأمن العسكري في دمشق، الذي بدوره أحاله إلى فرع الأمن العسكري في طرطوس، ومن ثم انقطعت أخباره ولم يعرف أين أمسى أثره.

ويقول المصدر «لقد تعمدوا أن ينقلوه من مكان آخر من أجل صعوبة معرفة مكانه أو الوصول إليه بأي طريقة، نحن لا نعلم أين وسام الآن».

 

التهم الموجهة إليه

تضاربت المعلومات حول سبب اعتقال وسام الطير، فبعضهم قال أنه انتقد أداء الحكومة بشكل كبير، ثم نشر رسماً كاريكاتورياً ينتقدُ فيه رئيس الحكومة عماد خميس، والبعض الآخر رجّح فرضية اصطدامه مع شخصية أمنية كبيرة، فيما ثارت شائعات عن قيام وسام وفريقه ببيع وكالات أجنبية ومحطات معارضة لصور من جبهات المعارك التي كان يغطيها، ما أوقفه عن العمل على جبهات الحرس الجمهوري، وحرم من تغطية معارك الغوطة بشكل كامل، قبل أن يعود إلى الغوطة من جبهات الفرقة الرابعة، ويستمر في عمله ببيع الصور، الأمر الذي اعتبره جهاز أمن الدولة «خيانة عظمى» تستحق القصاص والعقاب.

وبدأت صفحات مقربة من رئاسة الجمهورية تسريب إشاعات عن تورط وسام بجناية قتل في بلدته، أو بعمليات تهريب آثار، وأن مسألة اعتقاله لا ترتبط بعمله الإعلامي على الإطلاق.

وسبق أن تم منع الطير من لقاء الأسد خلال إحدى زياراته للغوطة الشرقية في آذار 2018، ما تسبب باعتكاف الطير عن العمل الميداني لفترة وجيزة «تعبيراً عن استنكاره لعدم السماح له بلقاء الأسد».

واصطدم الطير مرات عديدة مع وزراء ومسؤولين كبار، من خلال مقالات موجهة ينتقدُ فيها إحدى الشخصيات أو الجهات، وكان الأمر ينتهي غالباً بشكل ودي، مقابل خدمات تقدمها تلك الجهة للطير أو شبكته دمشق الآن.

 

هل مات «وسام الطير»؟

انقطعت كل الأخبار التي تصل إلى وسام الطير، ووتتناقض المعلومات المنتشرة في وسائل الإعلام حول مصيره وما إذا كان على قيد الحياة أو فارقها، وكثرت شائعات تتحدث عن مقتله خلال التحقيق، إلا أن مصادر موقع الحل في سوريا تؤكد أن «وسام لا زال على قيد الحياة، وهو مسجون في أحد أفرع مدينة اللاذقية».

ويعتقد كثيرون أن شائعة وفاته مصدرها أصدقاؤه ورفاقه، وهدفها الضغط على النظام للكشف عن مصيره، وانتقلت هذه الإشاعة لإعلام المعارضة بشكل سريع، وأصبحت متداولة دون أن يصدر أي نفي رسمي من السلطات السورية.

وتواصل الكثير من رفاق وسام مع أعضاء مجلس شعب ومع وزراء وضباط لمعرفة مصيره، لكن الأجوبة كانت تشترك في جملة واحدة «القصة كبيرة»، علماً أن الطير هو عضو لجنة الإعلام الإلكتروني التابعة لاتحاد الصحفيين الذي بدوره أيضاً لم يحرك ساكناً.

 

مصير دمشق الآن

توقف العمل في شبكة دمشق الآن فور اعتقال مديرها لمدة أربعة أيام، ولم ينشر على الصفحة أي خبر أو رابط إلا أن عادت للعمل بوتيرة أقل بعد حوالي أسبوع من توقفها، لينقل أحد أعضائها أن إدارة أمن الدولة في دمشق استلمت زمام النشر في الصفحة، وتم طرد جميع مدرائها القدامى منها بعد أن دخل عناصر الأمن من حساب وسام، وجعلوا أمكانية التحكم بصفحة محصورة بحسابات تابعة لأجهزة الأمن، وعاد النشر على الصفحة بشكل ومضمون مختلف عن ذلك الذي كان في عهد «الطير».

وتأسست صفحة دمشق الآن في العام 2014 على أيدي عدد من الجنود السوريين المتطوعين على رأسهم وسام الطير، واعتمد الطير على فريق كبير من الجنود المتطوعين الذين كانوا ينقلون له بالصوت والصورة ما يجري على جبهات القتال، وأسس الطير مجموعة إدارية تتابع شؤون الفريق، واتخذ من فندق داما روز بدمشق مقرا له إلى أن توسعت الشبكة بشكل كبير جدا، وصار لها شركاء من رجال أعمال وضباط أمن ومخابرات وعلاقات واسعة من وزارات الدولة وأعضاء في مجلس الشعب.

وتعد صفحة دمشق الآن أقوى وأكبر صفحة موالية وموثقة بالعلامة الزرقاء، وكانت مصدراً أساسياً للأحداث الميدانية في مناطق النظام وجبهاته، ونقلت الكثير من الصور الحصرية للقذائف والتفجيرات والاشتباكات التي كانت تدور في جانب النظام.

 

عائلته «تبكي في دمشق»

ينحدر وسام الطير من الساحل السوري، و«الطير» هو اسم حركي، لكن كنيته من عائلة «اسماعيل»، اذ انتقد شقيقه يونس اسماعيل زملاء وسام في دمشق الآن الذين «لم يحرّكوا ساكناً والتزموا الصمت كما جاءتهم الأوامر».

ونقل أحد المواقع المحلية مجيء والدة وسام الطير إلى دمشق وبقائها عشرة أيام على باب المربع الأمني وسط العاصمة على أمل أن تعرف خبراً عن ابنها، دون أن تنجح دموعها في الحصول على إجابة أو إشارة عن ولدها

وتساءل شقيق الطير عن تعميم وزير الداخلية حول إخبار ذوي المعتقل عن مصيره، ولماذا لا يتم إخبار عائلته عنه!

 

المنشور الأخير

لا يزال حساب وسام الطير مفتوحاً على فيسبوك، لكنه معلق عن النشر أو التواصل، ونظرة سريعة عليه تظهر صورة كبيرة لزوجة رأس النظام، أسماء الأسد، كصورة غلاف، أما صورته الشخصية فوضع عليها شعار الجيش مرفقة بعبارة «عندي ثقة فيك»، ويزدحم حسابه بصور للجيش والأسد وتغطياته وزياراته ولقاءاته مع المسؤولين والصحفيين

أما منشوره الأخير، فكان عن مشروع «استطلاعات رأي لتقييم الأداء الحكومي في العام 2018»، وكان يسعى الطير بحسب ما أشار في منشوره إلى «إعلان نتائج الاستطلاع من خلال تصميم ينشر على شبكة دمشق الآن بالإضافة لمادة مكتوبة تُنشر على موقعنا ومادة مرئية تنشر على قناتنا على اليوتيوب وسنحاول إرسال هذه النتائج للجهات المعنية للاطلاع».

وجمع هذا المنشور مئات التعليقات، معظمها حالياً يسأل عن وسام ومصيره، والكثير منها معلّق باسم أخيه نزار، الذي ينشر بشكل مستمر فيديوهات ومناشدات للكشف عن مصير أخيه.

 

ماذا بعد الطير؟

تمكن النظام من خلال اعتقال وسام الطير وبالشكل الذي جرى أن ينشر الرعب في قلوب جميع الإعلاميين والصحفيين الموالين للنظام والمقيمين في مناطق سيطرته، ويرى بعض المحليين أن طريقة إخفاء وسام بهذا الشكل كانت مقصودة لإيصال رسالة مفادها «ما حدا على راسه ريشة»، وقالها الكثير من الناشطين الموالين «إذا وسام اعتقل. مين ممكن ما يعتقل؟؟»، كما نجحت ماكينة النظام الإعلامية بإسكات الجميع حتى عن النقد المحلي والحكومي والوزاري، والذي كان مسموحاً فيما مضى، فصار معظم الإعلاميين منضوين تحت جوقات التأييد الإجباري، أو صامتون بأفضل الأحوال.

ويلاحظ غياب اسم وسام الطير عن مقالات المواقع المحلية رغم مضي أشهر على اختفائه، ولا أحد يطالب فيه إلا عائلته وضمن نطاق ضيق.

والتزم جميع أصدقائه الصمت، بما في ذلك أولئك الذين اعتقلوا ثم أفرج عنهم لاحقاً، إذ لم ينطق أحد بكلمة واحدة بعد خروجه عن مكان وجود وسام أو عن مصيره!

ولا يبدو أن الطريقة التي انتهجت مع وسام هي الوحيدة في شكل تصرفات النظام، إذ منع النظام مؤخراً الفنانة السورية أمل عرفة من الظهور على شاشاته الرسمية، وحرمها من أي لقاء إعلامي، وأوعز إلى جميع المخرجين بعدم إِشراكها في مسلسلات مقبلة، ما دفعها للاعتزال عن العمل الإعلامي بشكل كامل، وذلك بسبب «اعتذارها» عن حلقة سخرت فيها من منظمة  «الخوذ البيضاء».

ولم ينفعها كل محاولاتها للتراجع عن الاعتذار، وكأنما كانت أيضاً «كبش فداء» لإيصال الرسالة إلى باقي الفنانين، بأن «الغلطة مع النظام بكفرة»، وعلى الجميع أن يعي حقيقة كتبتها أيادي عناصر المخابرات منذ الأيام الأولى على جدران دمشق.. «الأسد.. أو لا أحد».

 

إعداد وتحرير: فريق موقع الحل السوري

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.